إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

جنيف والأكراد بين بايدن وأردوغان

د. هدى رزق - البناء

نسخة للطباعة 2016-01-30

إقرأ ايضاً


تعيش الصحافة التركية أياماً حالكة السواد، فهي تتعرّض للرقابة والسجن والاتهامات الجاهزة إنْ هي تجرأت على توجيه نقد للرئيس أو إذاعة خبر لا يناسب الحكومة. تعتبر تركيا بلداً ديمقراطياً، لكنها اليوم محلّ انتقاد من الصحافة الغربية ومنظمات حقوق الإنسان، بسبب سجنها لعدد كبير من من الصحافيين وصنّاع الرأي.

لم يشفع اجتماع ممثلي المجتمع المدني والصحافيين البارزين المستهدفين من قبل الحكومة مع نائب الرئيس الأميركي جو بايدن أثناء زيارته لتركيا ولا تضامنه معهم، في ردع القضاء التركي الموالي للحكومة الذي أصدر حكماً مبدئياً على رئيس تحرير صحيفة «جمهورييت» وأحد زملائه في الصحيفة بالسجن مدى الحياة، بتهمة إفشاء أسرار الدولة واتهامهما بالخيانة. هي رسالة موجهة الى من اعتقد أنّ الاجتماع مع بايدن سيشكل أداة ضغط على الحكومة.

توقعت أنقرة أن ينتقدها بايدن بعد تقارير منظمات حقوق الإنسان حول اعتقال الصحافيين والأكاديميين. لكنها لم تتوقع ان يصل الأمر الى حدّ اجتماعه بهم وكأنه يدعمهم في وجه الحكومة. وزاد من حنقها إدانة بايدن قمع حرية الرأي وحجب وسائل التواصل الاجتماعي وتساؤله حول هذا النموذج الغير مقبول. لكن أنقرة ما لبثت أن ردّت عليه وصرّحت بأنّ تشجيع الإرهاب جريمة وانتقدت صحيفة «يني شفق» المقربة من الحكومة، الولايات المتحدة، وتحدّثت عن طردها لـ75 أكاديمياً عقب أحداث 11 ايلول 2001 بسبب ادّعائهم أنّ واشنطن هي من كانت وراء هذا الاعتداء، وتساءلت الجريدة ما إذا كان بايدن يساند سنودن أو أسانغ اللذين سرّبا معلومات سرية حول برنامج التجسّس الأميركي.

تبدو أنقرة رافضة لتدخّل الولايات المتحدة في شؤونها، إذ تعتبر نفسها قوة مستقلة تحاسب خونة وليس معارضة.

لا يحتمل أيّ من تركيا وواشنطن اهتزاز العلاقة اليوم، فالتوتر في هذه المرحلة هو خسارة للطرفين. هدّدت تركيا بأنها لن تشارك في مؤتمر جنيف بشأن سورية في حال مشاركة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الذي تعتبره واشنطن حليفها في القتال ضدّ «داعش».

ظهرت الخلافات جلية بين البلدين أثناء زيارة بايدن، حيث جرى إلغاء المؤتمر الصحافي بعد لقائه مع أردوغان، وعلى الأثر نشرت صحيفة «يني شفق» أنّ حزب الاتحاد الديمقراطي يسيء الى العلاقات التركية الأميركية. لم تستطع هذه الزيارة تقريب وجهات النظر بين البلدين في كلّ المسائل المطروحة في سورية والعراق، حيث أصرّت تركيا على الوجود في بعشيقة حتى لو كان تحت ظلّ قوات التحالف. تحاول أنقرة اللعب ضمن خطوط تحالفها مع الرياض في كلّ من سورية والعراق، ولا يعني الخلاف في وجهات النظر فتوراً كبيراً في العلاقة مع واشنطن لأنّ حاجة تركيا الى الولايات المتحدة زادت بعدما ساءت علاقتها مع موسكو على إثر إسقاط «السوخوي» في تشرين الثاني 2015، أما واشنطن فحاجتها حيوية الى الموقع الاستراتيجي التركي والى قاعدة «انجرليك».

تغلّب الولايات المتحدة مصالحها الاستراتيجية على المبادئ والقيم في علاقتها مع تركيا وغيرها من الدول، وهذه ليست ظاهرة مفاجئة في العلاقات الدولية. بيد أنّ أهمية العلاقة مع تركيا تنبع أيضاً من الطبيعة الديمقراطية للحياة السياسية في هذا البلد، فالولايات المتحدة تخوض حرباً في المنطقة باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان، الأمر الذي يعرّضها للنقد من الصحف الأميركية والمنظمات الحقوقية بسبب رعايتها لدول تدّعي قتال النظام في سورية على قاعدة «ديكتاتوريته» فيما هي تمارس استبداداً وتنزلق نحو الديكتاتورية.

تعلم الدول الغربية أنّ الرئيس رجب طيب أردوغان فتح حرباً مع حزب العمال الكردستاني من أجل تعويض خسارته في تشكيل حكومة منفرداً في 7 حزيران الماضي، وهو فاز في انتخابات 1 تشرين الثاني بعدما ضرب عملية السلام مع الأكراد واستقطب القوميين ووطّد حكمه، لكنه في الوقت عينه أعرض عن قتال «داعش».

أما حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري فهو الذي يقاتل «داعش» بمساعدة الولايات المتحدة، في الوقت الذي ينشر فيه أردوغان سياسة الخوف من «إرهاب» حزب العمال الكردستاني ويتهم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي ووحدات الحماية الكردية بالتنسيق مع هذا الحزب.

نجحت تركيا في عرقلة مشاركة حزب الاتحاد الديمقراطي في محادثات جنيف، ولكن هذه السياسة غير دائمة. فالعلاقة بين الولايات المتحدة وحزب الاتحاد هي علاقة تحالف ولا غرابة أن نرى حزب الاتحاد والولايات المتحدة يدينان أعمال العنف في جنوب شرق تركيا، ويدعوان الى وقف إطلاق النار، ويؤيدان حزب الشعوب الديمقراطي الذي ينادي بالعودة الى المفاوضات بين الحكومة وحزب العمال. هذه الإدانة ليست من أجل حقوق أكراد تركيا، وإنما للقول إنّ أكراد سورية هم حلفاء واشنطن وليسوا شأناً تركياً.

يبدو أنّ خطوة تأييد واشنطن لاستبعاد صالح مسلّم أتت لتجنّب المزيد من الجدل مع تركيا. وبالرغم من أنّ تركيا تبدو كأنها حققت انتصاراً دبلوماسياً ونجحت في إبعاد حزب الاتحاد الديمقراطي، لكنه انتصار أجوف لأنه لا يزال غير واضح ما إذا كان هذا المؤتمر سيقود الى نتيجة فعلية. فالمحادثات الجدية لم تبدأ بعد، إذ يجب إزالة الكثير من المشاكل التقنية أمامها.

وحده القتال يحدّد مستقبل هذه المحادثات، لا سيما أنّ الجيش السوري سيواصل التقدّم ضدّ المعارضة بفضل الدعم الجوي الروسي، بينما يستمرّ حزب الاتحاد الديمقراطي في القتال ضدّ «داعش» بمساعدة الدعم الجوي الأميركي. فالنقاط التي سيتوصل اليها كلّ من الجيش السوري والأكراد هي التي ستحدّد الخطوط الفاصلة بين الأطراف المتحاربة على طاولة المفاوضات.

في انتظار ذلك، تعيش الحكومة التركية كابوساً يتمثل بإمكانية رؤية حكم ذاتي كردي على طول الحدود مع سورية بدعم من القوى الكبرى.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024