شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2009-07-10
 

نهاية إسرائيل

"نهاية إسرائيل": من الأفكار التي شهدت تحولات عميقة الدلالة لارتباطها بجملة وقائع أحدثت تغييرات جذرية في العقل العربي. حتى أمكن القول أن هذه الفكرة أصبحت من ضمن الهوامات العربية الكثيرة. والهوام هو رغبة ما قبل واعية تظهر إلى حيز الوعي ثم تختفي لتكمن في ما قبل الوعي من جديد. مما يجعل الهوام خاضعاً لمبادئ الحلم. ومعظم هؤلاء يعتبرونه حلماً غير قابل للتحقيق. ولهذه الإعتبارات أسبابها الوجيهة والواقعية التي تضع هذه الفكرة في مصاف الأماني غير القابلة للتحقيق. ومن هذه الأسباب نقدم التالية على غيرها:

1 – الصدمة الإحباطية المترتبة على نكسة 1967.

2 – خروج مصر الدرامي من مسرح المواجهة.

3 – الإحتواء الأميركي للخليج وحرباه الأولى والثانية من مظاهر هذا الاحتواء الذي بلغ قمته من خلال شكله الراهن.

4 – تفوق إسرائيل العسكري مقروناً بحاجتها لإثبات قدرتها على العدوان الاستعراضي كونه الوسيلة لجلب الاطمئنان للإسرائيلين.

5 – تحالف إسرائيل الاستراتيجي مع القطب الأوحد وانحيازه التام لمصلحتها.

هذه الأسباب كافية لتعقيل الهوام وإعاقة التفكير بكونه قابلاً للتنفيذ والاعتماد. لدرجة أصبحت الواقعية معها تعني التسليم بنهاية القومية العربية وما أصبح يسمى بالزمن الجميل. وباتت تهم اللاعقلانية والرومانسية جاهزة لرمي أية دعوة عربية جامعة مهما كان طموحها متواضعاً. وبذلك غاب عن وعينا أن فكرة النهاية الإسرائيلية هي فكرة في غاية المنطقية ولها أسانيدها وبراهينها الاستقرائية التي تختلف عن السيناريو الذي تصورناه يوما لهذه النهاية. بذلك يصبح الخلل محصوراً بالسيناريو وليس بالفكرة بحد ذاتها. ولنستعرض معاً المبررات المنطقية الداعمة لفكرة النهاية الإسرائيلية.

1 – الكيان المزروع

إن إسرائيل هي كيان دخيل ومزروع في المنطقة العربية. إذ يستحيل تجاوز الفروقات الانثروبولوجية بينها وبين جيرانها العرب. فهذه الفروقات كفيلة بالقضاء على أية محاولة إسـرائيلية للتكامل في المنطقة. الا إذا اتخذت القرار بتجاوز منطلقاتها الانثروبلوجية بالتحول إلى التسامح والانفتاح. ويمكن التأكيد أن إسرائيل عاجزة عن تحقيق هذا التحول.

2 – اقتصاد المعونات

بعد أكثر من نصف قرن على قيامها فإن اقتصاد إسرائيل لا يزال اقتصاد معونات. وهذا يعود لجملة أسباب في مقدمتها الطابع العسكري الصرف لهذه الدولة. حيث الإنفاق العسكري يتجاوز كل طموحات الدخل القومي. وحيث الإنتاج موجه في الاتجاه العسكري. إضافة لاضطرار إسرائيل لتحقيق وفرة اقتصادية لسكانها حيث أن معظم هؤلاء يفضلون الرحيل من إسرائيل اذا ما انخفض مستوى الرخاء فيها. وهنا تجدر الإشارة إلى أن قيام إسرائيل اعتمد على اليهود الفقراء في حين فضل الأغنياء الولايات المتحدة. دون أن يتخلوا عن دعم إسرائيل اقتصادياً . لذلك خاضت إسرائيل محاولات عديدة لتجاوز هذا الواقع فكان لجوؤها إلى الصفقات السوداء وإلى تجارة المخدرات وزراعتها وتبييض الأموال السوداء وغيرها من العمليات المدانة قانونياً والمربحة مالياً. وهي تدرك عدم قدرتها على الاستمرار في هذه العمليات كون معظمها يتعارض مع المصالح الأميركية.

3 – إشكالية الهوية.

وتبدو واضحة في تركيبة الأحزاب الإسرائيلية. وهي قد ازدادت وضوحاً مع قدوم اليهود الروس الذين أنشأوا أحزابهم وتجمعاتهم وإعلامهم الخاص بهم. في حين يشكك الإسرائيليون بيهودية ثلثي اليهود الروس. لكن اشتراك القادمين الروس في ثقافة مشتركة برهن على كونه عاملاً أكثر جذباً وفاعليـة مـن

العامل الديني. وفي ذلك تهديد للهوية الإسرائيلية المعتمدة راهناً. والتي يحاول العلمانيون تجاوزها بقبول أي شخص ذي أصول يهودية مهما كانت بعيدة. وقبول اليهود الروس لم يكن سوى ترجمة عملية لهذا التوجه الذي استشعر الخطر الماثل أمام استمرارية إسرائيل وهو الناجم عن نفاد الخزان البشري اليهودي خارج إسرائيل وليس عن التهديدات العربية. وهناعلينا الا نتعجل بطرح فرضية صراع إسرائيلي داخلي. فقد اتقن اليهود عبر تاريخهم لعبة تقاسم الأدوار ومن ثم الاشتراك في جني النتائج. من هنا يمكن القول بأن للمتشددين دورهم في منع ذوبان يهود الخارج. وللعلمانيين دورهم في البحث عن امدادات بشرية جديدة. أما الصدام بين الفئتين فهو مستبعد بسبب الخلاف العقيدي. لكنه غير مستبعد بسبب خلاف المصالح. وحتى في هذه الحالة فإن الصراع سوف يكون من نوع النبذ وليس صداماً. بمعنى أن الطرف الذي يجد نفسه متضرراً لا يصادم وإنما ينسحب بالهجرة من إسرائيل. وهذا الانسحاب يعجل نهاية إسرائيل. وهو قد بدأ ولو محدوداً. إذ تشير الإحصاءات الإسرائيلية إلى هجرة 25000 إسرائيلي سنوياً. فإذا ما جمعنا هذه الهجرة مع التقلص الديموغرافي " نقص معدل التكاثر " ومع نفاد الاحتياطي البشري اليهودي فإننا ندرك حجم الأزمة الإسرائيلية.

4 – وطن أم اتحاد حارات؟

إن يهود إسرائيل يعيشون في داخلها ضمن تجمعات تحددها بلدان المنشأ. أي البلد الذي قدم منه المهاجرون. وبسبب عمق الاختلافات الثقافية بين هذه المجموعات نجد أن هذا الانقسام يحول إسرائيل من وطن إلى اتحاد للغيتوات أو للحارات اليهودية. وهذا الانقسام يجد جذوره في التاريخ اليهودي. حيث اختلاف القبائل. وبالعودة إلى نظرية الاستقراء التاريخي نجد أن التاريخ يميل إلى إلغاء الانصهارات حديثة العهد مع إحياء الخلافات القديمة.

5 – وهم القوة الإسرائيلية.

إن إسرائيل هي دولة قوية لغاية إعطاء الأمان لسكانها بتأكيد قدرتها على العدوان على تخومها. وفي ما عدا ذلك فهي دولة لا تملك ولا حتى مقومات الاستمرار. فبالإضافة لإعتمادها على المعونات فهي دولة خارجة على الأعراف الدولية والإنسانية. ويكفي أن نراجع الفيتوات الأميركية وحجم الدعم الأميركي لها كي نستنتج مقدار اعتماديتها. أما بالنسبة لأسلحتها الذرية فهي أيضاً غير مقبولة دولياً. كما أن استخدام هذه الأسلحة معاق جغرافياً. إذ يمتد خطر استخدام هذه الأسلحة إلى الداخل الإسرائيلي. وهذا كاف لاستنتاج وهم القوة وكمون هذه القوة في الدور الوظيفي الذي تلعبه في خدمة المصالح الأميركية. وبالتالي فإن الخضوع العربي يكون للقوة الأميركية وحدها. وللمارقين عقابهم.

6 – هوام الموت في إسرائيل.

عندما قامت إسرائيل عام 1948 اعتبرت نموذجاّ للدولة القومية. وهي تمكنت في حينه من جلب متطوعين للقتال فيها من يهود العالم. أما اليوم فإن استعداد اليهود للموت لم يعد مطروحاً. وذلك أسوة ببقية دول الرفاه في العالم. التي تريد أن تستمتع بالرفاه دون تقديم ضحايا بشرية. حتى يبدو هوام الموت حالياً وكأنه حكر على الشعوب الفقيرة. وهذا الفقر هو الذي يجعل من الحروب الراهنة صغيرة ومحدودة مع تضخم أعداد ضحاياها.

هذه الأسباب كافية لتوقع نهاية إسرائيل دون أن تكون كافية لتوقيت هذه النهاية المرتبطة في جميع الأحوال بحدوث تغيرات أميركية من نوع ما. وهذه النهاية تحتمل سيناريوهات عديدة. وإذا كان المنطق يفرض تحري عوامل المناعة الإسرائيلية فإنه يقودنا لاستنتاج انتماء هذه العوامل إلى جهاز المناعة اليهودي الذي حال دون ذوبان اليهود بالرغم من تخطيهم المتكرر تاريخياً لشروط الاستمرار الطبيعية. ولكن هل من الممكن الإعتقاد بلا نهائية هذه المناعة؟.

إن نهاية إسرائيل مرتبطة بضعف المناعة اليهودية. هذاالضعف الذي بدأت علائمه بالتبدي بصورة واضحة مع بداية الصهيونية. التي حولت التعصب اليهودي المعتاد من الصعيد الديني إلى الصعيد الإجتماعي. حتى بدت الصهيونية وكأنها جمعية إجتماعية لليهود. مما شجع ذوبان اليهود في مجتمعاتهم. بحيث اقتصر تأثير الحلم الصهيوني على الفقراء وعلى المذعورين من دعايات الهولوكوست. لكن الانتكاسات الحديثة كانت أكثر أثراً وعمقاً. حيث البحوث الاركيولوجية تدحض المرويات التوراتية وتحمل معها الشك بكل الأساطير اليهودية. وهنا قد يفيدنا استعراض تحليل فرويد اليهودي لأسطورة الآباء الأوائل إذ تقول:"… لقد كانت نسبة دين يهوه الجديد إلى الآباء الأوائل هدف إشهار ارتباط اليهود بالأرض واتقاء الكراهية التي تلاحق الفاتحين الأجانب…".

مما تقدم نجد أن طرح " نهاية إسرائيل" هو طرح لا يفتقر إلى الموضوعية وله مبرراته المنطقية الداعمة. خصوصاً وان جهات نظرية مختلفة تتبنى هذا الطرح وتدعمه بحجج نظرية لا يمكن تجاهلها. حتى ان جهات إسرائيلية تتبنى هذا الطرح مع الدعوة للعمل علىتأجيل هذه النهاية. وهذا يقودنا إلى مناقشة المنطلقات النظرية لهذه الطروحات.

إسرائيل – نظريات النهاية

ينتمي طارحو فرضية النهاية الإسرائيلية إلى مذاهب نظرية متباينة. وهم ينطلقون من خلفيات شديدة التعارض. لذلك نجد ضرورة تصنيفهم وفق تياراتهم ونبدأ بـ:

1 – التيار المستقبلي

يتفق المستقبليون على تصنيف إسرائيل في خانة الكيان المزروع في محيط معاد. حيث يشير الاستقراء التاريخي إلى ثلاثة احتمالات مستقبلية لهذا الكيان هي:

أ – أن تحتوي البيئة هذا الكيان الجديد وتصهره كي يصبح جزءاً

منها. وذلك على غرار ما جرى للآريين الذين استعمروا الهند.

ب – ان يندمج الغزاة مع الشعوب المحلية. على غرار ماجرى في أميركا اللاتينية مثلاً.

ج – أن يملك الغزاة قدرة الانفتاح وأن يتمكنوا من إغراء الشعوب المحلية لإقامة مشروع سوسيو – انثروبولوجي مشترك.

ويبقى احتمال رابع يستبعده المستقبليون لسبب ديموغرافي. فاعداد اليهود غير كافية لتذويب الشعوب الأصلية على غرار ما فعله الاريون مع الهنود الحمر.

بعد هذا الاتفاق يبدأ خلاف المستقبليين في تحليلاتهم لمستقبل إسرائيل. إذ يربط بعضهم زوالها بأزمة أميركية قادمة. في حيـن يذهب بعضهم الآخر إلى احتساب متوسط أعمار الاحتلالات التي شهدتها فلسطين التاريخية مع نزع صفة المستعمر عن العثمانيين الذين حكموا المنطقة من داخل ثقافتها. كما أن تياراً آخر يؤكد على انبعاث الفاشية بعد جيلين على اختفائها. وهذا يعني عودتها حوالي عام 2020 ويرى هذا التيار أن اليهود سيكونون أوائل المتضررين من هذا الانبعاث.

2 – اليهود التوراتيون.

وهؤلاء يعتبرون أن إقامة إسرائيل في شكلها الحالي هي مخالفة لمشيئة الرب الذي لا بد له من الإنتقام ممن يخالف إرادته. فظهور المخلص ضرورة مقدمة ومؤسسة لهذا القيام. وهذه الفئة من اليهود هي الوحيدة التي يمكنها أن تعجل في تحقيق نهاية إسرائيل. وإن كانت أعداد أتباعها ضئيلة.

3 – الإسلاميون.

وهم يعتمدون منطلقات إيمانية مع إسنادات منطقية قوامها أن السلوك اليهودي قد جلب هزائم ومذابح متكررة لليهود. واستمرارية هذا السلوك لا بدّ لها من أن تقودهم إلى هزائم جديدة. مع اختلاف أساسي قوامه اعتقادهم بأن نهاية إسرائيل ستكون على أيدي المسلمين. ويذهب بعضهم إلى تحديد العام 2020 تحديداً كتاريخ لنهاية إسرائيل . متفقين بذلك مـع بعض المستقبليين!.

4 – التيار العروبي.

وينطلق هذا التيار من رفضه لفرضيات موت القومية ويصر على الانبعاث القومي دون أن يحدد له زماناً. الا أنه يربطه بالقدرة على مواجهة إسرائيل وتعجيل نهايتها. انطلاقا من اعتبار إسرائيل مستعمراً مثلها مثل باقي المستعمرين. مع رفض مبدئي لأية ادعاءات إسرائيلية أركيولوجية.

إسرائيل وسيناريوهات النهاية

بات زوال إسرائيل موضوعاً مطروحاً بقوة ولم يعد ينظر لهذه النهاية على أنها أحد أحلام اليقظة لدى أعداء إسرائيل والعرب منهم خصوصاً. حتى وصل الأمر إلى مستوى محاولة تخيل هذه النهاية والسيناريو المفضي إليها.

هذا ويكتسب الموضوع أهمية مضاعفة مع استشعار الاستراتيجيين الإسرائيليين لهذه النهاية محاولتهم إقتراح الحلول للأزمات التي يمكنها أن تعجل هذه النهاية. وفي ما يلي نعرض لنماذج من السيناريوهات المقترحة لزوال إسرائيل. حيث نقدم السيناريوهات المقترحة من قبل الاستراتيجي الإسرائيلي ووزير العدل يوسي بيلين ومن قبل المستقبلي الفرنسي جاك آتالي كما نعرض للسيناريو المقترح من قبل الليبيراليين العرب.

1 – سيناريو جاك آتالي.

لخص آتالي تصوره لزوال إسرائيل في مقالة نشرها في مجلة الاكسبرس الفرنسية حيث رأى أن إسرائيل تعيش حالياً في عزلة غير مسبوقة وغير معهودة بالنسبة إليها. وبأنها تواجه التهديد بالزوال أكثر مما واجهته في يوم من الأيام.

وهذا التهديد لا يعود إلى تمكن أعدائها من ملكية الأسلحة والوسائل العسكرية القادرة على تهديدها بالدمار. إذ تستمر إسرائيل صاحبة أقوى جيش في المنطقة وهو الرابع في العالم .

لكن السبب يعود إلى أن إسرائيل تواجه كيفما اتجهت تهديدات تطال مستقبلها ووجودها نفسه. فإذا ما اندلعت الحرب في المنطقة حالياً فإنها لن تكون حرب جيوش نظامية تخوض معارك كلاسيكية. بل ستتحول إلى نوع من الحرب الأهلية يتقاتل فيها الشبان الفلسطينيون والمستوطنون الإسرائيليون. الذين سيخوضون مواجهات دموية في شوارع وقرى فلسطين وإسرائيل.

أما إذا حدثت المعجزة – السلام فإن حلول السلام سوف يستتبع قيام سوق مشتركة تضم جميع بلدان المنطقة. بما فيها لبنان ومصر وسوريا وفلسطين والعراق والأردن. وهذه السوق ستكون مشابهة للسوق الأوروبية المشتركة. وهي ستذوب الهويات القومية بصورة تدريجية. وبذلك تصبح إسرائيل أقلية ديموغرافية وثقافية في هذه السوق. خصوصاً بعد أن تستوطن في أراضيها الشعوب التي تعاديها اليوم. مما سيفقدها صفة الدولة اليهودية. وفي حالتي الحرب والسلم فإن الحلم الصهيوني كما وضع قبل قرن يبدو محكوماً بالفشل. وفي مواجهة هذا المأزق المزدوج تبدو النخب الإسرائيلية منزوعة الاستراتيجية وفاقدة للرؤية أو المرجعية الواضحة فمأزق إسرائيل الاستراتيجي الراهن يتمثل في أنها لا تريد أن تخوض حرباً مكلفة لجيلها الحالي كما أنها تخشى من نتائج السلام على أجيالها المستقبلية.

2 – سيناريو يوسي بيلين.

ويتخذ شكل الاستشراف المستقبلي والاقتراح الوقائي حيث يتوقف عند التحذير من وجود تهديدات غير عربية لبقاء إسرائيل. الا أن هذا السيناريو يتبدى واضحا من خلال كتاب بيلين المعنون "موت العم الأميركي" حيث يقدم مراجعة للمشروع الصهيوني. فيجد أن التيار المركزي في الحركة – المنحاز إلى هرتزل هو الذي فشل في تحقيق الحلم الصهيوني. فقد قصد هرتزل منح يهود أوروبا ملجأ من المطاردات. ومن هنا استعداده لمناقشة أي اقتراح يؤمن هذا الهدف في أي مكـان من العالم وبسرعة. وفي حينه لم تكن فلسطين خياراً أولياً ليهود أوروبا. لذلك هاجر أغنياؤهم إلى الولايات المتحدة. وهنا يصرح بيلين:"إني أشعر بنوع من الهيستيريا والخوف إزاء ذوبان الشعب اليهودي خارج دولة إسرائيل . فاليوم وبعد 51 سنة على قيام إسرائيل يوجد 13 مليون يهودي يعيش 10 ملايين منهم في الولايات المتحدة وإسرائيل، أما شرق أوروبا فإنه سيخلو من اليهود لأن معظمهم يحلم بالهجرة إلى الولايات المتحدةو60% منهم يعقد زيجات مختلطة. وكذلك يفعل يهود أميركا مما يؤدي إلى التناقص المستمر لأعداد اليهود في الخارج. مما يحرم إسرائيل من الخزان البشري للدم اليهودي."

ويستخدم بيلين هذا التحذير كمدخل لطرح إشكالية تعريف اليهودي. حيث التعريف المعتمد حاليا في إسرائيل يقول بأن اليهودي هو المولود لأم يهودية وأصبح يهودياً بحسب الشريعة اليهودية وبمصادقة الحاخامين الأورثوذوكس. ويرى بيلين أن هذا التعريف يحصر بالمحافل الدينية مسألة ذات طابع قومي. وهو يحرم ملايين الأشخاص الذين يعتبرون أنفسهم يهودا من اليهودية الإسرائيلية. ويبلغ عدد هؤلاء المحرومين في الولايات المتحدة وحدها ما بين 2 و3 مليون يهودي. ويخلص إلى التأكيد بان الإصرار على هذا القانون هو نوع من الإنتحار الجماعي.

بمعنى آخر فإن بيلين يجد نهاية إسرائيل في هذا القانون لذلك يدعو لاستبداله بقانون علماني يعتمد على الرغبة الشخصية. حيث تقبل إسرائيلية الشخص إذا رغب في ذلك مهما كانت أصوله اليهودية بعيدة. هذا التساهل يدعو إلى التساؤل حول قدرة إسرائيل على تحمل الانشقاق الجديد في الهوية الذي سينجم عن قبولها لانصاف وأرباع اليهود؟. والجواب أن استراتيجياً مثل بيلين يفضل هؤلاء علىالعرب الذين ستجبر إسرائيل على قبولهم إن هي سلمت بنفاد الخزان البشري اليهودي.

هنا تحديداً تتبدى أزمة المشروع الصهيوني الراهنة. فهو أمام خيارين صعبين. فإما القبول طوعاً بفوضى ديموغرافية – داخلية بقبول هؤلاء اليهود وإما القبول بالإنفتاح علـى المحـيط

العربي الذي سيحول إسرائيل إلى سوبر ماركت عربي بحسب المصطلح الدارج في الصحافة الإسرائيلية. والعلمانيون أمثال بيلين يفضلون الخيار الأول لا بسبب تسامحهم ولكن بسبب قناعتهم بأن التعصب اليهودي لا ياتي من الديانة بل من الإنتماء إلىشعب الله المختار. وعليه فإن قبول ارباع اليهود في عداد هذا الشعب لا يعني بحال قبول مجموعات أقل تعصباً. بل على العكس، وهذا ما يؤكده التحليل النفسي عبر آلية التوحد، فإن هؤلاء قد يصبحون أكثر تعصباً وتطرفاً. وهذا الرأي يجد دعمه في مثال اليهود العرب الذين أصبحوا أكثر عداوة لبلادهم الأصلية من الصهاينة الاشكيناز. بل انهم أصبحوا أكثر صهيونية من هؤلاء الاشكيناز بالرغم من التمييز العنصري الذي يلحق بهم من قبل هؤلاء.

مهما يكن فإن إسرائيل تعي أن خطورة التهديد الديموغرافي هي الخطورة الحقيقية التي تهدد مستقبلها وليس الخطورة العسكرية. لذلك فهي تفضل المخاطرة بفوضى داخلية على الانفتاح. لأن هذا الأخير يعادل الاعتراف بنهاية الحلم الصهيوني.

2 – السيناريو العروبي – الليبيرالي.

يعتبر اتفاق أوسلو بداية نهاية التفكير بإزالة إسرائيل بفعل عربي. فقد كرس هذا الاتفاق تحول المقاومة الفلسطينية من العمل العسكري إلى التفاوض الديبلوماسي. وهو الأمر الذي ينظر إليه الرأي العام العربي بحذر شديد. خصوصاً وأن سرية هذا الاتفاق والمفاوضات الموازية له لم تترك لهذا الرأي العام فرصة تقبل الفكرة. وكما هو معلوم فإن فصائل فلسطينية عديدة عارضت ولا تزال هذا الاتفاق. الا أن بداية السيرورة العملية لتنفيذه والدعم الأميركي له جعلا هذا الاتفاق كحكم الأمر الواقع الأميركي الذي تحتكر إسرائيل حقوق عرقلته والالتفاف عليه. أما على الصعيد العربي فقد تحول هذا الاتفاق إلى عنصر إضافي للخلافات العربية. حتى بات من المفضل تجنب ذكره في المفاصل الحساسة. وبدا الأمر وكأننا ننتظر حرب الخليج الثانية

لنفقد في آن معاً العمقين الاستراتيجي والاقتصادي. هذا الفقدان الذي حول التيار العروبي إلى الكمون وسط شائعة نهاية القوميات. ومعها شائعة وفاة القومية العربية. مع اعتبار أي تفكير في مواجهة إسرائيل نوعاً من أحلام اليقظة الرومانسية. التي تلامس الجنون بعد السماح بإعلان إسرائيل عن ملكيتها لـ200 رأس نووي ولقدرة تدميرية غير قابلة للمواجهة.

في هذه الظروف تحولت مناقشة مستقبل إسرائيل من الخطاب التعبوي إلى الخطاب الأكاديمي – النظري. ولا يسعنا هنا إهمال الجهد العظيم الذي قدمه الدكتور عبدالوهاب المسيري عبر موسوعته "اليهود واليهودية والصهيونية" . حيث تم تسجيل ملاحظات مبدئية – تاريخية قوامها ارتباط قيام إسرائيل بدور وظيفي محدد في خدمة المصالح الأجنبية. فكانت منذ تأسيسها دولة اعتمادية ( تعتمد علىالدعم الخارجي في جميع المجالات) لذلك فإن اقتصادها لا يزال اقتصاد معونات ومجتمعها لا يزال عسكرياً (يعتبر الشعب الإسرائيلي جيش احتياط تتم تعبئته عندماتدعو الحاجة) كما أن آمالها في التكامل مع محيطها تزداد انحساراً مع الوقت. خصوصاً مع اعتمادها أسلوب تفاوض الطرف الأقوى ونقيضه الأكثر حاجة للشخصية اليهودية عبر تاريخها. وهذه السمة تجبر صاحبها علىالكذب والاحتيال فبدونهما يستحيل تحقيق الأهداف المتناقضة.

ويختم هذا السيناريو تحليله بتوقع زوال إسرائيل مع زوال الحاجة إلى دورها الوظيفي ومع حلول الوقت لطرح السؤال عن مدى إمكانية استمرار زراعة قسرية لعضو غريب في جسم رافض له؟

ملاحظات ختامية

بداية نذكر أن الطروحات المعروضة أعلاه كتصورات لنهاية إسرائيل هي طروحات نظرية وليست ايديولوجية. وهذا النوع من الطروحات لا يتعزز إلا من خلال طرحه للنقاش وإخضاعه للمقارنة مع الطروحات الأخرى سواء الداعمة أو المعارضة له.

