إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

آلاف القوميين والمواطنين يشيّعون الشهيد الرفيق أدونيس نصر بعرس قومي كبير

نسخة للطباعة  | +  حجم الخط  - 2016-02-21

شيّع الحزب الرفيق أدونيس نصر (مسؤول الإعلام الحربي في "نسور الزوبعة") في مأتم حزبي وشعبي حاشد، حيث تقاطر القوميون الاجتماعيون والمواطنون بالآلاف إلى الشويفات لوداع الشهيد، وسط هتافات حزبية وأناشيد وأغان قومية.

موكب التشييع انطلق من أمام مستشفى الرسول الأعظم عند التاسعة صباحاً، بعد أن أدّت فصائل رمزية من "نسور الزوبعة" التحية الحزبية، وصولاً إلى مدخل مدينة الشويفات، حيث تزيّنت الشوارع بأعلام الحزب، وبالصفوف البديعة النظام التي انتشرت على جانبي الطريق ترفع أعلام الحزب وصور الشهيد.

شارك في التشييع، إلى جانب عائلة الشهيد، رئيس المكتب السياسي المركزي الأمين علي قانصو، والرئيسان السابقان للحزب الأمين مسعد حجل والأمين جبران عريجي، عضو الكتلة القومية الأمين مروان فارس، ناموس مجلس العمد الأمين نزيه روحانا، عميد الدفاع الأمين زياد معلوف، عميد التربية والشباب، عميد الاقتصاد، عميدة البيئة، عميد القضاء، عميد الثقافة والفنون الجميلة، عميد الدراسات، ومدير الدائرة الإعلامية، ناموس المجلس الأعلى، وأعضاء بالمجلس الأعلى، ناموس مكتب رئاسة الحزب، أعضاء المكتب السياسي: المندوب السياسي لجبل لبنان الجنوبي، المندوب السياسي لجبل لبنان الشمالي، منفذ عام الغرب بدري شهيب والمنفذون العامون في لبنان، رئيسة مؤسسة رعاية أسر الشهداء، وعدد كبير من أعضاء المجلس القومي وهيئات المنفذيات ومسؤولي الوحدات الحزبية وآلاف القوميين والمواطنين.

كما شارك في التشييع نائب رئيس المجلس السياسي في حزب الله محمود قماطي، مسوؤل منطقة الجبل بلال داغر على رأس وفد، ممثل رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني النائب طلال ارسلان الدكتور خالد عبد السلام على رأس وفد كبير، عضو قيادة حزب البعث العربي الاشتراكي د. علي غريب، وفد من حركة أمل برئاسة عباس قطايا، رئيس تحرير "البناء"، العميد المتقاعد صلاح عيد، ممثل التيار الوطني الحر رمزي دسوم، ممثلاً حركة المرابطون غسان الطبش، ممثل الحركة الوطنية للتغيير الديمقراطي د. وسام حمادة، وممثلون عن الحزب الشيوعي اللبناني، حركة الشعب، الحراك المدني، وفد من سرايا المقاومة، رؤساء بلديات ومخاتير وفاعليات وإعلاميون.

بدأت مراسم التشييع عند الساعة الثانية عشرة في قاعة رابطة سيدات الشويفات، وتولى التعريف الرفيق مهنا البنا الذي ألقى كلمة مؤثرة جاء فيها:

يا رفيقي، ما الشهادةُ لديكَ

إلا الخلودُ حيثُ رحلتَ يخلَّدُ

ما البنادقُ بين يديكَ سوى

النارُ متى التهبت لا تبرُدُ

ما الكتابُ بين كفَّيكَ سوى

السيفُ حيث تريدُ يجرَّدُ

ما الحربُ في اعتقادِك إلّا

النصرُ متى الرجالُ تحدِّدُ

ما الأمةُ لديك إلا الحبُّ

يجنُّ في خافقيك، يغرِّدُ

ما البطولةُ في سمرةِ الزندينِ

إلا الإيمانُ، وبالثباتِ يؤيَّدُ

ما القضيةُ في ناظريك إلّا

الحياةُ إن رحلَ الشهيدُ تجدَّدُ

وها أنت يا رفيقي أدونيس

يا من يسكن ذكراك الخلود

فلا تترجل

يا من ختم رسالة الوجود

نلاقيك بالورد لا نبكيك

فإن بكينا، يسقط الدمعُ عزيزا

فنحن نشتاق إلى عينيك، إلى تقبيل قبضة زنادك، حين ارتقيت

نشتاق أن نلقاك في كل احتفال، تشتاقك الأشبال والزهرات

تشتاقك مخيمات النهضة، تشتاقك رائحة التراب، سوف تسأل عنك أشجار الزيتون كيف رحلت

سنقول: قبل الرحيل أبلغنتا

أنا الشهيد، تذكروني عندما تحتفلون بالنصر..

اليوم، يا رفيقي بلغ العشق حدّ الثمالة، فتسللت ذات شتاء لتحررَ لنا بعينيك لواءنا المسلوب

عشقت أمة تأبى الموت فكنت لها الفدى

عشقت أمة تريد الحياة، فكنت لها الهدى

وألقى الشاعران فيصل الصايغ وعادل خدّاج قصائد نوّهت بمزايا الشهيد وحزبه.

وألقى الرفيق ربيع صعب كلمة باسم مديرية الشويفات قال فيها: ما أصعب الوقوف في حضرة الشهداء، قد تهوي النسور لكنها لن تسقط، ماذا نعدّد اليوم من مزاياك وأنت الشهيد الذي يختصر كلّ المسافات والصفات... ارتفعت نسراً لحياة الأمة وعزّها ومجدها ونصرها الأكيد.

استمهلناك في الانتماء، فعاجلتنا في الاستشهاد، وأنت الذي قلت لنا، "خلقت ببيت قومي ورح استشهد قومي".

أحببت الشام بعد فلسطين، فرويتها بالدماء حتى الشهادة.

أنت ابن العائلة القومية الاجتماعية، قاتل والدك الرفيق أسعد، أبو صنين، مشروع يهود الداخل في لبنان، وأنت قاتلتهم في الشام، حتى قطرات الدم الأخيرة، فكنت الوفي دائماً لقسمك مردّداً قول حضرة الزعيم "إنّ الدماء التي تجري في عروقنا، عينها ليست ملكاً لنا بل هي وديعة الأمة فينا متى طلبتها وجدتها". فكنت واحداً من مئات الشهداء الذين أعزّوا الأمة بدمائهم الزكية.

عرفناك شبلاً في مخيمات الحزب، ولاحقاً مدرّباً فيها، ومواطناً متابعاً للحلقات الإذاعية، ثم رفيقاً مندفعاً لا يتعب ولا يستكين، مناضلاً ومسؤولاً لا يتأخر يوماً عن إتمام كامل واجباته، فكنت الحدث في كلّ مكان وزمان فارضاً حضورك في حياتك وفي استشهادك.

في العام 2014، عدت إلينا جريحاً، لكنّ صلابة إيمانك أعادتك من جديد إلى أرض المعركة، فأنت كنت دائماً مصرّاً على معادلة النصر أو الشهادة.

اليوم تفتقدك العائلة إبناً وأخاً ورفيقاً، ويفتقدك حزبك رفيقاً مناضلاً، مؤلم لنا هذا الوداع، لكنه مشرّف لرفيق أراد منذ اليوم الأول لانتمائه إلى هذه النهضة التغيير حتى الرمق الأخير.

اعذرنا أيها الرفيق الشهيد إذا ذرفنا عليك الدمع، فالشوق والحنين تخبّئه القلوب، لكنّ العيون لا تستطيع.

نودّعك اليوم، لكننا نرى إصرارك في عيون رفقائك الذين أحببت، وفي آلاف الأشبال الذين زرعت فيهم الإرادة نفسها لإكمال المسيرة.

سلام لك من ياسمين الشام، ومن أغصان الزيتون في فلسطين، سلام لك يا رفيقي الشهيد ولكلّ الشهداء التحية والسلام.

نم قرير العين أيها الشهيد ولا تخف على من تركتها أو غادرتها شهيداً فهناك من سيكمل المسير.

البقاء للأمة والخلود لسعاده

وألقت شقيقة الشهيد الرفيقة سحر نصر كلمة بِاسم العائلة قالت فيها: "كلّنا نموت، لكنّ قليلين منّا يظفرون بشرف الموت من أجل عقيدة".

ماذا يقول الحرف في الشفتين إنْ قال الدم؟

أدونيس، أيها الشهيد،

أدونيس الأخ الحبيب،

أدونيس الصديق والرفيق،

أدونيس الإله الذي لم يزل يصرع بالدم خنازير التوحّش على أرض الكرامة.

أدونيس صنع مجده بيديه، بإرادته الصلبة، بإيمانه بقضية تساوي وجوده. دم أدونيس شاهد على أنّ القوميين الاجتماعيين هم ملح هذه الأرض، وأنّ تعاليم المعلّم القائد القدوة أنطون سعاده، تسري في دمائنا بصدق، وبصفاء عظيمين.

نودّع أدونيس اليوم، وهو الذي ودّعنا من زمن طويل لينصرف إلى شؤون حزبه وهموم أمّته، محاولاً تضميد ما يمكن تضميده من جراح.

يرحل أدونيس، حاملاً بيدٍ رشاش عزّ، وبأخرى كاميرا تؤرّخ لنسور الزوبعة بطولاتهم وانتصاراتهم.

ستنتهي هذه الحرب يا أدونيس، وسيكون لنا من مشاهد البطولات التي أغرتك الكثير لنرويه لأبنائنا وأحفادنا. سنفتخر ونعتز بك دائماً، وبرفقائك الشهداء الذين سبقوك والذين سيأتون بعدك ليغمّسوا في دمائهم فشل الفجر الجديد. الفجر الذي سيُطيح بالإرهاب وبالطائفية، وبأعداء الأمة كائناً من يكونون.

أدونيس، أيها الأخ والرفيق والشهيد القدوة، علّمتنا في حياتك الكثير، وعلّمتنا باستشهادك أن لا حبّ يعلو على حبّ سورية، ولا شغف أكبر من شغفنا بالانتصار لسورية.

سنفتقدك أيها الغالي، سيفتقدك الكثيرون، ولكنّ عزاءنا الوحيد هو أنّ دمك الطاهر قد روى أرض الكرامة، أرض سورية، تماماً حيث اشتهيت أن يكون. لقد أعطيت سورية كلّ ما لديك وكلّ ما فيك، لأنّ سورية أحبّتك أيها البطل، فقد احتفظت بك في ترابها شهيداً بطلاً... إلى الأبد.

نم قرير العين يا بطل، فلأمثالك ينحني التاريخ.

نم قرير العين يا بطل، نحن من حزبٍ زعيمه شهيد.

نم قرير العين يا بطل، أنت من عائلة قومية اجتماعية.

كلّ واحد فيها يحسدك على هذا المجد المُشتَهى.

نعاهد دمك الطاهر أننا في عائلتك الصغيرة وحزبك الكبير العظيم سنتابع درب النضال والصراع، وسيظلّ هتافنا مدوياً، لأجل سورية، لأجل سعاده، لأجلكَ ولأجل كلّ الشهداء، لأجل الحق والخير والجمال الذي استشهدتَ لأجله:

تحيا سورية ويحيا سعاده... والبقاء للأمة.

وألقى الصحافي الرفيق فراس الشوفي كلمة بِاسم رفقاء الشهيد أدونيس استهلها بالقول: لا أدري إنْ كان الاختيارُ الذي وقع عليّ لأقرأ كلمة رفقاء أدونيس، هو وسام، أم اختبار قد يكون الأصعب في حياتي؟

فكيف يؤبّنُ المرؤ نفسه؟ لكنني سأستعير من كمال خير بيك لأقول لأدونيس: "ذاهبٌ أنت في نعيم السكوت، وأنا ذاهب في جحيم الكلام"...

هذا الصباح، الشمس حزينة بلا شكّ، تؤمّ أحد عشر كوكباً في صلاة وداع القمر، والشجر منكّسٌ من الجذور. لقد رحل بائع الفرح. وها نحن نلملم أجزاءنا من بقايا كتبه، من الضحكات، من الألف حلمٍ وحلم، من السنين والشوارع والمقاهي والمدن والحقول التي لا نعرفها من دونك.

أمّا أنت أيّها الموت، فتعال لنسائلك، نحن المذبوحين والثكالى، لماذا قطفت الورقة البيضاء الوحيدة في الكتاب؟ كيف سندوّن أحلامنا؟ وأين أدونيس ليلتقط منّا حبّات الحزن والفرح والجنون؟ من سيجمّع دموعنا؟ أعرف أنّ أدونيس ذهب إليك طواعية، لاقاك في منتصف الطريق. لكن كيف تحقّق أمنية رجل واحد بالرحيل، وتهمل آلاف الأماني بأن يبقى بيننا؟

قم يا أدونيس، قم من الصوَر الآن، وسر بيننا كما قمتَ في الأسطورة قبل آلاف السنين. هل تعود في عيد ميلادك في أيار؟ أم في تمّوز الذي تحمل اسمه؟ سنحتفل يا روحي هذا العام، ستطفئ أنت الشموع. اختر ما شئت من هدايا. إذا حصلنا لكَ على نسخة أصلية من "نشوء الأمم"، أتعود؟ إذا حصلنا لك على توقيع من باتريك سيل على كتاب "الصراع على سورية"، أترجع إلينا؟

أتعود ذلك المصباح الذي يجتذب إليه الفراشات في مساءات سطيحة البيت في الشويفات؟ لمن ستحمل شجرة البوملي ثمارها هذا العام؟

لمن سيأتي الربيع في الشوير وبولونيا؟ لمن ستزهر الأرض حول العرزال؟ ولمن ستحضّر نظام طعام المساء؟ من يمازح أبا صنين؟ من يحمل كارل والياس عن أليسار وسحر؟ ولمن ستشتكي نانا ورشا وصفاء وإنانا وأنا ومالك وسعاده ويوسف وريّان وسلاف وجمال وماهر وسناء ونبيلة، والمئات غيرنا؟ أتحرمنا كلّ هذا الدفء وسط كلّ هذا الصقيع؟

قم يا حبيبي قم، تمسّك بيدي، فهذا السرير الخشبيّ الأبيض لا يحتويك. أعرفك، لا تطيق العزلة والأماكن الضيّقة، كنت أراقبك عندما عبرنا الخندق في مخيّم اليرموك. بياضك أنصع من كلّ توابيت الأرض. تعال، سيأخذك زياد معه، والياس وسامر حضّرا أغراضك على باب المكتب، الكاميرا العدسات، والشاحن الكهربائي، وحلوياتك المفضّلة، وبزّتك المرقّطة، والمسدس البنيّ.

طيّب، خذ يمناي ليمناك التي مزّقتها الشظايا، اختر منها ما يستهويك من الأصابع والعظام. هل آلمتك يا حبيبي الجراح في الخاصرة والكبد؟ اقتسم كبدي نصفين، فأنت تأخذ حقّك بلا منّة على أيّ حال.

آهٍ آهٍ.. هل تسمع صراخنا يا "أدو"؟

نحن هنا اليوم لنودّع قلباً كبيراً على هيئة رجل، كانت سورية محور حياته وحبّه، وكان لها ابناً بارّاً، طاهراً منزّهاً عن الغايات، كما كانت لمعلّمه ومعلّمنا العظيم، أنطون سعاده... ورحل كما أراد جندياً سورياً.

في المدرسة التي ربّتنا، آخر ما يخيفنا هو الموت، لا بل إنّنا نشتهيه، لا طمعاً في جنّة، ولا هرباً من ضعف. لقد مشى زعيمنا أمامنا وقال اتبعوني، بتوقيع دمه، لأّنّ "الدماء التي تجري في عروقنا عينها، ليست ملكاً لنا، بل هي وديعة الأمة فينا متى طلبتها وجدتها". وكذا فعلت سناء ومالك ووجدي، وكذا فعل محمد عواد بالأمس، عسى أن يكون أدونيس قد أخذ معه بعضاً من صوَر نسور الزوبعة لعوّاد، ليرى الباشق ما فاته منذ غيابه، في درعا والسويداء وحمص ودمشق واللاذقية.

قبل خمس سنوات، أدركنا أنّ ما كنّا نخاف منه، وندعو إلى مواجهته وندفع ثمناً لكشفه وفضحه، طوال عمر حزبنا ونهضتنا، قد بات أمامنا. يريدون سلب سوريانا، روحنا، أن يقسّموها ويجزّؤوها ويطيّفوها، أن يشلّعوا ياسمين الشام، وقمح دير الزور وخضرة حماه وحمص، وفاكهة جبل الشيخ ورائحة الفرات في بغداد، وعشيّات الغروب في بيروت.

هم لا يعرفون: "لن تكوني لسوانا يا شرايين دمانا"، نغنّيها مذ كنّا في المخيم أشبالاً، أتذكر يا أدونيس؟ ألم نغنّها في نزهة السيارة، وفي المنفذية، وعندما تنقّلنا في حواري دمشق؟ دمشق التي تبكيك الآن. يا أنت، كيف تكسر بخاطر مدينة؟

يظنّون يا صديقي، ونحن ما صدّقنا أن وقفنا على ضفاف اسكندرون، أنّ قذيفةً من جاهل حاقد يسوقه الأجنبي كالعبد الذليل، سترهبنا... أنت ورفقاؤك أدونيس خوري، جمال كمال، عبد الرحيم طه وخالد غزال، هم لا يعرفونك، لا يعرفون ذاكرة أدونيس!

أخالك في الطريق من كنسبّا إلى المستشفى في اللاذقية مبتسماً، كما رأيتك يا عيوني أمس، وأنت نائم كالبحر في موته. أتذكر يوم ذهبنا إلى الجنوب والناقورة وعلى بوابة فاطمة؟ تلك التلال تناديك، ويوم ذهبنا إلى الجولان؟ وحزنتَ لأننا لم نصل إلى مجدل شمس لكي ترى الجولان وتلوّح لحبيبتك من هناك. سامحني يا حبيبي، ظننتُ أنّ أمامنا متّسعاً من الوقت لكلّ هذا العشق والتراب. لم أعرف أنك ستُجَنُّ باكراً بالموت الأخضر الذي يُغري...

في صدري كونٌ من الصمت والحزن، وأنا أودّع اليوم من اعتدت أن أتنفّس معه في آخر 15 عاماً من عمري.

خسارتنا اليوم لا تضاهيها خسارة، والحسرة تأكل من الجسد حتى النخاع. لكن اعلموا جيداً أنّ هذا الذي فجّر قنبلته بيننا ورحل، سيكون مشرقاً مدويّاً، ومحطة تاريخية في مسيرة نهضتنا. نحن النور الباقي في جسد هذه الأمة المعتمة. نحن لحمتها وروحها، كرمى لهذا العملاق المُسجّى بيننا...

وداعاً يا حبيب الروح... وداعاً يا حبّات الضوء، يا مالئ الدنيا وشاغل الناس... اعتنِ جيداً بالتراب الذي لم تخرج منه لتعود إليه، كما كنت تعتني بنا، وبسورية... البقاء للأمة

وألقى رئيس المكتب السياسي المركزي الأمين علي قانصو كلمة المركز استهلها مخاطباً الشهيد بالقول: يا رفيق أدونيس، أيها الشهيد البطل، ماذا أقول في وداعك؟ فكلّ كلامٍ مهما كان بليغاً لن يوفيك حقّك. ماذا يقول الكلام في حضرة الشهادة؟ ماذا يقول الحرف إنْ نطق الدم؟ أأتحدث عن عمق إيمانك بعقيدتك والتزامك بحزبك وها أنت تذهب فيهما إلى النهايات، إلى الاستشهاد؟

وأين كان استشهادك؟ في اللاذقية. فأيّةُ عقيدة عظيمة هذه العقيدة القومية الاجتماعية التي قدِمَتْ بك وأنت اللبناني الماروني الهويّة لتُقاتل الإرهاب على أرض الشام؟ أأتحدّث عن مهاراتك الإعلامية؟ وأيّ إعلامِ أقوى دويّاً من دويّ الشهادة؟ أأتحدّث عن زادك الثقافي، وأنتَ كنتَ صديقاً للكتاب، تواكبه من معرض كتبٍ إلى آخر؟ وما معنى الثقافة إنْ لم تكن التزاماً بقضية الشعب ونضالاً من أجلها واستشهاداً في سبيلها، كما التزمت وناضلت واستشهدت.

أأتحدث عن ظرافتك وطُرَفك الساخرة، وكنت تطالعنا بها صباح كلّ يوم في مركز الحزب؟ الله الله يا أدونيس... كأنّك كنت تسخر من متاع هذه الدنيا وتشدّ الرحال إلى حيث وقفات العز، وصناعة الحياة لشعبك.

أأتحدث عن إقدامك غير هيّابٍ بالمخاطر وكأنكَ كنت تجد لذةً في ركوب أمواجها، أهذا كلّ ما أنت؟ لا، هذا بعض ما أنت.

في وداعك يا رفيق أدونيس، نستذكر كلّ هذا، لكننا في الأصل جئنا لنؤدّي التحية لدمك، فنبارك ونتبارك، نفخر ونفاخر باستشهادك. هذا يومك يا أدونيس، هذا ليس مأتماً، وحاشى أن يكون وداع الشهيد مأتماً. هذا عرس يحتشد فيه المحبّون يا عريس الشباب.

ومن العروس؟ إنّها القضية التي آمنتَ بأنّها تساوي وجودك. إنها الأرض التي قبّلها دمك في اللاذقية ثمّ غفوت إلى الأبد في أحضانها في الشويفات قريباً من وجدي الصايغ وابتسام حرب ونضال الحسنية، وغيرهم من شهداء الحزب في هذا الجبل الأشمّ.

وتوجه الأمين قانصو إلى والد الشهيد قائلاً: يا أبا أدونيس، ما جئنا معزّين، بل جئناك معتزّين، فها أنت بررت بقسمك وقدّمت وديعة الأمة، وهي بعض دمك، فلذّة كبدك، قدّمتها للأمة حينما طلبتها.

يا أبا أدونيس: حسبك اعتزازاً، أنّ أدونيس لم يمتْ في خندق طائفي، لا ولم يمت في معركة أزقّة وزواريب، لا ولم يُرغم على إنهاء حياته. أنّه اختار أن يستشهد لا أن يموت، وأين؟ في هضاب اللاذقية في الشام، في أسمى المواقع وأعزّها، في مواجهة عصابات الإرهاب، في مواجهة البرابرة الجدد، أحفاد هولاكو وتيمورلنك، حمَلةِ القتل والتدمير. إنّهم أدوات الصهاينة لقتل الحياة في شعبنا. أعلنوا الحرب على الشام وعاثوا فيها قتلاً وتدميراً لإسقاط دولتها، وجيشها، وموقفها المقاوم، ولتمزيق وحدتها. لكنّ أدونيس ورفقاء أدونيس تصدّوا لهؤلاء البرابرة، جنباً إلى جنب، مع رجال الجيش العربي السوري ومع رجال المقاومة دفاعاً، ليس عن الشام فقط، بل دفاعاً عن فلسطين أيضاً، لأنّ إسقاط الشام إسقاط لفلسطين، ودفاعاً عن لبنان: عن وحدته وأمنه ومقاومته وجيشه، لأنّ إسقاط الشام إسقاط للبنان، ودفاعاً عن العراق لأنّ إسقاط الشام إسقاطٌ لوحدة العراق ولدولته وعروبته.

