إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

«عشو» و«الشرتوني».. بطولة واحدة وخذلان واحد

صابرين دياب - البناء

نسخة للطباعة 2017-10-30

إقرأ ايضاً


في فترات التراخي، ومناخات الردّة، وتغوُّل الثورة المضادة، يتسلل إلى مخيّلة الكثيرين، مستوى من الاستكانة، التي تقود إلى التدجين! لكن في المقابل، فإنّ المقاومة، كما هي ثورات مختلف الشعوب، تلد مَن يبتكر أساليب الردّ ورفع السقف، وصولاً إلى تجليس النضال في موقعه الطبيعي، ويكون ذلك بالحراك الجمعي، أو بالمبادرة الكفاحية الفردية، أو بالموقف التنظيمي.

ففي أعقاب هزيمة 1948 وسقوط فلسطين، كان مستوى الردّ على الخيانة فلسطينياً مقدسياً ثورياً بطولياً، وتجسّد باغتيال الملك عبد الله الأول في القدس الشريف، المتواطئ مع الاستعمار والصهيونية، وفي أعقاب وصول جيش الاحتلال «الإسرائيلي» إلى بيروت، كان أحد مستويات الردّ، العمل البطولي للبناني القومي حبيب الشرتوني، حيث اغتال الرئيس المعيّن من قبل شارون، بشير الجميّل.

وفي أعقاب اتفاقية أوسلو، وبروتوكول باريس، حيث كوَّعت فصائل م.ت.ف. والقوى الإسلامية، تأسّست حركة الجهاد الإسلامي خارج اللعبة التسووية بأكملها، وبما أنّ المقالة تستذكر بطولة وثورية بطلَيْن من القدس وبيروت، فهي مناسبة، لتحية بطل كبير، هو الشهيد فتحي الشقاقي، مؤسّس حركة الجهاد الإسلامي، رداً على زمن الردّة، بمعزل عن تقييم مواقف حركة الجهاد اليوم، ونحن في ذكرى اغتياله على يد الموساد «الإسرائيلي»، نسجل كيف كانت الاغتيالات التي تنفذها حركات المقاومة نقطة بداية لنهوض خط المقاومة وإحباط خط الخيانة، ولماذا تفشل اغتيالات الاحتلال لقادة المقاومة بتحقيق نتائج مشابهة، بل تنتج العكس، فيشتدّ عود المقاومة وتنمو بشهادة قادتها، لنقول، ليسوا مثل المقاومة وليست مثلهم، فالحق يبقى دائماً هو الفيصل، في التمييز بين شعب صاحب حق، وبين مستوطن محتلّ.

هنا نتحدّث عن فعل مقاوم، وهو مستوى محدود من الثورة، نظراً لعدم تكافؤ القوة، حينما تكون ثمة قوة أو سلطة ذات سطوة، من المحال مواجهتها، في زمن معيّن، بثورة أو حتى بانقلاب، وعليه، فإنّ هذا الفعل المقاوم هو مقدّمة للثورة، وليس من أجل مجرد ضربة قوية تأديبية وحسب!

صحيح أنّ الاغتيال السياسي عموماً، هو عملية فردية، أو لبضعة أفراد، من حيث التنفيذ، لكن عندما نتحدّث عن حركات المقاومة ولجوئها للاغتيال، كتنفيذ لحكم الشعب بالإعدام، يصير جزءاً من تكتيك سياسي، لتنظيم معيّن، أو لحركة مقاومة، تهدف توظيفه في صراع مديد، لا سيما في حالات هبوط السقف الوطني، حيث يقوم هذا الفرد او المجموعة، بالاغتيال، بهدف رفع سقف النضال، ومن ثم التأثير في النضال الجمعي وتصعيده.

بعض هذه الاغتيالات استثنائية، ولها طابعها الخاص، ولهذا انتقينا منها حالتي عشو والشرتوني، المتقاربتين من حيث المناخ، وحتى الجغرافيا كما أنهما حالتان مركبتان. ففي الحالتين، لدينا عدو مركَّب، هو الكيان الصهيوني المدعوم بالمطلق، من العدو الرأسمالي الغربي ذاته، بمعنى أنّ الذي اغتيل في الحالتين هو أداة للعدوّين ذاتهما: الأكبر الغربي، والأصغر الوظيفي الصهيوني، ونظراً للقوة الهائلة للعدو الإمبريالي الغربي، فإنّ الاغتيال السياسي كمقاومة لأدواته، هو أمر طبيعي وتتوفر له شروط الوجوب.

ربما يصحّ هنا قول الشاعر التونسي الكبير أبي القاسم الشابي:

لا عدل إلا إنْ تعادلت القوى

وتصادم الإرهاب بالإرهابِ

لا رأي للحق الضعيف وأهلهِ

إلا بقهر الغاصب الغلاّبِ

كما أنّ الأصل أو المقام السياسي للمستهدف، هو واحد في الحالتين، ففي حين أنّ الملك عبد الله في الأردن، هو تنصيب من الاستعمار البريطاني منذ عام 1921 بعد أن التقاه في القاهرة عام 1921، أحد أخطر عُتاة الاستعمار في التاريخ، ونستون تشرشل، رئيس وزراء بريطانيا حينها، ونصَّبه أميراً على شرق الأردن، ثم لاحقاً، بعد سقوط معظم فلسطين عام 1948، وضمن اقتسام فلسطين، بين الكيان الصهيوني وتوابعه العرب، مُنح عبدالله، الضفة الغربية مكافأة على دوره في خدمة إقامة الكيان الصهيوني.

كما أنّ تنصيب بشير الجميّل رئيساً للجمهورية اللبنانية، تنصيب صهيوني، فقد عيّنه الكيان الصهيوني، رئيساً للبنان أثناء احتلال جنوب لبنان، وصولاً إلى العاصمة بيروت، وذلك بدعم من الولايات المتحدة والغرب عموماً.

ورغم إخفاء الملك عبد الله، للكثير من صلاته بالكيان الصهيوني، إلا أنّ ذلك لم يكن خافياً على الروح الثورية الجمعية الفلسطينية، مما دفع البطل مصطفى عشو إلى اغتياله.

أما بشير الجميّل، فقد جاء في مرحلة هبوط وطني، أغرته فأعلن ولاءه للكيان الصهيوني وارتباطه به، مما يؤكد أنه يعتنق أيديولوجيا لا تاريخ!

حينما اغتيل الملك عبد الله، كان النظام الرسمي العربي، في وضعية من التبعية، تسمح للحكام بخيانة جيوشهم لصالح العدوّين الصهيوني والأميركي. وهذا استوجب القرار بالاغتيال، والذي كان بمثابة حكم الشعب وإنْ بتنفيذ يد واحدة، أو مجموعة من الأيادي الثائرة.

وحينما قتل بشير الجميّل كانت، مرة أخرى، الأنظمة العربية تابعة وفي حالة من القِطرية والإقليمية، اللتين في تناقض تناحريّ مع الوحدة والقومية، وهو ما أبقى سورية وحدها في مواجهة احتلال لبنان، ودعم الغرب للكيان الصهيوني، بل كانت أنظمة عربية، قد تواطأت بالاعتراف بالكيان الصهيوني، وخاصة مصر السادات. والحقيقة، فإنّ معظم أنظمة التبعية، كانت قد أقامت علاقات سرية مع الكيان الصهيوني.

وكان اغتيال بشير الجميّل أيضاً، أحد محركات المقاومة اللبنانية ضدّ الغزو الصهيوني، وخاصة إثر إخراج/ خروج المقاومة الفلسطينية من بيروت إلى تونس، وسياق ما بعد إعدام بشير الجميّل، هو سياق نهوض المقاومة وتعاظمها وصولاً لنجاحها عام 2000 في طرد العدو، من معظم الأرض اللبنانية المحتلّة، بعكس نتائج المقاومة الفلسطينية بعد احتلال 1948.

ولا يختلف المناخ الدولي في الحالتين والمرحلتين، ففي حين كان الغرب، داعماً بالمطلق للكيان الصهيوني في حالة مصطفى عشو.

وإثر احتلال الكيان لبيروت، كان الدعم الغربي واضحاً ووقحاً، وبالطبع مجمل الأمم المتحدة.

بقي أن نختم، بمسألة هامة أخرى، وهي أنّ كثيراً من الأحزاب والحركات السياسية، والمنظمات المقاومة الفلسطينية والعربية، قد خرجت من دائرة الصراع العربي الصهيوني، فإنّ الظهيرين الأساسيين، لكلّ من مصطفى عشو وحبيب الشرتوني، لم يغيّرا موقفيهما من الكيان الصهيوني، ومن الأنظمة التابعة والصورة المضادة:

في حالة مصطفى عشو، لم يتراجع الشعب الفلسطيني عن نضاله من أجل التحرير والعودة، ولعلّ آخر تجليات ذلك هي الانتفاضة الشبابية الجارية، وهبّة الأقصى، ورفض التطبيع والمطبّعين.

وهنا، تجدر الإشارة سريعاً – تحت كنف البطل عشّو، الى إمكانية القول بأنّ أكثر منظمة فلسطينية، تمسكت بموقف رافض لأيّ دور أو علاقة بالتسوية، وتحديداً اتفاقات أوسلو وبروتوكول باريس، حيث رفضت المشاركة في كلّ من الانتخابات لرئاسة الحكم الذاتي، ولما يسمّى المجلس التشريعي، هي حركة الجهاد الإسلامي المقاومة…

وفي حالة البطل حبيب الشرتوني، فقد وقف الحزب السوري القومي الاجتماعي وحده وقفة عنفوان، يدافع عن فلذة كبده، بعد صدور الحكم عليه بالإعدام، وهو حكم لن يتمّ تنفيذه بصمود الحزب، وانتصار الأحرار للحق والوطن، ولن تتكرّر مأساة إعدام الشهيد البطل مصطفى عشو، في لحظة ضعف حركات المقاومة، التي باتت اليوم قوة عظمى.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024