شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2017-04-08
 

الاستفتاء في تركيا بين الأزمة مع إقليم كردستان والحرب على سورية

د. هدى رزق - البناء

لا يبدو أنّ الضربة الأميركية العسكرية – السياسية على القاعدة العسكرية في مطار حمص، كافية بالنسبة الى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي حاول استغلالها إعلامياً وسياسياً في معركته من أجل كسب الاستفتاء. أتت هذه الحادثة لتطرح تساؤلات حول إمكانية أن تقوم سورية بفعل ضدّ مصلحتها بعد أقلّ من أسبوع على تصريحات للرئيس الأميركي دونالد ترامب حول عدم رغبة الولايات المتحدة إسقاط الأسد.

لكن حكومة العدالة والتنمية حاولت أن تزيد الامور اشتعالاً، باتهام وزير عدلها بكير بوزداغ سورية وقوله للصحافة التركية إنه تم التأكد بأنّ الأسلحة الكيماوية استخدمت بشكل واضح جداً من قبل النظام في سورية، مع أنّ وزير الخارجية السوري وليد المعلم في مؤتمره الصحافي نفى استعمال أسلحة كيميائية، وقال إنّ القوات السورية استهدفت مستودع اسلحة للمعارضة تخزّن هذه المواد إلا انّ المتحدث باسم الرئاسة التركية ابراهيم كالين أكد «انّ الهجوم الكيماوي في ادلب هو من قبل نظام الأسد، وهو جريمة حرب». اما الصحافة التركية فاعتبرت أن قصف سورية للمستودع يُعتبر جرماً وعملاً غير إنساني يؤدي الى اصابة اطفال ومدنيين. فيما قالت الأمم المتحدة إنها ستحقق في الحادث كجريمة حرب محتملة.

ضغطت تركيا منذ فترة طويلة على الولايات المتحدة للعمل على الإطاحة بنظام الأسد، لكن واشنطن لم تحقق لها هذا الهدف، لذلك لم يغفر حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا لإدارة باراك أوباما عدم تدخله في سورية في ايلول 2013. لكنها اليوم راهنت على ضربة يكون لها تأثير في تغيير قواعد اللعبة. وفي خطوة حماسية تركية للعملية العسكرية الأميركية، لم يأبه أردوغان لتفاهماته مع موسكو وإيران اذ أعرب الرئيس التركي عن أمله في أن يتطابق تصريح ترامب مع أفعاله والقيام بعملية عسكرية، وأبدى استعداد تركيا لبذل كلّ ما في وسعها. وأوضح في مقابلة تلفزيونية أنه إذا تمّ اتخاذ إجراء حقيقي، فتركيا ستستعدّ للقيام بدورها. وأضاف من خلال استعماله لغة الجمع بين تركيا والولايات المتحدة بالقول: «دعونا نعلم مَن هو الصديق ومن هو العدو الذي هو الفيروس في المنطقة واتخاذ خطواتنا وفقاً لذلك». وكان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو قد انتقد موسكو لدعمها النظام السوري، وقال إنها ارتكبت خطأ خطيراً في الدفاع عن تنفيذ هذه العملية.

لم ينطق حزب الشعب الجمهوري بكلمة تعاطف واحدة مع ضحايا خان شيخون. وقد أعطت الصحافة المعارضة العلمانية والعلمانية اليسارية المجزرة تغطية ضئيلة، وهي ترى أن إدارة ترامب تشبه إلى حد كبير أسلافها لقد أوضحت أن أولويتها القصوى في سورية ليست تغيير النظام، ولكن هزيمة تنظيم داعش والجماعات المرتبطة بالقاعدة التي تسيطر على الكثير من إدلب. وقد توقعت بعض مراكز الأبحاث التركية أن تكون الضربة الأميركية رمزية اي لن تغير شيئاً في واقع النظام. لأنّ كلّ عمل عسكري كبير ممكن أن يؤدي الى هجرة السوريين المعارضين الى تركيا، وهذا ليس في مصلحة انقرة. حاول أردوغان من خلال تصريحاته استغلال ماجرى لمصلحته في الاستفتاء والإيحاء بأنه لا زال ينسق مع الولايات المتحدة، إلا أن الضربة هذه لم تأت على قدر آمال الرئيس التركي الذي دقّ طبول الحرب.

الخلاف مع البرزاني حول كركوك

تولى أردوغان في سعيه للترويج لمشروعه الدستوري الخطابات الاحتفالية وهاجم اوروبا واعتبرها نازية وصليبية بسبب منعها وزراءه من الترويج للاستفتاء على الاراضي الاوروبية التي يقيم فيها مهاجرون أتراك، لكن ظهرت أولى علامات أزمة محتملة بين أنقرة وأربيل عندما قرر مجلس المحافظة الذي يسيطر عليه الأكراد في مدينة كركوك الغنية بالنفط رفع العلم الكردي إلى جانب العلم العراقي فوق القلعة التاريخية للمدينة وغيرها من المؤسسات الرسمية. الأمر الذي أثار قلق تركيا، حيث تسود الحساسيات القومية عندما يتعلق الأمر بكركوك، التي تعتبر بالنسبة اليهم مدينة تركمانية تاريخية حتى لو غيّر الأكراد ديموغراقيتها بعد الغزو الأميركي للعراق في العام 2003. وكان القوميون الأتراك الذين يؤيدون الدستور الرئاسي قد اعترضوا يوم 26 شباط الماضي على رفع العلم الكردي في مطار اسطنبول عند قيام رئيس حكومة إقليم كردستان مسعود برازاني بزيارة الى تركيا لإجراء محادثات مع الرئيس رجب طيب أردوغان الذي استغلّ هذه الزيارة من أجل كسب أصوات الاكراد في الاستفتاء، وقام بزيارة ديار بكر المعقل الكردي والى جانبه البرازاني.

يقول القوميون الأتراك إنّ تركيا قد خضعت لظلم من قبل القوى العظمى بعد الحرب العالمية الأولى. ولا يزال الشعور القومي قائماً على اساس انّ كركوك تنتمي إلى تركيا. قاطع أعضاء مجلس المحافظة التركماني التصويت على رفع العلم الكردي وصوّت الأعضاء العرب ضده. اصدرت وزارة الخارجية التركية بياناً عبّرت فيه عن «قلقها» حول العلم الكردي في كركوك واعتبرته «تطوراً غير مقبول، وعملاً انفرادياً يتعلق مباشرة بمركز كركوك المتنازع عليه ويتناقض مع الدستور العراقي»، محذرة من انه يمكن ان يعرّض للخطر «الجهود الرامية الى ضمان الأمن والاستقرار الدائمين في العراق».

ولا تزال فكرة كردستان المستقلة خطاً أحمر بالنسبة لتركيا، التي تخشى من دفع هذه الخطوة، أكراد الداخل التركي إلى السعي للانفصال. لكن معضلة انقرة هي في علاقتها الطيبة مع حكومة إقليم كردستان لأسباب اقتصادية، والتي تشمل التعاون في مجال الطاقة، فضلاً عن أسباب سياسية وأمنية. فهي لا زالت تراهن على البرازاني في منع انتشار حزب العمال الكردستاني في منطقة سنجار. وكان أردوغان قد دعا في الرابع من نيسان الى إنزال العلم الكردستاني في كركوك مؤكداً أن «كركوك مع تركمانها وعربها وأكرادها تنتمي الى الجميع». فيما اعتبر هذا الكلام بمثابة رسالة انتخابية الى القوميين الأتراك الذين يتوجسون من كل تحرك كردي في المنطقة، ولهذا السبب هم يدعمون اردوغان في سعيه هذا، لانه قاتل حزب العمال الكردستاني وتراجع عن محادثات السلام معه.


 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه