شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2017-01-26
 

مفهوم الحرية في فلسفة أنطون سعاده - المدرحية القومية الإجتماعية 2

يوسف المسمار

رموز زوبعة الحزب دعائم وقواعد وقيَم

وكلمات الحرية والنظام والقوة والواجب ليست كلمات للتسلية وشعارات للتكرار بل هي"رموز الحزب السوري القومي الاجتماعي الأربعة التي تعبر عن تاريخ الحزب وتاريخ الامة السورية الحقيقي والتي هي الدعائم الاساسية لقيام النهضة " كما عبّر عنها مؤسس الحزب أنطون سعاده . وهذه الرموز هي الدعائم الاساسية الحقيقية التي تشكل وحدة متينة متماسكة لا تجوز تجزئتها تحت مختلف الظروف ،لأن تجزئتها تشوّه وتمسخ حقيقتها وتعرّضها لبلبلة المفاهيم واستنسابية الأذواق وتفرغها من جوهرها القيمي .

الحرية بين الواجب والنظام والقوة

وقد كان الرفيق الدكتور كمال الرافعي موفّقاً كل التوفيق في دراسته " الحرية بين الواجب والنظام والقوة " في قوله : " هل يجوز تجزئة هذه الرموز الأربعة : الحرية والواجب والنظام والقوة بحيث يبدو الواحد منها مستقلاً بجوهره عما عداه ؟ ثم هل للحرية أسبقية أو أفضلية بالنسبة لباقي رموز النهضة ؟ الجواب طبعاً بالنفي في الحالين . فرموز النهضة الأربعة وحدة متكاملة كاملة بحيث لا يمكننا ولا يجوز لنا أن نتصور الواحد منها منفصلاً عما عداه ، فكيف يستقل بجوهره ؟ الحرية تكون في الواجب ، كما يكون هذا في النظام ، وكما يكون النظام بالقوة . هذه القيم الأربع تتسلسل فيما بينها في جوهرها وفي شروط وجودها لذلك هي في النهاية قيمة النهضة الكبرى التي هي تعبيرات مختلفة عن حقيقتها العظيمة" .

فلسفة سعاده بناء متماسك

وبالمناسبة أذكر أستاذ الفلسفة في الجامعة اللبنانية الشهيد الدكتور كمال يوسف الحاج بكل التقدير والحب عندما نصحني بقراءة مقاليه عن أنطون سعاده الأول بعنوان : " سعاده ذلك المجهول " والثاني بعنوان " سعاده الفيلسوف " حيث قرأت له يومها في مقاله الثاني عن فلسفة سعاده هذا الكلام :" أما فلسفة سعاده فبناء متماسك له سقف عال هو الجوهر أو السماء،وقاعدة راسخة هي الوجود أوالأرض، وجدران أربعة هي القيَم الانسانية الكبرى ..أعني الحرية الواجب، النظام القوة . تلك هي الحقيقة."

هذا ما قاله الدكتور كمال يوسف الحاج عن بناء سعاده الفلسفي المتماسك : قاعدة وسقفاً وجدراناً بحيث لا يمكن ان يستمر البناء متماسكاً وقائماً ومتيناً اذا انفصلت الجدران عن قاعدتها وعن بعضها البعض وعن سقفها ،أو انعدمت القاعدة وانهارت الجدران وسقط السقف . ومن المفيد ان نورد ما قاله الدكتور كمال يوسف الحاج عن السقف والقاعدة والقيم الاجتماعية في مقاله "سعاده الفيلسوف "حيث ورد فيه:"السقف هو الجوهر.هو السماء. والسماء واحدة، لا سماوات، والا ألغيت سماويتها . لا تعدد في الجوهر، من حيث هو ، لأنه ذو أقنوم بسيط . والبسيط لا يتجزأ . ثمة جوهر واحد في كل الناس، هو الانسانية ... ولكن السماء ليست في السماء فقط، وانما هي على الأرض، أيضاً ، والا ما كانت سماء ، فمن أراد أن يدرك السماء ، قبض على الأرض ، وسخّرها لغاياته السماوية . لذا كانت الجواهر السماوية وجودات أرضية ... أي كانت القيَم الانسانية تحقيقات قومية . الحق والخير والجمال ، قيَم اجتماعية. الحق انتصار على الباطل في معركة انسانية، وليس في معركة غيبية ، أو الهية ، تجري وراء هذا العالم ، ولا يشترك فيها الانسان - المجتمع الانساني . "

الرسالة السورية القومية الاجتماعية

وقد وضعت ملخصاً لرسالة المعلم سعادة السورية المدرحية القومية الاجتماعية قلت فيه :

" الرسالة السورية القومية الاجتماعية هي رسالة الشعب السوري الى سورية أولاً ،والى العالم أجمع. رسالة الحرية والواجب والنظام والقوة كما أعلنها سعاده .

رسالة الحرية لنا ، ورسالة الحرية لأصدقائنا ، ورسالة الحرية حتى لأعدائنا . انها رسالة الحرية الانسانية .

رسالة الواجب الذي يحمّلنا مسؤولية انقاذ انفسنا،وانقاذ أصدقائنا، وانقاذ أعدائنا أيضاً. انها رسالة واجب انقاذ جميع بني البشر .

رسالة النظام القائم على الحق والعدل الذي لا سبيل سواه لتسديد خطانا ، وتسديد خطى أصدقائنا ، وخطى أعدائنا كذلك . انها رسالة النظام الانساني البديع الذي يحفظ مسيرة الأمم في الاتجاه الحضاري التمدني الصحيح .

رسالة القوة المادية الروحية (المدرحية) التي تحرّك فينا أعظم القيم التي تساعدنا على تعميم العافية والخير والسلام في مجتمعنا ، وفي مجتمعات اصدقائنا ، ومجتمعات أعدائنا . انها رسالة القومية الاجتماعية المادية النفسية الدينامية التي تحرّك الانسان أينما كان نموّاً ورقياً وتسامياً .

انها رسالة أمتنا الى جميع بني البشر توضيحاً وممارسةً وارتقاءً برسالتيّ مسيحنا ونبيّنا : رسوليّ المحبة والرحمة بين الناس .

انها مسؤوليتنا الخطيرة التي هدفها الكبير خلق الانسان - القومي الاجتماعي المجتعي - العالمي ، الواعي ، الناهض ، المناقبي ، الاخلاقي ، المبدع ، المتفوّق الذي يجعلنا جديرين بموهبة العقل ، هبة الله العظمى التي تعني ان لا نقصد في الحياة لعباً ولا لهواً ، بل أن نكون ونستمر سادة الخليقة والكائنات "

فمفهومنا لإنشاء الانسان - العالمي الناهض الذي نسعى الى انشائه بعد ان نحقق نهضة مجتمعنا القومي الاجتماعي هو في تلاقي نهضات الأمم وتفاعلها فيما بينها وتناغم رؤاها وأفكارها وخواطرها وخطط رقيّها وليس في عداواتها وحروبها التدميرية وهيمنة قويّها على ضعيفها ، واستغلال ثريّها لفقيرها ، واحتقار متقدمها لمتخلّفها .

مفهوم الحرية مفهوم نهضوي

ان مفهوم الحرية في فلسفة سعاده المدرحية السورية القومية الاجتماعية انطلق من هذه الرسالة . رسالة النهضة . وأرى من المفيد في هذه الايام ان اعيد كتابة ما كتبته سابقاً عن مفهوم الحرية في الفلسفة القومية الاجتماعية واؤكد من جديد ان موضوع الحـرية مشكلة عميقة الجـذور في تـواريخ ألأمـم . تـناولها الفكر الإنســاني في جـميع عصوره ومراحله، وفي جـميع ميادين ونواحي نشاطاته من فلسفية وأدبية وعلمية واقتصادية وسياسية...الخ

لهذا لن ندَّعي بأننا أول من طـرق باب هـذا الموضوع ، ولا آخـر

من سيخـوض غـماره . فقد تناوله بالدرس والبحث غيرنا كثيرون .

فتعددت بذلك مفاهيم الحرية بتعدد الدارسين والباحثين ، وتمايـزت

وتـنوعت بـتـمايـز وتـنوع الجـماعـات ، والبـيـئات ، والأزمـنة ،

ومستويات حضارات الشعوب.واختلفت مفاهيمها باختلاف معرّفيها ومنطلقاتها .

إلا َّ أن الجديد عندنا هـو الرؤية الجديدة للإنسان والحرية التي تكشفت لنا بنظرة أنطون سعاده الشاملة الى الحياة والكون والفن . الشاملة بمعنى انها نظرة عقلية . نظرة العقل المجتمعي الانساني المحرر نفسه بنفسه بنموّه . بانفتاحه . بديناميته . بتصاعد نضوجه . بتجاوزه كل خطأ . بتخطيه كل صعب . باستشرافه كل حق وصواب وصلاح . باعترافه أن لا أحد من البشر يستطيع أن يعيّن بداية لهذا الوجود ولا نهاية. ولا عمق ولا سقف.ولا جدران مانعة بارادة موجد الوجود وواهب العقل للانسان الذي وصفه أنطون سعاده : " العقل هو نفسه الشرع الأعلى والشرع الأساسي . هو موهبة الانسان العليا . هو التمييز في الحياة . فاذا وُضعت قواعد تبطل التمييز والادراك ، تبطل العقل فقد تلاشت ميزة الانسان الأساسية وبطل أن يكون الانسان انساناً " . فـنحن لا نقول بوجود حرية مستـقـلة بذاتها . لأن الحرية الحقيقية كـما نفهمها ليست حرية العدم بل حرية الوجود.الوجود الإنسـاني الكامل . الإنسان- المجتمع الذي هو مقياس كل الأشياء ، ومتجه كل القـيم .

الانسان في المفهوم القومي الاجتماعي

قبل أن نوضح مفهومنا للحرية، علينا أن نوضح مفهـومنا للإنسـان الذي هو مصدر وجودها وغايتها وضمان استمرارها . لا وجود لحرية خارج الانسان، ولا معنى لحرية افتراضية وهمية في رؤوس كتّاب القصص ، ورواة الحكايات، وفكاهات المهرّجين . الحرية هي ميزة يتفرد بها الانسان دون سائر المخلوقات ، والانسان بدون الحرية هو مخلوق آخر غير انساني . وحيث يكون الانسان تكون الحرية . ومن يبحث عن الحرية خارج الوجود الانساني المجتمعي لا يمكن ان نسميها انسانية . والفرد الانساني الذي لا يمارس حريته كأنسان اجتماعي ليس انساناً حتى ولو كان له شكل انسان . فالرسوم والصور والتماثيل والمجسّمات وسائر المنحوتات والالعاب تشبه هيئة الفرد الانساني ولكنها ليست حرّة ولن تكون حرّة ولن تصبح حرّة حتى ولو نفخت فيهاأنفاس ملايين البشر، وضُخّت فيها أعاصير الكون . الحرية انسانية،وميزة الانسانية الكبرى هي العقل وميزة العقل هي الحرية ، وميزة الحرية هي الصراع في سبيل الأجود والأفضل للانسان وهذه بداية الوعي والنهضة . فاذا لم ننطلق من الوضوح ونفهم الانسان فهماً صحيحاً لا التباس فيه، فلن نصل أبداً الى توضيح مصطلح الحرية وفهمه الفهم الصحيح وسنبقى نتخبط في عالم فرضي وافتراضي هائج بالأوهام والظنون والمبهمات والخرافات .

قال العالم الاجتماعي والفيلسوف أنطون سعاده:"الذين ولدوا في عصر مظلم ولم تر أنفسهم النور قط لا يرجى منهم أن يروا ببصائرهم العمياء الألوان والظلال والخطوط والأشياء والقيم والطرق واشكال الحياة ومعانيها والمثل العليا التي اعتنقتها النفوس التي وُلدت في النور وسارت في النور."

هذا هوا الواقع ،وهذه هي الحقيقة التي تجب البداية منها التي تعني أول شعاع من أشعة الحرية الذي هو تحرر النفوس من البصائر العمياء ومن خرافات المبهمات وذلك بتفعيل البصائر البصيرة والولادة والعيش والحياة والنموّ والنضوج والسير والفعل والانتاج والابداع في النور ،لأن الانسان لا ولن يكون حراً الا في النور الذي يحرره من كل انواع الظلمات . فالنور هو هو لا غيره بيئة الحرية الى أبد الآبدين . والظلمة هي هي لا غيرها جحيم العبودية التي تُعمي النفوس ولن تكون فيها البصائر الا عمياء. العقل البشري اذن هو البداية ولا يظنن أحد انه بغير العقل الانساني الواعي السليم يمكن أن تكون هناك قيمة انسانية يمكن تسميتها بالحرية .

الوضوح في فهم الانسان هو الأساس

ان الواجب الأول في عملية التثقيف الذي قال به سعاده عيّنه بوضوح هو" يجب علينا أن نفهم هدفنا فهماً صحيحاً لنكون قوة فاعلة محققة ولكي نتمكن من العمل المنتج . يجب أن نكون مجتمعاً واعياً مدركاً وهذا لا يتم إلاّ بالدرس المنظم والوعي الصحيح ."

واستناداً الى هذا الوجب الذي يركّز على الوعيّ والفهم الصحيحين والدرس المنظّم شدد سعاده على الوضوح كل التشديد ، فالوضوح هو النور الذي يُولد فيه المتنورون ويسيرون على الهدى الى تحقيق المقاصد الراقية والمُـثُل العليا . الوضوح شرط اساسي للانتقال من حالة مظلمة لا نور فيها ولا تقدم ولا رقيّ أي لا حرية فيها الى حالة جلية يعمّها الجلاء وتتجه فيها البصيرة الى الاهداف السامية والمُـثُـل وهذا ما قاله في هذا الشأن المعلم انطون سعاده :

" كل لا وضوح لا يمكن أن يكون أساساً لإيمان صحيح، وكل لا وضوح لا يمكن أن يكون قاعدة لأي حقيقة من جمال أو حق أو خير، فالوضوح - معرفة الأمور والإشياء معرفة صحيحة، هو قاعدة لا بد من إتباعها في أي قضية للفكر الإنساني والحياة الإنسانية."

الحرية بنت الوضوح المتحرر من المبهم الذي هو عبودية . والحرُّ هو المتحرر من فوضى المبهمات وبلبلات الغموض .

** يتبع


 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه