إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

وفاة خائن جاسوس

أنطون سعادة

نسخة للطباعة 1942-09-15

إقرأ ايضاً


الجزء الأول:


بين الأخبار الواردة من الوطن في الثلاثة الأشهر الأخيرة خبر وصل الى الأرجنتين بواسطة بعض الصحف السورية في أميركانية ومحصله ان المدعو الشيخ عزيز الهاشم قد مات بسبب مرض أصابه. وقد وصفه مراسل الضلال التي تسمى "الهدى" كما يأتي:


"كان رجلاً دمث الأخلاق، لطيف المعشر، كريم المحتد، واسع الثقافة، عمل في القضاء مدة فكان القاضي النزيه ثم تعاطى المحاماة فكان فيها قديراً وأدلى بدلوه في السياسة فجاهد في سبيل ما كان يعتقده حقاً في مصلحة البلاد".


ليس هذا الوصف الزخرفي متناولاً شيئاً من المسائل العمومية التي تدخل فيها الموصوف وأظهر تدخله نوع أخلاقه ونياته وشخصيته والرجل يستحق أكثر من هذه الكلمات الاحبارية القليلة واننا نفيه حقه. فهو قد مثل دوراً في شؤون سورية السياسية يجب أن لا يذهب بدون مغزى وعبرة.


درس عزيز الهاشم المحاماة في المدارس الفرنسية. ويترجح عندنا أنه زار فرنسة غير مرة. وألف كتاباً في الفرنسية بحث فيه مسألة الانتداب على سورية وظهر فيه بمظهر الوطني المدافع عن حقوق البلاد. عيّن قاضياً في لبنان ثم عزل. ثم أخذ يظهر على مرسح السياسة بشكل "مجاهد" استقلالي وعدو للسيادة الأجنبية. فكان من مؤسسي حزب نشأ في بيروت وسمى "حزب الاستقلال الجمهوري" وترأس هذا الحزب كل المدة التي عاشها. وظل هذا شأنه أمام الناس حتى اتصل بالحزب السوري القومي الاجتماعي سنة 1935 فكان بذلك انفضاح امره. وقد لعب دوراً هاماً في بعض القضايا التي اثيرت حول هذا الحزب القومي الدقيق النظام.


كان اتصال هذا الهاشم بالحزب السوري القومي بواسطة المدعو روفائيل ابو جودة والمدعو جان سرور اللذين كانا شريكين له في "حزب الاستقلال الجمهوري" وفي مسائل أخرى. وأمر هذا الاتصال ذو سلسلة روائية من المفيد سرد وقائعها بالاختصار.


في أوائل سنة 1935 كان الزعيم قد بدأ جهاز الاستخبارات في الحزب السوري القومي الاجتماعي فابتدأ عدد من القوميين الاجتماعيين يمارسون الاستخبارات بشكل أولي لا فعالية كبيرة له. ولكن بعض المراقبين اظهروا ذكاء شديداً ووصلوا الى معلومات هامة أوصلوها بكل أمانة الى المراجع المختصة التي أدركت أهميتها وأحلتـّها المحل اللائق من العناية. بين هذه المعلومات المفيدة وجدت ملاحظات ذات بال تتعلق بشخص يدعى عزيز الهاشم الملقب بالشيخ.


في هذه الأثناء اتصل بالحزب السوري القومي الاجتماعي رجل يدعى روفائيل ابو جودة. وكان اتصاله بواسطة المدعو جورج حداد الخائن المطرود فيما بعد من الحزب. المعلومات عن هذا الشخص كانت قليلة ولكنها تدعو الى التفكير. فقد بلغ الحزب عنه انه لعب أدواراً مشبوهة في سياسة "جمعية السواقين". فهو ليس سائقاً بالاجرة ولكنه يشتغل في مسائل السيارات وله علاقة مع ملاكي السيارات الذين هم خصوم السواقين واليه يعزى حبوط بعض مشاريع الاضراب او الاعتصاب وجاء في صدده انه عضو عامل في "حزب الاستقلال الجمهوري" وان له أخاً في دائرة التحري اسمه ادوار ابو جودة. فسمح الزعيم بادخال روفائيل ابو جودة في الحزب وأمر بوضعه تحت المراقبة.


بعد حين رشح روفائيل ابو جودة المدعو جان سرور لدخول الحزب السوري القومي الاجتماعي وابو جودة مدح جان سرور وأفاد عنه بأنه خازن "حزب الاستقلال الجمهوري" ورشح الاثنان المدعو عزيز الهاشم الملقب بالشيخ والمترئس الحزب المذكور لعضوية الحزب القومي الاجتماعي، فقبل، وبعد دخوله ألقى المحامي صلاح اللبكي كلمة ترحيب بالهاشم في اجتماع صغير جرى، على الأرجح، في منزل الرفيق الاستاذ زكي النقاش ناظر مدرسة "كلية المقاصد الخيرية الاسلامية" في بيروت.


بدخول المدعو عزيز الهاشم في الحزب السوري القومي الاجتماعي دخل هذا الحزب أحد عمال استخبارات المفوضية الفرنسية واستخبارات "المكتب الثاني" في أركان حرب "جيش اللونت Levant" الفرنسي وهذا كاد يكون مؤكداً في مكتب استخبارات الحزب القومي الاجتماعي فلم يكن الهاشم مجهول الصفة حين دخوله في هذا الحزب.


ابتدأ عزيز الهاشم يشتغل للجاسوسية الفرنسية ضمن الحزب القومي الاجتماعي منذ بدء دخوله ولكنه كان يشتغل من وراء الستار بواسطة شريكيه روفائيل ابو جودة وجان سرور. على ان حركات هؤلاء الثلاثة كانت تحت مراقبة دقيقة. وقد ظن كثيرون ان عزيز الهاشم هو الذي تمكن من اعطاء التفاصيل التي أدت الى القبض على الزعيم وأركان ادارته في 16 نوفمبر 1935. ولكن دوائر الحزب العليا لم تؤيد هذه الاشاعة لأن الخائن الذي فعل ذلك قد صار معروفاً في الدوائر المشار اليها واسمه لا يزال مكتوماً.


بيد أن عزيز الهاشم لم ينجح في مهمته الأولى لأن خائناً آخر سبقه اليها تحول بكليته الى المهمة الثانية التي نجح فيها في "حزب الاستقلال الجمهوري" الذي انشىء لبلبلة الأذهان وقتل حيوية الشباب. هذه المهمة الثانية هي: افساد الصفوف القومية الاجتماعية وسحق معنويات الحزب القومي الاجتماعي بالدسائس والاشاعات. فحاول ان يدخل ادارة هذا الحزب العليا بعد اعتقال الزعيم وأعضاء مجلس العمد، منتهزاً فرصة التضعضع الاداري الذي عقب الاعتقالات. ولكنه أخفق. حينئذ رتب منهاج اشاعات لتسميم الرأي العام ضد الحزب فانتظر خروج الزعيم من السجن لينشر في جريدة "المساء" لصاحبها المضروب عارف الغريب "تصريحات" عن "علاقة الحزب السوري القومي الاجتماعي بايطالية وتسلم الزعيم أموالاً من هذه الدولة".


كاد عزيز الهاشم ينجح في هذا المشروع. فقد أحدثت "تصريحاته" ضجة قوية في أوساط الشعب وأوجدت الشك في عدد من ضعفاء الايمان المنضمين حديثاً الى الحزب القومي الاجتماعي. فانحدر من زحلة نفر فيه سعيد عقل الشاعر والمدعو يوسف البحمدوني وغيرهما، وجاؤوا دار الزعيم في رأس بيروت لسؤاله عن صحة ما يدعيه عزيز الهاشم. فأعطى الزعيم القادمين الايضاحات التي وجدها لازمة فلم يكتف هذا "الوفد" وسأل أعضاؤه الزعيم اجراء مقابلة مع عزيز الهاشم.


كان ذلك صدمة مُرة للزعيم وللايمان القومي الاجتماعي....


يتبع



الزوبعة – العدد 52 - 15 سبتمبر 1942.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024