شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2016-08-13
 

تركيا ما بين موسكو وواشنطن

أسامة العرب - البناء

في قمة باكو، شدّد زعماء روسيا وإيران وأذربيجان على ضرورة تعزيز التعاون بينهم لمواجهة التحديات المشتركة، مشدّدين على ضرورة توحيد جهودهم لمواجهة خطر تمدُّد الإرهاب الدولي إلى أراضيهم. حيث إنّ هذه القمة تتجاوز إطار القمم العادية لتشكل إطاراً سياسياً للعمل المشترك ولحلحلة كافة ملفات وقضايا المنطقة العالقة. كما أنها تشكل أرضية لتعزيز العلاقات بين طهران وموسكو في ما يتعلق بتطورات ملف طهران النووي ومعالجة الأزمة السورية ومواجهة أشكال الحصارات الاقتصادية كافة التي يتوسّلها الغرب للتضييق عليهما.

وإذا كانت قمة باكو تأتي ضمن محور مواجهة السياسات الأميركية في المنطقة، فإنّ لقاء بطرسبورغ، يأتي على وقع احتواء أردوغان الانقلاب التركي الفاشل في 15 تموز، ولبحث إعادة العلاقات الروسية ـ التركية في مختلف المجالات مرحلة بعد مرحلة، ومناقشة الوضع في سورية، وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ خبراء من روسيا أشاروا إلى قيام أردوغان بإجراء مكالمة هاتفية مع نظيره الإيراني حسن روحاني، حيث لوّح أردوغان إلى إمكانية تشكيل تحالف ثلاثي يضم روسيا وطهران، ما سيتطلّب، حكماً، تعديل الموقف التركي من سورية. كما سبق لوكالة «إيرنا» الإيرانية أن نقلت عن أردوغان في تلك المكالمة قوله: «إننا اليوم عازمون، أكثر من أي وقت مضى، على أن نسير جنباً إلى جنب مع إيران وروسيا، لنساهم بالتعاون معهما في حلّ القضايا الدولية، كما أننا مصمِّمون على تكثيف الجهود الرامية إلى استعادة السلام والاستقرار في المنطقة». ولهذا صرّح لاحقاً نائب وزير الخارجية الإيراني إبراهيم رحيم بور قبل يوم من اللقاء الروسي ـ التركي في بطرسبورغ، بأنّ المنطقة بحاجة إلى علاقات طيبة بين بلاده وروسيا وتركيا، وطالب بتعاون جديد تحت صيغة تركيا ـ روسيا ـ إيران، مؤكداً أنّ بلاده مستعدة للمضي في هذا الاتجاه. ومن ثم قام وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بزيارة العاصمة التركية أنقرة، للقاء نظيره التركي مولود تشاوش أوغلو، ثم الرئيس رجب طيب أردوغان.

وتأتي هذه التطورات كلها عقب محاولة الانقلاب العسكري الضخمة التي هزّت تركيا، وهذا الحدث لا يمكن فصله أبداً عن الملفات الخارجية والقضايا الإقليمية الساخنة في المنطقة، خصوصاً بعدما ظهر تباعد كبير في السياسات بين أنقرة وواشنطن إزاء قضايا هامة عدّة، أبرزها مسألة الأكراد ودعم الولايات المتحدة والغرب لمسألة إنشاء كيان كردي جنوب شرقي الحدود التركية، تتولاه، إدارياً وعسكرياً، تنظيمات كردية منضوية تحت نهج حزب العمال الكردستاني وفكره.

يبدو أنّ مفاعيل ما تقدم قد تؤدي إلى انقلاب حاد في معادلة السياسات الخارجية التركية وإلى تغيرات هامة على صعيد العلاقات مع دول كبرى مثل روسيا، ودول إقليمية مثل طهران وسورية والعراق، خصوصاً أنّ بعض تداعيات الانقلاب الفاشل في تركيا بدأت تطلّ برأسها على مسألة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وعلى ملف اللاجئين والتعاون الأمني في ما يتعلق بمكافحة الإرهاب، وقبل كلّ هذا على حلف «الناتو» والعلاقات العسكرية التركية معه. وما أدلّ على ذلك سوى تصريحات رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، الذي قال «إنّ أي دولة تأوي الإرهابي فتح الله غولن سوف تكون عدواً لأنقرة»، وتصريحات وزير العمل التركي سليمان صويلو الذي قال «إنّ الولايات المتحدة كانت تقف وراء الانقلاب الفاشل التي أدى إلى مقتل 265 مواطناً على الأقل». كذلك، في مقابلة أجراها أردوغان مع وكالة «تاس» الروسية قبل زيارته لبطرسبورغ، ربط هذا الأخير حلّ الأزمة السورية وإمكانية إيجاد تسوية لها بالتعاون مع روسيا حصراً، قائلاً: «من المستحيل التوصّل إلى حلّ للأزمة السورية من دون مشاركة روسيا، وسيكون بإمكاننا تسوية الأزمة السورية فقط بالتعاون مع روسيا». فيما تجاهَل الحديث عن أي دور أميركي، وهاجَم الاتحاد الأوروبي، قائلاً «إنّ الاتحاد الأوروبي تخلّى عن وعود قطعها لتركيا، وهو يخدعنا منذ 53 سنة، وعليه أن يترك سياسة الكيل بمكيالين».

ولكن هل ستتطور العلاقات الروسية التركية إلى أبعد من ذلك؟ إذ أعرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد اللقاء أنّ مقاربات بلاده من سبل التسوية في سورية لم تكن تتطابق دائماً مع المقاربات التركية في السابق، لكنه شدّد على أنّ لموسكو وأنقرة هدفاً مشتركاً في هذا السياق، وهو تسوية الأزمة السورية، وقال: «انطلاقاً من هذا الموقف المشترك سنبحث عن حلّ مشترك مقبول». أما أردوغان فقال: «إنّ العلاقات التركية ـ الروسية، ليست فقط علاقات اقتصادية وتجارية، فنحن نأمل أيضاً بأن يجلب تطبيع العلاقات السلام والاستقرار إلى الإقليم»، موضحاً أنّ الجانبين، ورغم اختلاف وجهات نظرهما حيال الأزمة السورية، إلّا أنهما متفقان على إيجاد حلول لتلك الأزمة.

ولكن يبدو واضحاً أنّ بوتين ينتظر أن يقطف بالاقتصاد ما ينتظره من السياسة التركية، لهذا فقد جرى الاتفاق بينهما على رفع حجم التبادل التجاري بين الدولتين إلى 100 مليار دولار، وعلى ضرورة العمل بمشروعين للطاقة، هما محطة «أكويو الكهروذرية»، وإعادة إحياء مشروع السيل التركي لمد خط الغاز تركستريم إلى أوروبا والذي يفترض أن ينقل 31,5 مليار متر مكعب سنوياً إلى تركيا عبر البحر الأسود، بعدما استعاضت روسيا عن تأسيس خط السيل الجنوبي بمشروعٍ السيل التركي لأنه أقلّ تكلفةً كونه يمر بتركيا بدلاً من دول البلقان وسط أوروبا، وذلك رداً على مواقف الاتحاد الأوروبي الذي فرض شروطاً تعجيزية على روسيا للتأثير على موقفها من أزمة شرق أوكرانيا.

ويبدو واضحاً أيضاً، أنّ تركيا في مثل هذا الوضع تحاول أن تدخل في تحالفات تكتيكية، تهدف إلى حشد دعم من جانب الحلفاء الذين يمكنهم أن يلعبوا دور التوازن في علاقاتها المتدهورة مع أميركا والاتحاد الأوروبي.

لهذا، وإن كانت التصريحات التركية التي صدرت مؤخراً حيال الأزمة السورية لم تدل على أي تغيير جذري في المواقف المعلنة، إلا أنّ الصورة الجيوسياسية تتغيّر دوماً، لا سيما أنّ تركيا تخشى قيام كيان كردي مستقل في شمال شرق سورية وشمال العراق، كما أنّ من المتوقع أن تواجه مستقبلاً مزيداً من الأزمات الداخلية على خلفية نزاعها مع المعارضة التركية وحزب العمال الكردستاني، وهذا ما سيجعلها تقترب أكثر فأكثر من روسيا وإيران.

وبالتالي، فإن كان أردوغان جاداً باقتراحه حول تشكيل تحالف مع روسيا وإيران، فما عليه سوى أن يسعى إلى تحقيق الاستقرار في سورية، وأن يوقف تمدّد الإرهاب من بلاده إليها، وأن يقطع علاقته بـ «إسرائيل»، وأن يخرج من حلف الناتو، وأن ينضمّ بالمقابل إلى دول «بريكس» أو«الاتحاد الأوراسي» عبر البوابة الروسية، وهو ما حدث في بداية العقد الماضي حينما توجّه أردوغان سياسياً واقتصادياً إلى دول المنطقة، وعلى رأسها سورية، وهو أيضاً ما تغيّر عقب 2011 إلى النقيض التام، وهذا ما يدفع ثمنه غالياً اليوم.

ولكن بالرغم من كلّ ما تقدّم، فإنّ ما سيحسُم خيارات أردوغان مستقبلاً، هو مدى تفاعل واشنطن وأوروبا مع محاولات التطهير التي يجريها أردوغان في بلاده ومسألة إقامة الكيان الكردي المستقل المحتمل. وما أدلّ على ذلك، سوى خطابه الناري الذي أعقب عودته من بطرسبورغ: «على واشنطن أن تختار عاجلاً أم آجلاً بين تركيا وبين جماعة فتح الله غولن».


 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه