إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

الموسيقار الرّفيق زكي ناصيف خالد في حزبنا وفي عالم الموسيقى للاعلامي اكرم الريّس

الامين لبيب ناصيف

نسخة للطباعة 2019-03-19

إقرأ ايضاً


نشرنا أكثر من مرّة عن الموسيقار الرفيق زكي ناصيف، الّذي مهما كُتب عنه، يبقى أقل مما يجب أن يُكتب على الصعيدين التأليف الموسيقي والالتزام الحزبي.

بتاريخ 8/10/2016 نشر الصحافي أكرم الريّس هذه المقالة التعريفيّة الجيدة, عن شخصيّة "زكي ناصيف الفنيّة" ننشرها لفائدة المزيد من الاطلاع على الحضور المُميّز لأحد عباقرة الموسيقى في لبنان.

ل. ن.

*

ما هي المحطات الثّلاث الّتي طبعت شخصيّة زكي ناصيف الفنيّة؟

يعرّف الباحث محمد عمران في كتابه "الموسيقى الشعبية المصرية: تأسيس نظري وتطبيقات عملية"، المحترفين الموسيقيين بأنهم الذين "تفرغوا للعمل الموسيقي ويتعيشون من وراء مزاولته في مناسبات ومجالات أداء بعينها. ومن مميزاتهم أن لديهم إمكانات وقدرات فنية حظيت – في نطاق تقاليد الإحتراف - برعاية خاصة، لا سيما تلك الرعاية التي هيأت للأفراد فرص التدريب وإكتساب الخبرات". احترف زكي ناصيف الفن وتفرّغ له العام 1953 عندما كان في السابعة والثلاثين من العمر، واستمر في العمل الفني قرابة خمسين عاماً لغاية رحيله عن دنيانا. ثمة في رأيي ثلاث محطات طبعت شخصيته الفنية، فما هي؟

بدأ زكي دراسته الموسيقية الجامعية قبل سبعة عشر عاماً من ذلك التاريخ، واستحوذت الموسيقى على فكره ووجدانه قبل ذلك بكثير. نلاحظ في تلك المرحلة الانتقالية من العشرينات الى الأربعينات في لبنان ثلاث محطات رئيسية كان لها الدور الحيويّ في رعاية مسار ناصيف نحو الاحتراف على مستويات عدّة، هي، بحسب تسلسلها الزمني، تعرّفه إلى حبيب الشماس، وانتسابه الى الحزب السوريّ القوميّ الاجتماعيّ، ولقاؤه بصبري الشريف.

حبيب الشّماس والهوايّة الفنيّة

لفت زكي ناصيف انتباه أحد أساتذة مدرسة "المخلّص" حبيب الشماس عندما كان يؤدّي الصلاة كل أحد، ويشترك غناءً وعزفاً على العود في الحفلات السنويّة مع نهاية العام الدراسي (محمد ابي سمرا: زكي ناصيف... فوق جبالنا، ملحق النهار). كانت الموسيقى هي الرابط الذي جمعهما وعزز التعارف والتواصل الفنّيّ بينهما، وخصوصاً أنّ الشماس كان معروفاً انذاك في الوسط الغنائيّ والموسيقيّ في بيروت. صار ناصيف يغنّي على مسرح مدرسة البطريركيّة في المصيطبة (فيكتور سحاب، "زكي ناصيف: الموهوب العالِم"، دار نلسن)، وكانت هذه التجربة نافذته إلى المجتمع الفنّيّ المحترف. واشترك كمغنٍّ وعازف عود مع الفرقة الفنية التي أسّسها نجيب الشلفون، وكانت تضمّ مجموعةً من الفنّانين الشباب: خليل مكنية، سامي الصيداوي، ألكسي اللادقاني، محيي الدين سلام، وإيليا بيضا. جالت الفرقة في المصايف اللبنانيّة لمدّة شهرين في صيف 1933، وقدّمت مجموعة حفلات انطلاقاً من بكفيا، ثمّ في حمّانا في نبع الحصى، تبعتها حفلات في إهدن، وبشري، وحصرون، وحدث الجبة. وكانت غالبيّة أعضاء الفرقة تنتمي الى فئة عمريّة لا تتجاوز منتصف العقد الثالث، ما عدا مكنية والشلفون، أما أصغرهم سنّاً فكان زكي ناصيف. أصبح خليل مكنية(1) من أقرب أصدقاء ناصيف، وقام بتعريفه إلى العديد من وجوه الوسط الفنّيّ في الإذاعة والمعهد الموسيقيّ، وأخرى من الحزب السوريّ القوميّ الاجتماعيّ، بالإضافة إلى ابن أُخته توفيق الباشا(2) (1924 - 2005)، الذي أصبح بدوره لاحقاً رفيق دربه الفنّيّ.

ما لبث زكي ناصيف أن عُرف خلال فترة دراسته في الجامعة الاميركيّة في بيروت كمغنٍّ على مسرح الوست هول. تذكر نشرة "الكلية" الصادرة عن الجامعة أنّه غنّى للمرّة الثانية في الأول من نيسان 1936 في احتفال جمعيّة المتخرجين إلى جانب عمر الزعني وآخرين. وتابع ناصيف هواياته الفنّيّة على هامش عمله التجاريّ، وقام بأنشطة فنّيّة عدّة كالمشاركة في مسرحيّة "المجنون" (نبيل أبو مراد، المسرح اللبناني في القرن العشرين، 2002)، في العام 1942 إلى جانب المطربة لور دكاش مع فرقة "جمعية الأدب التمثيلي". وكان هذا العمل من كتابة ميشال هارون، وبطولته، وإخراجه، وهو بحسب الكتيّب الإعلامي للمسرحيّة، "أروع مسرحيّة عربيّة ستظهر في درس اجتماعيّ أخلاقي". اتّسمت أعمال هذه الفرقة وزميلاتها التي ازدهرت خلال الثلاثينات والأربعينات بطابع الفروسيّة الأخلاقيّة وأحياناً الدينية في حاضرة كانت لا تزال متردّدةً في إعطاء الفن المسرحيّ المحليّ شرعيّته الاجتماعيّة خارج إطار المدارس والجامعات والجمعيّات الخيرية، رغم احتفائها بالأعمال المسرحية الوافدة من فرنسا ومصر ووفرة دور العرض والمسارح.

سعادة والحزب السّوري القومي الاجتماعي

انتسب زكي ناصيف إلى الحزب السوريّ القوميّ الاجتماعيّ على الأرجح في العام 1943، أي بعد إحدى عشرة سنة من قيام أنطون خليل سعادة (1904 -1949) بإنشائه مع زملاء له في الجامعة الأميركيّة في بيروت. تهدف عقيدة الحزب الى بعث "نهضة سوريّة قوميّة اجتماعيّة" تقوم على "مواهب الأمّة السوريّة " في "سوريا الطبيعيّة" وتعيد إلى الأمّة السوريّة استقلالها وحيويّتها وقوّتها. تذكر السيدة هيام نصرالله محسن إحدى السهرات في منزلها في منطقة الحدت، قدّم فيها ناصيف مجموعةً من الأغاني الإسبانيّة والروسيّة والإيطاليّة بالإضافة إلى نشيد الحزب: "انتحى سعاده بزكي جانباً على الشرفة الغربيّة للبيت، المطلّة على بحر من أشجار الزيتون وخلفها المطار فالمدى الأزرق، وتحدّث إليه ونصحه بأن تكون أغانيه فَرِحة وتحكي الحبّ والقرية والطبيعة، بحسب ما أخبرنا الرفيق زكي. وأمّا النصيحة فأسّست للنهج الجديد الذي ابتدعه زكي فنياً" (لبيب ناصيف، الامينة هيام نصرالله محسن في حديث شائق عن سعاده والامينة الاولى، موقع في الحزب القومي السوري الاجتماعي، 22 تموز 2015)، وهي تتطابق مع أطروحات سعادة، لأنّ "التجديد في موسيقانا حتمي يجب الأخذ به، فعلينا العودة الى الأصوات القديمة لتسليط فكرنا وفهمنا عليها من جديد، ونستخرج منها موسيقى تغذّي كلّ عواطفنا، ونُظهر بواسطتها قوة نفسيتنا وجمالها (أنطون سعادة، فاجعة حب، ص 70)... ومطامحنا ومثلنا العليا". وقد استحوذت هذه "النظرة الجديدة إلى قضايا الحياة الانسانية الكبرى" على اهتمام زكي ناصيف، وتجلّت لاحقاً في أعماله، فالأرض "ليست وحدها المهمة، بل الإنسان أيضاً في تفاعله مع الأرض والطبيعة".

من هذا المنطلق يؤكّد ناصيف أنّ النهضة الموسيقيّة والفنّيّة التي ازدهرت في لبنان، وخصوصاً مع انطلاقة "الليالي اللبنانيّة" في مهرجانات بعلبك الدوليّة العام 1957، "من العلامات على نهضة العقيدة السوريّة القوميّة وشيوعها بين الفنانّين والمتعلّمين آنذاك... (رغم) أنّ الحسّ القوميّ الذي تبعثه الأرض والطبيعة في الإنسان قائم وموجود قبل وجود الحزب وقيامته".

صبري الشّريف وإذاعة الشّرق الادنى

بقيت أعمال زكي ناصيف في التجارة في تلك السنوات تستأثر بالجزء الأكبر من وقته. وكان حينها يتابع دراسته الموسيقيّة خفيةً (محطات في حياة زكي ناصيف ومسيرته، كتاب "من أوراق زكي ناصيف"، منشورات الجامعة الاميركية في بيروت، 2014)، مع الأستاذ الفرنسي برتران روبيار (1905-1964) في قواعد الموسيقى، وفنّ الهارموني، والطباق الموسيقي (كونتربوينت)، وأساليب التأليف (فرحان صالح وعصام الحوراني، حوار مع الموسيقي زكي ناصيف: ليس هناك من فولكلور في المدينة، المؤتمر الثاني في الثقافة الشعبية اللبنانية- العربية، دار الحداثة، 1999).

ساعده شريكه على تخصيص قسم من وقته للدراسة حين عمل تاجراً في سوق الأرمن في بيروت من 1939 حتى 1943، وهو الأمر الذي لم يُتَح له عندما عاود العمل في متجر العائلة لبيع الجلود في شارع الأوروغواي في وسط بيروت. نوّهت مجلة الإذاعة اللبنانية في تشرين الأول 1946 بصوت ناصيف الجميل وموهبته في العزف على الكمان الكبير (التشيللو)، والبيانو، والعود، وأيّدت رأي بعض الموسيقيين في أنّه "لو انصرف بكلّيته إلى الفنّ لكان له مكانة أولى". لذلك ناشدت هذا الفنان "المحبّ جدّاً للجوّ الموسيقيّ" ومتخرج المعهد الموسيقيّ في الجامعة الاميركيّة أن "يصحو من مشاكله التجاريّة ليعود الى تغذية نفسه ونفوس سامعيه... (خصوصاً) أنّ مشاغله التجاريّة تكاد تقضي على موهبته الفنّيّة". لعلّ النكسة الماليّة التي تعرّضت إليها العائلة مع بدء الخمسينات ساهمت في قطع الخيوط الأخيرة التي كانت تربط ناصيف بعالم التجارة. ولعلّه كان لا يزال منهمكاً في جمع نغماتٍ خبّأتها الغيوم المهاجرة وحكايات تبدأ وتنسى أن تنتهي.

هذه الوثبة المنشودة نحو الاحتراف إحتاجت الى خطوة أخيرة تحقّقت في العام 1952 عندما تعرّف ناصيف عبر خليل مكنية إلى صبري الشريف (1920-1999)، مدير القسم الموسيقيّ في "إذاعة الشرق الأدنى" التي أسّستها الحكومة البريطانيّة في يافا. وكان صبري الشريف بدأ في يافا جهوده لجمع الأغنيات الفولكلوريّة في بلاد الشام، واستقدم الشاعر اللبنانيّ المتعدّد المواهب أسعد سعيد (1922 - 2010) لتنفيذ العمل الميدانيّ. واتّخذت هذه الإذاعة بعد نكبة فلسطين إستوديوهات للإنتاج الفنّي في بيروت بداية الخمسينات، حيث تابع الشريف سعيه لاكتشاف المواهب الجديدة ورعايتها، ومنها زكي ناصيف. ووظّف إمكاناته الإداريّة والتقنيّة في بعث التراث الشعبيّ في النهضة الغنائيّة في لبنان ضمن رؤية موسيقيّة حداثيّة ترتكز على الأوركسترا الموسّعة وتبتعد عن جماليات "التخت" والارتجال المقاميّ. وأُذيعت أول أعمال ناصيف في تلك المرحلة الجديدة في مسيرته في 12 كانون الأول 1952 وكانت أغنية "كيف أنسى" من نظم محمد يوسف حمود(3) ولحنه وغنائه. يقدّم كاتالوغ مهرجانات بعلبك الدوليّة في "الليالي اللبنانية" الأولى زكي ناصيف على أنّه "شُغف بالموسيقى صغيراً فتعلّم العزف على منوّع الآلات الشرقيّة والغربيّة، ولكنّه كان في ذلك كلّه هاوياً لا محترفاً. وشاءت العناية أن يلتقي صبري الشريف ويرى فيه القائد الصلب في معركة "إبراز الشخصيّة الفنّيّة للموسيقى اللبنانيّة"، فآمن برسالة صبري وانضمّ إلى الفنّانين الشبّان الذين يعملون معه، و"زكي ناصيف هو الآن من الطلائع في إنماء ثروة الفولكلور اللبناني"

(لجنة مهرجان بعلبك الدولي، مهرجان الفن الشعبي اللبناني، منهاج مهرجان بعلبك الدولي الثالث 1957).

هوامش:

(1) خليل مكنية: للاطلاع على النبذة المعممة عنه الدخول الى موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info

(2) توفيق الباشا: كما آنفاً.

(3) محمد يوسف حمود: كما آنفاً.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024