شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2009-02-26
 

الجاليات الفلسطينية في أوروبا ومعركة غزّة !

صبري حجير

الأيام الظلماء التي خلت ، حملت في لياليها وصباحاتها للفلسطينيين في قطاع غزّة ، غبار الموت الأبيض ، وحممَ القذائف الملتهبة .

ألوانَ القصف المدمّر، جاءَ على رحيق الأطفال ، وعطوفة النساء ، وعروق الشيوخ ، وطال الحقول والسهول ، والمساكن والمنازل والأبراج الآهلة بالناس ، ودور العبادة والمستشفيات وعربات الإسعاف ، والمراكز الخدمية والصحفية ، على مرأى من العالم ومسمعه !

انّ تواصل الغارات الصهيونية ، والمحارق البشرية ، وسفك دماء الفلسطينيين أيقظ من جديد ، المشاعر الإنسانية ، وحرّكَ الضمائر الحرّة لشعوب الأرض قاطبةً ! في أوروبا ، كما في كلّ دول العالم ، نزلتِ الشعوب الأوروبية الى الشوارع وملأت الساحات ، بغضب وبأحاسيس إنسانية ، وعواطف جياشة ، ومواقف تضامنية مع الفلسطينيين في قطاع غزّة ، الذين استباحت آلة الحرب الصهيونية آدميتهم وأهدرت دماءهم !

منذُ اليوم الأول للغارات الصهيونية على قطاع غزّة ،انتفضت المشاعر الأخوية للجاليات الفلسطينية في أوروبا ، تداعت مؤسساتها المدنية ، واستنهضت قواها الجماهيرية ، ونزلت الى الشوارع والساحات ، ثمّ تصدّت لمسؤولياتها في قيادة الهبّة الشعبية الأوروبية ، وتوجيهها نحو مساراتها الصحيحة ، في تفاعل وتضافر متسقٌ مع حركة القوى الحيّة في المجتمعات الأوروبية ، من أحزاب وهيئات ومؤسسات وجمعيات سياسية واجتماعية وإنسانية اشتعلت المظاهرات في اتساعات الشوارع الأوروبية ، وغطّت الأعلام الفلسطينية واليافطات المعبرة وصور المجازر الساحات الكبرى ، في هبة شعبية متصاعدة ومتواصلة كسرت المعيقات الأمنية واخترقت الحواجز، ليصل امتداد لهيبها السفارات (الإسرائيلية ) والأمريكية ، وأحرق المتظاهرون الأعلام ( الإسرائيلية ) في العواصم والمدن الأوروبية ، وداسوها بالأقدام الجاليات الفلسطينية التي تعيش الهبّة الشعبية الأوروبية المتضامنة مع الشعب الفلسطيني ، استوعبت ماهو منوط بها من مهام تاريخية ، أخذت تؤسس لقواعد إئتلافية جديدة ، ترسخ التلاحم والتحالف مع القوى الشعبية الأوروبية ، لدعم الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة ، من جهة أخرى ، متابعة محاولات اختراق الدوائر الصهيونية وأنشطتها المعادية . وهي في هذا المنحى توظف خبراتها وقدراتها وتجاربها لمنع اختراق النفوذ الصهيوني ، الذي هيأت له ظروف التفرقة والإنقسام في الساحة الفلسطينية ، أن يطل برأسه من جديد في الساحة الأوروبية ، مستغلاً هيمنة حكومات يمينية أوروبية تناغمت مع سياسة المحافظين الجدد في الإدارة الأمريكية البائدة على ضوء العجز الذي أبداه الإتحاد الأوروبي حيال مجابهة العدوان الصهيوني ، وانحياز الرئاسة الأوروبية برئاسة فرنسا ( ساركوزيه ) الى جانب طغيان الآلة العسكرية الصهيونية التي جاءت على الشيوخ والنساء والأطفال الذين كانوا يرزحون تحت وطأت الجوع والبرد ! والرئاسة الأوروبية الجديدة ، التي آلت الى دولة التشيك ، أثبتت أنها لا تمتلك القدرة ، ولا الأهلية التمثيلية والإعتبارية على اتخاذ مواقف أوروبية حقيقية ، تعبّر عن رأي الشارع الأوروبي ، الذي تعاظم رفضه لمواقف رئاسته !

تتقاطع الحركة الشعبية الأوروبية مع الحركة الجماهيرية الفلسطينية ، في كثير من الأهداف والمواقف في أوروبا ، سواء في إطار السياسة الداخلية ، أو في مجالات السياسة الدولية ، وتعبرُ الحركتان ، هذه الأيام ، مناخات مضطربة تبشر بتداعيات باتت متوقعة سوف تحققُ بالضرورة اهداف الرأي العام الأوروبي ، لتؤكد مساراته الحقيقية ، الأمر الذي يؤسس لاحقاً الى تغيرات في وجهة الأحزاب السياسية المؤثرة ، وهو ما سوف يؤدي أيضاً الى سقوط حكومات بصفاتها الإيديولوجية ، ومكوناتها ذات الإتجاهات اليمينية ، وسيادة حكومات ذات اتجاهات أكثر استقلالية عن التبعية للولايات المتحدة الأمريكية والكيان الإسرائيلي قبل بدئ العدوان الصهيوني على قطاع غزّة ، تحسنت العلاقات الأوروبية الإسرائيلية ، وتطور أشكال الدعم الأوروبي للكيان الصهيوني ، في إطار ما يسمى سياسة الجوار ، حيثُ قرر الإتحاد الأوروبي مؤخراً ؛ اعتبار اسرئيل شريكاً مقرباً لأوروبا ، له الحقّ في حضور الإجتماعات الأوروبية والمشاركة بالنقاشات !

وقبل ذلك ، هيأ المناخ اليميني السائد في أوروبا ، الى انعقاد المؤتمر الأول للصهيونية المسيحية بسويسرا في 8 / 9 / 2008 حيثُ أكد الإعلان ألذي تمخض عنه " دعم المشروع الصهيوني الذي يهدف الى تشجيع هجرة جميع يهود العالم الى الدولة العبرية التي يجب أن تتوسع حدودها لتشمل ( اسرائيل التوراتية ) " وكان المؤتمر قد انعقد تحت عنوان " عودة اسرائيل " وتحقيق نبوءة عودة المسيح ، الموجودة في آخر عهد يوحنا اللاهوتي بلا شكّ ، كان للمظاهرات والإحتجاجات الشعبية المتواصلة في الشوارع الأوربية تأثيرها في إحراج المؤسسات والدوائر الرئاسية للإتحاد الأوروبي ، كما أنها أحرجت الحكومات اليمينية الأوروبية السائدة ، ووضعتها في موضع الإتهام بالتواطؤ في تغطية العمليات الإجرامية الصهيونية ، والإرتهان والتبعية السياسية للادارة الأمريكية المنتهية مدّتها وصلاحيتها ! أمام الهبّة الشعبية الأوروبية اللافتة ، ترنحت الحكومات الأوروبية وحاولت إعادة بعضاً من اعتبارها وتوازنها اتجاه التوجهات الجديدة الصاعدة للرأي العام الأوروبي الغاضب ، فحاول الإتحاد الأوروبي أن يقوم ببعض الحركات الدبلوماسية ، جاءت في باب التضليل السياسي والإعلامي ، واطلاق حملة مساعدات انسانية الى قطاع غزّة ! إلاّ أنه لم يخرج من مظلة التأييد للكيان الإسرائيلي ! المتتبع للبرلمانات الأوروبية ، خلال أيام المحرقة بقطاع غزّة ، يلاحظ تغييرات دراماتيكية أخذت تطفو على سطحها ، بدت على نحوّ ظاهر من خلال اشهار تصريحات الإدانة والإستنكار للممارسات الصهيونية في قطاع غزّة ، واعتبار ( اسرئيل ) تستخدم القوة المفرطة وتنتهك القانون الدولي ، كما صرح مفوض المساعدات في الإتحاد الأوروبي .

ومع تواصل الغضب الشعبي الأوروبي وتزايده ، للأسبوع الرابع على التوالي ، في الساحات والشوارع الأوروبية ، ارتفع سقف المطالب الشعبية الفلسطينية ، عبر العرائض والمذكرات والوثائق المقدمة للجهات الرسمية الأوروبية ذات الصلة ، ولا بدّ من الإشارة الى انّ البرلمانات والحكومات الأوروبية تأخذ بالحسبان توجهات الشارع الأوروبي وتولي مطالبه وتطلعاته الإهتمام تصاعدت مطالب الشارع الأوروبي ، لتصل في كثير من المرات ، الى قطع أو تجميد العلاقات مع ( اسرئيل ) ، و إنهاء الإتفاقيات الإقتصادية والأمنية والعسكرية ، الجماعية والثنائية ، معها ، وإحالة القيادة السياسية والعسكرية الصهيونية الى المحاكم الوطنية في البلدان الأوروبية ، وسحب جائزة نوبل للسلام من الرئيس الإسرائيلي " شيموم بيرس " وهذه المطالب لم تعد تعبّر عن مطالب عربية فحسب ، بل باتت مطالب الشارع الأوروبي !

من جانبٍ آخر ، استوعبت الجاليات الفلسطينية المنظمة التعاطف الشعبي الأوروبي مع الشعب الفلسطيني ، ووطدت علاقات التحالف والتفاعل مع أطراف الحركات الشعبية الأوروبية ، من أجل توظيف تلك التحالافات للمصلحة المشتركة التي توجبها الحياة المشتركة ، حيال كافة القضايا الحياتية والسياسية المشتركة ، في المجتمعات الأوروبية ، بهدف استثمار تلك العلاقات في إحكام الإغلاق على نفوذ الدوائر الصهيونية ، ومنعها أن تطل برأسها من جديد بعدما وقع الكيان الصهيوني بشرّ أعماله .



 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه