شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2007-06-25
 

أُنشودة إلى بان في بانياس

سعود الأسدي

مقدّمة :  لبلدة بانياس السورية حيث أحد منابع نهر الأردن سحر بما فيها من مياه دافقة ،  وطبيعة خضراء دائمة ، ويضاف إلى هذا السحر سحر ثان بما تحمله في ثنايا تاريخها القديم من أساطير .

 وربما يكون لاسم بان ( Pan ) أحد آلهة اليونان صلة وثيقة ببانياس ، وبان هذا هو أحد آلهة اليونان تحدّر من زيوس كبيرهم ، أو من هرمس ودريوب ، وكان صديق الصيّادين والرعاة وحامي الأغنام والماعز والطبيعة وحياة البريّة ، وكان شكله نصفين من ماعز وإنسان ، له كالماعز قرون وذقن وأذنان ورجلان ذاتا أظلاف . وهو مخترع الناي ، وأشهر من عزف عليها ، ويعزى إليه تعليم الرعاة فنّ العزف على القصب .  وكان لما فيه من شبق فحول الماعز لا يكفّ عن غواية الحوريات ، وكانت الحوريات تصدّ عنه عندما تكتشف شكله الإنساني الحيواني ، منهن إيكو    ( Echo )التي تحوّلت إلى صدى  ، وبتيس ( Pithys )  التي تحوّلت إلى شجرة صنوبر ، وسرنكس ( syrinx ) التي أحالها بان  إلى ناي ذي سبع شعب !!

          



يا بانُ ! طُفْ بي في رُبَى الجولانِ ***     واعـزِفْ بموسيقـاكَ للرُّعيـان ِ
واجمعهـمُ في بانيـــاسَ فإنّه ***    عذبُ الظّلالِ  لدى وريف ِ البان ِ
 وأراهُمُ قَبَسُـوا عزيفَكَ مثلما  ***    قَبَسَ المضيفُ النــارَ للضيفان ِ
لم تنطفــىءْ نارٌ قَبَسْتَ كأنّها  ***    نارُ الغـــرامِ شهيّةُ الأشجان ِ   
في بانياسَ غـدا خيالُكَ طائفاً ***       يا بانُ فــوقَ السّفْحِ والوديانِ
والنّبعُ عندَكَ راحَ يجري سلسلاً  ***    ويبوحُ مثـــلَ رفارفِ الألوان ِ
والزّهْرُ عُرْسٌ ليسَ أحلى ملبساً ***     منـهُ ، لبسـتَ رُؤاه في نيسان ِ
والطيرُ ينظِمُ في حِماكَ قصائداً  ***      منثـورةً نُظِمـتْ بـلا أوزانِ
فيموجُ حقلُكَ بهجةً وسنابلاً  ***       وبلابـلاً تشـدو على الأغصانِ      
وهناكَ في صُمِّ الصَّفا لكَ معبدٌ ***      ضَمِـنَ الخلــودَ لصانعٍ فنّان ِ
شُبّـاكُهُ في الصّخْرِ نَحْتٌ ماثلٌ  ***      يزهـو بحُسْنِ النّقشِ والإتقان ِ
فإذا تُضـاءُ شموعُه وضلوعُـه ***      يمحو سَنـاها ظلمـةَ الأركان ِ
من هُرْمِسٍ قد جئتَ ربّاً للفَلا ***       والغـاب ِوالصَّيّـاد ِ والقُطْعانِ
أوحيتَ للرعيانِ ما قد أتقنوا ***        من عـزفِ نـايٍ شائقِ الألحان ِ
يا صانـعَ المزمارِ  إنّك مُلْهِمٌ ***      ألهمْتَ رقـصَ الغيـدِ  والغلمانِ
وسواكَ لم يَفْتِنْ سِرَنْكِسَ والصَّدَى  وبثيسَ بالعـزف النّـدِي الفتّان ِ    
لكنْ جَفَوْنَكَ إذ رأينَكَ صورةً  ***    شوهاءَ  من جَـدْيٍ ومن إنسان ِ
فطَفِقْتَ من شَبَقٍ تُبَقْبِقُ كالذي ***    في الغابِ يرعَـــى زانَهُ قَرْنان ِ
وأراكَ تشبهُ أكثرَ الناسِ الأُلَى ***     سَتَـــرُوا طبيعتَهـم بِزِيٍّ ثان ِ
وأراهُمُو لو يَظهرون حقيقةً  ***      لَمَشَـتْ بهـم رِجْلاهُـمُ وَيَدَانِ
وغدا يُمَعِّي تيسُهُمْ قُدَّامَهُمْ  ***      وَهُــمُ يُمَعُّـونَ بغيــرِ لسان ِ
وَلطأطأوا أسَفاً وما رفعوا بنا  ***   صـوتاً ، وكلٌّ مَــرَّ كالخَزْيان ِ        
                                  ***
يا بان ُ ماذا أنتَ إذ تحمي الحمى ***    والضأنَ والمِعْـزَى من الذُّئبانِ
أسطورةٌ ؟! قالتها أربابُ الأسَا  ***    طيرِ القديمــةِ من بني اليونانِ
وكذلكَ الرّومانُ حينَ تَوارثُوا   ***     ما رَسَّـخَ اليونانُ في الأذهانِ
واليومَ حين أرى خيالَكَ ماثلاً   ***    بتخيّلـي كالحُلْـمِ في الأجفانِ
أصبو إلى دنيـا الأساطيرِ التي  ***     أثْرَتْ بني الإنسـانِ بالوِجدانِ
وبها أرى شَحْذَ النفوسِ وإنّما ***       شَحْذُ الفؤوسِ يكونُ بالصَّوّانِ
يا ليتَ ظَلَّ الناسُ في أكنافِها  ***      يستلهمون الفــنَّ في الأزمانِ
أو أنّ قومي راجعوا تاريخَهمْ   ***      في الشـامِ قبلاً شامةِ البُلدانِ
أو ليتَ لي وطناً أصوغُ سُطورَه ُ***    قَصَصَاً أتيـهُ بهِ على الأوطان ِ  


 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه