إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

إلى غسّان تويني رسالة 2 ج 4

أنطون سعادة

نسخة للطباعة 1946-04-06

إقرأ ايضاً


الظاهر ان الرفيق معلوف كان يأمل أن يجرني الى مناظرة ومناقشة في القضايا اللاهوتية المسيحية ولكني لم أجد موجباً لهذه المناقشة والمناظرة التي رغب فيها. ولما كنت قد أظهرت له في كتاب سابق أننا نقول بحرية الاعتقاد وبمساواة جميع الأعضاء فيها، وانني أسر بحصول الاستقرار النفسي له في قضايا ما وراء المادة في عقيدة المذهب الكاثوليكي ولا أريد أن أتناول أي بحث يمكن أن يصرفه عن هذا الاستقرار، فقد استغربت انه بدلاً من أن يحترم شعوري واعتقاداتي الخصوصية كما احترمت شعوره واعتقاداته الخصوصية أراد الالحاح علي بوضع القضايا الدينية البحت على بساط البحث وتجاوز الحد السابق وبلغ الى القول "بالاختلافات بين نظرتينا" وهو تجاوز كبير لا مسوغ له. فالرفيق فخري معلوف اعتنق المبادىء والتعاليم، ثم كان ان الرفيق معلوف اعتنق المذهب الكاثوليكي بحذافيره ولم يجد مني غير السرؤر لارتياحه النفسي الى ايمان ديني. ثم انه انتقد مقالاً صدر في "الزوبعة" بعنوان "رسالة البابا الأخيرة"، فأظهرت له فساد انتقاده وفصلت له ما هو أساسي وما هو فرعي في الايمان المسيحي او المحمدي من حيث المذاهب التي يتشعب اليها كل منهما. فاعترف بصحة هذا االتفصيل ولكنه انتقل من موع المنتقد لمقالي والموضح عن ايمانه الجديد، الى موقف من يوجد اختلاف بين نظرته ونظرة الزعيم. فلم يرق لي ان تفرض علي المواقف والنظريات فرضاً ولا رأيت أن الفرصة مناسبة لترك متابعة قضايا نهضتنا القومية الاجتماعية ومسائل حركتنا السياسية والاقتصادية والحقوقية والادارية وغيرها والخوض في قضايا لاهوتية قررنا انها من شؤون الوجدان الفردي الخاص التي يجب ان لا تثير وأن لا نسمح بأن تثير قضية اجتماعية – سياسية. وفي جوابي على كتاب الرفيق فخري معلوف الاستعفائي الانسحابي قلت: "ولا تنسوا أيضاً أن الحزب لم يمنع أحداً قط من اظهار معتقداته الفلسفية من أي نوع كانت في كتاباته فيمكنكم أن تنشروا أفكاركم واستنتاجاتكم في الخلق والنشر والحشر والحساب وليوافقكم على ذلك من شاء وليخالفكم من شائ". ولكن الرفيق معلوف يأبى الآن في داخله، اخراج المسائل الدينية واللاهوتية من نطاق العقيدة القومية الاجتماعية مع انه يتظاهر بأنه لا يزال يعتقد الاعتقاد القومي بوجوب الفصل بين العقيدة القومية الاجتماعية والعقلئد المتعلقة بالغيب واللاهوت، وهو يأبى، كذلك، المحافظة على مبدأ جوهري من مبادىء اصلاحنا الاجتماعي القائل بفصل الدين عن الدولة، فهو لا يريد أن ينظر الآن الى الزعيم من حيث شخصيته ومبادئه وتعاليمه القومية الاجتماعية بل يريد أن ينظر اليه من حيث معتقداته الخصوصية الوجدانية، والعقلية التي لم يدخلها الزعيم في تعاليمه القومية الاجتماعية ولا وجه دعوة اليها. وهو قد أغفل بالمرة ما قلته في هذا الصدد في كتابي اليه جواباً على انتقاده لمقال "الزوبعة" وهو: "لا يمكننا ونحن نبغي الصحيح أن ننظر الى الدين بمنظار سياسي ولا الى السياسة بمنظار ديني. يحسن أن يكون الإنسان مؤمناً في الدين ولا يحسن أن يكون مؤمناً في السياسة" فهو يريد أن ينظر إلي الآن بمنظاره الجديد ولا يكتفي بذلك بل يرغب في وضع منظاره الديني، بعدساته المنحرفة، على عيون الآخرين لينظروا إلى الزعيم به. وفي الوقت عينه يريد هو أن لا ينظر إلى أعمال البابا وحركاته السياسية في دولة الفاتيكان إلا بمنظار الايمان بعصمته. ان تفكيره في هذه القضايا الخطيرة يدل على انحطاط شديد عن مستوى تفكيره قبل تسلط الهوس الديني على عقله. انه رجع الى تفكير القرون الوسكى حين كان الناس يمتحنون الصحة والفساد في الآراء والمعارف بمبلغ انطباقها على آيات "الكتاب" او بمبلغ ايمان أصحابها الديني او بتأييد الخوارق وما شاكل. ولعل أشد الأدلة اثباتاً لنحطاط تفكيره انه لم يتناول المسألة الدينية من وجهة نظر فلسفية عالية مجردة عن حزبيات المذاهب المتعددة، بل تناولها بالاستناد الى حزبية مذهب معين والى خصوصيات ذاك المذهب. فالقضية الدينية، كما يعالجها، ليست قضية اعتقاد بالله واتجاه روحي اليه بل قضية صحة المذهب الكاثوليكي ووجوب توحيد العالم في المسيحية وفي وحدة كنيستها الوحيدة (الكاثوليكية) وتحت رئاسة الأب الأقدس. وهذا هو التعليل الوحيد لتكدره من مقال الزوبعة "رسالة البابا الأخيرة" الذي تناول عطف البابا على القضية الصهيونية ومحاولته تأييدها بحث المؤمنين على العودة الى التوراة المضخمة "أمجاد" بني اسرائيل وعلى تقديس تصوصها، وبتصريحاته المتعددة لمصلحة اليهود التي كانت تتلو زيارات وفود يهودية دينية وصهيونية سياسية لقداسته. ومع أن كاتب مقال "الزوبعة" المشار إليه أعلن صراحة في المقال عينه، انه لا يريد أن يتناول الدوافع والمرامي الدينية البحت التي ينطوي عليها حث البابا المؤمنين الكاثوليك على العودة الى قراءة التوراة وتقديسها، بل أراد فقط تناول "الوجهة السياسية المتضمنة في "تقديس" التوراة وخصوصيتها اليهودية"، فإن الرفيق معلوف وجد انه لا يجوز أن يكون لصاحب الرسالة القومية الاجتماعية من الأهلية والعصمة في معالجة القضايا السياسية – الاجتماعية، ما يجوز أن يكون لصاحب كرسي البطرسية من الأهلية والعصمة في معالجة قضايا الدين والسياسة والاجتماع بالادغام والفك فيما بينهما حسب مقتضيات الظروف ومشيئة قداسة البابا العليا.

...

يتبع

صدر عن مكتب الزعيم، في 6 ابريل 1946 ولتحي سورية

خاتم وامضاء الزعيم


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024