وها هي دماء هؤلاء الشهداء تزهر انتصاراتٍ على أرض الشام، وتبشّر بأنّ الانتصار الشامل على الإرهاب وعلى رعاته من دول عربية وإقليمية وعالمية، بأنّ الانتصار عليهم آتٍ أتٍ آتٍ.

ويا رفيق أدونيس: كنتَ توافقني الرأي بأنه لم يبقَ في لبنان إلّا بقعة ضوء واحدة هي معادلة القوة، معادلة الجيش والشعب والمقاومة، ولولا هذه المعادلة لكانتِ العصابات الإرهابية اجتاحت لبنان من أقصاه إلى أقصاه. فهل يسلّم أولئك المنهزمون بهذه الحقيقة، ويمسكون ألسنتهم عن شتم هذه المعادلة؟

وفي يومك يا أدونيس أحيّي جيشنا ومقاومتنا وشعبنا الأبيّ.

وكنتُ أوافقك الرأي يا أدونيس بأنّه عدا هذه المعادلة كلّ شيء في حالة استنقاع. فلا رئيس جمهورية، ولا حكومة منتجة، ولا مجلس نيابي يقوم بمهامّه، والنفايات تقيم سمومها بيننا ومعنا، والكهرباء من سيّئ إلى أسوأ، ومثلها المياه والصحة وفرص العمل، والمواطن المسكين متروك لقدره... عجز وإفلاس، ألا بئس هذا النظام الطائفي الذي لا يولّد غير الأزمات والمنازعات، ألا بئس طبقة سياسية هي في معظمها، تحمي هذا النظام البائس وتقفل الأبواب على إصلاحه، بل تتغنّى به وتقدّمه وصفة لمعالجة أمراض المنطقة! فعلاً اللي استحوا ماتوا..

فيا شعب لبنان: إلى متى ترضخ لهذا البؤس والشقاء؟ أما آنَ الأوان لتخرج من فلسفة التسليم بهذا الواقع وكأنه القضاء والقدر، فتنتفض على أسباب هذا الشقاء، وترفع صوتك عالياً بأن لا مستقبل للّبنانيين إلّا بتطوير هذا النظام السياسي باتجاه لا طائفي؟ ومدخل هذا التطوير قانون جديد للانتخابات النيابية يعتمد النسبية ويقوم على لبنان دائرة انتخابية واحدة، ومن خارج القيد الطائفي؟

أضاف: ونحن نشيّع الرفيق أدونيس إلى مثواه الأخير، يُشيّع رفقاؤكم في الشام اليوم أربعة شهداء ارتقوا مع أدونيس، لتنضمّ هذه الكوكبة إلى قافلة شهداء الحزب على بطاح فلسطين، وعلى بطاح لبنان، وعلى هضاب الشام. هذا هو حزبكم، نشأ على قضية، ويستمرّ في بذل الدماء في مواجهة يهود الداخل ويهود الخارج، والشعار هو الشعار: شهداؤنا هم طليعة انتصاراتنا الكبرى، والعهد هو العهد، بأننا ثابتون على مواقعنا ومواقفنا، وعلى نهجنا في التضحية والفداء.

التحية للشهيد أدونيس ورفقائه الشهداء، ولكلّ الشهداء...

ولتحي سورية وليحي سعاده... والبقاء للأمة

بعد ذلك سار موكب التشييع وسط الزغاريد ونثر الأرز وإطلاق المفرقعات النارية ونعش الشهيد محمولاً على أكف رفقائه، تتقدمه فصائل رمزية من نسور الزوبعة، وحملة الأكاليل وفرقة بلدة شارون الموسيقية، وصولاً إلى كنيسة مارالياس ـ الشويفات/ القبة حيث ترأس الصلاة لروحه راعي أبرشية الشويفات للموارنة شربل ديب، وألقى راعي أبرشية الروم الياس كرم كلمة عدد فيها مزايا الشهيد ومشيداً بنضاله وتضحياته. وبعد ذلك ووري الشهيد الثرى في مدافن العائلة.


 
جميع الحقوق محفوظة © 2024