شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2010-10-06
 

كَـغَيـْمَـةٍ سَـارِية.. كَـيَـمَـامِ دمشــق

بسـام الهلسـه

لمَّا تحِن بعد ساعته. وكل ما يتوقُ إليه هو الصفاءُ: كذاكَ الذي لِغَيْمَةٍ ساريةٍ لا يقلِقُها لغَطُ الارض, والطمأنينةُ الوادعةُ كتلك التي لِيَمَامِ دمشق الأليف الآمِن من أحداً لن يصطاده.

يقارب نفسه الآن أكثر من ذي قبل: ينشرها كخيوط الشمس وقت الشروق تارة, ويلتفُّ عليها كما الوَشِيْعَة تارة اُخرى.

يفعل هذا إرضاء لنفسه: فلم يعد يعنيه أن يرضى عنه أحد أو أن يسخط منه أحد. وما من وصِيَّة لديه ولا موعظة يقدمها للآخرين المنهمكين بدأبٍ في شؤونهم العائلية ومطامحهم المهنية.

لهم ما يشغلهم!

وله ألَمُه وأمَلُه.

حسبه أن يتصالح مع ذاته, وأن ينشد خلاصها ويمنحها السَّكِينة في عالم صاخب مضطرب يمضي سادراً فيما هو فيه, لاهِيَاً عمّا يسير اليه..

يَعْرفُ ما اختاره منذ أمَدٍ بعيد: ليس له حرص الموظف على استحسان رؤسائه وموعد ترقيته, ولا مثابرة رجل الأعمال المستغرق بأحوال السوق, ولا هِمَّة رجل السلطة وسعيه في تعزيز مركزه.

كل ما يملكه في هذا الكون: قلب حَي نابض يفرح ويحزن, وعقل يتساءل عما هو كائن وعما سيكون, وروح أمَّارَة بالشوق ناداها وَعْدٌ بعَالمٍ آخر مختلف.

* * *

في لحظة صحوٍ كاشفة, يستعيد العبارة المُنَبِّهة:"ماذا يفيد الإنسان لو ربح العالم وخسر نفسه؟" ويَعِيها من جديد.. يعرف أنها سؤال يضمر إجابته, ويقرر لا يستفهم. فالمقصود بالإنسان هنا هو الجنس البشري عموماً الذي استبَدَّ به تَمَلُّكُ الأشياء وشغله عن امتلاك ذاته ومصيره, فأحَاله الى آلَةٍ تجهد للبقاء في السباق المحموم للفوز بالجوائز.

وكلما مضى في هذه الطريق كلما ازادت قيوده وأحكمت إطباقها عليه حدَّ الإستعباد. وهذا ما يجعل الكلام عن العقل, والحرية, والإرادة, والمسؤولية ـــ بما هي مميزات البشرـــ محض ثرثرة حالمة أو واهمة في عالم جرى بناؤه على أساس التَّمَلُّك, وتحددت معاييره وأحكامه في ضوء مواقع وحصص الأفراد والجماعات والطبقات والشعوب والاُمم فيه.

وما لم يقوَّض هذا الأساس, فسيظل الإنقسام والتنازع بين البشر قائماً على الإستحواذ والسيطرة, مما يفقد الناس إنسانيتهم وينحَط بهم إلى مستوى الكائنات المتوحشة الضارية المفترسة, بل أكثرها أنانية, وأشدها ضراوة وافتراساً وفتكاً. وهو ما تبيِّنه وقائع الصراع المعاصرة والتاريخية المعلومة, وما لا تنفع الأردية الايديولوجية والقانونية والفلسفية المُدَّعاة في تسويغه والتستر عليه.

* * *

ــ ماذا يفيد إنسان شغله هذا الوعي وعَذَّبه؟

لم يشارك في السباق الهمجي حيث "يقتلون الجياد", كما في الفيلم الشهير لسيدني بوللاك((Sydney Pollack, ولم يُدِر ظهره للمجابهة.

أراد أن يربح نفسه ـــ على الأقل ـــ في عالم خاسر. وأن يحافظ على ما يُبقي الإنسان إنساناً:

يحس, ويفكر, ويتألم, ويحلم, ويتغيَّر ويغيِّر...

فإذا ما ضاقت به الارض, ففي روحه فضاء يتَّسِع لغيمةٍ ساريةٍ لها ميقاتها.

* * *

ينشُدُ الصفاء..

ويتذكر بحنانٍ يمام دمشق ودَفِيفه, إذ يقبل عليه وهو يبسط له فتات الخبز اليابس.

* * *

إنتظَرَ, وترَقَّبَ, واصطفى..

ــ ما له ولعالم الأحياء الموتى؟

لهـم ديـنهـم, وله ديـنـه..

وبرغم مـا سـبق من كـلامٍ, فثمـة لديـه ما يقوله.

* * *

يفرد جناحيه, ويرنو بناظريه الى اُفقٍ يلوح لـه..

هو هكذا كان, وهكذا سيظل, وسيمضي.. وإنْ أمَضَّه الحُزن.

* * *

يــا لـلـيَمَـام الآمـِـن!

لمَّا تحِن بعد ساعته...



 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه