شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2015-12-15
 

تحالف حارة حريك والرابية بلا براغماتية

هتاف دهام - البناء

أظهرت الوقائع التي رافقت المبادرة الفرنسية الرئاسية أنّ حزب الله يتعاطى بشكل مبدئي مع رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون، وأنه لا يُخضِع وثيقة مار مخايل الراسخة لأية اعتبارات سياسية طارئة، فهي تعلو على الحسابات المرحلية والمناورات السياسية حتى في قضية رئاسة الجمهورية.

وبرغم حساسية الملفّ الرئاسي ودقّته العالية بالنسبة إلى حزب الله، إلا أنه أكد مجدّداً أنّ علاقته بالجنرال عون أرفع من أية اعتبارات مصلحية أخرى. إنّ المرونة التي يمارسها حزب الله حيال القضايا العالقة مصونة، شرط أن لا تمسّ العنوان الأخلاقي ومسألة التحالف مع العماد عون، وما تمثله من التزام على مستوى القيادة والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله والكادر والعنصر.

تتمسّك الضاحية بالرابية، لا تُخضع علاقتها بالجنرال لقواعد البراغماتية، ولن تقبل أن تهتز هذه العلاقة، بل تُخضعها لقواعد الأخلاق والوفاء والإيمان بالحليف وعدم طعنه في الظهر من منطلق أنّ وفاء حزب الله للحليف المخلص هو في العمق التكويني لرسالته، بينما البراغماتية هي مفهوم ليبرالي أميركي غربي يبرّر منطق التخلي عن الحلفاء.

إنّ عقيدة حزب الله هي أساس تكويني في بنيته التنظيمية والثقافية والأخلافية، هذا الالتزام يوفر له، من حيث المبدأ، قدراً كبيراً من اللا توتر في مقاربة أيّ ملف، ودائماً تكون هذه العناوين الثلاثة التكوينية هي المنظار العملي الذي من خلاله ينظر حزب الله إلى كلّ ما يواجهه من عقبات. وبرغم أنّ حزب الله هو حزب ديني أولاً، ومقاوم ثانياً وسياسي ثالثاً، فإنّ السياسة بالنسبة إليه تأتي في التراتبية بالموقع الثالث بعد الإيمان والمقاومة.

لقد عمل حزب الله منذ تأسيسه حتى 14 شباط 2005 تحت العنوان المقاوم، وترك السياسة للآخرين برغم تمثله في البرلمان ومشاركته في الحياة السياسية، ليبدأ عقب خطاب السيد نصر الله الشهير في 8 آذار العام 2005 في التصدّي لمسؤولية العمل السياسي بمعناه الواسع، وحتى بمسؤولية قيادة السفينة وتعبئة الفراغ الاستراتيجي الذي نتج عن الخروج السوري من لبنان. منطق التصدّي للمسؤولية فرض على حزب الله أن يغوص دفعة واحدة في الملفات الداخلية على تشعّباتها، وأن يجد نفسه مضطراً لأول مرة أن يدخل في متاهات وكولسات وتوازنات وقواعد لعبة داخلية غريبة عن ثقافته، وعن فهمه العميق لطبيعة الأمور، لكن لم يكن لديه خيار إلا أن يلعب اللعبة درءاً للخطر أو أن يترك اللعبة تدار من الآخرين.

راكم حزب الله سريعاً تجربة غنية، بخاصة أنّ المكنوز الذي أتى به من تجربة المقاومة أمّن له مسبقاً برودة أعصاب، ونظرة استراتيجية، عدم الغرق في التفاصيل، ترك البيع والشراء للآخرين، الابتعاد عن أكَلَة الجبنة واستخدام الماكرو في الرؤية بدلاً من الميكرو. هذا الزاد كان يؤمّن له حصانة مسبقة قبل أن ينزل إلى أوحال السياسة ومفاسدها المالية والشخصية من دون أن يغرق فيها، وغير ذلك من المكاسب المتعدّدة، لكن قدر خوض تجربة اللبننة كان لا بدّ منه، لذلك لم يستطع كلّ اللاعبين الآخرين أن يجاروا حزب الله في قواعد لعبته لكون شخصيته مركبة ومتداخلة من عوامل عدة، بعضها محلي وبعضها إقليمي له علاقة بالطبيعة الاستراتيجية التي يفكر فيها حزب الله وينخرط فيها إلى أبعد مدى، ولها علاقة أيضاً بالشخصية القيادية التي يمثلها السيد نصر الله لذلك مع الوقت سلّم كلّ الأطراف الداخليين، من حلفاء وخصوم، لحزب الله بعنصر التمايز هذا، وبالموقع المرجعي الذي لا ينافسه أحد عليه. في المقابل ترك الحزب مرونة في التعاطي مع الآخرين حتى الخصوم منهم، واعتمد الحوار قاعدة أساسية لهذه المرونة والقنوات المفتوحة إلى درجة أنّ السيد نصر الله أعلن في عام 2005 تمسّك المقاومة بالـ10452 كلم2، في مهرجان سياسي أقيم في حارة حريك عشية الانتخابات النيابية التي كان مرشح القوات في بعبدا ادمون نعيم على لائحة واحدة مع حزب الله، لكن كلّ هذا لا ينفي أنّ حزب الله لن يتأخر عن إشهار سلاحه وأن يرفع شعار السلاح للدفاع عن السلاح عندما يشعر أنّ التآمر ضدّ المقاومة والوطن تجاوز اعتبارات محلية إلى حدود الشراكة مع الأجنبي للنيل من مشروعية المقاومة ومن سيادة لبنان واستقلاله، وحتى أثناء عدوان تموز 2006 لما كانت عمليات التفاوض اليومية التي يقودها الرئيس فؤاد السنيورة تُدعم بوجبة من قصف الطائرات على الضاحية الجنوبية، بقي الحزب يحافظ على عامل المرونة وأولوية الحوار.

يتمسك الأمين العام لحزب الله بالسلة المتكاملة من منطلق التزام مسارَي رئاسة الجمهورية وقانون الانتخاب معاً، ويتمسك السيد بأهمية وحدة فريق 8 آذار والمحافظة على متانة العلاقة الاستراتيجية بين مكونات هذا الفريق في مختلف القضايا، لا سيما الاستراتيجية، ولن يسمح للرياح الصحراوية بأن تخرق جدار العلاقة بين أفرقاء 8 آذار والتيار الوطني الحر، وبالأخصّ العلاقة بين بنشعي والرابية، وهذا ما أكده السيد نصرالله لرئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية الأسبوع الفائت، خلال استعراضهما مجريات طرح الرئيس سعد الحريري.


 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه