|
||||||||||||
|
||||||||||||
إتصل بنا | مختارات صحفية | تقارير | اعرف عدوك | ابحاث ودراسات اصدارات |
الرد على البطريرك عريضة: مسائل السيَاسة القومية جزء 2 | |||
| |||
التوفيق المضطرب يبتدئ غبطة البطريرك خطابه، بعد الترحيب بالوفود القادمة بحجة تهنئته بانتقاله إلى المقر الشتوي، بإعلان أسفه للحوادث المكدرة التي اكتنفت حل منظمات الشباب اللبناني. فالحوادث المذكورة دعت إلى أسف جميع العاملين لمصلحة الأمة ولم يكن غبطته أول الآسفين. ويبدي غبطة البطريرك أسفه "لما أشيع من أقاويل النقد عن انتخابات مجلس النواب" ثم يتنصل من كل تدخل في "تلك الانتخابات" معلناً أنه ترك الأمر "لأربابه" أي "الشعب والحكومة" والسبب في عدم تدخل غبطته أن الكل أحباؤه وأعزاؤه فلا يمكن غبطته أن يتحيز لفريق دون آخر إذ هو بكليته للكل ويحب "أن يضم الجميع تحت حمايته". وبينما غبطته يعلن في فقرة واحدة في خطابه أنه يترك أمراً هاماً كالانتخابات لأربابه "الشعب والحكومة" وأنه يحب أن يضم الجميع تحت حمايته إذا به ينتقل فوراً إلى تأييد تدخل الرؤساء الروحيين "في الأمور الزمنية" ثم يدعم هذا الموقف في سبيل السلطة الزمنية بهذا التصريح الجريء الخطير: ثم إن الشعب على اختلاف نزعاته يكلفنا وينتظر منا أن نهتم "ليس بأموره الروحية فقط، بل بأموره الزمنية أيضاً ونحامي عنه ونسعى لخيره، فالشعب الذي ولى الحكام أمره ووكل إليهم الاهتمام بأموره الزمنية هو ذاته يرجو منا أن نشارف على أموره الزمنية، الخ". فإذا كانت الدعوى تشتمل على حقيقة وكان الشعب ينتظر من غبطة البطريرك "أن يحامي عنه" فكيف يوفق غبطته بين ترك أمور الانتخابات "لأربابها" وبين قيامه على شؤون الشعب الزمنية وحمايته له؟ إننا نريد أن نصدق أنه لم يكن لغبطته رأي في الانتخابات ولا "تدخل" ولكنه لابد لنا من البحث في الأسباب التي دعته إلى عدم التدخل وهو "المكلف من الشعب على اختلاف نزعاته" بالاهتمام بأموره الزمنية وحمايته من الضيم والإجحاف بحقوقه. فهل السبب إهمال غبطته الاهتمام بالأمور الزمنية المكلف من الشعب بالقيام عليها؟ أم السبب عدم توقع غبطته حصول ما حصل مما أدى إلى "أقاويل النقد" المأسوف لها كثيراً؟ أم السبب هو الكائن في نظرية الحزب السوري القومي الاجتماعي ومبدأه الإصلاحي القائل بفصل الدين عن الدولة ليتسنى لأهل الدين أن يتمموا واجباتهم الدينية على أفضل وجه وليتمكن أهل الدولة من تدبير شؤون دولتهم من غير أن يتعرضوا للاصطدام بتدخل رجال الدين واشتغالهم بالأمور الزمنية؟ أجل، كيف يوفق غبطته بين تركه الانتخابات الزمنية وعبارته التالية: "وواقع الحال أن الشعب اللبناني خاصة ينظر إلى المقام البطريركي الماروني وإلى رئيسه نظره إلى أب له ووكيل عنه مفوض إليه منه تفويضاً مطلقاً الاهتمام بمصالحه الخاصة والعامة المدافعة عن حقوقه، حتى إذا تقاعد عن ذلك لامه ونسب إليه التقصير، إذ له ملء الثقة وهو كان دائماً مرجعاً للشعب بكل أموره". إذا كان غبطة البطريرك يعترف بتقاعده وتقصيره فلا بد من التسليم بأن هذا الاعتراف ينقض تعليمه القائل بصلاح تدخله في الشؤون الزمنية لمصلحة الشعب. وإذا كان يعترف بعدم توقع النتائج المؤسفة في الشؤون الزمنية لمصلحة الشعب. وإذا كان يعترف بعدم توقع النتائج المؤسفة وبالتالي بعدم الخبرة في الشؤون السياسية والاجتماعية والاقتصادية فيكن قد اعترف بخيبة الشعب في نظره فلا بد، إذن، من التسليم بمبدأ الحزب السوري القومي الاجتماعي فلا تصطدم الروحيات بالزمنيات ولا تصطدم الزمنيات بالروحيات. وإذا كان غبطته يظن أنه يمكن التوفيق بين الوجهتين المتضاربتين في دعواه وموقفه بعبارة "ونحن نحب أن نضم الجميع تحت حمايتنا" فما أبعد هذه العبارة من إيجاد التوفيق المطلوب. الشعب اللبناني والمقام البطريركي الحقيقة أنا قد تساهلنا كثيراً في الجدل في موقف غبطة البطريرك من بعض الشؤون الزمنية بناء على مجاراتنا غبطته، جدلاً، في اعتبار ما سماه "واقع الحال". يقول غبطته "إن الشعب اللبناني عل نزعاته يكلفنا وينتظر منا أن نهتم، ليس بأموره الروحية فقط، بل بأموره الزمنية أيضاً ونحامي عنه الخ" وفي موضع آخر: "وواقع الحال أن الشعب اللبناني خاصة ينظر إلى المقام البطريركي الماروني وإلى رئيسه نظره إلى أب له ووكيل عنه مفوض إليه منه تفويضاً مطلقاً ًالاهتمام بمصالحه العامة والخاصة والمدافعة عن حقوقه الخ". لا نعتقد إلا أن غبطته عنى بقوله: "الشعب اللبناني على اختلاف نزعاته يكلفنا" أن أفراداً من مختلف النزعات كانوا يكلفون غبطته التدخل في بعض الأمور الإدارية أو غيرها لمصلحتهم المتسترة بستار المصلحة العامة. وإن غبطته قد أجاز لنفسه اعتبار هؤلاء الأفراد "الشعب اللبناني" من باب إطلاق البعض على الكل ولا وجه صحيح لإجازة هذا الإطلاق، إذ أن الأفراد مهما كثر عديدهم، لا يمكن أن يسموا "الشعب على اختلاف نزعاته" إلا بترك الواقع والمنطق جانباً وبإحلال اللاهوت محلهما ولا نعتقد أن غبطته أراد إدخالنا دائرة اللاهوت حين صرح هذا التصريح. إننا نؤكد لغبطته أن ألوف القوميين الاجتماعيين في الجمهورية اللبنانية لا يصدعون غبطته لا جمهوراً ولا أفراداً. بتكليفه الاهتمام بأمورهم الزمنية. وإننا نشك كثيراً في أن الجماعات الدينية غير المارونية في الجمهورية اللبنانية تنظر إلى غبطته نظرها إلى "أب لها وكيل عنها مفوض إليه منها تفويضاً مطلقاً الإهتمام بمصالحها العامة والخاصة". وإذا كان غبطته يعني "بالشعب اللبناني خاصة "الموارنة فقط ففضلاً عن التناقض بين هذا الافتراض وقول غبطته "الشعب على اختلاف نزعاته" نؤكد لغبطته أن القوميين الاجتماعيين من "اللبنانيين الصرف" وكثيراً من الموارنة المثقفين الذي لما يتسنى لهم دخول الحزب القومي الاجتماعي لا يدخلون ضمن أحد التعبيرين المتقدمين.
.... للبحث صلة، نشر هذا البحث التحليلي في جريدة "النهضة" الصادرة في بيروت، وذلك ابتداء من العدد 58 تاريخ 18 كانون الأول سنة 1937
|
|||
جميع الحقوق محفوظة © 2024 |