Warning: Undefined variable $PHP_SELF in /home/clients/61e9389d6d18a99f5bbcfdf35600ad76/web/include/article.php on line 26
SSNP.INFO: سعاده والتأسيس المستمر: مشروع النهضة في مواجهة الخطر الوجودي بقلم الأمين الدكتور ادمون ملحم
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2025-11-21
 

سعاده والتأسيس المستمر: مشروع النهضة في مواجهة الخطر الوجودي بقلم الأمين الدكتور ادمون ملحم

الامين لبيب ناصيف

في وقت مُبَكِّر من عشرينيات القرن الماضي، استشعر أنطون سعاده الخطرَين الوجوديين المُحدقين بالأمة السورية: الخطر الصهيوني التوسعي والخطر التركي الماحق. وقد حذّر من "أن اليهود لن يكتفوا بالاستيلاء على فلسطين، ففلسطين لا تكفي لإسكان ملايين اليهود" ، مما يعني أن المشروع الصهيوني يتطلع إلى التوسع على حساب كامل الأرض السورية. أما الخطر التركي فقد تجلّى باستمرار الأطماع في الأراضي السورية، ولا سيما بعد نزع السيادة السورية عن لواء الإسكندرونة. في مواجهة هذه التحديات المصيرية، رأى سعاده أن الأمة تقف عند مفترق طرق بين "الحياة والموت"، وأن مسؤولية النهوض تقع على عاتق أبنائها .

لم يكن رد سعاده على هذه التحديات رداً ارتجاليّاً أو انفعاليّاً، بل جاء ثمرةَ رؤية استراتيجية عميقة لواقع الأمة المشرذمة، الغارقة في الجهل والتبعية. في ظل ظروف سياسية قاسية، حيث كانت الحياة الاجتماعية "محظورة بالقانون" والتجمعات ممنوعة والجاسوسية متفشية، أدرك سعاده أن مواجهة المشروع الصهيوني المنظم تتطلب مشروعاً نهضوياً منظماً. وهكذا تأسس الحزب السوري القومي الاجتماعي كحركة سرية نظامية معاكسة، تحمل مشروعاً شاملاً لبعث نهضة سورية قومية اجتماعية.

القضية القومية وغاية التأسيس المتجددة

تميز الحزب السوري القومي الاجتماعي عن سائر التنظيمات السياسية بتأسيسه على رؤية قومية متكاملة. فلم يكن مجرد حزب سياسي بالمعنى التقليدي، بل كان تعبيراً عن إرادة الأمة في الحياة الحرّة الكريمة. عبر مبادئه المناقبية الجديدة، حمل الحزب لواء القضية الجامعة لكل أبناء الأمة، معبّراً عن حاجاتها العميقة ومصالحها العليا.

واللافت أن سعاده لم يجعل من الاستقلال المجرد غايةً بذاتها، بل وسيلةً لتحقيق الحياة الجميلة. فـ"الاستقلال لمجرّد الاستقلال ليس غاية لنا." الغاية الحقيقية كانت وما زالت "تحسين حياتنا وترقيتها" ، وإقامة نظام جديد يجعل الحياة "أرقى وأفضل وأجمل". هذا التمايز الجوهري يجعل من الحزب مشروعاً حضارياً شاملاً، لا مجرد حركة سياسية عابرة.

تأسيس فكرة الأمة: البداية الحقيقية للنهضة

أدرك سعاده أن أولى خطوات النهضة تبدأ من "تأسيس فكرة الأمة" . فبدون وضوح هذا المفهوم، تبقى جميع الجهود الإصلاحية عرجاء. وكان لا بد من الإجابة عن سؤال "من نحن؟" قبل الشروع في أي مشروع تغييري. وقدّم سعاده تعريفاً واضحاً للأمة السورية كوحدة طبيعية قائمة بذاتها، تجمع بين الأرض والشعب في علاقة حيوية لا تقبل التجزئة.

فعل التأسيس المستمر

لم يتوقف فعل التأسيس عند لحظة تأسيس الحزب، بل تحوّل إلى عملية مستمرة يتولاها أبناء العقيدة القومية الاجتماعية جيلاً بعد جيل. وهذا الفعل يتجلى في المسارات التالية:

أولاً: نشر الوعي القومي

تشكل الأعمال التثقيفية الركيزة الأساسية لاستمرار المشروع النهضوي. فالثقافة في فكر سعاده ليست ترفاً فكرياً، بل هي فعل مقاومة وإصلاح وتغيير. إنها الضمانة الحقيقية لمناعة المجتمع ووحدته الروحية، والأداة الفعّالة لتحرير العقول من الأفكار البالية والانقسامات الطائفية. وتستند الثقافة النهضوية إلى المعرفة الصحيحة والتفكير النقدي، ساعيةً إلى بناء الإنسان الجديد الممتلئ بالفضائل والقادر على الخلق والإبداع.

ثانياً: ترسيخ ثقافة العطاء

في مواجهة النزعة الفردية الآخذة ولا تعطي، يأتي ترسيخ ثقافة العطاء كضرورة وجودية. فالعطاء ليس مجرد فضيلة أخلاقية، بل هو شرط ضروري لتحرير النفوس من براثن الأنانية، وربط الفرد بمصير أمته وقضيتها المصيرية.

ثالثاً: تعزيز الثقة

تشكل الثقة حجر الأساس في البناء القومي، فهي - كما عرّفها سعاده - جوهر القومية الحقيقي: "ليست القومية إلا ثقة القوم بأنفسهم واعتماد الأمة على نفسها". فبالثقة تتحول الطاقات الكامنة إلى إنجازات ملموسة، ويصبح العطاء فعلاً جماعيّاً منتجاً. وبفقدان الثقة تتفكك الجماعات وتغيب التضحية وتعجز الأمة عن بناء ذاتها.

أسس متينة لنهضة شاملة

لا تقوم النهضة على الفكر والمشاعر فقط، بل تحتاج إلى أسس متينة تتمثل في:

العقلية الأخلاقية الجديدة

"تُعَدُّ الأخلاق شرطاً ضرورياً لبقاء المجتمع وارتقائه، وبدونها لا يمكن للأمة أن تبني عظمتها. وفي هذا السياق، أكد سعاده أن "كل خطة سياسية وكل خطة حربية مهما كانت بديعة... لا يمكن تحقيقها إلا بأخلاق قادرة على حمل تلك الخطة." فالأخلاق الجديدة تضمن تحقيق الخير العام، وتُكسب الأمة "صلابة العزيمة وشدة الإيمان وقوة الإرادة" ، فتصبح المبادئ أعزّ من الحياة نفسها.

المؤسسات القومية

تميّّزَ عمل سعاده بإرساء أسس العمل المؤسساتي المنظم، معتبراً أن "إنشاء المؤسسات ووضع التشريع هو أعظم [أعماله] بعد تأسيس القضية القومية". هذه المؤسسات لم تكن هياكل إدارية جوفاء، بل كانت أدوات فعّالة لحمل مبادئ الحياة الجديدة وتحقيق الغايات القومية.

العمل لمصلحة الأمة

جعل سعاده مبدأ "مصلحة سورية فوق كل مصلحة" أساساً راسخاً للعمل القومي، داعياً إلى تجاوز المصالح الضيقة والفئوية. وحثَّ الشبابَ والطبقةَ المتنوِّرةَ على العمل بإخلاص وتضحية لإصلاح حياتنا القومية، وتحقيق المصلحة العليا للأمة.

الاقتصاد المنتج

وتعتمد النهضة على تحويل المجتمع إلى أمة منتجة، تجعل من العلم والعمل والإبداع أسساً للتقدم. فالعلم الحديث والعقل النقدي هما أداتا الارتقاء الحضاري، والعمل المنتج وسيلة تحقيق السيادة الاقتصادية. كما أن الإبداع الفكري والتقني يضمنان للأمة مواكبة العصر، والمساهمة في تشكيل مستقبلها. وهكذا تتحول النهضة من فكرة مجردة إلى واقع ملموس، يعيد للأمة دورها الحضاري ويحقق لها الاستقلال الحقيقي.

خاتمة: نحو مستقبل مشرق

في ذكرى التأسيس، نستذكر دعوة سعاده الخالدة: "إلى هذا الجهاد أدعوكم!" فالأمل الوحيد للأمة يكمن في العمل الدؤوب والجهاد المتواصل، والعودة إلى مبادئ النهضة التي تجمعنا على قضية واحدة وغاية سامية.

اليوم، والأمة تواجه تحديات مصيرية، يأتي في طليعتها المشروع الصهيوني الذي يسعى إلى تفكيك الأمة وإخضاعها، تبرز الحاجة الملحة إلى مشروع سعاده النهضوي الشامل. فقط من خلال نهضة تعيد للأمة وحدتها وإرادتها، وتحيي قواها الذاتية، يمكن مواجهة التحديات وبناء مستقبل مشرق يعيد للأمة كرامتها ومكانتها اللائقة بين الأمم.






 

جميع الحقوق محفوظة © 2025 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه