إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

إلى غسّان تويني رسالة 5 ج 1

أنطون سعادة

نسخة للطباعة 1946-07-09

إقرأ ايضاً


ايها الرفيق العزيز،

سررت سروراً بكتابك الأخير المؤرخ في 20 يونيو الماضي الذي عرفك تعريفاً أولياً جلياً ضرورباً لتكوين فكرة واضحة عنك وعن امكانياتك الفكرية والعملية في النهج والسياق المقبلين.

أعود الى ملاحظاتي في كتابي السابق اليك وجوابك في كتابك الأخير عليها، عملاً بقاعدة التدقيق الشديد في المسائل العقائدية والفكرية مع الرفقاء المؤهلين لتناول شؤون الفكر العليا وتقوية التمازج الفكري ووحدة الفكر والقصد وزيادة في توافق الآراء والمناهج في الخطة الأساسية وفروعها، أي بجميع هذه الأمور الجوهرية التي يتوقف كل نجاح، في ما يعنيها، على مبلغ حصولها.

مما لا شك فيه أن حداثة عهدك باعتناق العقيدة السورية القومية الاجتماعية وانضمامك الى الحزب لم تسمح لك بالاطلاع المباشر والمعرفة الشخصية في نشر العقيدة وعمل الحزب في عهده التأسيسي الذي استمر الى الآن. مع ذلك فقد ساعدتك مواهبك الفكرية ونباهتك وتحصيلك العلمي على ادراك أمور كان يقتضي لغيرك أضعاف المدة التي قضيتها لادراك ما أدركت من قضايا النهضة القومية الاجتماعية وعوامل سيرها. ولكن مهما كان هذا الادراك عالياً فإن قصر المدة ومحدودية الاختبارات يوجبان اتباع قاعدة التحفظ المعقول في الآراء الأخيرة او النهائية او الجازمة في قضايا لم تنكشف كل نواحيها ولم تحصل كل عواملها الخفية والمعلنة وأسباب الحكم فيها. وإن من القواعد الضرورية لتفكيرنا القومي الاجتماعي الحرص على اعطاء القضايا حقها من الرصانة والتقدير والتحفظ واعمال الفكر الواقية من خطر الزلل والمقللة له. واني أقول هذا القول في معرض كتابي إليك، ليس لأني أستشف ميلاً الى عكس ذلك، بل لأني أرى فيك الاستعداد لوعي هذه القواعد والقضايا الهامة ولأني أحب أن أنشط فيك هذه الناحية الضرورية للعمل السياسي العالي.

ان الوثائق والمنشورات الحزبية التي تيسر لك الاطلاع عليها ليست كل ما يجب ان يقف عليه طالب معرفة نشوء حزبنا ومشاكل تاريخه. فإن أموراً كثيرة بقيت غير منشورة كما ان أموراً لم تدون. ومن هذه الأمور ما هو حوادث هامة من الوجهة التفصيلية ومنها ما هو أفكار وآراء وقواعد حرمت من حظ أخذ محلها بين المدونات. ولا ننس أن مدونات الزعيم هي قليلة بالنسبة الى تعاليمه وأقواله وشروحه الشفوية في الخطب العديدة التي لم تدون والمحادثات الافرادية والمجموعية وفي القضايا والاحكام التي تناولها او أصدرها وفي أعماله وتفاصيل سيرته. واذا كان جزء من هذا النقص يكمل بمرويات ومسندات المقربين الى الزعيم ورفقائه الأول وأعوانه ومعاونيه فإن قسماً كبيراً هاماً يبقى ناقصاً. ولا ننسى أيضاً ان رفقاء الزعيم الأول ومعاونيه متفاوتون في المعرفة والادراك والمؤهلات. فبعضهم تفوتهم تفاصيل هامة لا يدركون قيمتها التاريخية وبعضهم يميلون الى الناحية الشعرية من الأمور وبعضهم لم يتسن لهم عرفان أمور سابقة لعهد دخولهم وغير ذلك. ومع ذلك فإن مجموعة مرويات هؤلاء الرفقاء ومذكراتهم، إذا لأحد منهم مذكرات، تكون مستنداً هاماً من مستندات تاريخ حركتنا القومية الاجتماعية. خذ مثلاً الرفيق رجا خولي، فهو من أوائل الذين حدثتهم في فكرتي ووجهت اليهم تعاليمي. ولكن وعيه كان ضعيفاً ومؤهلاته العلمية بعيدة عن صلب القضية وكانت قوته في حسن ادراكه الشخصي وفي استعداده الروحي الجيد. وكان دائماً يكرر قوله لي في بدء عملنا: "اني مؤمن بهذه التعاليم ومعتقد بصحة القضية. ولكني لا أرى كيف يمكننا التقدم في مجموعنا المستولية عليه نزعات وعوامل مختلفة. وأنا شخصياً لست أرى في نفسي كيفية كفاءة ومقدرة على مجادلة من يأتون بمعتقدات أخرى كالعروبيين واقناعهم ولست أرى غيري من المنضمين أقدر مني في هذا الصدد" فكنت أشجعه واوصيه بالصبر وأبين له فضائل الثبات والمثابرة وكان ذا أخلاق تؤهله لذلك. وقوي وعيه القومي فيما بعد وظهر ذلك في رسائله وهو في طريقه الى انقلترة حين ذهب ليكمل دروسه واختصاصه في الهندسة وفي أول عهد وجوده في انقلترة. وهو أول من استعمل في رسائله: لتحي سورية ورأيت تعميمها. ولكنه بعد مدة على وجوده في انقلترة وحصول الاعتقالات الأولى وانقطاع اتصالاته بي وبدائرة الأعوان حصل له فتور وبرودة انقليزية جعلاه يعود القهقرى الى معظم حالات الموقف الشخصي الفردي السابق للموقف القومي الاجتماعي. وبعد عودته من انقلترة ظل متجنباً العمل الحزبي وكل شأن من شؤون الجهاد القومي الاجتماعي مع احتفاظه بمودته لي وبصحة القضية. واضطررت لبذل جهود كبيرة لاقناعه واقناع ابن عمته الرفيق المقدسي للعمل في فرع حزبي غير معلن ومكتوم عن فروع الحزب التي أصبحت معلنة، وبعد لأي جمعته هو والرفيق المقدسي والرفيق جورج صليبي ورفيقاً دخل حديثاً في أواخر سنة 1937 او أوائل سنة 1938 ويعمل معاوناً في معمل الدكتور رئيف ابي اللمع ورفيقاً آخر هو ابن "الشيخ حسن" التاجر في مكان قرب ساحة البرج وأظن أن اسمه محسن وغيرهم من غير الراغبين في العمل العلني واحراق مراكب الانقاذ وتمكنت من أن أعقد لهم عدة اجتماعات وأعين لهم أعمالاً تحضهم على تحقيق الغاية الكبرى وتحيي العقيدة والقضية في نفوسهم.

…..

يتبع

صدر عن مكتب الزعيم، في 9 يوليو 1946 ولتحي سورية

خاتم وامضاء الزعيم


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024