إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

الحكومة التركية هرولة إلى الرمال المتحركة بمساعدة أمريكية ..!.

محمد ح. الخاج

نسخة للطباعة 2019-01-17

يبدو جليا أن الحكومة التركية تحث الخطى نحو المجهول ، تصريحات وزير الداخلية والحديث عن ميثاق وطني ( ميثاق مللي) والتعبير عن رفض تام لكل اتفاقات الزمن الماضي من سيفر إلى لوزان ومحاولة التمسك بالحلم العثماني والقول أن شمال سوريا وصولا إلى المتوسط هي أراض تركية بالأحرى هي محط أطماع الدولة التركية التي اقتطعت من الأراضي السورية ما يعادل مساحة الجمهورية السورية الحالية عدا لواء الاسكندرون ، هذه التصريحات والتلميحات التي تتناقض مع تصريحات سابقة للقيادة التركية حول الحرص على الحدود السورية المعروفة وأن لا أطماع لها فيها ، وجاء ذلك على لسان أردوغان ووزير خارجيته في أكثر من لقاء ومؤتمر مع أطراف أخرى معنية بالمسألة السورية كروسيا وايران .

المنطقة الآمنة .. من يحميها .؟.

الهرولة التركية مستغربة في موضوع الموافقة الأمريكية على إقامة منطقة آمنة طالبت بها تركيا قبلا ورفضها العالم بما في ذلك الادارة الأمريكية ، والسبب أنها ستكون مشروع نزاع دائم بين الأطراف المحلية وأي وجود تركي أو غريب فيها ، ولأن الادارة الأمريكية قررت الانسحاب على عجل ، عملت الحكومة العالمية السرية على اخراج جديد للانسحاب بالعودة إلى زرع المنطقة برمال متحركة وفتيل تفجير دائم وهي بالتأكيد ليست جادة في حماية الكورد ولا العشائر ، الادارة الأمريكية ملتزمة بحماية الكيان الصهيوني جهارا ، وقتال الآخرين من حول الكيان ضمانة أكيدة لاستمراره وهو بيت القصيد الذي لم يفهمه الكورد أو بعضهم الفاعل على الأقل ، ولا يمكن تبرئة قادة الكيان الكوردي في الشمال العراقي من الضلوع بالمؤامرة .

ما يدعو إلى العجب والتساؤل هو موقف قسد المعلن عن الأمل بتفاهمات مع الحكومة التركية وكأن أسس الخلاف مع طرف آخر غيرهم ، وأن يقوم تفاهم فهو يسقط الحجج التركية ويفرغها تماما من وهم التخوف من الكورد وكيانهم المزمع وأنهم ارهابيون ليتحول الأمر تعبيرا صادقا عن الأطماع خصوصا أن تجري الأمور على نحو اقتسام المنطقة بين قسد والحكومة التركية والتشاركية في توفير الأمن للمنطقة الآمنة التي تم تحديدها بعمق ثلاثين كيلومترا على امتداد الحدود شرق الفرات ، كيف يلتقي القط والفأر ليتعايشا في منطقة واحدة يسمونها آمنة وهل يمكنهم اقتسام جبنتها .؟.

الترحيب التركي المتعجل بإعلان الموافقة الأمريكية على المنطقة الآمنة يعطي الانطباع ويؤكد وجود مخطط مسبق وسيناريو جاهز لما بعد الانسحاب ، بحيث يشكل انقلابا على كل التفاهمات التركية مع أطراف سوتشي وتكشف حقيقة التحالف التركي السري مع الأمريكي ولتسقط كل التهديدات والانذارات والاحتجاجات على أنها مسرحية ( حرب كلامية ) لا أكثر .!. وهنا يظهر الكورد ضمن جمهور المتفرجين الذين انطلت عليهم اللعبة ليتراجعوا عن خطة التفاهم مع حكومتهم ويعودوا الى دولتهم الأم .

ليس صحيحا أن قرارات الرئيس ترامب مدروسة ومتفق عليها ، فكل ما يطلقه من وعود ومواعيد عبر صفحته على (تويتر) مجرد كلام غير ملزم ، الاجراءات وحدها ملزمة وهذه تكون بوحي يهبط عليه من أجهزة الحكومة العالمية السرية ، وهي لم تكن يوما عشوائية بل ، مدروسة ومحسوبة ونتائجها شبه مضمونه ، من هذه الاجراءات التي لم يعلنها قبلا .. المنطقة الآمنة - وهي جزرة يتم التلويح بها للحليف التركي الذي انتظرها طويلا ، وبدا أنها كفيلة بتغيير سلوكه تماما وتغيير حتى خطابه وموقفه رغم أنه لم يخلص لا في الخطاب ولا في السلوك تجاه التزاماته نحو من اعتبرهم شركاء مرحليين على الأرض السورية ، لقد استخدم التركي في لعبته ورقة الجوكر بمهارة ، بوجه المقامر الأمريكي وفي النهاية سيكون الرابح بغض النظر عن حسابات الربح والخسارة من إقامة هذه المنطقة وهل ستكون رحلة استجمام لقواته أم بداية جحيم يهرب منه الأمريكي قبل استعاره ، ليس على الأرض السورية فقط بل وعلى أرض العراق وكامل المنطقة حيث الوجود الأمريكي.

أن يكون التركي مخلصا في القول بالحرص على أمن وسلامة الأرض السورية ، لن يقوم بالتفاهم مع تنظيمات " ارهابية " حسب تصنيفه بل يتوجه بالطلب إلى الجانب الروسي الذي يعتبره صلة الوصل مع الحكومة الشرعية طالبا أن تتسلم القوات السورية المناطق التي يرحل عنها الأمريكي لتتولى الأمن على الحدود كما في السابق مع دمج القوات المحلية في الوحدات الداخلية بعيدا عن الحدود وتحت قيادة مختلفة تماما ، هذا إن كانت الغاية حماية الحدود الحالية من تجاوزات الكورد ( إقامة كيان ) أو تسلل قوات حزب العمال باتجاه الداخل الواقع تحت سيطرة القوات التركية قبل العام 2011 ، وإلا فالأمر مجرد ذريعة لاستباحة الأرض السورية وتحقيق أطماع متجذرة تؤدي إلى تجديد الصراع وفتح أبوابه على مصاريعها وتنتقل تركيا من صفر مشاكل إلى مئات منها اضافة لحرب مفتوحة لا يعلم مداها إلا الله ولا تخدم إلا الكيان الصهيوني ، ويبقى السؤال هل من صحوة .؟.

الصحوة المطلوبة ليس من الحكومة التركية وحدها ، بل ومن الحكومات العربية التي تضع سياساتها على قواعد الكيدية والمصالح الشخصية وليس على قواعد صيانة الأمن القومي ، هذه الصحوة قد نوفر الكثير من الدماء ومعها المبالغ الهائلة التي ينفقونها على الحروب الكيدية ولم تحقق لهم سوى الكراهية والنزوع نحو الثأر داخل العقلية البدوية العشائرية المتوارثة منذ قرون ، وبسببها لا يكون ارتقاء ولا تقدم ولا أمن قومي ولا انتصار لقضية ، بل تستمر في إفساح المجال أمام كل القوى الغريبة لمزيد من التسلط والنهب وقضم الأرض وها هم اليوم يتباكون على القدس والأقصى بعد أن تناسوا ، بل تنازلوا عن فلسطين وغيرها ، وهم لم ولن يطالبوا بأرض أو حق إلا بضوء أخضر وأوامر خارجية يؤدي تنفيذها لخدمة الكيان الصهيوني وتناسي أنه العدو الأساس بعد اختلاق عدو جديد بالتوصيف الأمريكي ، فهل بعد هذا ينجزون الناتو العربي ليشاركهم العدو حربهم ، بالأحرى يدفع بهم إلى أتونها كما يفعل بالقوات الأمريكية ومعلوم أن كثير من السياسيين في عالم الغرب أقروا وأعلنوا أن " الكيان الصهيوني " يبحث عن قوى يسخرها لحمايته .

يخطئ من يعتقد أن الحكومة السورية غافلة عن رؤية أدق التفاصيل والتحركات الجارية ، ولها أيضا حساباتها التي في حال باشرت تنفيذها سيلتزم الحلفاء بمساعدتها والوقوف إلى جانبها طبعا مع قناعتهم بأحقيتها ، ومنها اجتياح ادلب وتحريرها من كل الأدوات بما فيها التركية ، من ثم الانتقال لتحرير شرق وشمال الفرات ولو أدى ذلك إلى حرب وصدام مع القوات التركية التي لن تجد نجدة من حلف الناتو الذي ينص ميثاقه على دعم دوله الأعضاء حال تعرضهم لعدوان خارجي ، وهنا تركيا ستكون المعتدية وليس المعتدى عليها ، حتى الشعب التركي سيقف جزء كبير منه ضد الحرب العدوانية التي تقوم بها حكومته على شعب جوار تاريخي تربطه به عواطف راسخة ، في الوقت الذي يلتف فيه الشعب السوري بكامله حول حكومته وجيشه الوطني من منطلق الدفاع عن الكرامة والسيادة الوطنية .

لا يكون الحق حقا في معترك الأمم إلا بمقدار ما تدعمه من قوة ، ونحن نثق بحقنا وقوتنا وقواتنا المسلحة الأبية التي أثبتت جدارتها على مدى سنوات من حرب عالمية ظالمة .


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024