إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

عدم الاتفاق على توزيع الحصص في «سوكلين» فجّر أزمة النفايات

محمد حمية - البناء

نسخة للطباعة 2015-08-04

إقرأ ايضاً


في السابع عشر من تموز الماضي، تفجرت أزمة النفايات مع انتهاء عقد شركتَي «سوكلين» و«سوكومي» لجمع النفايات، كما أقفل مطمر الناعمة. فأعلنت شركة «سوكلين» في 18 تموز الماضي أن «الاعتصام أمام مطمر الناعمة، وقطع الطريق أمام شاحنات الشركة لليوم الثاني على التوالي، أدّيا إلى تكديس النفايات المفرزة والمعدّة للطمر، وبالتالي اضطرت الشركة إلى إيقاف عمليات الجمع والمعالجة في بيروت وجبل لبنان».

عندما أتى رئيس شركة «سوكلين» ميسرة سكر إلى لبنان في أواسط التسعينات، وأسس شركته، لم يكن زعيم ميليشيا ولا زعيم طائفة، كما لم يفرض نفسه على التركيبة التي كانت موجودة آنذاك. فسكّر كان معروفاً بارتباطه بالرئيس الراحل رفيق الحريري، وأسّسا هذه الشركة معاً. إلا ان ذلك تم برضى كلّ الاطراف السياسية حينذاك.

تتولى البلديات بحسب القانون ملف النفايات، ما يعني أن لا وزارة البيئة ولا الحكومة او مجلس الانماء والاعمار لهم الحق بتولّي هذا الملف. وحتى الآن لم يتغير النص القانوني، وبقيت مهمة رفع النفايات من مهمة البلديات.

بدأت الأزمة بعدما قرّر مجلس الوزراء تكليف شركة «سوكلين» ملف النفايات، وهذا القرار غير شرعيّ كما يقول قانونيون، لأنه لا يحق للحكومة التصرّف بمال البلديات المستقل. وثانياً، لا يحق للدولة أن تقوم بعمل من مسؤولية البلدية وصلاحيتها، ولكن هذا الأمر تم برضى كل الاطراف السياسية.

عام 2001، مرّر مجلس الوزراء في مشروع الموازنة مادة لتغطية المخالفة القانونية التي حصلت خلال خمس سنوات، بأنه يجاز للحكومة تكليف مجلس الانماء والاعمار بالتعاقد مع شركة. وصوّتت جميع القوى في مجلس النواب مع هذا القرار. ومنذ ذلك الوقت، عندما تنتهي مدة العقد، يُجدَّد للشركة بمشاركة الجميع.

في حكومة سعد الحريري، قُرّر التمديد لـ«سوكلين» مع خفض كلفة رفع النفايات 4 في المئة، لكن لم يُحدَّد السعر.

لم يُبحث هذا الملف في حكومة نجيب ميقاتي، فالأخير وأخوه طه، اشتريا حصة من سكّر. وفي حكومة تمّام سلام، تفجرت الأزمة، ووُضِع شرط في دفتر شروط المناقصة أن على الشركة التي تتقدم إلى العرض تأمين المطمر. ما يعني أن الشركة التي يريدها زعيم المنطقة هي التي تربح المناقصة.

أما المفاجأة، فتمثلت في إعلان النائب وليد جنبلاط إغلاق مطمر الناعمة في 18 تموز، أي بعد يوم على موعد انتهاء عقد «سوكلين»، فالمطمر قبل 17 تموز كان تحفة وفي 18 تموز أصبح كارثة.

الأزمة اليوم أخذت بعداً سياسياً ومالياً، فالاطراف السياسية دخلت في كباش عنوانه ركلجة الحصص في كل منطقة وعلى الحصة الاكبر في بيروت وضواحيها وانتهينا بالمشهد الذي شاهدناه على مدى أسبوعين، النفايات في الطرقات وابتزاز متبادل.

بعد ذلك، توالت اجتماعات اللجنة الوزارية المصغرة، واتفقت على رفع النفايات من شوارع بيروت والضاحية. الا أنها لم تحدد الاماكن التي ستُنقَل النفايات إليها، ما خلق مشكلة جديدة هي أزمة مطامر، فكل منطقة ترفض نفايات منطقة أخرى، ما يعني أن حتى الحلول الموقتة ليست حلولاً عملية.

ما يحصل الآن، صراع مصالح بين جبنلاط وتيار المستقبل، فالمشكلة هي نفسها منذ عشرين سنة، فلماذا لم يُبحَث الموضوع؟

الحلّ بأن تتولى البلديات المهمة بحسب القانون، والا فليعدّل قانون البلديات، لأن الاساس في الأمر وضع اليد على الصندوق البلدي المستقل الذي تدخل إليه مئات ملايين الدولارات سنوياً، الا أن هذا المال كـ«الرزق السائب الذي يعلّم الناس الحرام»، وهذا خرق للقانون، ما سمح بكل هذه التركيبات اليوم.

ملف النفايات الذي يدرّ على الدولة أرباحاً طائلة إذا جُيّر لها، أدخل في البازارات المالية والمصالح السياسية من خلال مصادرة صلاحيات البلديات وأموالها. فمطمر الناعمة معروف انه سيقفل منذ سنة، فلماذا لم تفضّ العروض وتجرى المناقصات؟

في السابع عشر من تموز، انتهى عقد شركتَي «سوكلين» و«سوكومي» لجمع النفايات. كما حان الموعد الذي كانت الدولة حدّدته لإقفال مطمر الناعمة، بعدما قرّر أهالي تلك المنطقة منع الشاحنات المحمّلة بالنفايات من الدخول إلى المطمر.

عام 1994، تولت مجموعة «Averda» أي سوكلين وسوكومي كنس النفايات ومعالجتها وطمرها ضمن بيروت و225 بلدة وقرية في محافظة جبل لبنان.

هاتان الشركتان المملوكتان لشخص ميسرة سكّر، وقّعتا حينذاك العقد الذي يتضمن تأمين الدولة المطمر والآليات وبمقابل 4 مليون دولار، غير أنّ هذا المبلغ أخذ يتصاعد بصورة جنونية ليصل إلى 102 مليون دولار عام 1996، مترافقاً مع تمديد مستمر ومبرّر لهذه الشركة كلما انتهى العقد.

بيروت على ضفة المستنقع

فور إغلاق المطمر وانتهاء عقد «سوكلين»، بدأت أكوام النفايات تتكدس عند جوانب الطرقات في العاصمة بيروت وضواحيها وبعض اقضية جبل لبنان، الامر الذي أوجد استياء لدى الاهالي بسبب الروائح الكريهة المنبعثة من الطرقات.

عدم إيجاد حلول لهذه الأزمة على مدى أكثر من اسبوع، أدّى إلى تراكم جبال النفايات في الشوارع، ما هدد بكارثتين بيئية وصحية، لا سيما لدى الذين يعانون الامراض، ما دفع العمال إلى رش النفايات المتكدسة في الطرقات بالكلس وأدوية مضادة للحشرات والقوارض وأخرى لتخفيف الروائح الكريهة، أما المواطنون فقد ابتكروا الحلول الذاتية والمحلية على قاعدة الضرورات تبيح المحظورات، والحاجة أمّ الاختراع، فبدأوا بإحراق النفايات في الشوارع في كل من بيروت والضاحية والنبطية ما شكل كابوساً للمواطنين الآخرين من جرّاء حرق النفايات التي لبّدت سماء بيروت بالدخان الاسود السام.

سلبيات إحراق النفايات لم تقتصر على الجوانب البيئية فقط، بل تعداه إلى تخريب بعض محطات توزيع الاتصالات والانترنت والكهرباء في العاصمة. فقد اعلن المكتب الاعلامي لهيئة «أوجيرو» احتراق أربعة موزّعات اساسية وثانوية، للهاتف في الأشرفية والحمرا والصنائع، وانقطاع الخدمة الهاتفية الثابتة والانترنت عن 2000 خط تابعة لمشتركين في المناطق التي تغذيها هذه الموزعات، مخلفة اضراراً جسيمة في الشبكة الهاتفية، ما رفع عدد الخطوط الهاتفية المتضررة وانقطاع خدمة الانترنت عن 6000 خط تابعة لمشتركين في المناطق التي تغذيها هذه الموزّعات.

للأزمة جذور خفيّة

أعلنت شركة «سوكلين» في بيان في 18 تموز الماضي أن الاعتصام امام مطمر الناعمة، وقطع الطريق امام شاحنات الشركة لليوم الثاني على التوالي، أدّيا إلى تكديس النفايات المفرزة والمعدة للطمر، وبالتالي اضطرت الشركة إلى ايقاف عمليات الجمع، والمعالجة في بيروت وجبل لبنان.

وإذ أشارت إلى أن مجلس الإنماء والإعمار، والجهات المختصة تبحث في حلول بديلة للمشكلة القائمة، إذ ان تأمين المكان المخصص للطمر من مسؤولية الدولة اللبنانية، اعتبرت الشركة نفسها غير معنية بهذا الاعتصام، اذ ليست هي الجهة المخولة تحديد مكان الطمر.

وأعلنت أنها ستستمر في عمليات الكنس في المناطق التي تشملها هذه الخدمة كالعادة، وبحسب البرنامج المتبع حالياً، وأنها ستقوم برش المبيدات حول الحاويات للحؤول دون تكاثر الجراثيم.

ردّ الشركة يطرح عدداً من التساؤلات، هل تنحصر مشكلة النفايات بإقفال مطمر الناعمة أم للأزمة أسباب أخرى؟ ومن هو ميسرة سكّر؟ وكيف دخل إلى تركيبة النظام القائم حينذاك؟

يؤكد الوزير السابق شربل نحاس في حديث لـ«البناء» أنه عندما أتى رئيس شركة «سوكلين» ميسرة سكر إلى لبنان في أواسط التسعينات، وأسس شركته، لم يكن زعيم ميليشيا ولا زعيم طائفة، كما لم يفرض نفسه على التركيبة التي كانت موجودة آنذاك. فسكّر كان معروفاً بارتباطه بالرئيس الراحل رفيق الحريري، وأسّسا هذه الشركة معاً. إلا ان ذلك تم برضى كلّ الاطراف السياسية حينذاك.

ويتابع نحاس: «وافق العثمانيون على إنشاء بلدية في بيروت والتي كانت ثاني بلدية في السلطنة العثمانية بعد اسطنبول، إذ كانت مهمة البلدية الاساسية بحسب النصوص القانونية الاهتمام بالصحة العامة ورفع النفايات وتبليط الشوارع. ومن أجل الصحة ولإبعاد الاوبئة، أنشئ محجر الكرنتينا. أما في المناطق الريفية، فلم يكن هناك بلديات لأنه لم يكن هناك كثافة سكانية وبالتالي نفايات قليلة، وبالانتظام القانوني العام للدولة، اليوم لا يوجد اي طرف له علاقة بالنفايات الا البلديات. لا وزارة البيئة ولا الحكومة ولا مجلس الانماء والاعمار، وحتى الآن لم يتغير النص القانوني وبقي رفع النفايات من مهمة البلديات. في الحرب الاهلية تم الاتفاق على ان ترمى نفايات المناطق الصغيرة في أودية بعيدة، وفي بيروت والمدن الاخرى كانت ترمى النفايات على خطوط التماس، ما ولّد ردمية النورماندي والتي أصبح اسمها سوليدير وزيتونة وبرج حمود ومكب صيدا».

ويضيف: «الانتخابات البلدية الأخيرة أجريت كانت عام 1963، ما يعني أن معظم أعضاء البلدية توفوا او تقدموا في السن، فالميلشيات هي التي كانت تضع يدها على الاموال، والدولة لم تستطع توظيف موظفين جدد. ومن هنا خرج مجلس الوزراء بقرار انه لنخرج بحلٍ موقت، ونبدأ في بيروت تلزيم الامر لشركة، وجاء ميسرة سكّر وأنشأ شركة سوكلين، واشترى المحارق في الكرنتينا والعمروسية التي ادت إلى مشكلة بين الوزير ميشال المر وفؤاد السنيورة، واتخذ مجلس الوزراء قراراً بتكليف مجلس الانماء والاعمار التعاقد مع شركة خاصة ـ سوكلين ـ لرفع نفايات بيروت، فقانون البلديات الذي يعود إلى السبعينات يقول ان البلدية تجبي الأموال من الرسوم التي تجبيها مباشرة وحراسة وكناسة ورخص البناء ومن رسوم الكهرباء والهاتف وقسم من الضرائب التي تجبيها الدولة والجمرك والاملاك المبنية تودع لمصلحة البلديات في صندوق بلدي مستقلّ في وزارة الداخلية والبلديات، وبالتالي إن وزارة المالية ملزمة أن تضع الأموال في صندوق بلدي مستقل عن خزينة الدولة، وموجود في وزارة الداخلية. والاموال في مصرف لبنان بشكلٍ ان كل بلدية بحسب رقعتها لها حصة معينة من المبلغ المحدد والمستقل عن المالية العامة، الا أن هذا لم يطبق، لا بل أنّ الصندوق البلدي المستقل غير موجود، إنما مدمج مع اموال الدولة، فكلف مجلس الانماء والاعمال تلزيم شركة ويدفع لها من الصندوق البلدي الذي هو غير موجود».

وهنا يطرح سؤال آخر، هل يحق للدولة أن تتعاقد مع شركة خاصة لتكليفها بملف النفايات الذي هو من مهمات البلديات ومسؤوليتها؟

تكليف «سوكلين» مخالف للقانون

يشدّد نحاس على أن قرار مجلس الوزراء تكليف «سوكلين» ملف النفايات غير شرعي، لأنه لا يحق للحكومة التصرف بمال البلديات المستقل، وثانياً لا يحق للدولة أن تقوم بعمل من مسؤولية البلدية، ولكن لا احد اعترض. عام 1998 اصدر مجلس شورى الدولة قراراً بإلزام الدولة اجراء انتخابات بلدية وحصلت الانتخابات وشكلت مجالس بلديات جديدة، ما أحرج الدولة، لأنه لا يحق لها التصرف بمال البلديات. عام 2001 مرّر مجلس الوزراء في مشروع الموازنة مادة لتغطية المخالفة القانونية التي حصلت خلال خمس سنوات، بأنه يجاز للحكومة تكليف مجلس الانماء والاعمار التعاقد مع شركة، وصوتت جميع القوى في مجلس النواب مع هذا القرار. ومنذ ذلك الوقت عندما تنتهي مدة العقد يتم التجديد للشركة بمشاركة الجميع.

ويضيف نحاس: «في حكومة سعد الحريري، فتح الملف وقلنا له يجب أن نصلح الامر، قال: نعم. وإذ يأتي بخبير في إحدى جلسات الحكومة، ويعلن أن قصة النفايات حُلّت، وأن كل بلدان العالم تعتمد التفكك الحراري، أي إدخال النفايات ورفع الحرارة على آلاف الدرجات، وتتحلل المكونات الكيماوية. وقلنا إن هذا الحل غير منطقي، لأن هذا ينطبق على انواع معينة من النفايات. لكن الجميع في مجلس الوزراء صوّتوا مع التفكك الحراري. وسألنا: ما مصير شركة سوكلين؟ قالوا: إلى ان ينتهي العمل بالتفكك الحراري نجدد لسوكلين ونحضر دفتر الشروط. وسألنا عن الدفتر قالوا: لكي يحضر مجلس الانماء والاعمار دفتر الشروط يحتاج إلى فترة زمنية كبيرة. وحصل تهديد حينذاك بأن النفايات ستأكلكم في بيروت اذا لم توافقوا. وفي جلسة أخرى قالوا إن سوكلين ستخفض كلفة رفع النفايات 4 في المئة، لكن لم يُحدّد السعر، ومنعونا من رؤية العق،د وحصل إشكال في سبع جلسات، وحصل تصويت ثالث، فصوّت 27 وزيراً لسوكلين مع خفض 4 في المئة مقابل أربعة وزراء هم أنا وجبران باسيل وفادي عبود وزياد بارود، واستمر الوضع على هذا المنوال خمس سنوات، من 17 تموز 2010 إلى 17 تموز 2015».

القطبة المخفيّة

ويتابع نحاس: «في حكومة ميقاتي، كان ممنوعاً أن يفتح الملف. ويقال ان ميقاتي وأخوه طه اشتريا حصة من سكّر. وفي تشرين الاول 2014 اجتمعت حكومة تمام سلام وأصدرت قراراً يقضي بتقسيم البلد إلى ستّة أقسام، واستدراج عروض وتعيين لجنة برئاسة رئيس الحكومة وعضوية وزير البيئة ومجلس الانماء والاعمار. وتم تحضير دفتر شروط. وبعد شهرين عدّلوا حدود الكنتونات، وكان سقط سهواً منهم وذكروا في الدفتر أن البلديات تستطيع الاهتمام بالجمع والكنس، وأن هذه المناقصة تشمل اللمّ والكنس في حال لم تقم البلدية بذلك. وفي 12 كانون الثاني وُضِع لغم في دفتر الشروط، وهو ان الشركة التي تتقدم إلى العرض عليها تأمين المطمر، ما يعني أن الشركة التي يريدها زعيم المنطقة هي التي تربح. وحصلت جلسة استدراج عروض الأولى، ولم يتقدم أحد، أما الثانية فشملت استدراج عرض لكل المناطق إلا لمدينة بيروت، واستيقظ جنبلاط فجأة في 17 تموز موعد انتهاء عقد سوكلين، وأغلق مطمر الناعمة، فالمطمر قبل 17 تموز كان تحفة وفي 18 اصبح كارثة، وبعدها دخلت الاطراف السياسية في كباش عنوانه ركلجة الحصص في كل منطقة وعلى الحصة الاكبر في بيروت وضواحيها، وانتهينا بالمشهد الذي شاهدناه على مدى أسبوعين، النفايات في الطرقات وابتزاز متبادل، والحريري أصبح مع جهاد العرب وضدّ سكّر، وأصبح سكّر هو كل المشكلة».

وتتحدّث مصادر مطّلعة على هذا الملف أنه لا يمكن معرفة كيفية توزيع الأسهم والارباح في شركة «سوكلين». إلا أن ما هو معروف أن ميسرة سكّر وابنه، لديهما الحصة الاكبر. والمؤكد أن عدداً من الاطراف دخلوا معه شركاء. وتكشف المصادر أن أعمال سكّر في هذا المجال وغيره توسّعت إلى أفريقيا الجنوبية والمغرب وهو مهندس ميكانيك متميز، وتربطه بالحريري معرفة من خلال عمله في السعودية، إذ اشتهر بعد محرقة الاضاحي.

هل تنجح الحلول الموقتة؟

تفاقم الأزمة دفع رئيس الحكومة تمام سلام إلى تكثيف اتصالاته بكل من رئيس مجلس النواب نبيه بري والنائبين وليد جنبلاط وسعد الحريري للتوصل إلى صيغة حل مرحليّ فوريّ وموقت للأزمة، الا انها لم تنفع في رفع النفايات فوراً، ولا في الوصول إلى المواقع المحددة من قبل وزارة البيئة.

فقد أعلن وزير البيئة محمد المشنوق في أحد اجتماعات اللجنة انه تم وضع لوائح بالأماكن التي ستنقل إليها النفايات الموضبة في آلات، وتسليم هذه اللوائح لرؤساء اتحادات البلديات في المناطق المختلفة، وانه تجري الآن عمليات التنسيق لرفع النفايات من معامل المعالجة إلى هذه الأماكن، وبدء عمليات الكنس والجمع لرفع النفايات من الشوارع والبلدات في هذه المناطق.

قرار المشنوق اصطدم برفض أهالي المناطق التي تقرّر نقل قسم من نفايات بيروت اليها، وتجمّع شبان من بلدات عكارية عدة وسط ساحة حلبا الرئيسية رفضاً لنقل النفايات إلى عكار.

وفور توجه شاحنات تنقل نفايات قسم من بيروت إلى عدد من مناطق اقليم الخروب، تجمّع أهالي الإقليم ونفّذوا اعتصاماً أمام مدخل معمل ترابة سبلين رفضاً لدخول أي شاحنة محملة بالنفايات، ونصبوا خيماً لتنفيذ الاعتصام المفتوح في المكان، وأطلق المعتصمون هتافات ندّدوا فيها بقرار الحكومة ووزارة البيئة بنقل النفايات إلى الاقليم مطالبين الحريري وجنبلاط بالضغط على الحكومة والمعنيين لعدم تحويل إقليم الخروب مكباً للنفايات. كما قطع بعض الاهالي طريق الجية ـ الجنوب أمام السيارات ذهاباً وإياباً.

كما تحرّك أهالي بلدة بر الياس والبلدية ونفذوا اعتصاماً على الطريق الدولية، رافضين تصدير النفايات اليهم، تحت عنوان أن البقاع يكفيه ما يعانيه من تفاقم في تلوث نهر الليطاني وما يعانونه من نفاياتهم وسمومها من جراء إحراقها بين الحين والآخر.

وبعد ذلك، توالت اجتماعات اللجنة الوزراية المصغرة واتفقت على رفع النفايات من شوارع بيروت والضاحية، الا أنها لم تحدد الاماكن التي ستُنقَل النفايات اليها، ما خلق مشكلة جديدة هي أزمة مطامر، فكل منطقة ترفض نفايات منطقة اخرى، ما يعني أن حتى الحلول الموقتة ليست حلولاً عملية.

ويعلّق نحاس على قرار اللجنة الوزارية بالقول: «تم توزيع النفايات على عدد من المناطق، منها قرب حائط المطار. وقسّموا نفايات جبل لبنان إلى قسمين، الاول في عين دارة والثاني في كسارات أبو ميزان في بكفيا، ولكي يتم ذلك، يجب مراجعة الزعماء». مشدّداً على أن هذه الحلول موقتة ولا تحل المشكلة، وحتى لو وجدوا الخطة الشاملة فستحتاج إلى وقت طويل، لكن هناك حالة طوارئ فعلية ويجب معالجة المشكلة.

وأضاف نحاس أن ما يحصل الآن صراع مصالح بين جبنلاط وتيار المستقبل، فالمشكلة نفسها منذ عشرين سنة، فلماذا لم يُبحَث الموضوع؟

ما الحل؟

«الحل بأن تتولى البلديات المهمة بحسب القانون، وإلا فليعدّل قانون البلديات»، يقول نحاس، ويضيف: «لا شك أن هناك بعداً تقنياً في الموضوع، لكن بحسب القانون ذلك من مهمة البلديات. الاساس في الأمر وضع اليد على الصندوق البلدي المستقل الذي تدخل اليه مئات ملايين الدولارات سنوياً، الا أن هذا المال كالرزق السائب الذي يعلم الناس الحرام، وهذا خرق للقانون ما سمح بكل هذه التركيبات اليوم».

ويشير نحاس إلى أن حل مشكلة البلديات الصغيرة يكون بضم هذه البلديات إلى بعضها، ما يوفر مقدرات بشرية ومالية وتقنية كبيرة. فبلدية بيروت لديها مليار ونصف مليار دولار، وبلدية الغبيري لديها اموال كافية، فلماذا لا تتولى موضوع نفايات بيروت وضواحيها؟ كما ويستطيعون ان يجدوا أماكن لطمر النفايات خارج بيروت.

ويلفت نحاس إلى أن ملف النفايات يدرّ على الدولة أرباحاً طائلة إذا جُيّر لها، الا ان ما حصل اليوم، مصادرة صلاحيات البلديات وأموالها.

الشحن إلى الخارج

طُرِحت حلول عدّة لأزمة النفايات، منها تكليف البلديات، وإنشاء مصانع لتدوير النفايات ثمّ طمرها، أو إنشاء مطامر في كل منطقة، الا أن أبرز الحلول كان تصدير النفايات إلى الخارج.

وهنا يؤكد عضو كتلة المستقبل النائب عاطف مجدلاني لـ«البناء» أن دول العالم عادة تصدّر المواد الصناعية والزراعية ولا تصدّر نفاياتها، فالبلد الذي لا يستطيع أن يحل مشكلة نفاياته لن يستطيع الاستمرار، ولا أن يحلّ أزمات ومشاكل أخرى أكثر صعوبة.

ولفت إلى أن حلّ هذا الملف يحتاج إلى قرار حكومي جازم وصارم، لأن المواطن اللبناني لم يعد يحتمل هذا الوضع المزري في الشوارع. كما ان اللبناني لا يقبل نفايات أحد من منطقة أخرى، وهذا يحتاج إلى ثقافة وطنية تبدأ من المواطن حتى أعلى مسؤول.

واعتبر أن تصدير النفايات إلى الخارج ليس حلاً عملياً، بل يكلف أكثر من ما تكلّف شركة «سوكلين». وحذّر مجدلاني من خطر تكدّس النفايات لأنه يسبب كارثة بيئية وصحية وكارثة وطنية على الجميع، إن كان على البيئة والمياه والهواء والحيوان والطبيعة، مضيفاً: «إذا توفرت الارادة السياسية تحلّ الأزمة بما يخدم المصلحة الوطنية، وهذه مسؤولية الحكومة مجتمعة، فمطمر الناعمة معروف انه سيقفل منذ سنة، فلماذا لم تفضّ العروض وتُجرى المناقصات؟».

على الدولة ممارسة سلطتها

وأكّد وزير الإعلام رمزي جريج لـ«البناء» أنه، وعلى رغم أن هذه الحكومة غير مسؤولة عن تفاقم أزمة النفايات التي تعود إلى عام 1992، إذ لم تعالَج بشكلٍ جذري، وعلى رغم ذلك، اتخذت قراراً في كانون الثاني عام 2014 بوضع خطة شاملة لموضوع النفايات، لكننا أخذنا كوزراء حزب الكتائب على الدولة حينذاك أنها هي من عليه أن يجد المطامر، لا المتعهّد الذي يخضع لضغوط القوى المحلية، لكن لم يؤخذ برأينا.

وقال جريج: «هناك قرار صدر في مجلس الوزراء على صعيدين: الاول محاسبة الادارة التي كانت مسؤولة عن هذا الملف، أي محاسبة إدارية. ومن جهة ثانية تنفيذ القرار الذي اتخذ في كانون الاول عام 2014، الذي يتضمن وضع خطة شاملة لمعالجة أزمة النفايات، خصوصاً أنه كان معروفاً انه في 17 تموز سيقفل مطمر الناعمة، ولم تحصل مناقصات خارج بيروت. أما في بيروت، فحصلت. لكن لم يُقدَّم أي عرض، ربما لأن لا مطامر موجودة».

وأشار جريج إلى أن لا الحكومة ولا المسؤولين عن ملف النفايات استطاعوا تنفيذ الخطة النفايات الشاملة قبل 17 تموز. وقال: «إذا لم تمارس الدولة سلطتها بفرض المطامر، وبمساهمة من قبل المجتمع المدني لتنفيذ الخطة الشاملة لمجلس الوزراء، فلن تُحلّ الأزمة».

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024