إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

هل سيدفع أوغلو وحده ثمن سياسات تركيا خلال «الربيع العربي»

د. هدى رزق - البناء

نسخة للطباعة 2016-05-28

إقرأ ايضاً


سيدفع أحمد داود أوغلو ثمن السياسات التي اتّبعتها تركيا خلال «الربيع العربي»، هذا ما عبّر عنه «إحراجه فإخراجه من الحكم» ظهر الأمر وكأنه مُبيّت، لأنّ اسم بن علي يلدريم كان مطروحاً منذ ثلاثة أشهر لخلافته. فقد جرى اتهام أوساط أوغلو بتسريب صورة ابن يلدريم في أحد كازينوات سنغافورة، ما اعتبر محاولة لتشويه صورة يلدريم.

يشكل الإخلاص هاجساً لأردوغان المسكون بفكرة لازمته، منذ تظاهرات حديقة غزي وفضيحة الفساد في كانون الأول/ ديسمبر 2013.

خاضّ حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية بداية عام 2014، وفازّ بأغلبية ساحقة. في وقت اعتقدت فيه الأوساط السياسية الداخلية والخارجية أنّ فضيحة الفساد ستؤثر في شعبيته، لكن أردوغان أصبح رئيساً للجمهورية في العام نفسه عبر الانتخاب المباشر من الشعب، مما اعتبّر استفتاء على زعامته، وبداية الموافقة على النظام الرئاسي.

اعتبر أردوغان فضيحة الفساد مؤامرة غربية ضدّه بعد الانقلاب على الرئيس الإخواني محمد مرسي، ارتاب من موقف واشنطن، زادت شكوكه بعد تنحّي أمير قطر ووزير خارجيته، شعر بأنّ هناك تحوّلاً في المشروع السياسي الغربي الذي اعتبر تركيا نموذجاً لبلدان «الربيع العربي»، وخشيّ أن يكون هو الضحية التالية. قرّر التخلص من جماعة الخدمة واعتبرها «دولة موازية» واتهمها بالعمالة للخارج، بعدما شكلت عماد سلطته في مرحلة التأسيس 2002، وكانت شريكته في إضعاف سلطة الجيش، عاد وتنصّل مؤخراً من الموضوع وألصق التهمة بالجماعة وبرّأ الجيش من التآمر لقلب نظام الحكم، ابتعد عن غول وأبعده عن السياسية بسبب موقفه التوفيقي بينه وبين غولين وعدم موافقته على اقتراحاته بشأن التدخل في عمل البنك المركزي. خاض معركة الحزب بدم جديد عبر مجموعات شبابية «أردوغانية» نشأت على صورته كقائد، واستطاع أن يكسب معركة الحزب.

وضع المؤسسون أمام خيار واحد إما معي او ضدّي ولا مجال للانتقاد، فيما انفصل أحمد داود أوغلو عن حرس الحزب القديم والتصق بأردوغان الذي حمّله فيما بعد مسؤولية خسارة حزب العدالة والتنمية، لأكثرية برلمانية يمكنها تأليف حكومة بمفردها. قلب الطاولة على الجميع وأعاد رسم السياسة الجديدة، التي تعيشها تركيا منذ انتخابات 7 حزيران 2015 حتى اليوم. سجل انتصاراً بالدم في انتخابات الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر 2015. لكن ثقته بأحمد داوود اوغلو تهاوت، بسبب التناقضات بينهما على كيفية التعامل مع المشكلات الداخلية والخارجية، التي تراكمت في الاونة الأخيرة، لم يغب توجّسه من انقلاب صديقه عليه.

وكما كان متوقعاً عبّرت الحكومة التركية الجديدة عن الإخلاص التامّ لأردوغان، لم يتمّ تغيير كلّ الوزراء كما توقعت بعض الأوساط. تمّ الابقاء على محمد سيمسك وهو نائب رئيس الوزراء للشوؤن الاقتصادية، الذي كان وزيراً للمال في حكومات أردوغان السابقة، كذلك تولى لطفي الفان حقيبة وزارة التنمية وكان من المتوقع أن يعاقب لأنّه قريب من اوغلو، أما السبب الأساس لبقاء سيمسك فهو تطمين المستثمرين الأجانب والأسواق المالية، لأنّ وجوده في الحكومة يُشكل ضمانة للبنوك الدولية وللمحيط المالي، وهو كان مقرّباً من علي باباجان الذي حازّ على ثقة المستثمرين الأجانب والبنك الدولي والوسط المالي.

وجود هذا الرجل في حكومة يلدريم هو فقط من أجل تبديد مخاوف الأسواق المالية الدولية، لكنّه لا يملك سلطة في صناعة القرار في الشؤون الاقتصادية والمالية، إذ أوكلت هذه المهمة لنورالدين جانيكلي نائب رئيس الوزراء الجديد، وهو إسلامي متشدّد اشتهر بمواقفه التي لا تتوافق مع النظرة الشاملة للأسواق المالية، فاختياره هذا سيحدّد القرارت الاقتصادية والمالية، وليس من قبيل الصدفة قيام الحاكم الجديد للبنك المركزي بزيادة تخفيض أسعار الفائدة وفقاً لرأي أردوغان. حدث هذا الأمر يوم إعلان الحكومة الجديدة وليس معلوماً، كيف سيكون ردّ الأسواق المالية على هذه الإجراءات.

جرى التخلي عن يلتجين اكدوغان كاتب سيرة الرئيس اردوغان، مع أنّه كان مخلصاً له ولم يكن مقرّباً من اوغلو، لكنه مثّل مرحلة سياسية تخلى عنها اردوغان واتّسمت في الحوار مع الاكراد والانفتاح. اما الاستغناء عن فولكان بوزكير العلماني وزير شوؤن الاتحاد الأوروبي فكان أمراً طبيعياً بسبب قربه من اوغلو. فيما خفتت هالة هاكان فيدان رئيس الاستخبارات الذي اعتبر الصندوق الأسود وحافظ أسرار أردوغان، بعد أن تقلّب بينه وبين أوغلو الذي طلب منه تقديم استقالته من أجل الترشح للانتخابات البرلمانية، لكن عودته عن الإستقالة بطلب من أردوغان لم تعد الثقة بينهما، وتحوّلت إلى وزيري العدل والداخلية اللذان بقيّا في منصبيهما بعد مساهمتهما في تنفيذ سياسة أردوغان في القضاء على جماعة «الدولة الموازية» وفي وضع اليد على مفاصل القضاء. تمّت اقالة فريدون سينيرلي اوغلو العلماني المقرّب من اوغلو مع أنّه مهندس إعادة العلاقات مع «إسرائيل» بالرغم من أنّّّه لم يقدم على أيّ خطوة دون استشارة اردوغان.

يبدو أنّ عهد يلدريم غير قابل للطعن، وهو سيحاول إجراء إصلاحات وتغييرات شاملة على مستوى الكوادر والمسؤولين في الادارة.

أمور كثيرة يُرجح أن تكون لها تأثيرات جذرية في السياسة التركية بعد موافقة اردوغان على الحكومة التي سوف تنال ثقة البرلمان في 29 ايار، في الوقت الذي تمّ فيه الإعلان عن اللجنة المركزية الجديدة لصناعة القرار في حزب العدالة والتنمية.

تضمّنت أولى رسائل رئيس الحكومة بن علي يلدريم في السياسة الخارجية، إصلاح علاقات تركيا مع دول الجوار ولقد ذكرّ أنّ الأزمات تحيط بتركيا، والحلّ يكمن بزيادة الأصدقاء وتخفيض عدد الأعداء. تضمّن البيان نقداً مبطناً لأحمد داوود اوغلو وخياراته في السياسة الخارجية، التي زادت من عزلة تركيا، وأنّ هذه المسألة سوف تكون من أولويات الحكومة، مع العلم أنّ معظم الانجازات التي يتمّ الحديث عنها هي من صنع حكومة اوغلو بدأ بالعلاقة مع «إسرائيل» إلى نيّة إقامة حوار سياسي بين العاصمتين، العلاقة بين انقرة والقاهرة وترميم العلاقة مع العراق ومحاولة إعادة بناء الجسور مع روسيا، الذي سيأخذ وقتاً طويلاً. لكن الإشارة المهمة كانت إلى سورية حيثُ قال يلدريم، بأنّ هذه الحرب لا معنى لها حيث يقتل المسلم أخاه المسلم. وهي عبارة استعملها اردوغان في افتتاح قمة منظمة المؤتمر الاسلامي في اسطنبول حيث دعا المسلمين إلى التوحد وعدم الاقتتال. يأتي هذا التصريح في الوقت الذي تحاول فيه أنقرة التكيّف مع حقيقة أنّ الرئيس السوري سيبقى في منصبه. وتحاول حماية حدودها وتكثيف الجهود لقتال داعش. في الوقت الذي تنتقد فيه الأميركيين بسبب التعاون مع حزب الاتحاد الديمقراطي وهو جزء لا يتجزأ من حزب العمال الكردستاني.

هذه التصريحات إضافة إلى كلام وزير الخارجية التركي، عن القبول بنظام تعدّدي في سورية تطرح التساؤل حول إمكانية إيقاف تركيا دعمها للمعارضة السورية، والدور الذي تلعبه في إقناع قطر والسعودية بوقف دعمهما العسكري للمسلحين.

سيقطف أردوغان ثمار إصلاح العلاقات مع الخارج ويلقي مسؤولية الحرب في سورية على كتف أحمد داوود اوغلو الذي يبدو وكأنه خرج بخفي حنين.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024