شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 1937-07-29
 

وطن قومي للشركس ج. 1

أنطون سعادة

(في أخبار شعبتنا في دمشق المنشورة في العدد الثامن عشر، أن الشركس في القنيطرة أوفدوا الى دمشق ممثلين من قبلهم ليطلبوا حق إنشاء وطن قومي لهم في منطقة الجولان. هذا الحادث يعطي مثالاً خسياً لمشاكلنا القومية. وقد سألنا زعيم الحركة السورية القومية إبداء رأيه فيه فجاءنا منه الجواب التالي:)

إن هذا الحادث يكون وجهة خطيرة من قضيتنا القومية – الاجتماعية. انه ظاهرة من ظواهر مسائل سورية الإتنولوجية. ولذلك فإن معالجة هذا الحادث يجب، وفاقاً لمدرسة التفكير القومي، ان تتناول حقيقة أساسه الإتنولوجي. فمدرسة التفكير القومي تأخذ المسائل من أساسها. انها لا تذهب أفقياً مندفعة مع رياح النزعات الجامحة، كما هي الحال في مدرسة الحماس "الوطني" الأهوج، بل تتعمق عمودياً أولاً حتى تبلغ الأساس ومن ثم تعود فتمتد أفقياً. إن تفكير النهضة السورية القومية تفكير هندسي راسخ، لا تفكير حسابي عددي أولي.

كل بحث في وحدة سورية ونهضتها لا يتناول بالدرس قضية تركيبها الإتنولوجي لا يصل الى نتيجة ناجحة. وهذه الحقيقة قد أثبتت وجودها في جميع المحاولات السياسية "الوطنية" الماضية التي انتهت مؤخراً الى فشل رائع وإلى هذا التفكك السريع الذي كشف عن الأساس الرملي الذي بنت عليه "الكتلة الوطنية" إمبراطوريتها السياسية. بمشروع المعاهدة تمت وحدة الشام في أواخر سمة 1936، وبنقض هذا المشروع تفككت هذه الوحدة المنبثقة من اتفاق "كتلة وطنية" ودولة أجنبية. هذا هو الأساس الذي بنت عليه "الكتلة الوطنية" قصور أحلامها الامبراطورية فوقف جميل مردم في عدة مواقف يهدد الذين لا يذعنون لمشيئة "الكتلة" باستعمال القوة.

في طور انحطاط سورية الأخير دخلت سورية منذ زمان هجرات كبيرة، كما خرجت منها هجرات كبيرة. وهذا التحول في تركيب سورية الاتنولوجي أوجد اضطراباً في حياة سورية الاجتماعية وفي نفسيتها الاجتماعية. وفي هذه الحالة من عدم الاستقرار تفسخت وحدة الشعب السوري النفسية، خصوصاً بما اختلط مع هذا التداخل الاتنولوجي من تداخل ديني روحي فتسارع الى الشعب السوري الانحلال الاجتماعي – النفسي الذي لا يمكن أية وحدة سياسية مبنية على مفاوضات ومعاهدة مع دولة أجنبية إزالة حقيقته وتعطيل التفكك القومي الذي يؤول إليه. وكل كتلة او فئة سياسية تدعي أنها ستقود الأمة السورية إلى الحرية والاستقلال بواسطة برنامج سياسي لا يتناول إلا الشكل السياسي للأمة، هي كتلة او قئة مضللة دجالة تنقصها كل المؤهلات الضرورية لإنشاء فضية قومية واضحة والعمل لها بنجاح.

وعندما تلوم "الكتلة الوطنية" العناصر التي لم تخضع لبرنامجها السياسي وتنسب إليها فشلها، تظهر نفسها بمظهرها الحقيقي، الذي يشابه جماعة من الأولاد تندفع على غير هدى فتصطدم ويزعجها الاصطدام فيثور ثائرها وتضج وتصخب. ومثل "الكتلة الوطنية" الفئات السياسية التي تعمل بأساليبها وعقليتها فتنتهي بنفسها وبالأمة الى الخراب الذي تقود إليه جميع الأعمال الاعتباطية، واني عندما نددت في بلاغي الأزرق، الذي أذعته في 15 يونيو / حزيران 1936 ببرنامج "الكتلو الوطنية" السياسي وباعتمادها سياسة المفاوضات وبمقاومتها للحركة السورية القومية، التي جاءت الأمة بمبادىء وحدتها الاجتماعية – النفسية، لم أكن متحاملاً قط، بل إني عنيت تماماً ما قلت. وقد رأت الكتلة والأمة مبلغ صحة ما عنيت. والذي يؤلمني أن هذا العلم قد كلـًف الأمة ثمناً باهظاً.

عدّلت الهجرات إلى سورية ومنها التركيب الاجتماعي – النفسي (العقلي). فأصبحت سورية مجزأة بين أديان وبين أقوام. فمسلمون ومسيحيون ودروز، متشعبون الى مذاهب وشيع عديدة. وسوريون وأكراد وشركس وعرب وأرمن. بتمركز النزاع الروحي في القضايا الدينية بقست قضية وحدة الامة مجهولة. الادين كان الأمة. وفي التقاليد الاسلامية المسلمون أمة فيخرج من معنى الأمة غير المسلمين. ووجود هذا الاعتقاد عند الجماعات الدينية لا يعني شيئاً غير تأسيس الأمة على الدين، وتأسيس الأمة على الدين لا نتيجة له غير تحويل الأمة المتعددة الأديان إلى أمم متعددة. والدول التي أنشأتها فرنسة في سورية، كلبنان والعلويين والدروز، أوجدتها الآرادة الأجنبية لتثبيت هذه القاعدة في سورية، ويظل العامل الروحي مجزءاً بين العوامل الدينية فلا يكون سبيل لصهر الأقوام الإتنولوجية، لأن الطريقة الوحيدة لصهر هذه العناصر هي طريقة تسليط عامل روحي – اجتماعي – ثقافي عليها واختلاف الأديان في سورية وجعل الدين محور كل حياة قضــيــا بتجزؤ روحية الشعب السوري واجتماعه وثقافته، فامتنع العامل الجوهري لصهر الجماعات الإتنولوجية. وهكذا عاشت الهجرات في سورية أجيالاً، فظل الكردي كردياً والشركسي شركسياً والأرمني أرمنياً والآشوري آشورياً. وكانت الارادة الأجنبية حريصة على استمرار هذه الحالة الشاذة فقسحت المجال لزيادة الهجرات وزيادة الهجرات تنعش الشعور بالرابطة الأولية الذي كان أخذ يتحول، مع الأيام، إلى شعور بالرابطة الجديدة مع الشعب السوري والأرض السورية.

هذه هي مشاكل الوحدة السورية القومية الأساسية. أما الحكم والمركزية واللامركزية وتغيير الوزارات وغير ذلك من المسائل فهي شكلية. ولا يمكن أن يقوم حل شكلي مقام حل أساسي. فلما بدأت أعالج قضية أمتي توجهت إلى الأساس أولاً فوضعت المبادىء الأساسية لقضية الأمة السورية ثم رتبت الأمور الشكلية لتنطبق على الأساس.

من هذه الحقيقة ندرك الفرق العظيم بين عقلية الحركة السورية القومية ونظامها وأساليبها منجهة وعقلية الشركات والفئات السياسية وفوضاها واعباطاتها من جهة أخرى. إنه في الفرق بين القضايا الأساسية والمسائل الشكلية او بين الأمور الجوهرية والشؤون العرضية.

...

يتبع


سورية الجديدة، سان باولو، العدد 22، 29/7/1937



 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه