شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2007-05-18
 

لبنان في الفكر والمخططات الصهيونية -1 -‏

نبيل المقدم

ينساق البعض من اللبنانيين وراء ادعاءات الإسرائيليين، فيصدقون ما تروجه اسرائيل بأن ‏ليس لها مطامع في أرض لبنان ولا في مياهه وأن مشكلتها معه هي مشكلة أمنية بحتة سببها ‏تهديد المقاومة للمستوطنات الشمالية، وإن حل هذه المشكلة يكمن في تجريد المقاومة من سلاحها ‏وإبعادها الى ما وراء جنوب الليطاني وأن مشكلة شبعا ستحل بمجرد أن تقبل سوريا بترسيم ‏الحدود مع لبنان فإذا ظهر أن هذه المزارع لبنانية فإن اسرائيل ستنسحب منها وإذا ظهر ‏أنها سورية فإنها ستخضع لموجبات القرار 242، مع العلم ان الحدود اللبنانية السورية مرسمة ‏بشكل دقيق وواضح بموجب وثيقة موقع عليها بين البلدين تعود الى 27 نيسان 1946 تظهر ‏فيها بوضوح لبنانية مزارع شبعا.‏

ويصدق هذا البعض أنه بعد ذلك يمكن إقامة علاقات طبيعية مع كيان العدو كأي علاقة تنشأ ‏بين دولتين من جميع النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية من الخطأ الجسيم طرح المشكلة ‏بين لبنان وكيان العدو على هذا النحو والتغاضي عن البحث في جذور المشكلة والتي لها أبعاد ‏تاريخية واجتماعية واقتصادية تتجاوز بكثير مسألة مزارع شبعا ومسألة أمن المستوطنات ‏الشمالية. إن هذه المشكلة تعود في أساسها الى طبيعة نشوء إسرائيل وطبيعة تكوين شعبها ‏وكيفية مقاربته لشكل العلاقات التي يجب أن تسود بينه وبين أبناء الأمة من جهة وبينه وبين ‏شعوب العالم من جهة أخرى، فالشعب الإسرائيلي المكون من طائفة اليهود شعب لا يؤمن ‏بالعلاقات التفاعلية بينه وبين شعوب العالم، لأنه شعب ما زال يحتفظ بعصبيات خاصة وهو ‏خليط متنافر له عقائد غريبة وجامدة. وأهدافه تتضارب مع حقيقة الأمة وحقوقها وسيادتها ‏ومثلها العليا تضارباً جوهرياً، وهو حيث يتواجد في مجتمعات العالم يعيش كالفطريات في قلب ‏الهيئات الاجتماعية فهو يأخذ دون أن يعطي، إنهم يؤمنون بمنطق الاستحواذ والسيطرة على كل ‏شيء.‏

حين تقترب من مدينة لكي تحاربها استدعها إلى الصلح فإن اجابتك الى الصلح وفتحت لك فكل ‏الشعب الموجود فيها يكون لك، للتسخير ويستعبد لك (التوراة سفر التثنية).‏

ولعل ما كتب سيادة المطران جورج خضر في عدد النهار 4 أيار 1996 أبلغ دليل على صحة ما ‏نقول: يقول المطران خضر: «إن المشكلة في الفلسفة الصهيونية لأنها تجعل اليهودي لا يؤمن ‏بالآخر فلسفياً ولا يرى نفسه نداً لآخر. إنه في مفهومه قلب العالم وكاهن الله العلي بحيث تمثل ‏الإنسانية به. أن إسرائيل تجهل حقوق الإنسان من حيث أنه إنسان فإنه هو أو إلهه يحدد حقوق ‏اليهودي وتالياً ما تبقى للأمم من حدود إجلال يهوه خلال إسرائيل.. بسب هذا اللاهوت. فهذه ‏السياسة، لبنان ليس عندهم موجوداً.. إن الدولة العبرية غير قادرة فلسفياً على الانفتاح ‏وأن التطبيع الذي تدعو هي إليه إذاً هو علاقات عيش مؤقت ولا يعني ترحاباً بالآخر ولكنه ‏يعني «مجيء الأمم إلى أورشليم». ولنأخذ مثلاً آخر على طبيعة هذا الخليط المتنافر والخطر ‏والذي يؤكد على ما قاله سيادة المطران. جاء في كتاب بأم عيني للكاتبة اليهودية فيسليا ‏لانفر ما يلي:‏

‏«عندما دخلت المدرسة الإبتدائية كان هناك من قرر بعد إثنتي عشرة سنة سيكون جندياً.. ‏ولكن لكي تحسن استعمال السلاح ولكي لا ترتجف يداك وهي تضغط على الزناد، كان عليك أن ‏تكره هؤلاء الذين أعدوك لمحاربتهم ـ العرب ـ وكان يجب أن تحتقرهم بأقسى ما تستطيع. نحن ـ ‏وسوانا صفر لنا كل البلاد ومن سوانا لا وجود له ما أتفه العرب هكذا بدوا في عينيك ‏بالقياس الى كل هذا المجد، السلام يأتي فقط بعد أن تنتصر على العرب في الحرب أو ليسوا لا ‏يفهمون إلا لغة القوة».‏

جاء في سفر يشوع: «من البرية ولبنان إلى النهر الكبير نهر الفرات يكون تخمكم»‏

جاء في العهد القديم انه عندما دخل العبرانيون (اليهود لاحقاً الى جزء من اراضي كنعان ‏‏(فلسطين اليوم) بواسطة يشوع لانون خليفة موسى في العام 1220 قبل الميلاد كان هناك أراض ‏واسعة لم يستول عليها في فلسطين ومع ذلك تمّ توزيعها بين أسباط اليهود الإثني عشر بالقرعة ‏وكانت حصة حدود لبنان الحالية مع فلسطين وسوريا من نصيب سبط آشر وسبط نفتالي وسبط دان ‏وسبط منسى وفي التدقيق في الخرائط اليهودية حول حدود هؤلاء الأسباط يتبين أن 95% تقريباً ‏من مزارع شبعا وكامل مرتفعات كفرشوبا والجزء اللبناني من جبل الشيخ هي حدود سبط ‏منسى.‏

أما الجزء الجنوبي الغربي الصغير من مزارع شبعا فاتبع إلى سبط دان وأراضي سبط دان تبدأ ‏من الجنوب الشرقي من مستعمرة دان الحالية (بلدة الشوكة التحتا سابقاً) في سهل الحولة ‏صعوداً نحو جزء من مغر شبعا والنخيلة وحدود مزرعة خلة غزالة ومعها مزرعة القرن إلى شمال ‏بلدة المجيدية، وبلاط والمحمودية لتنزل حدود هذا السبط إلى جسر الليطاني ليضم كامل بلدتي ‏كفركلا والعديسة نزولاً الى الشرق من بلدة ميس الجبل لتلتقي بخط من شرق ميس الجبل الى جنوب ‏مستعمرة دان أي أن بلدات بلاط دبين ومرجعيون وابل السقي والماري وفشكول والقرن ‏والقليعة والعديسة والخيام إضافة الى الجزء السوري من بلدة العباسية والغجر هم داخل ‏حدود هذا السبط، كما تشمل البلدات التالية في سهل الحولة، المطلة، طلحا، إبل القمح، ‏تلة حبة، الزوق الفوقاني، الشوكة التحتا، تل دفنة، خان الدوير، السنبرية، المنشية، ‏الخصاص، هونين، المنصورة، الخالصة، المنارة، لزازة، الناعمة، البويزية.‏

أما حدود سبط منسى الشمالية في لبنان فتشمل بلدة كوكبا والشمال في بلدة ميمس والكفير ‏وعين عطا والجزء اللبناني من جبل الشيخ ويشمل الجزء السوري من هذا الجبل والجزء الأكبر من ‏الجولان. ويرى أيضاً أن الجزء اللبناني من جبل الشيخ وأغلب مزارع شبعا اللبنانية وكامل ‏مرتفعات كفرشوبا أي جزء من وادي التيم و90% من العرقوب داخل حدود هذا السبط. وان ‏الحدود الشمالية لسبط آشر تشمل بلدة ابو الاسود على الشاطئ الجنوبي في لبنان وجنوب بلدة ‏عدلون حتى غرب مدينة النبطية ومن غرب النبطية نزولا الى ميفدون والقصير وتولين وغرب صفد ‏البطيخ، وحداثة وغرب بلدتي دبل ورميش وحتى الحدود الفلسطينية، اليوم لتنتهي حدود هذا ‏السبط في شمال مدينة حيفا.‏

اما الحدود الشمالية لسبط نفتالي فتبدأ من غرب النبطية، وحتى بلدة المحمودية نزولا من هذه ‏البلدة وحتى غرب بلدة ميس الجبل ومن غرب مدينة النبطية ومن غرب بلدة رميش لتنتهي في ‏فلسطين، في نهاية غرب بحيرة طبريا ليشمل معها جزءاً كبيرا من سهل وكامل غرب بحيرة الحولة.‏

اننا نعارض اندماج اليهود في المجتمعات غير اليهودية (بنيامين نتنياهو 21/حزيران/1996‏)

وكترجمة عملية لهذه الافكار جاء اليهودي الفرنسي، شارل نطر الى فلسطين في 5 نيسان 1870 ‏لتشييد مزرعة زراعية قرب يافا هدفها تدريب المهاجرين اليهود على العمل الزراعي في ‏فلسطين وذلك بدعم وتمويل من اليهودي الفرنسي ادمون روتشيلد، وفي عام 1871 قدمت بعثة ‏يهودية اوروبية بطلب من شارل نطر الى فلسطين. وقامت بزيارة جبل الشيخ وخرجت باقتناع ‏انه اذا ضم نهر الليطاني وجبل الشيخ بما فيهما مزارع شبعا الى فلسطين بالامكان اسكان خمسة ‏عشر مليون يهودي في فلسطين (الدولة اليهودية القادمة) واذا لم تتمكن من ضم هذه المناطق ‏الى الدولة اليهودية فليس بالامكان اسكان سوى ثلاثة ملايين يهودي.‏

اذا من هنا نستطيع ان نستخلص مدى الاهمية الاستراتيجية التي توليها اسرائيل لمنطقة مزاع ‏شبعا اضافة الى اهميتها الدينية في الفكر الاسرائيلي، ان هدف اسرائيل من السيطرة على ‏الموارد المائية في المنطقة له بعد آخر الا وهو تنمية الموارد الاقتصادية التي تؤمن لاسرائيل ‏استقدام المزيد من المستوطنين للسيطرة على ارضنا وذلك تطبيقاً لنظرية شعب بلا ارض لارض بلا ‏شعب. وفي عام 1907 قام حاييم وايزمان رئيس المؤتمر الصهيوني بجولة في لبنان، وبعد انقضاء ‏اسبوعين على رحلته عاد الى حيفا ساعياً للحصول على دعم من اجل صناعات صغيرة اراد ان ‏ينشئها في صيدا ولا سيما معمل لمعالجة الصابون وآخر لمعالجة الليمون ومصنع لزيت الزيتون ‏والهدف من هذه المعامل حسب ما يقول وايزمان السيطرة على صناعة الزيت في المنطقة. ولاحظ ‏وايزمان في اقتراحه بان صيدا مكان صالح من جميع النواحي فالموارد الاولية متوافرة، وهناك ‏مرفأ مناسب وهي قادرة على النمو، وهي تضم سكانا من اليهود وهذا هو الاساس، واجتذبت ‏ايضا العقارات المعروضة للبيع حول صيدا انتباه الصهاينة.‏

وفي عام 1908 اثار اهتمام حركة هيبات تسيون (احباء صهيون) وهي شبكة لنواد قومية ‏يهودية ظهرت في روسيا وكان لها فرع في بيروت: وجود مزرعة للبيع في صيدا في منطقة النبطية، ‏التي كانوا يعتبرونها حدود اسرائيل الشمالية الغربية. ولقد وصف مكتب احباء صهيون في ‏بيروت هذا العقار بحماسة. واعتبروه جوهرة ثمينة ذات امكانيات هائلة زراعية وسياسية ‏واستراتيجية ومن شأنه ان يعطي الصهاينة موطئ قدم راسخا في ذلك الجزء من ارض اسرائيل ‏الواقع ضمن لبنان ونقطة انطلاق لانشاء سلسلة من المستوطنات اليهودية تربطها بذلك الجزء ‏من ارض اسرائيل الواقع في الجنوب. وقد كتب احد عملاء حركة احباء صهيون يقول لكل امرئ ‏ساعته الفاصلة والساعة الآن هي الساعة الفاصلة للاستيلاء على الارض وسوف تكون خطيئة اذا ‏فوتنا هذه الساعة. هذه الجوهرة يمكنها ان تكون مفتاحا الى موقع قوي في اعالي لبنان عزيز ‏علينا الى هذا الحد.‏

وفي عام 1908 سنّ العثمانيون قوانين تجعل من الصعب على اليهود وحتى على الرعايا ‏العثمانيين شراء الاراضي في فلسطين. وقد تذرع زعيم احباء صهيون مناحيم اوسيشكين بحجة ان ‏هذا الامر يجعل شراء الاراضي في لبنان اكثر اهمية خصوصا ان هذه المزرعة تقع على ما يبدو ‏ضمن حدود ولاية لبنان الذي يتمتع بحكم ذاتي ويقلل من احتمال التدخل العثماني في البرامج ‏الصهيونية، ولم يلاق وصف اوسيشكين هذا لصيدا بالمستعمرة الاولى في ارض اسرائيل اي اعتراض من ‏قبل يهود صيدا. وقد شارك يهود صيدا في انتخابات اول جمعية منتخبة في ارض اسرائيل، ‏وعندما واجهت هذه الطائفة احوالا عسيرة خسرت مدرستها العبرية بعث زعماؤها برسالة مشوبة ‏بالعاطفة معرفين عن انفسهم كمقيمي صيدا في ارض اسرائيل واستخدموا مصادر توراتية ‏للاثبات بان جنوب لبنان جزء من ارض اسرائيل او من فلسطين التوراتية. وقد استدل هؤلاء ‏بان قبيلة نفتالي العبرية كانت تعيش على طول نهر الليطاني وان قبيلة آشر كانت مستقرة في ‏صيدا، وبعد اتفاقية سايكس - بيكو طالب الصهاينة البريطانيون الذين التزموا انشاء وطن ‏قومي لليهود في فلسطين بتعديل خط الحدود المنشأ في العام 1918 تحت ذريعة ان وطنهم الموعود ‏محروم من الموارد المائية الكافية ومن حدود قابلة للدفاع مقترحين ان يكون الليطاني حدوداً ‏طبيعة لهم وكان آرون ارنسن وهو عالم زراعي يهودي قد اجرى مسحاً للامتدادات الشمالية ‏لفلسطين واستنتج ان نهر الليطاني اساسي للزراعة والري في الجليل، واكدت تحليلاته هذه شركة ‏فوكس والشركة الهندسية المستقلة التي كلفت من المنظمة الصهيونية اجراء مسح لقدرات فلسطين ‏الاقتصادية الكاملة فكررت في تقريرها بان حدود فلسطين الشمالية يجب ان تشمل الليطاني، ‏واضافت بان الليطاني الذي سيكون في المستقبل ذا فائدة كبيرة لفلسطين نهر لا قيمة له ‏للاراضي الواقعة الى الشمال، لكن الادعاءات الصهيونية تحطمت على صخور التنافس البريطاني ‏الفرنسي كما تقول لورا ايزنبرغ في كتاب عدو عدوي، فالفرنسيون رفضوا التخلي للبريطانيين ‏عن جنوب لبنان لان اصدقاءهم الموارنة والكلام لايزبنرغ آنذك عبروا عن اهتمامهم بلبنان ‏اكبر.‏

لقد رفض البريطانيون فرض مكاشفة حول مسألة الحدود ولان الحدود القائمة ان لم تكن تخدم ‏الاهداف الصهيونية فانها بالفعل كانت تخدم الاهداف البريطانية، وقد كان البريطانيون ‏يريدون فلسطين كمنطقة عازلة تحبط قدرة الفرنسيين على الوصول الى قناة السويس. وقد اعتبر ‏الصهاينة الموقف الفرنسي من جهة والتطنيش البريطاني من جهة اخرى الذي لم يراع قدرة ‏اليهود في الوصول الى موارد الجليل المائية الموجودة الآن في لبنان بصورة دائمة بمثابة خيبة ‏امل مريرة لهم.‏

يتبع


 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه