إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

«ديانت» في سوريا وأوروبا: ذراع تركيا الناعمة

ماجد طه - الاخبار

نسخة للطباعة 2018-11-26

في عهد «العدالة والتنمية» صعد دور مديرية الشؤون الدينية التركية، كما ميزانيتها، وباتت لمساتها حاضرة في أوروبا ومناطق أخرى من العالم، كما الحال في سوريا، خصوصاً عقب التدخل العسكري التركي. يكشف أئمة سوريون وظفتهم المديرية، لـ«الأخبار»، عن نشاط «ديانت» المثير للجدل، وهو دور لا يخفي جانباً مختصراً منه تقرير رسمي صادر عن المؤسسة في 13 أيلول/ سبتمبر، نشرت مديرية الشؤون الدينية في تركيا (ديانت/Diyanet) تقريراً من 104 صفحات، يتحدث عن «الأنشطة التي قامت بها في مناطق درع الفرات وغصن الزيتون في سوريا»، وهي أسماء العمليات العسكرية التي تقوم بها القوات التركية داخل الأراضي السورية. لم يطرح التقرير الكثير من النقاط، باستثناء بعض العناوين الرئيسية التي تركز على عمليات إصلاح وترميم للمساجد التي دمرتها الحرب في سوريا. لعبت مديرية الشؤون الدينية بالفعل أدواراً متعددة وكبيرة على الأراضي السورية ومع اللاجئين السوريين في تركيا أيضاً. ومنذ أن بدأت أنقرة التوغلات العسكرية في سوريا في آب/ أغسطس 2016، أصبحت «ديانت» تدريجياً المؤسسة المحورية التي تركز عليها أنقرة لتحقيق الاستقرار في مراحل ما بعد الصراع.

في العقد الماضي، تطورت «ديانت» كمؤسسة بدعم من الرئيس رجب طيب أردوغان، وأصبحت على قدم المساواة مع منظمة الاستخبارات الوطنية التركية (MIT). وقد نمت ميزانيتها وموظفوها ومدى وصولها، على الصعيدين المحلي والدولي. على سبيل المثال فإن علاقات المؤسسة الوثيقة مع «معهد ماساتشوستس» الأميركي للتكنولوجيا باتت معروفة جيداً ومتشعبة. تدرس وكالة الاستخبارات الألمانية حالياً إضافة «ديانت» إلى قائمة المراقبة الرسمية، حيث يقال عبر بعض وسائل الإعلام الألمانية المحلية أن أئمة المؤسسة في ألمانيا يتغنون بـ«النصر» ضد الأكراد في سوريا عبر منابر مساجد ألمانيا. إضافة إلى ذلك، فقد اتهمت دول أوروبية أخرى، مديرية الشؤون الدينية التركية بالتجسس على مقيمين أو مؤسسات ضمن أراضيها. خلقت الادعاءات بأن المساجد التابعة لـ«ديانت» تشارك في التجسس لجمع معلومات عن تنظيم «الخدمة» (فتح الله غولن) في هولندا وأماكن أخرى في أوروبا، توترات مع أنقرة. كما عمل «حزب العدالة والتنمية» الحاكم في تركيا على تغيير دور «ديانت» في أماكن متعددة، مثل بلغاريا والقرم، حيث توجد العرقية التركية المسلمة، ما يثير الشكوك والغضب لدى الحكومات المضيفة.

**أنفقت المديرية في سنة أكثر من 32 مليون دولار داخل سوريا**

وفي مقابلة مع صحيفة «جمهورييت» التركية، قال داعية متقاعد، عمل لدى «ديانت» لأكثر من 20 عاماً ولم يشأ أن يذكر اسمه: «ديانت هي أفضل غرفة صدى لأردوغان، خصوصاً منذ عام 2010». لقد قفزت ميزانية المؤسسة إلى حد كبير منذ ذلك الحين. «يمكن دائماً إضفاء الشرعية على أنشطتها تحت غطاء المساعدات الإنسانية والحرية الدينية. وهذا هو أفضل مكان لإخفاء أي نشاط في مرمى البصر. ويضيف الإمام: «طالما أن هناك مسلمين، يمكن دائماً أن يكون تدخّل (ديانت) مبرراً». ويتابع: «إضافة إلى ذلك، تقوم (ديانت) بالتنسيق مع قائمة طويلة من منظمات المجتمع المدني الصديقة للحكومة، وبالتالي فإن الأرقام التي تنشر عن إنفاقها وتوظيفها وأي أنواع أخرى من النفقات يمكن نشرها أو إخفائها من دون أي نوع من الرقابة». الحكومات السابقة في تركيا لم تكن تهتم كثيراً بمديرية الشؤون الدينية، لكن إدارة أردوغان وسعت نشاطها من دون معارضة. يقول الداعية السابق ذكره: «معظم الموظفين هنا متعاطفون مع الأمر كونه يتلاقى مع منطلقاتهم الدينية. وعلى رغم أن أنشطة المديرية غريبة على مؤسسات الدولة العلمانية، إلّا أن (ديانت) أصبحت واحدة من أقوى أذرع الدولة، ومع التوعية الكبيرة والقوة السياسية الهائلة التي تدعمها، أضحت المديرية بلا أي معارض داخل أروقة أجهزة الدولة المختلفة». يقدم لنا تقرير «ديانت» الذي يضم 104 صفحات تشير إلى نشاطها في سوريا بين أيلول /سبتمبر 2017 وآب / أغسطس 2018، بعض الأدلة حول مدى التغلغل التركي في سوريا. التقرير مفصل إلى حد ما، ولكنه مثير للشكوك أيضاً، وعلى رغم الرسوم البيانية الجذابة والملونة والأرقام المفصلة، فإنه يطرح تساؤلات عدة.

وفي محاولة لفهم دور «ديانت» في سوريا، حاولت «الأخبار» الاتصال بأئمة سوريين تم تعيينهم وتدريبهم من قبل مديرية الشؤون الدينية التركية، إضافة إلى سكان محليين في مدن الباب وجرابلس وإعزاز التي تسيطر عليها تركيا والتي تفاعلت مع الكيانات التابعة لـ«ديانت». وكذلك الخبراء الذين زاروا المنطقة أخيراً. ونظراً إلى سوء الوضع الأمني​​، طلب السكان المحليون الحفاظ على سرية أسمائهم. وقال إمام سوري سافر إلى تركيا مرات عدة لتعلم اللغة التركية وتلقي بعض الدورات التدريبية: «نحن نتلقى راتباً من الحكومة التركية بمعدّل 150 دولاراً في الشهر. نحن ممتنون لهم ونرى أن السكان المحليين هنا (معظمهم من التركمان والعرب) سعداء بأن يكونوا تحت الحكم التركي. بالنسبة لتركيا، فإن الولاء الديني والوطني واحد. لكن تفسيرنا للإسلام قد لا يكون هو نفسه دائماً. تحتفظ تركيا بالأكراد تحت السيطرة وهذا أمر جيد بالنسبة لنا. إضافة إلى ذلك، في يوم من الأيام، قد يأتي السوريون القاطنون في تركيا ويستقرون في هذه المناطق».

لكن آيد ديجل، الصحافي التركي المخضرم الذي سافر أخيراً إلى الأراضي السورية الواقعة تحت سيطرة تركيا، دق ناقوس الخطر حول أنشطة التعليم التي ترعاها «ديانت» في الأراضي السورية، معتبراً أن هذه إشارة إلى أن الوجود التركي في المنطقة ليس مؤقتاً. حيث يقول تقرير «ديانت» إن حوالي 11250 طالباً في المنطقة التي تسيطر عليها تركيا في سوريا يتلقون التعليم من خلال «ديانت». بينما يقول ديجل إن «ديانت» استأجرت «5686 مدرساً أو محفظاً للقرآن من المتمردين السوريين» للعمل ضمن مشروعها التعليمي. وأكد أن التعليم يتركز «في تركيبة سنية-تركية»، بحسب تعبيره، مع جرعة كبيرة من التعاليم المناهضة للأكراد. وأضاف أن التعليم «يصور الأكراد على أنهم ملحدون، وحزب العمال الكردستاني، ووحدات حماية الشعب الكردية وغيرها من المقاتلين الأكراد على أنهم كفار». وقال إن الطلاب يتم تجميعهم بحسب الجنس والعمر.

كما بدا غريباً في التقرير الذي نشرته «ديانت» أن المديرية وظفت 519 معلمة، و291 معلماً للقرآن. وعلى رغم أن التقرير يقول إن «ديانت» قامت بتمويل إصلاحات وبناء لـ 108 مساجد، فإن كلاً من ديجل وسكان محليين آخرين قد قدروا أن المديرية قامت بإصلاح وبناء أكثر من 250 مسجداً ومصلى ومدرسة. وقال ديجل: «إنهم يحددون بشكل خاص الأماكن التي كان يقطنها العثمانيون، ويعمرون فيها مسجداً ومدرسة ويركزون على ذلك». وأردف: «الأتراك يتعلمون، هم الآن يتبعون النموذج الإيراني في التوسع»، وفق استنتاجه.

وخلص التقرير إلى أنه تم إنفاق 1.6 مليون دولار في سوريا في الأشهر الفائتة في تعمير المساجد وتأسيس حلقات التحفيظ فيها. ويشير أيضاً إلى أنه تم إرسال مساعدات بقيمة 197 مليون ليرة تركية (32.5 مليون دولار) إلى سوريا. ويقدم التقرير دلائل حول النطاق الواسع للتعليم المقدم للمشايخ السوريين، بدءاً من محو الأمية الحاسوبية إلى دورات حول ما يصفه بـ«الحركات الانفصالية» في العالم الإسلامي والتي يشمل ضمنها «داعش» و«القاعدة» وحركة غولن وحزب الله. ويؤكد التقرير أن ألفاً من المصاحف مع تفسيرها باللغة الكردية تم توزيعها في منطقة عمليات «غصن الزيتون». تشير جهود «ديانت» إلى أمرين، أولهما رغبة تركيا في الوجود في هذه المناطق بعد الحرب، والاستثمار في الناس، خصوصاً النساء والشباب، بهدف توليد روابط عاطفية وتحديد الهوية مع تركيا. وثانياً، أن الحدود بين سوريا وتركيا بالفعل قد مسحت إلى حدٍ ما نتيجة لحركة اللاجئين السوريين الكبيرة بين هذين البلدين.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024