شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2019-10-23
 

أردوغان واتفاقية أضنة وطوق النجاة الأخير

ربى يوسف شاهين - البناء

ما بين التأرجح السياسي والعسكري لتركيا في شمال شرقي سورية، يبقى المشهد الأكثر الأهمية يتمحور حول انتشار الجيش السوري في مناطق الحسكة ودير الزور والقامشلي، وصولاً لمدينتي منبج وعين العرب، واللتين تُعدّان منطقتين تحظيان بالأهمية الاستراتيجية الكبرى بالنسبة لتركيا وأدواتها الإرهابية، الأمر الذي ترجمه تصريح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والذي نقلته قناة «NTV» التركية، حيث قال «إنّ المحادثات مع روسيا والولايات المتحدة بشأن مدينتي كوباني ومنبج مستمرة». لكن أردوغان عاد ليقول «إنّ دخول الجيش السوري مدينة منبج ليس أمراً سلبياً»، مضيفاً أنه «ينبغي ألا يظلّ المتشدّدون هناك». هذا التصريح يؤكد أنّ ما فرضه الجيش السوري وبضغط روسي وقبول كردي، بات معادلة سياسية وعسكرية، لا بدّ لأردوغان من التماهي معها مُكرهاً.

منصة أستانا بنسخها المتعدّدة، أكدت على أهمية السيادة السورية عبر انسحاب كافة القوى الأجنبية من الأراضي السورية. وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد قال عقب محادثاته مع الرئيس بشار الأسد في سوتشي في 17 أيار 2018: «إننا ننطلق من أنّ الانتصارات الملموسة ونجاح الجيش السوري في محاربة الإرهاب وانطلاق المرحلة النشطة من العملية السياسية سيليها بدء انسحاب القوات المسلحة الأجنبية من أراضي الجمهورية العربية السورية».

في مقابل ذلك فإنّ تطوّرات المشهد السياسي والعسكري بين الطرفين الأميركي والتركي، بعملية تبادل الأدوار السياسية والعسكرية على الأرض، رافقها غضب كردي إلى حين تسلّم روسيا زمام الوساطة السورية الكردية، لملئ الفراغ الناجم عن انسحاب القوات الأميركية من شرق الفرات، ولتتبعه انسحابات أميركية متتالية.

ومع بدء انسحاب القوات الأميركية من شمال شرق سورية، تبقى معضلة الحلّ السياسي في منطقتان أساسيتان، وهما عفرين وجرابلس في ريف حلب، واللتان يعتبرهما أردوغان توطيداً لسلطته في الجغرافية السورية، وكورقة ضغط تُمارس من قبله ضدّ موسكو ودمشق، الأمر الذي سيفتح في مرحلة مقبلة، بوابة للتجاذبات السياسية حيال الحلّ النهائي في سورية.

ما سُمّي بعملية «نبع السلام» التي أطلقها أردوغان على مناطق تواجد الكرد في شمال شرق سورية، تؤكد انّ الرئيس التركي يتماهى في عدوانه لحين تحقيق مآربه في إقامة «المنطقة الآمنة»، والتي تُعدّ انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، الذي يدعو إلى عدم انتهاك سيادة الدول المستقلة.

وبالعودة إلى القمة الثلاثية في أنقرة، والتي تُعدّ الخامسة من بين القمم والتي جرت في 16/9/2019، فقد شدّدت في بيانها الختامي على ضرورة «التمسك بسيادة سورية ووحدتها وسلامة أراضيها، مضيفة انّ هذه المبادئ يجب أن تلتزم بها كافة الأطراف وأنه لا يمكن أن تقوّضها أيّ أعمال». وهذه إشارة روسية إيرانية ضمنية بضرورة العودة إلى اتفاقية أضنة المُوقعة بين سورية وتركيا عام 1998.

وقد صرّح أردوغان في كلمة ألقاها خلال مشاركته في فعالية للكلية الحربية التركية بالعاصمة أنقرة، على ضرورة طرح «اتفاقية أضنة» المبرمة بين تركيا وسورية عام 1998، للتداول.

إلا انّ تصريحات الرئيس التركي المتضاربة، ما بين الإصرار على عملية «نبع السلام»، والتي تُعتبر انتهاكاً لبنود الاتفاق الأمني «اضنة»، والذي يحدّد العمق المسموح به لمواجهة التهديد القومي عبر التدخل لمسافة 5 كيلومترات، وتارة بين تأكيده وخاصة في الأشهر الاخيرة حاجة سورية للعودة الى اتفاقية اضنة.

الواضح من تصريحات أردوغان المتناقضة، أنها محاولة للتنصّل من التزامه وتعهّداته لشركائه في منصة أستانا، كما أنها محاولة لإرضاء واشنطن، بُغية دفع الأخيرة لإعطاء تركيا الضوء الأخضر لكافة الخطط شمال شرق سورية، بما في ذلك المنطقة الأمنة.

ولعلّ الاتفاق الأميركي التركي الذي جاء عقب زيارة نائب الرئيس الأميركي مايك بنس ووزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو لأنقرة ولقائهما أردوغان، يُعدّ بمثابة التماهي العلني مع المطالب التركية، فقد اقتربت أنقرة وواشنطن على ما يبدو، من إنهاء المعارك في شمال شرقي سورية بين تركيا وحلفاء الولايات المتحدة الأميركية.

ويقضي أبرز ما تضمّنه اتفاق الجانبين التركي والأميركي، بأن تكون «المنطقة الآمنة» في الشمال السوري تحت سيطرة الجيش التركي، ورفع العقوبات عن أنقرة، واستهداف العناصر «الإرهابية».

لكن ومع وجود الحليفين للدولة السورية الروسي والإيراني، سيمنعان تركيا من العودة الى الخلف، خاصة بعد ان تمكنت القيادة السورية والجيش السوري من هندسة واقع سياسي وعسكري شمال شرق سورية، ووصول انفاق الحلّ الى نهايتها، خاصة بعد تخلي ترامب عن الكرد واتجاههم للجيش السوري.

أنقرة باتت مدركة انّ مصالحها السياسية والعسكرية تكمن مع الحليف الروسي، وهذا ما ظهر جلياً من خلال، شراء تركيا منظومة «أس 400» وما تمّ الاتفاق عليه لاحقاً في القمة الثلاثية بين روسيا وتركيا في أنقرة، والذي تضمّن بدوره:

ـ التعاون العسكري التقني ومن ضمنه احتمال إبرام عقود جديدة بشأن توريد أسلحة روسية لتركيا.

ـ زيادة سبل التبادل التجاري بين روسيا وتركيا من خلال توسيع المعاملات المباشرة بالعملتين الوطنيتين.

ـ تنفيذ المشاريع الاستراتيجية في مجال الطاقة مثل إنشاء محطة الطاقة النووية «أوكويو» ومشروع الغاز «السيل التركي».

وبالتالي لضمان عدم خسارة الحليف الروسي، سيعمد أردوغان للموافقة على ما تمّ من مباحثات استانا وتفاهمات سوتشي، وسيعتبر العودة الى اتفاقية اضنة نوعاً من حفظ ماء الوجه، لأنّ أردوغان يُدرك في قرارة نفسه أن لا طوق نجاة له إلا بالبقاء مع روسيا من جهة، ومن جهة أخرى تفعيل اتفاق أضنة جديد، وبوساطة روسية.

في المحصلة، سنوات الحرب على سورية استطاعت ان تغيّر معالم السياسات الخارجية للقوى الإقليمية والدولية، وباتت تدرك جيداً هذه القوى، أنّ مسارات الحرب رغم الإنفاق العسكري العالي لإتمامها، الا انّ تضافر القوى الداخلية للدولة السورية، وقوة حلفاء سورية، استطاعوا تعديل بيضة القبان خلال السنوات الأخيرة من الحرب على سورية، وهي الأشهر المتبقية لإمالة الميزان السياسي والعسكري بكامله لصالح الدولة السورية.


 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه