إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

القضية الوطنية جزء 4

نسخة للطباعة  | +  حجم الخط  - 1924-02-01

أما النظرية الثانية القائلة بوجوب تفكيك عرى وحدتنا وقسمتنا إلى أمم ودويلات تكون أضحوكة الأضاحيك التاريخية فمن الأمور المعيبة التي قام بها ضيقو الصدور وضعيفو الإرادة والمدارك وإذا كان لا بد من إيجاد تعليل معقول لها يمكن البت فيه بصورة جدية فهذا التعليل منحصر في أمرين: الأول منهما الخوف من الإجحاف الذي قد يلحق الأقلية عند نيل الاستقلال وهو ما حدا بمسيحيي لبنان إلى اعتبار لبنان أمة ودولة منفصلة عن جسم سوريا وقاموا يدعون إلى هذه العقيدة لا بين المسيحيين فقط بل بين المسلمين والدروز أيضا محاولين أن يقنعوهم بأنهم هم في لبنان يؤلفون جزءا من "الأمة اللبنانية" لا من الأمة السورية. الأمر الثاني هو التزلف وحب الأثرة والظهور اللذان يدفعان أصحابهما إلى متابعة هذه النظرية لأنها تدر عليهم مالا ووظائف وأوسمة تنعم بها عليهم دولا أجنبية.

أما البحث في الأمر الأول فيكفي أن نبين أنه ليس في وسع أحد من الذين يعتقدون ويقولون بصحته أن يأتوا ببرهان واحد يشفع فيما يقولون لأنه لا براهين هنالك فليس في استطاعة القائلين بالأمة اللبنانية أن يأتوا بفارق واحد يميز بين المسيحي المقيم في لبنان والمسيحي المقيم في خارجه أو بين المسلم المقيم في لبنان والمسلم القاطن خارجه أو بين الدرزي في لبنان والدرزي خارجه أي انه ليس في استطاعهم أن يأتوا بفوارق تميز بين اللبنانيين وسائر السوريين اللهم إلا الفوارق السطحية التي تميز سكان في أي بلاد كانت وسكان غيرها من ذات البلاد كالفرق بين سكان لندن في انكلترا وسكان بليموت أو مانشستر أو الفوارق التي تميز بين أي إنسان على وجه البسيطة وإنسان آخر وهذه لا يعول عليها في هذا المبحث مطلقا وهنا يبدو لك سقوط حجة الذاهبين إلى الانقسام بصورة لا تقبل التردد والشك.

والظاهر أن السوريين قد أدركوا هذه الحقائق أو أبتدأوا يدركونها كما قلت سابقا بالاستناد إلى البيان الذي أذاعه المؤتمر السوري الفلسطيني فإذا كان هذا الإدراك حقيقة ثابتة وهو ما نرجحه فأن حاضرنا ومستقبلنا قد تغيرا تغيرا حسنا جدا وأصبحنا أمام عمل حقيقي مقرر وهذا يعني أننا قد انتقلنا من طور التفكير والإمعان الذي ينفسح فيه المجال لمفكرينا لإبداء الآراء بصراحة والخلاصة أننا أصبحنا الآن أمام عمل جدي يجب البحث فيه بصورة جدية.

الفرق بيننا الآن وكما كان عليه في تلك الأيام التي كان فيها كل مبدع صاحب النظرية الصحيحة أننا أصبحنا ندرك قضيتنا الوطنية من وجهتها الحقيقية وصار في إمكاننا أن نبحث ونعمل فيها من هذه الوجهة فيوم كنا نلتئم لكي ننظر في هل يجوز حسبان لبنان داخلا في القضية الوطنية السورية أم لا وهل يمكن أن تكون القضية السورية خارجة عن القضية العربية قد مضى وانقضى لا أعاده الله وصرنا الآن في يوم يجب أن نجتمع فيه للنظر في كيف يمكننا أن نعمل ونساعد في إبلاغ قضيتنا الوطنية متمناها.

إذاً حاضرنا قد تغير بتأثير هذه النظرية وكذلك مستقبلنا فأنه أصبح على طريق واضحة أمامنا أما الممكنات التي تخولنا هذه النظرية استعمالها فأهمها إمكانية توحيد قوانا وإمكانية البحث في قضيتنا بصراحة لأنها أصبحت قضية مقررة وإمكانية إيجاد حركة منظمة مبنية على التفاهم التام تسير في أعمالها بنشاط ودقة وهنالك فرص كثيرة تعرض لنا يوم تقريبا لم نكن نتمكن من انتهازها في الماضي أما في الوقت الحاضر والمستقبل فإننا يجب علينا أن لا ندعها تمضي دون أن نستفيد منها وأننا إذا تابعنا هذه النظرية في أحزابنا ومؤتمرات أحزابنا المقبلة كانت فائدتنا المطلوبة محتمة كالقضاء والقدر.

وهنا أحب أن أوجه كلمة إلى الجالية السورية في البرازيل خصوصا وسائر الجوالي السورية الأخرى عموما وهي ما هو موقفها، أيدها الله، تجاه هذه الخطوة الجديدة. ألا يجب عليها أن تسرع إلى الانضمام إلى مفكريها والعمل بإرشاداتهم ونصائحهم لأجل خلاص وطنها الذي ليس هنالك تعاسة ينفطر لها القلب حزنا أكبر من تعاسته؟

إذا كان أحد يشك في وجود هذه التعاسة فليذهب إلى ذلك الوطن التعيس وهنالك يشاهد ويسمع ما يذيب مهجته ويحرق قلبه - هناك يرى الفتيات يبكين وينحن على أهلهن وأنفسهن وليس هنالك من يشفق ويعزي وليس سرور في مكان ما - هناك اليتامى تعول والثكالى تنوح ومصائب الفحش والموبقات تربي على ويلات الحروب والنكبات - هناك يرى الناظر من بقي من الأمهات تحضن من بقي من الأطفال ويجلسن الليل كله ساهرات منقبضات القلوب، مرتجفات الأعضاء، يتوقعن في كل دقيقة من دقائق الليل قدوم طارق يريد انتزاع الولد من أمه أو انتزاع الأم من ولدها – هذه هي تعاسة الوطن الذي ننتسب نحن إليه ولا يمكننا أن ننكر أننا تحت سمائه رأينا للمرة الأولى في حياتنا نور الحياة!

فماذا تريد الجوالي السورية في المهاجر كلها أن تعمل في سبيل وطنها؟

هو ذا أبواب القبور قد انفتحت على مصاريعها وخرج منها الأموات يطلبون الحياة والحرية أفيرى الأحياء هذه العجائب التي تحدث أمامهم دون أن يتأثروا هم.

من أراد أن يضحك فهناك أوقات كثيرة للضحك أما الآن فأن الموقف مهيب لأننا أمام الوطن والتاريخ وجها لوجه.

فمن لا يستحي من نفسه فيجب على الأقل أن يستحي منهما!

تمت

"المجلة" الجزء الأول، السنة العاشرة، فبراير 1924



 
جميع الحقوق محفوظة © 2024