إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

مديرية سحمر تحيي ذكرى استشهاد سعاده

نسخة للطباعة  | +  حجم الخط  - 2018-07-21

بمناسبة الثامن من تموز، ذكرى استشهاد أنطون سعاده، نظمت مديرية سحمر التابعة لمنفذية البقاع الغربي محاضرة بعنوان، "الثامن من تموز ومعاني الفداء"، القاها عميد الثقافة والفنون الجميلة . وحضرها منفذ عام البقاع الغربي، منفذ عام راشيا ، أعضاء بالمحكمة الحزبية، مدير مديرية سحمر وهيئة المديرية، وممثلين عن حركة أمل وحزب الله وتيار المردة، مختار بلدة سحمر ياسر الخشن ومخاتير بلدة سحمر، فاعليات تربوية وبلدية واختيارية وثقافية وحمع من القوميين والمواطنين والطلبة.

البداية كانت مع النشيد الوطني اللبناني والنشيد الرسمي للحزب السوري القومي الاجتماعي، ومن ثم ألقى مذيع مديرية سحمر كلمة تعريفية جاء فيها:

علمتنا دروس التاريخ أن الأمم الحية والشعوب الساعية للحياة لا للعيش هي تلك الأمم التي تحوّل نكباتها إلى إنتصارات وآلامها إلى أناشيد فرح سعياً لحياة أفضل.

هي تلك الأمم القادرة على النهوض بعد كل إنتكاسة والبدء بعزيمة جديدة وإرادة صلبة مؤيدة بصحة عقيدة وبفكرٍ نيِّر لا تنال منه إرادات ظلامية أو فكر رجعي انهزامي.

فالفكر الواعي المؤيد بصحة العقيدة والمقرون بالإرادة الصلبة هو نسغ حياة الأمم. وهذا الفكر هو ما ما سعى رواد الظلامية للنيل منه ليلة الثامن من تموز.. ليلة أعدموا غيلة زعيمنا المفكر وباعث نهضة أمتنا أنطون سعاده ظناً منهم أنهم باغتياله سيطفؤون شعلة النهضة التي أوقدها... وقد فاتهم أن سعاده كان قد سبقهم بأشواط... وأن بذور النهضة التي زرعها قد أينعت رجالاً وأن هؤلاء الرجال سيتابعون الغرس جيلاً بعد جيل فصموا آذانهم وأغمضوا عيونهم ولم يعوا ما تنبأ به الفادي في تلك الليلة حين قال: "هذه الليلة سيعدمونني أما ابناء عقيدتي فسينتصرون وسيجيىء إنتصارهم إنتقاماً لموتي".

في التاريخ دروس للفداء بدأت في فلسطين قبل عشرين قرناً ولم تنته في كربلاء فكان الثامن من تموز درساً جديداً في الفداء.

والقى عميد الثقافة والفنون الجميلة محاضرة بالمناسبة جاء فيها:

خصوصية المكان:

ليس صدفة أن نلتقي وإياكم اليوم في سحمر بالذات ـ في البقاع الغربي عموماً في هذا اللقاء الجميل ـ لقاء الأحبة والمناضلين والرفقاء والأصدقاء والأخوة فسحمر قلعة من قلاع الحزب والمقاومة، كانت وتبقى هكذا، والبقاع الغربي منطقة عزيزة من لبناننا ارتبط اسمه بالمقاومة ضد الاحتلال اليهودي الصهيوني لأرضنا، منطقة عزيزة من بلادنا قدّمت وتقدم الشهداء والتضحيات في تجسيدٍ حيٍّ مباشر لمعاني اللقاء اليوم، عنيت معاني الذكرى، ذكرى الثامن من تموز، ذكرى يوم الفداء القومي، ذكرى استشهاد الزعيم القائد القدوة ـ المعلم أنطون سعاده.

خصوصية الزمان:

إذا انتقلنا من خصوصية المكان إلى خاصِّية الزمان، نرى أن الزمن زمن الفداء والاستشهاد والتضحيات والبطولات من سحمر إلى البقاع الغربي، إلى الشام، إلى جنوب الوطن السوري، إلى فلسطين.

هذا الزمن بما يرمز إليه هو زمنٌ تموزيٌ بامتياز، لذا، نرى في لقائنا اليوم أننا في المكان الصحيح، وفي الزمان الصحيح، نلهجُ مقاومةٌ، ونتحدثُ في الفداء، ونستحضر شهادة الفادي في شهادة المئات والآلاف من شهادات أبطالنا المقاومين، وفي تضحيات كل المناضلين والمجاهدين في سبيل تحرير الأرض والإنسان، تحية إلى المقاومة بكل أطيافها، إلى المقاومة بكل روافدها وتلاوينها وأطرها التنظيمية، تحية إلى جبهة المقاومة الوطنية وشهدائها، تحية إلى المقاومة الإسلامية ومجاهديها، وشهدائها، تحية إلى شهداء الجيش، إلى كل نقطة دم بُذلت من أجل أن تبقى هذه الأرض حرة، ويبقى إنسانها مرفوع الرأس، شامخاً شموخ جبالنا وأرزنا وقممنا، فنحن في زمن المواجهات الكبرى نبحث عن نقاط التلاقي مع كل أبناء شعبنا الشرفاء الصابرين الصامدين، لأن المصير واحد، ولأن الماضي والحاضر والمستقبل يحضننا جميعاً في حاضنة الوطن والأمة.

الثامن من تموز لم يكن يوماً طقساً جامداً نمارسه بداعي التقليد، بل هو فعلُ دينامية حيَّة يشكل معلماً من معالم حياتنا القومية تاريخاً وحاضراً ومستقبلاً. عنيتُ به فعلَ الفداء ورمزيته وأبعاده في حياةِ هذه الأمة، إنه فعلُ الإستشهاد المعمَّد بدماء الشهداء من أجل حياةِ الأمة وعزّها وانتصارها.

الثامن من تموز عنوانُ حياة، رمزيةُ انتصار الحق على الباطل، إنتصار المظلومية على الظالم في تلك المعركة الإنسانية المستمرة مع أعداءِ هذه الأمة عبر التاريخ.

لقاؤنا اليوم هو تأكيدٌ على مفاهيم التضحية وعلى قِيم الفداء والاستشهاد التي لولاها لما حافظنا على وجودنا القومي والإنساني والحضاري في معترك الأمم الحية. فمعاني الثامن من تموز ضاربة في عمق التاريخ، وفي جوهر معنى استمراريتنا وجوداً قومياً وإنسانياً حضارياً نامياً متحرراً عزيزاً يرفض الذلّ والعبودية والهوان والتبعية، ويحمل قيم الحرية والسيادة والإستقلال الحقيقي، الإستقلال في النظرة، الإستقلال في الوعي، الإستقلال في الإرادة، والإستقلال في الفعل، من أجل أن نحمي وأن نصون وأن نحافظ على حرية شعبنا، وعلى مكانة أمتنا بين الأمم.

في المفهوم:

حكاية الفداء التموز جزءٌ لا يتجزأ من تراث الأمة الحي المستمر عبر التاريخ.

في 8 تموز ثبَّت سعاده النهج النضالي التاريخي في تجسيد قيمة الفداء والتضحية وتماهي الفرد وانغراسه في قلبِ قضايا مجتمعه وأمته وشعبه.

من أمثولات الثامن من تموز أن الفداء نهجُ حياة يحمل قيماً ترتبط ارتباطاً عضوياً بفكرة الحياة، اذ لا قيمة لحياة دون حرية، ولا سبيل لحرية دون صراع، ولا صراع دون استشهاد، فالشهادة هي القيمة المحورية التي تتركز فيها القيم كلها.

ثمة من يريد القضاء على هذه القيمة في وجدان الناس عبر إحداث إشكالية تناقض بين " الشهادة والحياة"، وتساوي بين ثقافة "الشهادة" وثقافة "الموت"، كما تساوي بين ثقافة "الحياة" وثقافة "العيش".

إنها أزمة مفاهيم ابتلينا بها، وابتليت بها الأمة وهي تقف في قلب حركة الصراع.

ثمة استبداد فكري ظلامي يريد أن يسيطر على عقولنا عبر إيهامنا بأن فكرة "الحداثة" هي نقيض فكرة الإنتماء، وأنها نقيض فكرة "الهوية" ونقيض فكرة "المقاومة"، ثمة من يريد أن يوهمنا أن الحداثة تستوجب تعطيل حركة العقل والإستجابة إلى منتوج العقول المستوردة.

والأخطر محاولة إيهامنا بأنَّ الإنتماء إلى التاريخ، إلى الجغرافيا، إلى وحدة الحياة، هي لغة خشبية، وأنَّ لغة الشهادة هي لغة من خارج العصر.

وقرارنا نحن، وإرادتنا نحن أن نؤكد عمق التزامنا بمفاهيم النهضة بكل جوانبها ومنها مفهوم الشهادة والفداء. هذا هو القرار، وهذا هو الخيار.

الثورة القومية الإجتماعية الأولى: المضامين والأهداف

في 4 تموز 1949 أعلن أنطون سعادة ثورته القومية الإجتماعية الأولى على النظام الطائفي في لبنان، فمثلت ثورته في تاريخ أمتنا المعاصر أول ثورة لها مرتكزاتها وأبعادها النهضوية خارج مفهوم الحركات الإنقلابية التي مثلت لاحقاً صراعاً على السلطة يكد يخلو من أي مضمون إصلاحي حقيقي، فكانت الثورة القومية الإجتماعية الأولى نقطة مضيئة في تاريخ بلادنا السياسي الحديث، لأنها ترجمت الوعي النهضوي القومي الإجتماعي فعلاً ثورياً إصلاحياً له مرتكزاته وأبعاده الإصلاحية الحقيقية، فتميزت الثورة القومية الإجتماعية الأولى ببعدين:

البعد الأول: تجسيد مبادىء الحزب وأفكاره في برنامج إصلاحي مرحلي للتغيير والإصلاح الحقيقي له مرتكزاته العقائدية وأبعاده النهضوية في تحديد مفاهيم المواطنة، فصل الدين عن الدولة، علاقة الفرد بالمجتمع، علاقة الدولة بالمواطن بعيداً عن مفهوم الزبائنية السياسية المتفشية في يومنا هذا، ورسم الدور الوظيفة للدولة باعتبارها دولة الدفاع عن المواطن بالأمن، باعتبارها دولة المواطنة والعدالة والمساواة، دولة الرعاية الإجتماعية، دولة الأمن والأمان للإنسان بكل ما لهذه الكلمة من معنى، وفي تأكيد الوحدة القومية.

البعد الثاني: مفهوم الفداء والتضحية والبذل والعطاء، مفهوم حقيقي للنضال القومي والإجتماعي ثبت فيها سعاده مفهوم الشهادة باعتبارها أرقى ظاهرة إنسانية تعكس مفهوماً فلسفياً جديداً لحدود العلاقة بين الفرد والمجتمع، فالأفراد يأتون ويذهبون، أما الباقي والمستمر فهو الأمة والمجتمع في تعاقب الأجيال، فأصبح للفداء الفردي، والتضحية بالذات أبعاداً مستمرة في حياة الأمة والمجتمع، وهذا هو العنوان الأساسي لقيامة الأوطان الراقية التي تتوق لأن يكون لها مكانٌ لائقٌ تحت الشمس.

هذه هي أبعاد الثامن من تموز في المعنى الفكري، والنهج العقائدي، وفي الواقع الإنساني، وهذه الأبعاد تحولت إلى نهج حياة وفعل ونضال أثبت جدواه في المراحل التي تلت مرحلة التأسيس ومرحلة إستشهاد الزعيم وبقيت مستمرة إلى أن تجسّدت في أروع صورها في إرادة المقاومة لشعبنا في كل المراحل في فلسطين، ولبنان، والعراق والشام، منذ العمل الفدائي الفلسطيني، مروراً بالمقاومة الوطنية في لبنان ضد الإحتلال، وظاهر الأجساد المتفجرة من سناء محيدلي إلى أحمد قصير إلى إبتسام حرب، إلى وجدي الصايغ، إلى مالك وهبي، إلى عشرات الشهداء الذين ترجموا إرادة الفداء بفعل الفداء فكان التحرير وكانت وقائع الإنتصار في أيار الـ 2000، واستمرت نتائج هذه الثقافة في حرب الـ 2006، وفي الحرب الأخيرة الشرسة الضروس ضد الإرهاب ورعاته الإقليميين والدوليين.

هذه المسائل ليست تفصيلاً بل هي مسائل في قلب حركة الأحداث، لأنه ومع الأسف نحن نحيا في منطقة غير مستقرة، تشهد تقلبات ومؤأمرات ومخططات لها إستهدافات بنيوية خطيرة تستهدف كامل البيئة القومية والإجتماعية والشعبية لأمتنا، فكان الرد دائماً المقاومة ـ الفداء ـ التضحية ـ الكفاح ـ النضال المستدام الذس أسقط ويُسقط كل يوم حلقات التآمر الواحدة تلو الأخرى.

8 تموز دينامية المقاومة والفداء والإستشهاد نحياها كل يوم، وخاصةُ في هذه الأيام، وخلال السنوات الأخيرة، منذ محاولة الصهاينة والغرب وأميركا تسويق نظرياتهم "نهاية التاريخ"، "صراع الحضارات"، "الفوضى الخلاقة". نحن نحيا أخطر حلقات الصراع في المدى التاريخي والسياق الزمني المتصل، صراعاً وجودياً ضد أحلام السيطرة الإستعمارية وتقاطعاتها مع المشروع اليهودي الإستيطاني في فلسطين المتحالف مع القوى الرجعية في بلادنا وعالمنا العربي.

لقد خطونا خطوات متقدمة في المرحلة الأخيرة، إذ تمت هزيمة الإرهاب في العراق، وتمَّ إسقاط دولة داعش في الموصل وأجزاء مختلفة من العراق، والتحدي اليوم هناك هو في المحافظة على وحدة العراق في وجه مشاريع الفدرلة والتقسيم الطائفي والمذهبي والإثني، الرهان هو على القوى الوطنية الحية في العراق في بناء الدولة العراقية المدنية الحديثة، وبناء قدرات العراق باعتباره العمق الإستراتيجي للشام ولكل دول الهلال الخصيب.

أما الشام فتحقق تقدماً كبيراً وسريعاً على طريق هزيمة مشروع تقسيمها وضرب الدولة المركزية فيها باعتبارها الحاضنة لحركات المقاومة في بلادنا من لبنان إلى العراق إلى فلسطين، وتطورات الميدان تؤشر إلى أننا على قاب قوسين من تحقيق الإنتصار النهائي رغم الصعوبات والعراقيل، ورغم الدمار والحصار، فشِل مخطط التقسيم وسقط مشروع الفدرلة، وبقي أن نوازي بين إنتصارات الميدان و إنتصارات الوعي والعقل والمعرفة والعلم، وبقي أن ينتصر الفكر القومي المدني الذي يشكل الخلاص الحقيقي من كل المآزق والأزمات، وأن نكرس بناء الدولة على مفاهيم المواطنة والانتماء والعدالة.

في لبنان سنبقى نناضل من أجل قيام الدولة فيه، الدولة المدنية ومدخلها قانون إنتخاب عصري على قاعدة النسبية والدائرة الواحدة تعزيزاً لمفهوم المواطنة ولننتقل بلبنان من الكيان ـ الملجأ ـ المصح إلى نطاق ضمان حقيقي للفكر النهضوي الحر الرائد.

وتبقى فلسطين هي المسألة المركزية لنضالنا القومي، وسيبقى الحزب حزب فلسطين، حزب المسألة الفلسطينية، وسيبقى فهمنا للصراع ومنطقه هو الأساس عنيت الصراع الوجودي مع كيان الاستيطان والإغتصاب، سنبقى حزب فلسطين حتى تحرير كل فلسطين، وهذا ليس حلماً بل هو مشروع واقعي نعمل له ونناضل من أجله، لأن المنطقة لن ترتاح إلا إذا أزيل هذا السرطان من جسم هذه الأمة.

ختاماً، تحية إلى الزعيم الخالد، تحية إلى معاني تموز، إلى الشهداء، إلى المناضلين، إلى الشرفاء في طول هذه الأرض وعرضها.


 
جميع الحقوق محفوظة © 2024