إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

الحزب وأهالي فيع والكورة يشيّعون الرفيق جبرائيل حيدر

نسخة للطباعة  | +  حجم الخط  - 2016-03-29

شيّعت مديريّة فيع التّابعة لمنفذيّة الكورة، الرّفيق جبرائيل حيدر، بحضور منفذ عام الكورة الدكتور الأمين جورج البرجي وأعضاء هيئة المنفذية وبمشاركة مديريات الكورة وفاعليات المنطقة وجمع كبير من القوميين والمواطنين.

استقبل الجثمان في ساحة البلدة وسار موكب التشييع باتجاه الكنيسة والنعش محمولاً على أكفّ "نسور الزوبعة" وشباب البلدة، وملفوفًا بعلم الزوبعة، وسار في مقدّمة الموكب الذي اخترق شوارع البلدة مجموعة من حملة الأعلام، وسط مشهد مهيب ومشاعر تمتزج بالحزن والإباء أمام هذا المنظر المعبّر عن انتقال مشعل النّهضة من جيل إلى جيل، ما يعبّر عن صدق الإرادة ومضيّ العزيمة وإصرار القوميين الاجتماعيين على المضيّ إلى النّصر الأكيد.

وأقيمت الصلاة عن روح الراحل في كنيسة القديس سمعان العمودي في فيع، وترأس القداس رئيس دير سيدة البلمند الارشمندريت يعقوب خليل، وشقيق الرفيق الراحل الأب سمعان حيدر كاهن بلدة فيع، وعدد من كهنة الكورة.

وألقى ناظر الإذاعة والإعلام في منفذية الكورة الرفيق هنيبعل كرم كلمة الحزب، وجاء فيها: "ينتدبني الحزب اليوم لإلقاء كلمة الوداع أمام رفيق صعَّب عليّ المهمّة إلى أبعد حدود. فما الذي ستجمعه ذاكرتي أمام إنسان جمع في شخصه حبًّا للأرض وللإنسان وللتّعليم وللحياة، فكان الأب القدوة، والرّفيق المثابر بصمت وبجَلَد عظيمين. فهل ينصفُ الابنُ أباه، والرّفيقُ قائدَه، والثّمرةُ الشّجرةَ المعطاءة؟!

الرفيق جبرائيل حيدر، من مواليد العام 1933، أجتذبه فكر أنطون سعاده منذ الأربعينات، منذ حداثة سنّه، فانتمى إلى صفوف النّهضة في بداية الخمسينات، ليبدأ مسيرة نضاليّة زاخرة بالتضحيات. تحمّل كافّة المسؤوليات التي أوكلت إليه بصبر وبمناقبية عالية. من مديرية فيع إلى مشاركته في المهام الحزبية الموكلة اليه، إلى سجين مقاوم في 1962 إثر المحاولة الانقلابيّة، حيث تحمّل آلام السَّجن والتعذيب وافتدى بجسده وبروحه عشرات الشباب وقد أبى أن يفصح عن أسمائهم كي لا يلحق بهم ما لحق به، ومقولته الشهيرة آنذاك: "أنا أتحمّل التعذيب، أنتم ما زلتم فتيانًا".

مدفوعاً بإيمانه الشديد بالقضيّة التي تبنّاها وجدانُه، وبالمعرفة والخبرة اللتين حقّقهما في حياته العمليّة والفكرية والاجتماعيّة، متنقّلا بين مدارس الكورة، من ددّه إلى بترومين إلى فيع، جسّد مقولة سعاده حين قال إنه لو سار قوميٌّ اجتماعيٌّ على الطريق يجب أن يُشار إليه بالبنان وأن يعرف العالم أن قوميًّا اجتماعيًّا يسير...

هو الخارج من بيت متواضع ولكنّه كبيرٌ بتواضعه، ومن عائلة ضُرب المثل بكلّ فرد من أفرادها بالمناقبيّة وحبّ الحزب والوطن والمجتمع.

ولأنّ العمر لم يكن يعني للرّفيق جبرائيل شيئًا أكثر من العطاء ومن أن يكون جنديًّا ومثالاً يُحتذى في الانضباط والتدرّج في ارتقاء سلّم الحياة الأبيّة، كان همّه أن يرفع الأجيال التي عرفها وعرفته على ذلك السلّم، مربيًّا ورفيقًا وصديقًا صدوقًا.

تحمّل المسؤوليات الحزبيّة حتّى بعد تاريخ طويل ومرير من الألم والجهاد، فتسلّم مسؤوليّة مديرٍ لمديريّة فيع في منتصف التسعينات وكان له الفضل في ضخّ الحماسة في شرايين الكبار والفتيان، كان الصّخرة التي اتكأنا عليها كرمز من رموز النّهضة. هو رمزٌ قدوةٌ في سلوكه الفرديّ والاجتماعيّ، أعطى دفعًا وزخمًا لمسيرة الحزب في فيع.

أمام هذه التّضحيات، وهذا الثّبات الرّاسخ، كان على الحزب أن يقول شكرًا لأمثال الرفيق جبرائيل من الرفقاء الأبطال الذين لم يروا في هذه الدنيا أثمن وأشرف وأجمل من خدمة قضيّة عظيمة ووطن عزيز، فكرّمه بأن منحه وسام الثبات في تموز 2011 لبقائه أكثر من خمسين عامًا في خدمة الحزب والأمّة، وهو وسام يساوي ما يُمنح للأبطال والجنود والقادة الذين تفانوا في خدمة أوطانهم.

في الحزب، بين رفقائه، وفي عمله مدرّسًا، بين زملائه، وفي حياته الاجتماعيّة، وأينما حلّ، كان الرّفيق جبرائيل تلك الأيقونة التي توحي إليك بما توحي، وتمدّك بما تمدّك به من معاني الشّرف والكرامة والصلابة القوميّة المعهودة.

اللقاءات الأخيرة بالرّفيق جبرائيل أختصرها بثلاثة: منذ سنة التقيته وحيّيته، لم أكن متأكّدًا من أنّه عرفني، ولكنّه عرف بعفويّة وتلقائيّة أن يرفع يده زاوية قائمة ويقول بصوت معبّر عن إيمان لا لبس فيه: "تحي سورية، الله يحميكم".

اللقاء الثاني، كان منذ شهرين ونيّف على درب بيته، مع زوجته ورفيقة دربه، المرأة المخلصة الصّابرة التي تحمّلت معه وبعزّة نفس كبيرة آلام الجلجلة التي سارها وإياها، سألته عن صحّته فرفع قبضة يده بعزيمة ترفض الضّعف، كسنديانة عتيقة لما تزل تتحدّى وتوحي بالدّروس تلو الدّروس.

اللقاء الثالث، كان منذ شهر في المشفى. دخلنا، ثلّة من الرّفقاء، لنجده على فراشه ساكتًا بوَجلٍ كأنّه يسخر من الموت الذي عجز عن الإطاحة بروحه المتّقدة، روحه التي ملأتها الأيّام بأثلام الخير والعزّ والبركة.

ماذا أقول في يوم وداعك أيّها الرّفيق الغالي؟! لقد كنت لنا قدوةً في كلّ ما فعلت، مستنيرًا بنور سعاده العظيم، عاملاً لحياة سورية. أقول لك إنّ سورية التي آمنت بها، بجمالها وحقّها وخيرها وعزّتها وإبائها، ستقوم من جديد، ستقوم منتصرة على الإرهاب والتطرف، منتصرة على برابرة التاريخ، منتصرة على هذا العالم المتوحش الذي تآمر ضدّها وأرادها خرابًا ودمارًا وتقسيماً. ستقوم حرّة سيّدة موحّدة جميلة... ستقوم بفضل سواعد الأبطال فيها، بفضل دماء الشّهداء الأبرار، وبفضل المؤمنين أمثالك الّذين بذروا قلوبهم على بيادر الحياة بكلّ ما في قلوبهم من حلاوة الحياة ورقيّها.

باسم قيادة الحزب، ومنفذية الكورة، ومديريّة فيع، أتقدّم من عائلة الرّفيق الرّاحل، من الأب المثالي بمناقبيته ومحبّته وتواضعه - الأب سمعان - ومن زوجة الرّفيق جبرائيل، السيّدة الصديقة جانيت، ومن أفراد الأسرة رفقاء وأصدقاء، فردًا فردًا، بأحرّ التّعازي، والبقاء للأمّة.


 
جميع الحقوق محفوظة © 2024