ولقد رأينا أن طرح يوسي بيلين هو طرح تحذيري يتضمن الدعوة لإصلاح ما يعتبره نوعاً من الخلل الطارئ على المشروع الصهيوني. فلو نحن راجعنا مقولات المتطرفين الإسرائيليين لوجدنا أنهم يقترحون اعتماد التطرف البالغ كحل لأزمات إسرائيل الراهنة. وهذا الاقتراح يجتذب أعداداً متزايدة من الإسرائيليين. وذلك بدليل تنامي نفوذ المتطرفين في الكنيست وحصولهم على نسب متزايدة من أصوات الناخبين الإسرائيليين. بما يعكس رفض هؤلاء لفكرة معاناة إسرائيل من أزمة حقيقية تستوجب المراجعة التي يدعو إليها العلمانيون. وخصوصاً لجهة إعادة النظر في القانون الذي يعرف اليهودي صاحب حق العودة إلى إسرائيل والحصول على جنسيتها. في المقابل نجد أن المتطرفين قد غضوا النظر عن توطين 650 ألف روسي من المشكوك بيهوديتهم. مما يعكس استشعارهم للأزمة مع رفضهم الإعلان عن ذلك.

مهما يكن فإن إسرائيل تستمد قوتها واستمراريتها من الدعم غير العادي الذي ترفدها به الولايات المتحدة بصورة خاصة والدول الأوروبية بصورة فرعية. واستمرار هذا الدعم يعني استمرار إسرائيل قوية وقادرة. فهو يعني ضمناً استمرار قدرة إسرائيل على لعب الدور الوظيفي المطلوب . وعليه فإن المنطق يفرض علينا مناقشة مستوى القدرة الوظيفية لهذه الدولة من وجهة نظرالمستفيدين من هذاالدور. مما يعني ضرورة التركيز على مواقف ثلاثة أقطاب أساسية هي : الإدارة الأميركية والكونغرس الأميركي وأوروبا.

قبل هذه المناقشة لابد لنا من الإشارة الى جملة متغيرات كان لها دور في إعاقة الوظيفية الإسرائيلية. على أن لا نبالغ بتحميلها ما لا تحمله. بداية فإن نهاية الحرب الباردة أثرت في دور إسرائيل كقاعدة متقدمة في مواجهة الشيوعية. إلا أن محاولات الاتحاد الروسي لإقامة تحالفات جديدة (مع دول السوفيات السابقة أو مع الصين أو عبر دعمه لأحلاف جديدة في المناطق المحيطة بالاتحاد) أعطت لإسرائيل دور الجهوزية المستقبلية لمواجهة مثل هذه الإحتمالات . أما على صعيد حماية

منابع النفط وتأمين سهولة الوصول إليها فقد بات ذلك مضموناً عبر التواجد العسكري الأميركي المباشر في المنطقة. لكن هذا التواجد محاط بمحيط معاد له. الأمرالذي يعيد لإسرائيل جزءاً من دورها على هذا الصعيد. أما عن رغبة الولايات المتحدة في التخلص من أعباء إعانة إسرائيل لإن الطرفين يعملان على إيجاد البدائل ومن بينها توكيل إسرائيل بالعمليات السوداء التي تريد الولايات المتحدة تجنبها. ومن هذه العمليات عضوية المافيا وكارتيلات المخدرات وتبييض الأموال وصفقات الأسلحة المشبوهة والحصول على حصة من الخيرات العربية عبر تسوية سلمية مؤقتة مع العرب… الخ من العمليات المربحة التي يمكن لإسرائيل الخوض فيها دون خشية أي جهة كانت ما دامت تتمتع بالغطاء الأميركي.

مما تقدم يحق لنا تأييد الطروحات المعروضة أعلاه لجهة عدم معاناة إسرائيل من تهديدات استراتيجية حقيقية أقله على المدى المنظور. إلا أننا في المقابل لانستطيع تجاهل التهديدات البنيونة الضاغطة على هذه الكيان والمهددة لدوره الوظيفي من جملة ما تحمله من تهديدات. فصعود الأصوليات اليهودية أخرج إسـرائيل من مصاف الدولة التي تتطابق معتقداتها وقيمها مع تلك الغربية. بحيث باتت شبيهة بنظام جنوب أفريقيا العنصري. وبما أن حاسة النقد لدى الأوروبيين أكثر تطوراً منها لدى الأميركيين فإن الأوروبيين بدأوا يدركون حقيقة لا ديموقراطية إسرائيل وخضوعها لحكم الجنرالات العسكري. وهنا أيضاً لا بد من ملاحظة أن حزب العمال البريطاني يعتمد مواقف صهيونية ويلعب أدواراً مؤثرة لمصلحة إسرائيل. كما أن لدى ألمانيا ورطة الهولوكوست التي تعيقها عن إعلان قناعات من هذا النوع. وأخيراً فإن الدور الوظيفي الإسرائيلي لا يزال فاعلاً بالنسبة للأوروبيين. الذين يرحبون بدور اقتصادي إسرائيلي فاعل في مسيرة العولمة الاقتصادية. أما على صعيد الإدارة الأميركية فإن هذه الإدارة لا تزال تدرك أن تفاعلات الشرق الأوسط لا تسير في الاتجاه المناسب لها. لذلك فهي متمسكة بإسرائيل كحليف استراتيجي لمواجهة أية مفاجآت محتملـة في

المنطقة. ونأتي إلى الكونغرس الأميركي الذي تعود العرب إهمال أهميته وفعاليته لنجد أن إسرائيل قد فشلت في تحقيق سيطرة تامة عليه. إلا أنها في المقابل أثبتت قدرة اللوبي اليهودي على استبعاد السيناتورات الذين يظهرون معارضة صريحة لإسرائيل. حيث كلمة السر التي تسقط هؤلاء السيناتورات هي "معاداة السامية" التي كانت كفيلة بإخراج عشرات السيناتورات من الحياة العامة.

على أن تحليل عوامل النفوذ اليهودي في أميركا غير ممكن الاختصار بشعار الرفاه والمصالح الأميركية. بل أن هنالك عوامل نفسية – اجتماعية لا يمكن تجاهلها. فالمواطن الأميركي يكاد يفقد حاسة النقد ومن هنا خضوعه المطلق لإيحاءات الإعلام (حيث تحافظ إسرائيل على حصة لا بأس بها في هذا الإعلام). كما أن النظام الانتخابي الأميركي (على صعيد الرئاسة والكونغرس وغيرها) يجعل من النظام الأميركي أكثر أنظمة العالم تأثراً (وأحياناً خضوعاً) لمجموعات الضغط . وهذا

ما أدركه اللوبي اليهودي منذ البداية واستغله أفضل استغلال.

وهكذا يمكن التأكيد على عدم وجود خطر حقيقي مهدد بزوال إسرائيل في المدى المنظور ولكن يمكن القول بأن المشروع الصهيوني في طريقه للترهل ومعه الدولة التي تجسده. ويمكننا اختصار مظاهر هذا الترهل كما يلي:

1 – إن الجيل الحالي من اليهود يختلف عن الجيل الذي عايش الحرب العالمية الثانية. وأهم نقاط هذا الاختلاف هي فتور حماسة الجيل الحالي للصهيونية. وانغماسه في الراهن السياسي الإسرائيلي المتحول إلى ميدان صراعات الهوية.

2 – تنامي متطلبات الدور الوظيفي بما يضطر الحكم الإسرائيلي لاتخاذ قرارات غير شعبية. وهي قرارات غالباً ما تؤدي إلى تصعيد حدة الصراع على الهوية.حيث يتمرد الأصوليون اليهود مثلاً على الخضوع التام من قبل دولتهم للأوامر الأميركية. هذا التمرد الذي لم يجد متنفساً للتعبير السياسي إلا عبر نتنياهو. ومن بعده عبر احتجاجات حزب شاس

على ما سماه بتنازلات باراك. مما أدى الى انسحاب شاس من الحكومة.

3 – صعوبات الجمع بين شراكة الولايات المتحدة في العولمة وبين توجهات الأصولية اليهودية التي ترى في العولمة تهديداً مباشراً للتراث اليهودي.

4 – تنامي وعي الرأي العام العالمي بعدم موضوعية شروط السلام الإسرائيلية. الأمر الذي يهدد قدرة الحكومات في الاستمرار بتقديم مستويات الدعم الحالية لإسرائيل.

مهما يكن فإن المنطقة مستمرة في ملكيتها لأهم مخزون نفطي عالمي. فهذا يؤدي لاستمرارية أهميتها الاستراتيجية ومعها الحاجة لإسرائيل. في المقابل فإن المشروع الصهيوني عاجز عن الاستمرار في شكله الحالي حيث لم يعد قادراً على اجتذاب الأجيال الجديدة. كما أن اقتصاد المعونات الإسرائيلية يجعل إسرائيل عرضة لتقلبات اقتصاد وسياسات الدول الداعمة لها. وهكذا فإن هذه الدولة غير مهددة في المدى المنظور إلا أنها آيلة للسقوط وفق جميع النظريات المستقبلية. ومن جهتنا نرجح الطروحات القائلة بسقوطها من الداخل كون مؤشرات هذا السقوط هي الأسبق في التبدي والقابلية للقراءة المبكرة.ولعل أولى هذه القراءات كانت "اغتيال رابين"


 

جميع الحقوق محفوظة © 2024جميع المقالات التي تنشر لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع