شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2016-08-14
 

إفلاس

الأمين عجاج المهتار

تمهيد 9 آب، 2016*


بين أوراق الأمين عجاج المهتار غير المنشورة ثمة رسالة بعنوان "إفلاس[1]"، موجهة إلى "حضرة الزعيم الجليل" وتاريخها شهر تموز (يوليو)، سنة 1946.

كان الأمين عجاج بصدد إرسال هذه الرسالة إلى سعادة في الإرجنتين، ولكن بعد الإعلان في مهرجان ضهور الشوير من تلك السنة، عن عودة سعادة المرتقبة، احتفظ بها وسلمها إليه باليد بعد عودته.[2] ليس لدينا نسخة أصلية من تلك الرسالة ولكن لدينا مسودتها الأولى، كما لدينا النسخة التي أعاد الأمين عجاج نسخها وتنقيحها بعد سنوات. سوف نعتمد المسودة الأولى لناخذ فكرة عن ردة فعل الصف الحزبي على "الواقع اللبناني"، وكيف تصرف حياله.

الرسالة طويلة وشاملة وتتضمن مقدمة بالإضافة إلى الأبواب التالية:


- إفلاس في المناقب القومية.


- إفلاس في السيطرة على الأعضاء والفروع.


-بتر المبادئ القومية (وهي موضوع هذا القسم، أي "الواقع اللبناني").


- لمحة عن الأحزاب الأخرى وحجمها ونموها على حساب الحزب.

سوف نستعين بمقدمة الرسالة وبفصل "بتر المبادئ القومية" منها، لأنهما، في رأينا يعطيان صورة وافية عما نبحث عنه، إضافة إلى أنهما يخاطبان واقع الحال اليوم في الحزب، فكأنهما يصفان ما يدور فيه اليوم.

كذلك الأمر، فإنها تخاطب العقل القومي الاجتماعي اليوم فيما هو حائر بين الالتزام بالنظام بالرغم من ابتعاد حامله عن "المبدأ الذي وراءه والغاية التي أمامه"، كما قال سعادة، ام معارضة الانحراف ومحاربة الفساد، بما فيه "النسف" و"إعادة البناء".


من مقدمة الرسالة


"إن شوقي إليكم هو شوق الأمة إلى منقذها والبلاد إلى ابنها الحبيب، وهل بامكان عاجز مثلي أن يتمكن من تصوير عاطفة الأمة وشوق البلاد إلى زعيمها الجبار ومنقذها الأمين بمداد من قرطاس؟ علواه.

إن الوجدان القومي الذي أيقظته فينا، بعد غفلته الطويلة، وقد انتصب منذ يقظته رقيبًا جبارًا على أعمالنا وتصرفاتنا القومية – هو الذي يملي علي هذه الرسالة، والأمانة الصادقة، والإخلاص المجرد يشفعان بي لديكم عن كل هفوة أو تقصير.

ولم يكن تأخيري إلى اليوم عن تقصير أو عدم كشف الواقع المؤلم الذي نحن فيه – إنما كان تربصًا لعل الله يهدينا لى أصلاح أنفسنا بأنفسنا، فتأتيكم أخبارنا سارة مشرفة لنا ولدى التاريخ، وتكون لكم بمثابة تعزية عن الغربة والتشتيت ومكافئة على معجزة أتيتموها في بلاد وأمة لا ينقذهما إلا المعجزات.

ولكن الانتظار، مع الأسف الشديد طال، ولم يزد العلة إلا تمكينًا ويخشى إذا طال السكوت أن يتعذر على الطبيب مهما يكن حاذقًا، استئصالها وشفاء العليل منها.

ولما كان لا بد للحقيقة من الظهور إن عاجلاً أو آجلاً. وحيث أن السكوت عن العلة وإخفائها عن الطبيب يؤدي إلى قتل المريض – وهذا جريمة.


وبما أننا تعلمنا الصراحة وقول الحق من معلمنا الأول، الزعيم.

أتينا بحقيقتنا العارية....مستغفرين عن وضع هذه الرسالة وهي الأولى منا لحضرتكم تحت عنوان "إفلاس."

...إذا جاز لنا الحكم على الأسباب من خلال النتائج، ووزن الاشخاص بمثقال خلاصة الأعمال فلا بد لنا من الاعلان، بمزيد الأسف، إن الذين تسلموا مقدرات "الحزب السوري القومي" طيلة سبع سنوات – وكانوا القائد الوكيل في غياب القائد الأصيل – قد أفلسوا إفلاساً معنويًا، إداريًا، ومناقبيًا، إفلاسًا إذا انكشف بحقيقته للرأي العام فقد يجر إلى إفلاس النهضة القومية – إذا لم يأت المنقذ لا سمح الله – ويجر بالتالي إلى إفلاس الأمة السورية النبيلة ويأسها من كل إصلاح وعقمها وفنائها إلى الأبد.

...قد يقول قائل: "إن الحزب السوري القومي لا يزال حزبًا، والفروع فروعًا، وإن عدد أعضائه بتزايد مستمر، وإن للحزب جريدة يومية، ومكتبًا على تواضعه بالنسبة لأزمة السكن، مقبولاً، وإن المنشورات الحزبية الاذاعية والثقافية غنية وخصبة. والمهرجانات الكبيرة المتعددة التي أقامها الحزب في الصيف الماضي في بعض مقاطعات لبنان وإلخ...كل هذه مظاهر ناطقة بوجود الحزب واستمرار حيويته.

فلو سلمنا بهذا القول – مع الكثير من التحفظات – لا بد لنا من الاعتراف بأن الحركة اليوم أشبه بآلة تسير بقوة الاستمرار، ولكنها خالية من الروح والقلب والدماغ، وما روح الحركة القومية الوثابة وقلبها النابض ودماغها الخلاق المبدع إلا زعيمها وخالقها.

ولا بد لنا من التأكيد بأن الحركة تسيرها الظروف – اليوم – أكثر مما يسيرها ويقودها "المركز"، وللحزبية المحلية والخلافات الموضعية الكثيرة في القرى والمدن والأحياء، اليد الطولى في تسيير الحركة وتكثير عدد الأعضاء - ولكنها كثرة التضخم المضر الفاسد – لأنها بدون مسيّر ولا ضابط. ولأن الفهم والإيمان والطاعة والأخلاص مناقب لا تعرف طريقًا إلى قلوب الكثيرين من أعضاء الحزب وفروعه الجديدة. وإذا كان صميم الحركة "المركز" قد تخلى عن المقدس الثمين من هذه المناقب فهل من المستغرب أن تتركها الفروع؟"[3]


من قسم "بتر المبادئ القومية"


"لبننة الفكرة في لبنان واستعرابها في الداخل والجنوب وشجار مسلح في المجلس الأعلى.


لقد تلبننت فكرة "القومية السورية" في لبنان واستعربت في الشرق والشمال والجنوب إلى مدى بعيد.

فاللبناني اليوم يفهم الفكرة من خلال لبنانيته، وحزبيته الطائفية المحلية، ويدوم احتفاظه بها ما دامت تؤمن له مصلحته وحزبيته المحلية، وتحافظ له على "أصنامه" الإقطاعية والطائفية.

وقد تجلت هذه الظاهرة الخطيرة في معارك الانتخابات النيابية العامة، والفرعية، فقد رأينا المئات من القوميين، والبارزين منهم أحيانًا، يتركون أنصارهم ويضربون عرض البحر بأوامر "المركز" في سبيل المحافظة على حزبيتهم المحلية وعلاقاتهم الشخصية. لاسيما وقد ذاب الحزب أو كاد، في الكتلة الدستورية وحزبية المير مجيد في مواسم الانتخابات قبل الرخصة وبعدها.

...وظهرت لبننة الفكرة ونمت مع الزمان منذ استحصل المركز على "رخصة رسمية" من الحكومة للعمل الحر في منطقة لبنان باسم "الحزب القومي" رئيسه الدائم نعمة ثابت، ببرنامج يحمل المبادئ الإصلاحية مشوهة مبتورة، ويهمل المبادئ الأساسية وخالقها أيضًا. وكان ذلك في 20 مايو، 1944. فمنذ ذلك الوقت تلبنن "المركز" إلى حد بعيد ومفضوح ومستغرب، وأصبح التلفظ باسم الزعيم جريمة، وذكر سورية كفر ووضع شارة الحزب الأصلية "الزوبعة" مخالفة إدارية يعاقب عليها، وافتتاح الاجتماعات العامة والخاصة باسم سورية والزعيم، أو الهتاف بهذين الاسمين المقدسين ممنوع منعًا بتاتًا بموجب أوامر حزبية رسمية صادرة عن عمدة الداخلية الموقرة.

ولم يقتصر إلغاء جميع هذه التقاليد على الكتابة والتعاميم – ظاهريًا – فحسب، بل هي سائرة في طريق التلاشي والنسيان بين صفوف المركزيين وجميع المتلبننين. وحجة المركزيين – على هذا التصرف الشاذ - ظاهرها المحافظة على الرخصة وباطنها عند علاّم الغيوب، وأن الحكومة تنتزع هذه الرخصة عند أقل مخالفة أو هفوة تخل بشروط المعاهدة. وقد رضي المركزيون على ما يبدو بالتخلي عن جميع المناقب والتقاليد القومية وقبلوا بالتخلي عن المبادئ والفكرة والهدف والنهضة في سبيل المحافظة على الرخصة و"مركزيتهم" ومن حقهم المحافظة عليها. ألم تؤمن لهم وضع أسمائهم في سجل التشريفات الحكومية، وأوجبت دعوتهم في المناسبات الرسمية والأعياد الطائفية، وضمنت بقاءهم مسؤولين دائمين عن مقدرات الحزب حيال الحكومة؟؟ فإذا تنازلوا عن التقاليد والمناقب القومية في سبيل المحافظة على الرخصة المباركة – فلا عجب ولا خسارة!!!

إن تلبنن الفكرة القومية لم يقتصر على "المركز" والاعمال الداخلية فحسب بل تعداه إلى الاشخاص والفروع، وتغلغل في النفوس وبين الضلوع، وجاهر به من لكلماتهم صدى مسموع في الأوساط المارونية. وهذا كتاب الرفيق أسد الأشقر "من صميم لبنان" الذي أصدره الشهر المنصرم في مصر أصدق برهان. فالفكرة اللبنانية طاغية على هذا الكتاب حتى باسمه.

وهو يعلن بشبه صراحة، إفلاس الحزب والشعب معًا في محاضرته "الحالة الراهنة" عندما يقول "إن الشعب قد مس في صميمه،" إلخ... ويتجاهل أقدمية الحزب السوري القومي عندما يعرض المنظمات والحركات الجديدة وينعتها بالجملة: "بالمدرسة الجديدة."

وجريدة الحزب "صدى النهضة" "متلبننة" "مستعربة" معًا. فهي الآن في العدد 85 (على الأرجح إذ أن النص غير واضح) ولم نر أنها عالجت أي موضوع من خلال فكرة الحزب السوري القومي الأصلية كما كانت تفعل "النهضة" في أحرج الأوقات وتحت أقسى الظروف الاستعمارية الغاشمة...."

وبعد أن يسرد الأمين المهتار تفاصيل الانقسام الذي حصل بين رفقاء الداخل (الشام) ورفقاء لبنان، وطرد المسؤولين في لبنان لبعض الرفقاء الشوام، وتهديد هؤلاء بطرد الرفقاء اللبنانيين، والخلافات داخل المجلس الأعلى يختم بهذه العبارات:

"هذا قليل من كثير على بيّنات الإفلاس الذي مني به "المركزيون" في غياب الزعيم... وهناك حقيقة لا يمكن إنكارها وهي أن تعاقب السجون والاعتقالات القاسية طيلة أيام الحرب كان عاملاً فعالاً في تأخير ظهور هذا الإفلاس، وكان الاعتقال في كل مرة بمثابة المنقذ أو المؤخر عن الوصول إلى هذا الواقع المؤلم الذي وصلنا إليه.

إن الحزب اليوم هو أشبه بمملكة آل عثمان في آخر أيام "عبد الحميد" أخصامه كثيرة وقوية ومحدقة به من كل صوب ومصممة على سحقه ولكنها لا تزال تتهيب قوته وتتوهم مناعته، فهي لو علمت بضعفه الداخلي وبفساد أعمال بعض المسؤولين، وأن ضربة واحدة قوية قد تكون هي القاضية عليه لما تأخرت حتى اليوم عن تسديد هذه الضربة...

..إن القوميين المخلصين الذائبين في قوميتهم السورية منكمشون على أنفسهم يرقبون مجرى الأمور بألم ومرارة، وما سكوتهم إلا احترامًا لمشيئة "صاحب الوزنات" ومحافظة على "الوزنات" وعلى مؤسسة يقدسونها وقد أذابوا زهر العمر في سبيل بقائها وسلامتها، ويعلمون أن أية حركة في داخلها – في غياب الزعيم – تؤدي حتمًا إلى مثل نتائج مصرع يوليوس قيصر..."


للرسالة ذيل بعنوان – الإصلاح – هذا نصه:


"قصة يوسف ألف بيت وبيت بيجمع الكل."[4]

وأول الحكاية وآخرها تتوقف على الجواب على هذا السؤال:

"هل المعلم سيعود أم لا؟..."

فإذا حاولنا الهدم قبل أن نعد العدة، ونحضر المواد والبنائين لتعمير أفضل مما سنهدم، فيكون عملنا ناقصًا وبالتالي فاشلاً...

وإذا حاولنا الترقيع تظهر العيوب العتيقة في الثوب المهلهل، من خلال الرقع الجديدة فترك الأسمال على حالها "أستر" وأفضل...

فلا إصلاح إلا بنسف الجميع...

لإشادة ما هو أكمل وأفضل

ولا يمكن إجراء عمليات "النسف" ومن ثم "البناء" إلا بوجود المعلم الأول والمهندس الأعظم.

وإذا كان - لا سمح الله – لن يأت فلنردد عنئذٍ مع "شمشون" الجبار

"علي وعلى أعدائي يا رب."[5]


*تحضير: الرفيق أسامة عجاج المهتار


[1] نشر هذا النص كما هو في كتاب "إدارة الاستراتيجية في المنظمة العقائدية، أنطون سعادة والحزب السوري القومي الاجتماعي نموذجا." بقلم الرفيق اسامة عجاج المهتار

[2] المهتار، عجاج، أوراق غير منشورة، "أيام الحزب"، يوم العودة

[3] المهتار، عجاج، أوراق غير منشورة، رسالة "إفلاس"، المقدمة.

[4] أي أن لكل ما طالت يده، بينما بيت الحزب يجب أن يجمع الجميع

[5] المصدر نفسه، فصل "بتر المبادئ القومية".

* الرسالة كانت من حوالي الستين صفحة تقريبا. وقد طبعت هذه الأجزاء من الرسالة يوم قرر الرفيق أسامة عجاج المهتار تضمينها كتابه القيّم عن" إدارة الاستراتيجية". الأجزاء الباقية من الرسالة، وهي مهمة، تتعلق بعرض للأحزاب في لبنان وموقفنا كحزب سوري قومي إجتماعي منها وصراعنا معها، خاصة الشيوعيين، كذلك تفاصيل إدارية.



 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه