شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2016-10-29
 

يهود الاحتلال يُشعلون فتيل حروب السنة والشيعة!

أسامة العرب - البناء

يمثل «مؤتمر المناعة والأمن القومي لإسرائيل»، والمعروف باسم «مؤتمر هرتسيليا»، ما يمكن تسميته «عقل إسرائيل»، حيث تشارك فيه كلّ النخب «الإسرائيلية»، سواء أكانت في الحكم أم في المعارضة، لتتحاور حول أهمّ القضايا التي تواجه «إسرائيل»، وطرح رؤى لكيفية التعامل معها ومواجهتها، ولترتيب أولويات «إسرائيل» ورسم وتوجيه سياساتها المستقبلية.

إلا أنّ الملاحظ بأنّ أغلبية مؤتمرات هرتسيليا المعقودة مؤخراً، باتت توصي الحكومة «الإسرائيلية» بضرورة تكريس الصراع السني – الشيعي في الشرق الأوسط، لإعادة تشكيل المنّطقة مرّة أخرى وتقسيمها إلى دويلات على أسس طائفية، ولكي تتمكّن «إسرائيل» أيضاً من لعب دور قيادي بارز فيها.

ذلك أنّ المسؤولين في المؤتمرات لم يُخفوا توصياتهم بضرورة السعي الى تشكيل محور سنّي من دول المنطقة، ليكون حليفاً لدولة الاحتلال والولايات المتحدة، ضدّ من أطلقوا عليه محور الشرّ، والذي كان بحسب التقسيم «الإسرائيلي»، سوف يكون محوراً للشيعة.

أما في الشأن السوري، فتَخلُص تقارير تلك المؤتمرات إلى القول بأنّ سورية هي المحور الاستراتيجي الأهمّ في هذه الأيام، مشيرةً إلى أنّ الحرب الدائرة في بلاد الشام يجب أن تؤدّي إلى تقسيمها إثنياً ومذهبياً، لأنّ ذلك سيؤثر على الأمن الإقليمي لكلّ من العراق ولبنان، إنْ لم يكن أكثر من ذلك.

علاوة على ذلك، تشير التقارير إلى أنه من الوارد جداً، أنْ تُلزم ظروف معينة الولايات المتحدة وشركاءها الإقليميين في المنطقة، لا سيما «إسرائيل»، بالقيام بخطوات عسكرية دولية في «بلاد الشام»، كما ورد في التقارير. كما تتطرق التقارير أيضاً إلى مصر، مشدّدةً على ضرورة منعها من الاستحصال على أيّ قرض دولي لجعلها تنتقل من حالة الإفلاس إلى حالة «المجاعة» بغية إبعاد أيّ فرصة تقارب مستقبلي بينها وبين موسكو وطهران.

وتتابع التقارير لتؤكّد بأنّ «إسرائيل هي الكنز الاستراتيجي لأميركا» وأنّ المتغيّرات التي تشهدها المنطقة تلزم قادة «إسرائيل» بلعب «دور إقليمي» في الشرق الأوسط وصفته بالبَنَّاء، وهذا الدور سيشكل ركيزة هامة لمساعدة أميركا في مواصلة دورها في المنطقة في وقت يتجه اهتمامها إلى ساحة جديدة، فضلاً عن أنّ ذلك يثبت مكانة «إسرائيل» كـ «ذخر استراتيجي لأميركا» على حدّ قولها.

إلا أنّ النيات «الإسرائيلية» – الأميركية في تقسيم المنطقة على أسس مذهبية وطائفية، ليست سراً على أحد، حيث رسمت خرائط عدّة للمنطقة بعد تقسيمها. كما أنّ الدلائل عديدة على طبيعة الدور الصهيوني في تأجيج الصراع، لا سيما أنه يتمّ بشكل مباشر وبأسلوب «الحروب الناعمة» وتنمية الفكر المتطرّف، وتمويل وتسليح المنظمات الإرهابية ومحاربتها في آن معاً، لكي تبدو الأمور وكأنها إنتاج داخلي محض، أو أنّها مشاكل من صناعة أيدينا.

لكنّ المفاجئ فعلاً هو ما ورد في مقال المؤرخ الأميركي ذي الأصول اليهودية دانيال بايبس تحت عنوان «الفوائد التي يجنيها الغرب من الصراع السني الشيعي» والمنشور في صحيفة «واشنطن تايمز» الأميركية، حيث قال: «إنّ العمل اليوم يجب أن يتجه لخلق مجموعات »سنية متطرفة«، ومجموعات أخرى »شيعية متطرفة« لتقاتل بعضها بعضاً مئات السنين». كما أشار إلى أنّ «المخطط المرسوم مستقبلاً لإيران هو أن يتمّ إقحامها هي أيضاً في الصراع مع السنة لإضعاف قوتها ولتوفير الأمن لإسرائيل، ولإفقادها بهذا الصراع مكتسباتها لدى المواطن العربي كقوة مناوئة لإسرائيل وداعمة لحركات المقاومة، وهو ما يتمّ العمل عليه حالياً، لتصويرها أمام الرأي العام كدولة غازية للعراق وسورية ولبنان»، مؤكداً بأنّ «هذا المخطط هو شبيه بمخطط الحرب العراقية الإيرانية، والتي جلبت الفوائد الكبيرة لأميركا».

والمفاجئ أكثر هو ما ورد على لسان شبيتاي شافيت، الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الإسرائيلية في مقابلة مع «يو إس راديو»، نقلتها مؤخراً صحيفة «جيروزالم بوست» «الإسرائيلية»، حيث قال: «إنّ إسرائيل باتت أكثر تحمّساً تجاه تبني قضية مشتركة مع الدول العربية السنية في منطقة الشرق الأوسط والتي أصابها التوتر والقلق إثر انفتاح الغرب على خصمها المشترك إيران، وتوصل الدول الست الكبرى إلى اتفاق نووي مع إيران». وأضاف: «أنّ لدينا فرصة فريدة لبذل الجهود ومحاولة تشكيل تحالف يضمّ الدول العربية المعتدلة تتزعّمه »إسرائيل«، بغرض مواجهة القدرات النووية المحتملة لإيران في المستقبل، ولوضع «نظام جديد» في الشرق الأوسط».

ما معناه بأنّ مخطط «الفتنة السنية الشيعية» الذي تعدّه المنظمات الصهيونية، لا يهدف فقط إلى بسط النفوذ الأميركي الاستعماري في المنطقة، أو حتى لِنَعي القضية الفلسطينية. وإنما لإنهاء قضية «الاحتلال الإسرائيلي» لفلسطين والقدس والأماكن المقدسة بشكل كامل، ولتحويل الطاقات إلى حرب طويلة الأمد بين السنة والشيعة.

ولهذا، فإنّ كلّ من يسكت عمّا تدعو إليه مخططات الشرق الأوسط الجديد والمجموعات الإرهابية ومن يدعمها سوف يجد نفسه في نهاية المطاف في شبكة الأهداف «الإسرائيلية»، التي تريد تحويل «إسرائيل» إلى دولة كبرى إقليمية تجاورها دويلات صغيرة تتنازع مع بعضها البعض كما خططت له قديماً وثيقة عوديد ينون «الإسرائيلية».

ذلك أنّ حقيقة ما يجري اليوم في المنطقة ليست حرباً طائفية بين السنّة والشيعة بل هي حرب بين الإرهاب ومعارضيه، حرب بين المنفّذين لأهداف أميركا والغرب ودعاة استقلال الشعوب، حرب بين الإنسانية والوحشية والهمجية. إذ إنّ السياسة الصهيونية منذ قديم الأزل تقوم على الهيمنة من خلال التشتيت والتقسيم، حتى يكون ذلك مدخلاً إليها للسيطرة ولبسط النفوذ، ولتمزيق وتفتيت العالمين العربي والإسلامي وسلب مواردهما الطبيعية.

كذلك، فمن الضروري جداً أن تشنّ حملة إعلامية كبيرة لتوعية وإيقاظ الشعوب والمسؤولين في البلاد، من دون الاستهانة بكيد الأعداء، خصوصاً أولئك الذين يركزون على إثارة الحروب الأهلية بين الشعوب لتتناحر في ما بينها تحت عناوين طائفية ومذهبية، متوهّمين بأنهم بالدعاية الإعلامية والتحريض الفتنوي سوف يحقق لهم أهدافهم.

ولا نخطئ إنْ قلنا، بأنّ الحقارة الصهيونية وصلت إلى الدرك، إذ كتب د. رؤوبين باركو في صحيفة «إسرائيل اليوم» مقالاً بعنوان «بدأت حرب السوشي السنة والشيعة ولا ذنب لنا» قائلاً فيه «إنّ الحريق الديني بين المعسكرين ابتدأ. وهو عمل دراماتيكي سوف يمتدّ من العراق إلى سورية فلبنان». كما تابع في السياق التحريضي نفسه قائلاً: «الحديث هنا هو عن دينين مختلفين عدوّين لبعضهما البعض، وها قد تحوّلت المواجهة بينهما إلى حرب دينية».

والحقيقة بأنه على مرّ التاريخ أثبتت العديد من لجان التحقيق البابوية ضلوع اليهود في إشعال حروب المسيحيين في أوروبا، والتي دامت مئات السنين، وها هو التاريخ يكرّر نفسه اليوم، إذ يقرع يهود الاحتلال ولوبياتهم الضاغطة طبول حروب السنة والشيعة في الشرق الأوسط، من خلال رعايتهم للفكر التكفيري المذهبي والفكر التكفيري المذهبي المضادّ، هادفين بذلك لإراقة دماء أبنائنا ظلماً وعدواناً، ولبناء إمبرياليتهم اليهودية الخالصة على أنقاض أمتنا ودولنا العربية والإسلامية.

ومن هذا المنطلق، نخلص للقول بأنّ كلّ من يسعى لمشاركة «الإسرائيلي» بتحقيق أحلامه الإمبريالية متوسّلاً منطق العصبيات اللادينية، فلن يناله سوى العار والخزي، وسينهزم عاجلاً أم آجلاً! وأما كلّ مَن يريد محاربة هذا المشروع الفتنوي الصهيوني المشوّه للتعاليم المتسامحة للرسل، فسوف يناله الشرف والعزّة والكرامة، وسينتصر على أعدائه مهما طال الزمن!


 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه