إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

الحرب والسلم مع الأكراد في ميزان النظام الرئاسي التركي

د. هدى رزق - البناء

نسخة للطباعة 2016-04-09

إقرأ ايضاً


أعرب السفير الأميركي في أنقرة جون باس عن دهشته من تقارير وسائل الإعلام التركية التي نعتت انتقاد الرئيس الاميركي باراك أوباما حول تقليص حرية الصحافة في تركيا بـ»النفاق». جاءت هذه التقارير مباشرة بعد اجتماع أوباما مع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في واشنطن. ورأى السفير انّ هذه التقارير تعكس عدم تقدير للاختلافات مع النظام الاميركي في ما يتعلق بحرية التعبير. لكن اوباما صرّح في حينه «انّ الموضوع كان قد نوقش مراراً بين الحكومتين الصديقتين».

لا شك انّ الحرب المعلنة في تركيا على حزب العمال الكردستاني و»داعش» في آن معاً قد قلّصت مساحة الحرية، وساهمت بفرض أولوية الأمن والاستقرار على الحرية، فلا خيار في هذه الظروف بينهما. وفي دراسات استقصائية أجريت مؤخراً بعد التفجيرات الأخيرة في أنقرة واسطنبول حول موقف المواطنين من الوضع الامني تبيّن انّ استعمال النقل المشترك انخفض من مليون شخص الى ثلث هذا العدد في اسطنبول وحدها، كما انّ المقاهي والمطاعم لم تعد تشهد ازدحامات بعد تفجير «ساحة تقسيم»، اذ يخيّم شبح الحرب وذيولها على الحياة اليومية. لا يبدو انّ الحكومة التي عادت الى الحكم منفردة بعد انتخابات الاول من تشرين الثاني بصدد إنهاء الحرب، مع حزب العمال الكردستاني، فلا مصلحة لها في إنهاء هذه الحرب التي بفضلها عادت اليها أصوات الأكراد المحافظين وأصوات بعض القوميين المتطرفين، ولا مصلحة كذلك لصقور الحزب الكردي بإعادة زمن الحوار بعد ان عادوا الى الواجهة مع انخفاض مفاعيل هذا الحوار.

تعتقد انقرة انّ الاولويات الغربية اليوم هي في التعاون مع الرئيس أردوغان بالرغم من إثارة موضوع حرية الصحافة واستقلالية القضاء. فالولايات المتحدة تريد تعاوناً عسكرياً وسياسياً مع تركيا من أجل المساهمة في قتال «داعش». اما اولوية الاتحاد الاوروبي فهي منع تدفق اللاجئين، وهو يريد زيادة التعاون الأمني في هذا الموضوع. لا تعطي الحكومة التركية موضوع الحريات أهمية بالرغم من انّ الصحافة التركية المعارضة تعتقد أنّ الحكام الاتراك لا يفقهون انّ هذه المواضيع يمكن ان تستخدم في ما بعد ضدّهم من قبل الغرب. لكن الحكومة التركية ترى انّ تعاونها مع «الناتو» وتحالفها ضدّ «داعش» وفتحها لقاعدة «انجرليك» امام هذه الدول، ومساهمتها في وقف تدفق اللاجئين عوامل كافية من أجل إطلاق يدها في ضرب معارضيها السياسيين ومحاكمتهم وضمان سكوت الغرب، وما حزن الرئيس اردوغان من تصريحات اوباما التي ادّعى انها جرت في غيابه ولم تطرح على جدول أعمال اللقاء معه إلا إشارة الى انّ الرئيس الأميركي لا يستطيع مجابهته، وهذا ما يعطي اردوغان حظوة في نظر مؤيديه ويؤكد صوابية سياسته بالنسبة لهم. يرى الرئيس التركي انّ إيقاف القتال لن يتمّ قبل تحطيم حزب العمال الكردستاني وطرد النواب الاكراد المنتخبين من البرلمان ومحاكمة الأكاديميين الذين وقّعوا عريضة ضدّ الحرب في جنوب شرق تركيا ودعوا الى عودة الحوار.

وصل الاستقطاب حول المسألة الكردية الى مستويات لم يسبق ان واجهتها تركيا، وما تصريح زعيم الحركة القومية دولت بهشلي بإخراج الناس من نصيبين في محافظة ماردين «وتسويتها بالأرض» ايّ هدمها فوق رؤوس المعارضين والمؤيدين لحزب العمال الكردستاني واعتبارهم ارهابيين إلا دلالة على وصول الحرب الداخلية الى مأزق عسكري وسياسي، فيما اعتبر زعيم حزب الشعوب الديمقراطي صلاح ديمرتاش انّ الامر حصل وجرى هدم نصيبين، واتهم حزب الحركة القومية بالذوبان السياسي في حزب العدالة والتنمية. وفي خطوة تزيد من حدة التوتر الداخلي شارك نواب حزب الشعوب الديمقراطي في تظاهرة احتفال بعيد ميلاد عبدالله أوجلان رئيس حزب العمال الكردستاني.

يحمّل أردوغان حزب الشعوب الديمقراطي الذي يتولى بلدية «نصيبين» مسؤولية السماح لحزب العمال الكردستاني بأخذ معدات وقاطرات وإقامة دشم ودعم المسلحين، فالمنطقة على الحدود السورية وهي محاذية للقامشلي حيث يتواجد حزب الاتحاد الديمقراطي السوري الذي تعتبره أنقرة جزءاً من حزب العمال الكردستاني. ويتهم زعيم حزب الشعب الجمهوري كليتشيدار اوغلو، اردوغان بإشاحة النظر عن التجهيزات العسكرية التي كان حزب العمال الكردستاني يحضرها الى جنوب شرق البلاد أثناء خوض العدالة والتنمية الحوار معه 2012 -2015. كما يحمّله مسؤولية الأرواح التي أُزهقت في نصيبين وباقي المناطق التركية.

وقد سجل بعض التفاؤل بعد اقتراح رئيس الوزراء التركي احمد داود اوغلو أثناء زيارته الاسبوع الماضي لدياربكر في الجنوب الشرقي، استئناف الحوار مع الاكراد، في حال وافق حزب الشعوب الديمقراطي على العودة الى مقرّرات 2013، ومناشدته حزب العمال الكردستاني إلقاء السلاح والعودة الى المفاوضات إلا أنه تمّ التراجع عن هذا التفاؤل بعدما اقفل اردوغان باب الحوار ورفع سقف تهديداته بتجريد حزب الشعوب الديمقراطي من الحصانة البرلمانية، كذلك سحب الجنسية التركية من جميع مؤيدي حزب العمال الكردستاني. هكذا اطلق اردوغان رصاصة الرحمة على مبادرة داود اوغلو كي يحسم هو القضايا التي تعتبر دستورياً من صلاحيات رئيس الحكومة.

يرتفع التوتر في ظلّ الخلافات مع واشنطن وفي ظلّ العمليات ضدّ «داعش» في سورية والعراق حول حزب الاتحاد الديمقراطي الذي تعتبره انقرة إرهابياً وترى انّ هذا الدعم يعيق إيقاف القتال في الجنوب الشرقي. لكنها تكرر الأخطاء القديمة التي مورست في الماضي مع حزب العمال الكردستاني، والتي أسفرت عن استمرار الحرب ومزيد من الخسائر في الأرواح والاقتصاد.

يتقدّم الأكراد في سورية مع الولايات المتحدة وبدعم من روسيا، وتثبت واشنطن لأنقرة بالملموس انها لن تتخلى عنهم من أجل إرضائها، بينما يقوم السفير الأميركي في انقرة بدعوة حزب العمال الكردستاني الى التخلي عن السلاح والعودة الى الحوار.

يعتقد المراقبون انّ أردوغان الذي يصرّح بأنه سيذهب في القتال حتى النهاية لا يمكنه ان يتحمّل خسارة عدد أكبر من رجال الشرطة، فهو لن يستطيع القضاء على حزب العمال الكردستاني، في ظلّ الظروف القائمة في الشرق الاوسط، ولن تستطيع المؤسسة العسكرية تحمّل وزر القتال الى ما لا نهاية، لكنه لا يبدو مستعداً لوقف إطلاق النار مع حزب العمال طالما ينوي الحصول على النظام الرئاسي، إذ إنه سيقدّم مشروع قانون الى البرلمان من أجل ذلك، ولن يغامر بخسارة أصوات القوميين الذين يدعمون القتال ضدّ حزب العمال حتى النهاية، فهو لن يتمكّن من الحصول على النظام الرئاسي الا في ظلّ الحرب هذه التي تضرب النسيج الاجتماعي التركي وتسمّم أجواءه.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024