شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2017-12-30
 

كأسك يا وطن... فلسطين ضاعت ومعها القدس فما فعل العرب إلا الصراخ

اياد موصللي - البناء

كأسك يا وطن... فلسطين ضاعت ومعها القدس فما فعل العرب إلا الصراخ واليمن دمّر فلم نسمع صوت احتجاج أما صاروخ على الرياض فأشعل نيران الغضب!

هل يعيد التاريخ نفسه ويكرّر مع القدس بكلّ ما تعنيه ما حدث في فلسطين…

قبل أن نبدأ موضوعنا أودّ أن أضع تحديداً لكلمة أميركا وكلمة «إسرائيل». فالحديث الصادق لا يسلك الكثير من المفارق.. فقرار جعل القدس عاصمة لإسرائيل والاعتراف به صدر من «إسرائيل واشنطن» كما لو انه صدر من «إسرائيل تل ابيب». فالامر واحد والعدو واحد فلا يجوز أن نتحدّث معه بلغتين، بل بلغة واحدة يفهمها وهي لغة الحق والحق قوة.

فأميركا هي «إسرائيل» و«إسرائيل» هي أميركا صفة أطلقها الرئيس الأميركي أوباما الذي قال بالحرف الواحد: «إسرائيل هي الولايات المتحدة والولايات المتحدة هي إسرائيل…»

فعندما نواجه قرار الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب بجعل القدس «عاصمة لإسرائيل»، فإنه لم يحدث أمراً جديداً نفاجأ به. فـ»إسرائيل» من البداية تريد جعل القدس عاصمة لها. وجاء ترامب اليوم ينفذ هذا الأمر.

نحتاج إلى واقعية وجرأة في مقاربة ما تتعرّض له أمتنا من مؤامرات نعالجها بإحناء الرؤوس. ما دامت «إسرائيل» هي الولايات المتحدة والولايات المتحدة هي «إسرائيل»، فكيف نزحف وراء أميركا حليفاً وسيطاً لحلّ الدولتين وإيجاد التسوية لما بيننا وبين «إسرائيل».

كلّ أمورنا نعالجها ونسير بها في طرق الرياء والخداع فلنأخذ مثلاً ما جرى بالأمس بين اليمن والسعودية فماذا نجد؟

اليمن بلد عربي من بني قحطان والسعودية مثله والشعبان يدينان بدين واحد ويخضعان لشريعة واحدة. السعودية وحلفاؤها العرب ظاهرياً وأميركا أيّ إسرائيل باطناً، يقصفون شعب اليمن ومدنه ويحدثون القتل والتدمير منذ 3 سنوات. فلم نسمع صوتاً يؤذن بالصلاح ووقف قتل البشر.

اليمن أرسل صاروخاً الى العاصمة السعودية وفجّر بالجو كما يقول السعوديون ولم يلحق أذى وضرراً بالحجر أو البشر.. ماذا جرى؟!

الجامعة العربية تحركت واستنكرت والاحتجاجات على اليمن ومن خلفها إيران لم تتوقف!!

أهذا فعل بشر؟ أهذا فعل إنسان؟ اعتدنا على الممالأة والخداع وهما عصا وطربوش شعوبنا وحكامنا في كلّ مراحل التاريخ.

ونعود فنقول مع جبران: «يا أمة ضحكت من جهلها الأمم».

ونعود إلى فلسطين إلى القدس التي بدأت أميركا تنفيذ مخططها بجعلها «عاصمة لإسرائيل» باعتبار القرار الأميركي هو قرار إسرائيلي… فماذا فعلنا؟

منذ مئة عام أعلن بلفور وعده المشؤوم في 2 تشرين الثاني 1917. وكما الأمس اليوم.. اشتعلت الأرض بالغضب والاحتجاج واندلعت الثورات رفضت أمتنا وكلّ العرب هذا الوعد وما تبعه من قرارات عصبة الأمم المتحدة عام 1922 وقرار لجنة اللورد بيل الذي صدر في تموز 1936 وفيه يقترح تقسيم فلسطين إلى دولتين الأولى فلسطينية والأخرى يهودية كما رفض الكتاب الأبيض الذي صدر عام 1947 في 29 تشرين الثاني ويقضي بتقسيم فلسطين وإعطاء اليهود 55 من أرضها وتدويل القدس.

رفضنا ما يدعى باتفاقيات السلام، ليس خوفاً من السلم ولا لمحبتنا للحرب، السلم يجري بين جماعتين خلافهما مادي، على مفهوم سيادة او رسم حدود، او سياسي على نفوذ، او اقتصادي لتأمين موارد او منافع، أما نحن واليهود فليس بيننا وبينهم أياً من هذه الخلافات، والصراع في جوهره يبقى دائماً صراع بقاء أو فناء، نحن نعرف أنهم ابتلعوا الأرض، وهم اليوم بحاجة لفترة هدوء طويلة الأمد تتيح لهم هضم ما ابتلعوه وتنظيم أوضاعهم الاقتصادية لتوفير مناخ آمن لمجموعاتهم كي توطد أقدامها وترسّخ وجودها وتنمّي مواردها وتتكاثر في تجمعات عسكرية في جوهرها، زراعية واقتصادية في شكلها، ومتى تمّ استكمال كلّ هذا على حساب خيرات الأرض العربية في امتدادها كله والتغلغل في حياتها وطمس تاريخها وتخريب قدراتها تبدأ المرحلة الأخيرة من المخطط الصهيوني بالسيطرة الكاملة عندما تسنح الفرصة التي خطط لها. وعندها ستجد حالة استسلام وانحلال وإحباط تؤمّن لها الغلبة، فأمامها شعب لا يعرف عن التاريخ الحقيقي لأمته شيئاً ولا يفقه نوايا عدوّه مطلقاً…

انّ «إسرائيل» اليوم لا تحتاج للجيوش لتحقق بواسطتها مشروعها وتنفذ نواياها. انها تحتاج للهدوء، للسلم، للطمأنينة، انها ليست مسألة زمن إنها عقيدة اساسية يبنى عليها الفكر والوجود اليهودي كله… وجود يسيطر بالمال والإعلام، ثم بالحرب والقتل والتدمير، ثم بالمساومة والملاينة احياناً ثم أخذ الباقي بالمفاوضات، او خلق الفتن والاضطربات وتدمير الوحدة الوطنية بالدسائس والمؤامرات وتفتيت المناعة القومية والوطنية لتقسيم بلادنا وشعوبنا فتحقق السيطرة والأمان. كما يجري الآن في عالمنا العربي من فتن وأحداث سمّوها الربيع العربي.

الآن وبعد ان استكملت الصهيونية مرحلة بنائها بالاستيلاء على فلسطين كلها، وأقامت ما أقامت من منشآت وصناعات واستقرّ المهاجرون ووفرت لهم أماكن الإقامة، وبعد ان أخذت من الولايات المتحدة الهبات المالية والقروض الميسّرة بدأت تبحث في تنفيذ المرحلة الثانية من خطتها لفرض سلام على أعدائها ونشر فترة من الاسترخاء والهدوء ومحاولة الدخول في حرب جديدة برايات بيضاء هي الحرب الاقتصادية والسيطرة الصناعية التجارية بالدخول الى الأسواق المجاورة واقتسام المياه، ليصبح العرب الذين يبلغ تعداهم أكثر من 300 مليون نسمة يتبعون أربعة ملايين يهودي!

انّ كلّ الإنتاج اليهودي والشطارة اليهودية ستصبّ في بحر هذا المدّ الكبير لتغرف من خيراته وثرواته، وبذلك تؤمّن اليهودية لنفسها الديمومة والبحبوحة والاستمرار ولأجيالها المقبلة النمو بهدوء وسعة مؤهّلين لاستكمال مشاريعهم بقوة واقتدار مقابل أجيال لنا تنمو متواكلة كسولة جاهلة ما يجري حولها بفعل التعتيم المتعمّد في تاريخها وصحافتها وإذاعتها وبفعل الاختلاط الهادئ بين السكان وبفعل السيطرة المتنامية للعدو الخفي…

يتربّى اليهودي منذ ولادته على أنّ هذه الأرض وعده بها الرب في التوراة… ويتربّى العربي على أننا جميعاً اخوة وأولاد آدم لا فضل لعربي على أعجمي الا بالتقوى… والخلق كلهم عيال الله احبّهم اليه انفعهم لعياله… نبيعهم التمر ويبيعوننا التكنولوجيا الحديثة المتمثلة بأحدث صرعات الموضة، والإدمان، والجنس، والإباحية لكلّ هذا يخططون ويحضّرون… ونحن نسير نحوهم نضمّهم ونقبّلهم رافعين إشارات النصر… انه زمن الذلّ الأسود…

«ليس عاراً ان نُنكَب ولكن العار ان تحوّلنا النكبات من امة قوية الى أمة ضعيفة».

لن يتحقق الانتصار الا متى ما آمن كلّ منا على هذه الأرض بانه ليس لنا من عدو يحاربنا في ديننا ووطننا إلا اليهود. وليس من حركة تضمر لنا السوء والعداء وتسعى لتخريب مجتمعنا وأخلاقنا وقيمنا الا الحركة الصهيونية.

وأتصوّر الرئيس الأميركي مثل مدرّس في مدرسة ابتدائية او إعدادية يحمل عصاه ويوزّع تعليماته، ومن يخالف تنهال عليه العقوبات، عقوبات وقرارات تتخذ بحق دولنا، تجمّد أموالنا، تمنع تجارتنا، تصدر القرارات بحق دولنا وقياداتنا إذا تجرّأت واتخذت قراراً فيه بعض الكرامة الوطنية ويتعارض مع مخططات إسرائيل وأهدافها البعيدة.

الخليج ولاية أميركية غربية بكلّ معنى الكلمة، تكفي إشارة من معاون وزير الخارجية الأميركية ليصدر القرار والموقف…! منذ الثورة العربية الكبرى إلى يومنا هذا وقياداتنا عمالة وتبعية، ومن تمرّد سحق، شارك أبناء جلدته في سحقه كما حدث للعراق يوم تمكن أن ينشئ دولة كان إيمانها إنْ لم تكونوا أحراراً من أمة حرة فحريات الأمم عار عليكم ، وما جرى للعراق يحاولون تطبيقه على سورية بأدوات عربية صرف… نعاقَبُ ونحن نملك المال ومن ملك المال ملك القوة… لماذا تغيّرت المعادلة عندنا؟ وأصبحنا صورة الضعف الوحيدة في العالم نتفنّن بشكل لا مثيل له في الخضوع، أفريقيا تتمرّد، وتتمرّد أميركا الجنوبية… ونحن نركض لنيل البركة والمباهاة والظهور بالصور…!

أهذه هي العروبة…؟ أم تلك التي بالإشعار «لنا الصدر دون العالمين أو القبر… أو «بلادُ العرب أوطاني، من الشام لبغدان، ومن مصر لتطوان!» وهل نحن من نسل «خير أمة أخرجت للناس»؟

أبكيك فلسطين، لقد أضاعك، الأعراب بكلّ تعدادهم وانتشارهم وامتلاكهم العالم… ملكوا الثروات وفقدوا العزة والكرامة، ضاعت فلسطين بعد أن أفلست العروبة، فقدت وهجهها وجوهر وجودها، العروبة أفلست في إثبات وجودها ولو فعلت لغيّرت وجه التاريخ… سنبقى هكذا في خانة الذلّ والعبودية حتى يأتي جيل يأبى ان يكون قبر التاريخ مكاناً له في الحياة فيقف وقفة العز ويغيّر مجرى التاريخ… «لا يغيرّ الله ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم». عندئذ فقط سيكتب التاريخ انتصرت فلسطين وانتكس الأعراب وافلسوا. باعوا فلسطين بأبخس الأثمان وهو الذلّ والخنوع والاستسلام!

رفضنا ان يختزل وطننا كله بـ 45 من مساحته واليوم نهرول ونطاطئ الرأس لنيل حصة محمية في مساحة ما يسمّى مشروع الدولتين.. نريد ان نكون كالهنود الحمر في أميركا…!

فمن رفض ان يعطينا محمية هل سيقبل ان تكون القدس لنا بعد ان سلب كلّ فلسطين… ونعود نسمع بنغمة اتفاقيات السلام.. كلمة حقّ يرادَ بها باطل..

بعد كلّ هذا الذي حققه الصهاينة من المشروع اليهودي بدأ وضع العنوان الكامل لأرض إسرائيل وعاصمتها القدس.. هم يخططون وينفذون ونحن نسير في مواكب وهتافات القدس لنا.

حين سمعنا انّ الامم المتحدة قسّمت فلسطين بين العرب واليهود، يا غيرة العروبة، هبّت الدنيا ولم تقعد فتضجّ الدنيا لتقوم ولا تقعد. الصحافة تكتب، خطباء وتظاهرات تعمّ ديار العروبة والإسلام للتعبير عن الغضب والرفض القاطع لما يحاك لفلسطين والتهديد بقطع رقاب من يتجرأ على تدنيس أرض العرب التي هي للعرب!!

ما كنت يوماً أشعر بالعطف او الطمأنينة نحو إيران.. التي كانت صورة الاستبداد والتمدّد والاستعمار الفارسي. واعترف الآن انني مؤيد لإيران مطمئن لها بعد زوال الشاه حليف «إسرائيل» وصنيعتها.. الآن إيران دولة صديقة، عدوّنا عدوّها.

من أجل هذا بدأ رسم الصورة الجديدة لمستقبل تنظر أميركا «إسرائيل» للعالم من خلاله.. وتريدنا ان نراه من نفس منظارها. إيران عدوّتنا ومن خلال الصورة التي رسمها وايزمن في خطاب له ألقاه منذ نحو مئة عام تشرين الثاني 1921 :

«انّ العرب تركوا البلاد مهجورة حتى تخلفت حضارياً ولم يعد هنالك من علاج سياسي لا تصحبه خطة للتنمية، كان على اليهود أن يعملوا بدورهم في إطار كالقيد لأشكال جديدة من الحياة. وعلى ذلك فالعرب في حاجة الى مساعدة اليهود، ومن الممكن ان يعيش الشعبان في سلام، فهناك متسع كبير ومياه وفيرة وعلى ذلك فإنّ على العرب أن يميّزوا بين وطنهم القومي وحقوقهم في فلسطين…»

إنّ الوطن القومي للعرب يوجد في دمشق وبغداد بينما توجد الأماكن المقدسة لديهم في مكة والمدينة المنورة.

لقد ازدهرت ثقافة العرب في بغداد ودمشق وليس في القدس.

ـ ورغم كلّ هذه الأهداف المعلنة الواضحة لدى العدو نجد من يندّد بسلاح المقاومة ويطالب بنزعه وتعرية لبنان أمام عدو طامع –

مئات السنين هم يخططون تفكيراً وتنفيذاً ونحن نستسلم قولاً وفعلاً ونحارب لحماية حقنا بالهتافات والخطابات «يا بالوطن يا بالكفن».

وحده سعاده حدّد وأنذر اذ قال عام 1938: «ما أقوله في صدد لبنان والشام أقوله في صدد فلسطين، فالسياسيون الكلاسيكيون هناك لم يتمكّنوا من إيجاد أيّ دفاع مجد يصدّ الخطر اليهودي، لأنّ أساليبهم لا تزال من النوع العتيق المسيطر فيه الصفة الاعتباطية والأنانية والمغرّرة للشعب. ولا بدّ لي من التصريح في هذا الموقف انّ الخطر اليهودي هو أحد خطرين أمرهما مستفحل وشرّهما مستطير. والثاني هو الخطر التركي. وهذان الخطران هما اللذان دعوت الأمة السورية جمعاء لمناهضتهما.

انّ الخطر اليهودي لا ينحصر في فلسطين، بل يتناول لبنان والشام والعراق أيضاً، لا لن يكتفي اليهود بالاستيلاء على فلسطين، فلسطين لا تكفي لإسكان ملايين اليهود. الذين أثاروا عليهم الأمم النازلين في أوطانها وهم منذ اليوم يقولون: «الحمد الله». أننا أصبحنا نقدر ان نمارس الرياضة الشتوية في «أرض إسرائيل»، يعني التزحلق على الثلج في لبنان، فليدرك اللبنانيون ما هي الأخطار التي تهدّدهم.

وكرّر التحذير في عام 1947 اذ قال: «لعلكم ستسمعون من سيقول لكم انّ انقاذ فلسطين، أمر لا دخل للبنان فيه. انّ إنقاذ فلسطين أمر لبناني في الصميم كما هو أمر فلسطيني في الصميم كما هو أمر شامي في الصميم… انّ الخطر اليهودي على فلسطين هو خطر على سورية كلها. كلمتي اليكم هي العودة الى ساحة الجهاد».

الصورة الواضحة الآن انّ «إسرائيل» تسيطر على ارضنا وشعبنا وترسم صورة جديدة لها… يساعدها في إعدادها بعض الأعراب ودول الخليج. وتتحوّل الى صديق وحليف. فيما تقلب الصفحة فتأخذ إيران صورة «إسرائيل» وتصبح العدو والخطر الذي يجب محاربته واستئصاله، وتلعب دول الخليج هنا دور أبو رغال وعبدالله ابن سبأ.. فتثير الحروب والقلاقل في اليمن والعراق والشام وتحاول رسم صورة سوداء لإيران مقابل رسم صورة بيضاء لإسرائيل».

القدس لنا هي حقيقة تاريخية قومية ولكن لن تبقى القدس لنا إذا أصبحت هتافاً وأغنية المظاهرات والاحتجاجات. القدس لنا نقولها كما قالها صلاح الدين الأيوبي ونستعيدها كما استعادها.

ونعود لما قاله سعاده: «اننا نواجه الآن أعظم الحالات خطراً على وطننا ومجموعنا، فنحن أمام الطامعين المعتدين في موقف يترتب عليه إحدى نتيجتين أساسيتين هما الحياة والموت واية نتيجة حصلت كنا نحن المسؤولين عن تبعتها».

واقول لمن يريد أن يعرف أين كنا وأين أصبحنا وأين سنصبح فليستعد مسرحية «كاسك يا وطن» للفنان دريد لحام.


 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه