شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2022-03-31 |
وثيقة من تاريخــنــــــا بيان "الحزب القومي" حول موقفه من "القضية الفلسطينية" المقدّم الى "مؤتمر الجبهة العربية" بيافا في 21 سبتمبر 1945 |
بمناسبة انعقاد مؤتمر "الجبهة العربية" في يافا، فلسطين، (في 21 سبتمبر (أيلول) 1945) بصدد "القضية الفلسطينية"، توجه حضرة رئيس المجلس الأعلى _ رئيس المكتب السياسي في الحزب القومي، الاستاذ نعمة ثابت، ليمثل الحزب في المؤتمر. وقد عهد حضرة الرئيس الى الاستاذ فايز صايغ بمرافقته كمستشار خاص، فأعد البيان التالي وقدمه للمؤتمر. هذا ما ورد في مقدمة "الكراس" الذي حمل العنوان التالي: الحزب السوري القومي المكتب السياسي القضية الفلسطينية 1945 اما نص البيان فننقله عن الكراس، كوثيقة من تاريخنا، لإطلاع المهتمين. " في هذا الظرف التاريخي الدقيق – اذ يخرج العالم من مجزرته الرهيبة – التي حشد في سبيلها سائر قواه – منهوكاً، مثقلاً بالأحزان والمآسي، واذ يتحفز العالم لبناء غدٍ: قد يكون سعيداً، لا أثر فيه للجور، بين الأمم او فيها، وقد يكون شقياً، يتسابق نحو الفناء – في هذا الظرف التاريخي الدقيق، يجب ان تحصر امم العالم العربي جهودها كلها في سبيل بناء العالم الجديد: اولاً: في الحقل الدولي العام: لكي تضمن الا يُقرّر العالم الجديد، ويُبنى، دون مساهمة الأمم العربية فيه مساهمة فعالة، ولكي تضمن الا يكون العالم العربي عنصراً مهملاً او ثانوياً في العالم؛ وثانياً: لكي تضمن الا يُـعتدى مجدداً على بعض اجزاء العالم العربي المهددة، المحاطة بالمطامع والاخطار؛ والا يستمر الجور الذي قد لحق بهذه الاجزاء العزيزة في الماضي؛ وثالثاً: في الحقل الداخلي: لكي تكفل اشادة نظام اجتماعي- اقتصادي عادل، ضمن الامم العربية، خالٍ من الجور والاستغلال بين الطبقات والفئات المختلفة. ولقد ابدى العالم العربي، حتى الآن، جهوداً عظيمة في سبيل ضمان هذه الأهداف، وتكللت مساعيه لتوحيد هذه الجهود، بالنجاح، في تأسيس "الجامعة العربية". فسار، بهذا العمل، على طريق السوية نحو حشد قواه في سبيل تنفيذ مآربه وتأمين حقوقه. *** وها نحن الآن، في هذا "المؤتمر" نسعى الى معالجة احدى المشاكل الهامة التي يواجهها العالم العربي، والى وضع الاسس المشتركة لكفاحنا المشترك في سبيل تخليص جزء عزيز من العالم العربي من أخطار رهيبة تنتظره: لا سيما وان القوى اليهودية قد ابدت مؤخراً نشاطاً ملحوظاً في سبيل توحيد صفوفها للقضاء على مقاومة العالم العربي لأنشاء "الوطن القومي اليهودي" في فلسطين. وان "الحزب القومي"، اذ يشكر القائمين على امر هذا المؤتمر لمباشرتهم بهذه الخطوة المباركة، ويقدّر لهم هذا المجهود المبرور _ يسره ان يعلن في ما يلي، موقفه من "المشكلة الفلسطينية" والأسس التي يبني عليها خططه لمعالجة هذه المشكلة. *** وسنوضح في هذا "البيان" اموراً ثلاثة، نعتبرها على غاية قصوى من الاهمية – راجيين ان يأخذ المؤتمرون الموقرون هذه النقاط بعين الاعتبار في ابحاثهم وفي مقرراتهم، فسيتناول بياننا، طبقاً لهذه الخطة _ اولا: دفع التباس اساسي، يصرّ الصهيونيون على ترسيخه في اذهان الشعوب، حول معنى "القضية اليهودية" و "القضية الفلسطينية"؛ ثانيا: التحذير من أخطاء حقوقية ترتكب عادة في الدفاع عن حقوقنا القومية في فلسطين؛ ثالثا: عرض الخطط العملية التي نقترح على المؤتمر الموقر ان يطالب بها، معالجة للوضع الراهن في فلسطين. الجزء الأول: "القضية اليهودية" و "القضية الفلسطينية" ان الكثير من البلبلة الحقوقية والاجتماعية، بصدد "القضية الفلسطينية" يمكن تلافيها بالتشديد على تمييز اساسي بين قضيتين مستقلتين كل الاستقلال، تصر الدعاية الصهيونية على اعتبارهما قضية واحدة. ولا ريب ان في قبولنا نحن بهذا الدمج بين القضيتين، خطأً حقوقياً اجتماعياً، يؤدي الى تقوية التمويه الذي بدأ به الصهيونيون بهذا الصدد، والى اكساب الادعاءات الصهيونية صفة حقوقية، والى دعم موقف الدعاية الصهيونية في الاوساط ذات شأن. ودفعاً لهذا الالتباس، نقدم الى "المؤتمر" الموقر، ونعلن للعالم المختص من على هذا المنبر، التميّيز التالي، المستند الى التاريخ والمنطق: اننا نعلن ان "القضية اليهودية" قضية قائمة بذاتها، مستقلة كل الاستقلال من "القضية الفلسطينية" _ إن في اسبابها وعواملها، او في واقعها وجوهرها، او في معالجتها وحلها. 1. "فالقضية اليهودية" هي قضية فئة "دينية. ثقافية. روحية"، انتشرت_ بفعل عوامل تاريخية معينة _ في سائر اقطار العالم؛ واحتفظت، اثناء هذا الانتشار، الطويل المدى، البعيد الآفاق، بشخصيتها الخاصة، غير ممتزجة بالفئات الاخرى، ومثيرة، بهذا الانعزال اللامندمج، حقد الشعوب الاخرى المحيطة بها، وعداءها. ولا ريب في ان "الخلق اليهودي"، و"النفسية اليهودية"، هما السبب الوحيد الذي عمل على استدامة هذا الانعزال، ،وبالتالي على اثارة هذا العداء. ذلك ان "النفسية اليهودية"، المتمسكة بخرافة "شعب الله المختار"، والمحافظة على ادعائها "برسالة" خاصة، قد ولّدت لدى الشعب اليهودي شعوراً بالانتفاخ والاعتزاز والكبرياء؛ وكوّنت عاملاً على انعزال اليهود، ورفضهم الاندماج؛ واحتفظت للشعب اليهودي بطابعه الخلقي الاجتماعي الخاص، وحصرت جهود اليهود في التعاون الشديد معاً، مادياً وروحياً، واورثتهم حقداً على العالم الأجنبي _ فاثارت، بهذا العمل، عداء الشعوب التي حل اليهود بينها، وكراهيتها. ولئن كان ثمة من يلام على هذا العداء، ومن يصح اعتباره مسؤولاً عنه، فانما ذاك المسؤول الملام هو "الشعب اليهودي" نفسه، و"الخلق اليهودي" بعينه! وان المحاولات اليهودية لإلقاء مسؤولية مصير اليهود الكئيب على عاتق ظروف معينة او شعوب معينة، لمحاولات مردودة في اساسها، لانها تتجاهل العامل الاول والاساسي الذي خلق تلك الظروف، واثار عداء تلك الشعوب! وبما ان "القضية اليهودية" قضية قد ولّدها "الخلق اليهودي" واثارها "الشعب اليهودي"، فانه لمن الخطأ والأجحاف ان يُحمّل "الشعب الفلسطيني" تبعة حل "القضية اليهودية" على حسابه _ على حساب مصيره القومي، وحقوقه المقدسة، وحريته في وطنه. 2. اما "القضية الفلسطينية" فهي قضية شعب آمن، وُعدَت بلاده ومرافقها من قبل دولة اجنبية لا تملك حق التصرف بهذه البلاد والمرافق _ للشعب اليهودي؛ وأعلِنَتْ مقراً لاشادة "الوطن القومي اليهودي"، بما في اشادة هذا "الوطن" من تعدًّ على الحقوق القومية في فلسطين، ومن اخطار معنوية ومادية جسيمة على هذه الحقوق. ولقد عبّر الشعب الفلسطيني – بسائر هيئاته وافراده – عن عدم اعترافه بهذا الوعد وعن رفضه لاشادة "الوطن القومي اليهودي" في بلاده. ولقد هبّ – في مناسبات عديدة – ليؤكد تعلقه بحقوقه القومية، ورفضه، تحت اي ظرف من الظروف، ان يتنازل عنها! فكان في اتخاذ الشعب الفلسطيني هذا الموقف، خير دحض لأي استناد حقوقي يستنده الشعب اليهودي على الوعد المعروف "بوعد بلفور". * يظهر جلياً مما تقدم، ان "القضية اليهودية" قضية مستقلة كل الاستقلال عن "القضية الفلسطينية". وان حل "القضية اليهودية" لا شأن لفلسطين فيه، ولا مبرر لتحميل الشعب الفلسطيني تبعاته وويلاته! وان ادعاء الهيئات الصهيونية بان حل "القضية اليهودية" لا يكون الا في اشادة "الوطن القومي اليهودي" في فلسطين، ومطالبتها بالتسهيلات المختلفة لهذا العمل، وبخنق كل مقاومة يقوم بها الشعب الفلسطيني دفاعاً عن كرامته وعن حقوقه - ان هذا الادعاء وهذه المطالبة، لتعدٍّ حقوقي صريح، يجب ان تنظر اليه تلك الدول، التي قامت تدافع عن حريات الشعوب، بالاستنكار بدلاً من التأييد. * ونحن لم نُدعَ الى هذا "المؤتمر" لنتباحث في اسس معالجة "القضية اليهودية" _ وانما نحن هنا بالحري لمعالجة "القضية الفلسطينية" _ قضية الاعتداء على الشعب الفلسطيني في اعز ما يملكه: في وطنه، وموارده، وكرامته القومية، وحقه بالبقاء!. الجزء الثاني: "الحقوق القومية" في فلسطين فإذا ما حددنا، بفضل هذا التمييز بين القضيتين، اساس "المشكلة الفلسطينية" التي من اجلها يلتئم هذا المؤتمر، جاز لنا ان نتقدم الى "الجزء الثاني" من "بياننا": الى التدليل على "حقوقنا القومية" في فلسطين. * ان المتتبع للاساليب الدعائية التي اتبعت بصدد "القضية الفلسطينية"، يتضح له، ولا شك، خطأ فاضح في نقاط الارتكاز في الحجج الصهيونية المقدمة بهذا الصدد، كما يتضح له ضعف في الإجابة على هذه الحجج ومجابهتها. * فالدعاية الصهيونية ترتكز على نقاط ثلاث اساسية، مدافعة عن حقها في "الوطن القومي اليهودي" في فلسطين: (1) الاستناد الاول يرتكز على اساس "شبه تاريخي": فهو يشدّد على علاقة اليهود التاريخية بفلسطين، وما انبثق عنها من روابط دينية وروحية. والواقع ان هذه الحجة مردودة بحقيقة تاريخية بسيطة، عبر عنها "سعاده" _ في مذكرته المرفوعة الى عصبة الامم المتحدة في 14 يوليو 1937، جواباً على تقرير "اللجنة الملكية" المعروفة، التي اقترحت "التقسيم" حلاً لمشكلة فلسطين _ بقوله: " كان جنوب سورية مقراً للكنعانيين الذين اتخذوه وطناً لهم، وعرف باسمهم – فسمي في احاديث اليهود "ارض كنعان". فجاء العبرانيون الى هذه البقعة، عشائر بربرية متبدية، واخذوا يعيشون في الارض ويخربون وينهبون ومع الوقت استولوا على بعض المدن والاراضي، وانشأوا فيها امارة خاصة بهم. واخذوا من الشرائع الكنعانية شريعتهم، ولكنهم ظلوا، تجاه اهل البلد الاصليين وغيرهم من الشعوب، غرباء، يحتاجون الى توطيد اقامتهم بالسيف. وظلت هذه حالهم الى ان ضربتهم الدولة السورية ضربة عظيمة وشتتهم الرومان" " من هذه اللمحة نرى ان "المسألة اليهودية" في العالم ابتدأت قبل الجلاء عن سورية، اي منذ مجيء العبرانيين من البادية الى جنوب سورية، وواضح ان اليهود ليسوا اصليين في البلاد، وان وجودهم في فلسطين لم يجعل لهم صفة خلفاء لأهل البلاد الأصليين". * (2) والاستناد الصهيوني الثاني يرتكز على اساس "عاطفي" مؤداه ان العداء العام الذي توجهه الامم المختلفة لليهود، يضع الشعب اليهودي في مأزق لا نجاة له منه الا بإعطاء اليهود "وطناً قومياً"، يناط مصيره بارادتهم، وتسيطر عليه هيئاتهم، وتشكّل فيه دولتهم القومية، وان هذا الوطن لا يمكنه ان يكون الا فلسطين، بالنظر للروابط التقليدية التي تربط اليهود بهذا الجزء من بلادنا. وهذه الحجة مردودة باعتبارين أساسيين: أ. أولهما، ان عداء الشعوب لليهود _ كما قلنا سابقاً _ لم ينبثق الا عن "النفسية والخلق اليهوديين"؛ وان الشعب اليهودي هو المسؤول نهائياً عن مأساة مصيره، وانه، لو حاول اليهود معالجة هذا الداء الخلقي المتفشي في نفوسهم، لكان ذلك اولى لهم من ان يسعوا الى اثارة مجتمعات جديدة عليهم، بمحاولتهم الاستيلاء على جزء عزيز من العالم العربي اغتصاباً وبالاكراه ! ب. والاعتبار الثاني، انه: لو سلّمنا جدلاً باستحالة معالجة "القضية اليهودية" بهذه الطريقة، وسلمنا بان "القضية اليهودية" لن تُحلّ الا بإستيطان اليهود "لوطن قومي" خاص بهم _ فإننا لن نرضى قط بان يكون هذا الاستيطان في فلسطين وعلى حساب شعبها: ذلك الشعب الحريص على كرامته القومية، والمتعلق بحقوقه المقدسة في بلاده ! وما قبول بعض اقطاب اليهود بالتفتيش عن بلدان اخرى ينشئون فيها وطنهم القومي، سوى الدليل الناصع على ان تعلق الصهيونيين بفلسطين ان هو الا تشبث اعتباطي طماع، لا مبرر له ! * (3) والاستناد الصهيوني الثالث يرتكز على أساس "سياسي" بحت _ هو الوعد الذي قطعته الحكومة البريطانية على نفسها، بدعم الاستيطان اليهودي في فلسطين، واكسبته صفة "شبه _ شرعية"، بحملها الدول على تبني هذا الوعد في صلب "صك الانتداب". وحريٌ بنا ان نشير هنا الى الاخطاء المتبعة في دحض هذا الاستناد، وان نوضح رأينا في الدحض الحقوقي الصحيح. أ. فالاجابة على هذه الحجة الصهيونية يجب الا تكون في الاشارة الى ان نص الوعد البريطاني لا يبرر تفسيره بالشكل الذي يفسره به الصهيونيون _ اي ان القول بان "حكومة جلالة الملك تنظر بعين العطف الى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين"، لا يمكن تفسيره بالقول ان الحكومة البريطانية "تنوي جعل فلسطين وطناً قومياً للشعب اليهودي" ب. كما ان الاجابة يجب الا تكون، ثانيا، في التذكير بالقسم الثاني من "الوعد"، الذي يتحفظ قائلاً: "مع البيان الجلي بان لا يفعل شيء يضير الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين اللآن...." ج. ويجب الا تكون الاجابة على هذه الحجة الصهيونية، ثالثاً، في اظهار التناقض بين "وعد بلفور" هذا، وبين مضمون المادة الثانية والعشرين من "ميثاق عصبة الأمم" _ التي تمنع اي تصرف حقوقي من قبل الدولة المنتدبة، يمس بسيادة الأمم المنسلخة من السلطنة العثمانية، والمعترف بانها امم مستقلة. د. ويجب الا تكون الاجابة علة هذه الحجة الصهيونية، اخيراً، في التذكير بالوعد المناقض "لوعد بلفور"، والذي قدمته الحكومة البريطانية قبل وعد بلفور للشريف حسين بواسطة معتمدها السر هنري مكماهون، واعترفت فيه باستقلال البلدان العربية ضمن حدود تضم فلسطين. كلا. ان حصر الاجابة على استناد الصهيونيين على "وعد بلفور" في هذه الاجوبة لتدبير خاطيء، لانه ينبثق عن"نقطة ابتداء" واهية وخاطئة. فهذه الاجوبة الاربعة كلها تبتدئ من "الوعود السياسية" كوعود "شرعية": في حين ان "نقطة الابتداء" الحقيقية يجب ان تكون، بالحري، الاستناد على "حقنا القومي" الطبيعي في قطعة من صميم وطننا ! نحن لن نناقش "وعد بلفور" او "وعد مكماهون" او "صك الانتداب"، ولن نبني دفاعنا عن حقوقنا في فلسطين على تفسير هذه الوعود، والتأمل في مدى دلالتها، وانما علينا ان نناقش تلك "السياسة" التي تخوّل نفسها حق اعطاء هذه الوعود، والتصرف ببلادنا كما تشاء؛ وان نناقش تلك "الذهنية" التي ترضى بان تبدأ بحثها بهذه الوعود كوعود "شرعية" !. نحن ننكر "شرعية" هذه الوعود من اساسها. وان "نقطة الابتداء" الحقيقية في بحثنا يجب الا تكون سوى "حقنا الطبيعي القومي" المكتسب من واقع حياتنا الاجتماعية في وطننا! اننا نعلن ان حقنا في فلسطين "حق طبيعي قومي"، مكتسب من تفاعل شعبنا على مدى التاريخ مع هذه البقعة الارضية – لا "حق سياسي" يكتسب بالاعترافات والعهود الدولية، وينتزع بها ! واننا نعلن اننا لن نعترف بشرعية الاتفاقات والعهود الدولية التي تمس بلادنا ومصيرنا وحقوقنا، الا اذا كانت امتنا ممثلة فيها، وكانت وجهة نظرنا معبراً عنها فيها بواسطة ممثلين شرعيين عن الامة. فإن مصيرنا القومي لن يقرره سوى امتنا نفسها. وكل تدبير على غير هذا الاساس انما هو بمثابة حكم غيابي تصدره هيئة لا صلاحية لها باصداره. ولن نعترف به، ولن نرضى باي قيد تقيدنا به مثل هذه التدابير، او بأي قرار يقرر فيه الغير مصيرنا. وان اذعنّا له، فانما اذعاناً لقوة مكتسحة، لا اعترافاً بحق مشروع! يجب اذن ان نقلع عن الابتداء في دفاعنا عن مشروعية حقوقنا في فلسطين، بالاشارة الى "وعد مكماهون"، او بالاجتهاد في تفسير "وعد بلفور". ويجب ان تغدو "نقطة الابتداء" في هذا الدفاع، انكارنا لحقوقية كلا الوعدين، واي وعود او اتفاقات اخرى يعقدها الغير، اياً كانوا، على حسابنا! ان قضية مصيرنا ليست "قضية بريطانية" داخلية، حتى تتصرف بها بريطانيا كما تشاء، وتعد بها من تشاء ! وان "وعد بلفور"، "كوعد مكماهون"، وعد سياسي، يقيد بريطانيا لكنه لا يقيدنا نحن على الاطلاق. الجزء الثالث: مطالبنا السياسية في الظرف الحالي فاذا انتقلنا، بعد هذا، الى النقطة الثالثة من بياننا، وتقدمنا لأبداء رأينا في الخطط العملية الواجب اتباعها لمعالجة "القضية الفلسطينية" في حالتها الراهنة _ اصطدمنا بعقبة اساسية، هي واقع وجود عددٍ كبير من اليهود، استوطنوا جزءاً كبيراً من اراضي فلسطين، واشادوا فيها مستعمرات ومدناً ومؤسسات اقتصادية؛ ونظموا فيها سائر مصالح حياتهم: من اقتصادية، وصحية، وثقافية، ومدنية، وكوّنوا لانفسهم "جهازا سياسياً" مركزياً، معترفاً بها من السلطة المنتدبة كهيئة شرعية تمثل الشعب اليهودي ومصالحه في فلسطين. وكل معالجة عملية "للقضية الفلسطينية" لا يمكنها ان تتغاضى عن هذا الواقع المؤسف، او تهمل الاقرار بواقعيته. ولذلك فالخطط العملية التي ستُقدم في هذا المؤتمر، يجب ان يُتوّخى في تقديمها عنصر "الإقرار بالامر الواقع" من ناحية عملية، والتقدم _ من ضمن هذا الإقرار _ الى معالجة هذا الواقع، وتخفيفه، وبالتالي تلافيه. لكن هذا يجب الا يعني على الاطلاق اعترافنا حقوقياً بشرعية واقعٍ فُرضَ علينا فرضاً، وابدى الشعب الفلسطيني _ ومن ورائه العالم العربي باسره _ في كل المناسبات، رفضاً باتاً: اي ان اعترافنا بهذا الواقع يجب ان يكون فقط اقراراً واقعياً بظرف راهن، نقوم به في سبيل معالجة هذا الظرف والغائه في النهاية _ لا اعترافاً حقوقياً بشرعية وضع ينكر حقوقنا، ويُشكل اعترافنا الحقوقي به سابقة حقوقية تفرض علينا الاعتراف به دائماً، وتمنعنا من مناوأته في المستقبل. وبناء على هذه الاعتبارات، فاننا نطالب: باسم الالوف من القوميين، الذين نذروا نفوسهم في سبيل خدمة الامة، واقسموا لن يهدأ لهم بال، وألن يطمئنوا، قبل ان يُنسف كل وضع من اوضاع الامة ينافي الحقوق القومية، ويضر بالمصلحة القومية . وباسم الالوف من انصارهم ومؤازريهم، أننا نطالب، ونطلب من المؤتمر الموقر ان يقرّ المطاليب العشرة التالية، المقسمة الى ابواب ثلاثة رئيسية: الباب الاول: الاجراءات التي من شأنها ان توقف تقدم "الوطن القومي اليهودي" في فلسطين اولاً: اننا نطالب بانصراف الدولة المنتدبة مباشرة الى نسف والغاء سائر التشريعات والاجراءات والتدابير الجائرة، العابثة بحقوقنا القومية في فلسطين، والمتوخية تسهيل مهمة تأسيس "الوطن القومي اليهودي" في فلسطين. ثانياً: الهجرة والجنسية: اننا نطالب بـ: أ. منع الهجرة اليهودية القانونية منعاً باتاً، ب. العمل الجدي على الحؤول دون الهجرة الخفية، بكل الوسائل الممكنة. ج. التسهيل لليهود الراغبين في ترك فلسطين، في ان يتركوها، د. التوقف مباشرة عن إعطاء الجنسية الفلسطينية لاي يهودي على الاطلاق. ثالثاً: الاراضي والمنشآت: اننا نطالب بــ: أ. منع بيع ونقل الاراضي لليهود منعاً باتاً . ب. التحوّط ضد تسرب الاراضي الى اليهود بأساليب اخرى غير اساليب البيع. ج. اعادة النظر في سائر عمليات انتقال الاراضي التي تمت بعد اعلان "الكتاب الابيض"، وكانت منافية لنصوصه، واعتبارها لاغية. د. ايقاف الترخيص للمؤسسات اليهودية الاقتصادية والعمرانية، او انشاء مستعمرات جديدة لليهود. رابعاً: التوظيف واللغة الرسمية: اننا نطالب بـ: أ. اعادة النظر في نسبة الموظفين اليهود، خاصة في الدوائر الحكومية العليا، وفي المصالح الماسة مساساً مباشراً بحياة الشعب، وضمان عدم تعدي النسبة العددية لليهود في التوظيف. ب. الغاء اللغة العبرية من عداد اللغات الرسمية في فلسطين. خامسا: القوى المسلحة: اننا نطالب بــ أ. تسريح سائر القوى اليهودية الخاصة والاستثنائية والمنوط بها خفر المستعمرات اليهودية. ب. القيام بحملة منظمة من قبل الدولة المنتدبة لجمع الاسلحة الموجودة مع اليهود، والتي تشكل خطراً على الامن العام وعلى سلامة الوطن. الباب الثاني: الاجرآءات التي من شأنها ان تعطي الشعب الفلسطيني حكماً ذاتياً: سادساً: اعلان فلسطين دولة مستقلة بالفعل. سابعاً: فسح المجال لانبثاق حكم ذاتي في فلسطين، على الاسس الديمقراطية الحرة. ثامناً: عدم ربط الدولة الفلسطينية المستقلة باي تعهدات سابقية. وترك سائر الشؤون المتعلقة باندماج هذه الدولة بالدول السورية المتاخمة، ليقررها استفتاء شعبي عام في فلسطين بعد قيام الحكومة الوطنية. تاسعاً: اعلان فلسطين في حلٍ من سائر الارتباطات والتعهدات الدولية التي عقدت بإسمها، او باسم اية دولة اجنبية. ويدخل ضمن هذه الارتباطات "وعد بلفور" والوعود البريطانية المشابهة، وسائر التصريحات الرسمية او الشبه رسمية التي صدرت عن دول أخرى، او اشخاص رسميين في دول أخرى، سواء ما اعلن منها وما لم يعلن. الباب الثالث: حل الوطن القومي اليهودي وتلاشيه تدريجياً: عاشراً: اننا نطلب عدم عرقلة الاجراءات التي ترى الدولة الفلسطينية المستقلة من الضروري اتخاذها في سبيل ترحيل اليهود (الذين قدموا الى فلسطين اثناء مدة الانتداب البريطاني، وبتشجيع الدولة المنتدبة، وتنفيذاً لوعد لم يعترف به الشعب الفلسطيني)، شرط ان تكون هذه الاجراءات تدريجية، وتشرف على تنفيذها لجنة دولية تمثل الدول التي هاجر منها اليهود الى فلسطين، وشرط ان لا تستغرق عملية تنفيذ هذا الترحيل مدة اطول من المدة التي استغرقها مجيء اليهود. واننا نعلن ان اية معالجة "للقضية الفلسطينية"، لا تتحفظ هذه التحفظات للعمل التدريجي في سبيل رفع الحيف الذي لحق بفلسطين، من جراء اشادة "الوطن القومي اليهودي" فيها. ستترك "القضية الفلسطينية" شوكة في جسم الاستقرار في العالم العربي، وبالتالي عقبة في سبيل السلم العالمي، والرخاء والسعادة والرقي التي ينشدها العالم. وان اي تقاعس من اعادة الحق المسلوب الى الشعب الفلسطيني سيكون طعنة في صميم المثل العليا التي حاربت من اجلها شعوب العالم واراقت في سبيلها ما اراقته من دماء. وان امتتنا لن ترضخ لاي اسلوب من اساليب التهديد او البطش او الافناء، اذا كانت فلسطين ستظل مطمعاً للشعب اليهودي، فتساعده على استيطانها الدولة المنتدبة او اية دولة خرى. ولكننا نثق بتعلُّق الشعب البريطاني بمثل الحق والعدالة والحرية؛ ونثق بان الشعب البريطاني لأنضج من ان تمر به اختباراته السياسية دون ان يستفيد منها، وانه لذلك سيقدر الخطأ الذي ارتكبه في اعطاء الوعد "بالوطن القومي اليهودي" في فلسطين، وفي محاولة فرض هذا "الوطن" على الشعب الفلسطيني رغم مقاومته، لا سيما وان الشعب اليهودي قد ابدى عقوقه الشعبي، واظهر النزعات الارهابية الثورية الرهيبة المستوطنة في نفسه، والمخلة بالامن والاستقرار، والتي وجهت في المقام الاول الى الرعايا البريطانيين في فلسطين، ونثق اخيراً بان الشعب البريطاني يقدّر الحاجة المشتركة لقيام جو من التعاون والصداقة، بينه وبين الامم العربية، بدلاً من المحافظة على جو لا يمكنه ان يخلو من التوتر اذا احتفظت بريطانية بموقفها الحالي من فلسطين. اننا نثق بهذه العوامل، ذ نبدي توقعنا بان لا تتابع بريطانيا بعد هذه الحرب تلك السياسة التي انتهجتها بعد الحرب الماضية، وبان تستهل عهداً جديداً من التعاون المتبادل، يساعد على رفع الحيف الذي كانت بريطانية الوسيلة الرئيسية لفرضه علينا. خاتمة وقبل ان نختم هذا البيان، لا بد من تذكير "المؤتمر" الموقر، بتلك البقعة الغالية الأخرى، المفجوعة كأختها فلسطين بمطامع اجنبية خطرة: تلك هي المنطقة الشمالية من سوريا، المقدمة تدريجياً، من قبل الاستعمار الفرنسي، فريسة الى الدولة التركية المتاخمة، تلك الدولة التي كنا نود ان يكون موقفها من جارتها سورية منبثقاً عن احترام اصدق للحقوق والحدود القومية، وعن تقدير ابعد نظراً للحاجة الى التعاون في سبيل خير الامتين، والى عدم اثارة حقد يحول دون الاستقرار في الشرق الادنى. لقد اخضعت كيليكية والاسكندرون لساسية تركية، تجدُّ في سلبهما طابعهما القومي، وفي "تتريكهما"، وتتحفز لتجعل من تينك البقعتين نقطة ارتكاز تنطلق منها في غزوات اكثر اتساعاً ! اننا نطلب من "المؤتمر" الموقر، ان يرسل تحيته الى بني أمتنا، الذين اخضعوا _ كما أخضع الشعب الفلسطيني _ لسياسة ارهاق، ماسة بكرامتهم ومصالحهم الشخصية والقومية، وان يعلن اننا، ونحن نعالج قضية جزء من أجزاء العالم العربي، لا يمكننا ان ننسى ذلك الجزء الاخر، او ان نتقاعس عن توحيد الجهود في سبيل إنقاذه ايضاً. استدراك بعد طبع هذا "البيان" بساعات قليلة، وردت على رئاسة الحزب القومي برقية من سكرتير "الجبهة العربية" تنبيء بتأجيل "المؤتمر" الى اجل غير محدد فاقتضى التنويه.
|
جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه |