شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2011-03-22
 

حيٌّ حتى الخلود .. الاستشهادي وجدي الصايغ

أحمد طي - البناء

لم تكن زيارة الجبل في ذلك اليوم الآذاري عادية، ولا من أجل إجراء تحقيق صحافي عادي عن بلدة ما، أو مشكلة ما، أو حتى عن حدث ما.

الزيارة كانت من أجل رجل فوق العادة، رجل ما زال حاضراً في أذهان وقلوب أبناء البلدة الجبلية المقاوِمة، وفي أذهان وقلوب رفقائه في النضال، يستذكرونه كل آذار من كل عام، فتمتلئ قلوبهم غبطة، وتزيد إراداتهم صلابة، إذ تتجه أنظارهم نحو جنوب الجنوب... فلسطين.

إنها بلدة شارون قضاء عاليه، بلدة الاستشهادي البطل وجدي الصايغ، الذي، ومنذ سبعة وعشرين عاماً، ارتأى أن يلقّن الصهاينة حيث لن ينسوه أبداً، درساً كانت وسائل الايضاح فيه أشلاء طاهرة، وأخرى... ذهبت إلى مزبلة التاريخ.

"أنا الشهيد وجدي الصايغ»، هي العبارة الاولى التي أذهلت العالم أجمع مساء 13 آذار 1985، في افتتاحية نشرات الأخبار المسائية آنذاك، لا سيما في التلفزيون العربي السوري. أذكر جيداً ذلك الحدث، على الرغم من السنوات العشر التي كانت تساوي عمري آنذاك، أذكر جيداً أن نشرة الاخبار تلك الليلة كانت مختلفة، مميّزة، ليس لأنني رأيت الزوبعة الحمراء لأول مرة على شاشة التلفاز، بل لأن النبأ الذي طغى على الأنباء كلها، واحتل حيّزاً كبيراً من وقت النشرة، كان خبر العملية الاستشهادية البطولية التي نفذها وجدي الصايغ، ضد قوافل الجيش الصهيوني الغازي.

"أنا الشهيد وجدي الصايغ، عمري 21 سنة، قرّرت أن أنفذ هذه العملية الاستشهادية، إيماناً مني بأن مسؤولية تحرير الجنوب من الاحتلال الصهيوني لا تقع على الجنوبيين فقط، وإيماناً مني بأن تحرير الجنوب والبقاع الغربي وراشيا، هو واجب وطني وقومي ، كما أن تحرير فلسطين هو واجب وطني وقومي. ورفضاً مني لمنطق استفراد الجنوب، أو أي منطقة من مناطقه .. وايماناً مني بأن العدو "الاسرائيلي" هو عدو أمتي»، هذا بعضٌ مما قاله وجدي يومذاك في مقابلة له قبيل ذهابه الى تنفيذ عمليته، أو ربما هذا ما استطعت أن أحفظه، قال الكثير، ليس في عدد الكلمات، بل في ما تكتنزه تلك السطور من معاني العز والشموخ.

هو وجدي، الذي تجاوز كل فترات العمر، وتجاوز كل هذه الكلمات، فصار أكبر منا جميعاً، هو وجدي الذي اختصر الطرق كلها... نحو الخلود.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

سبعة وعشرون عاماً مضت على عملية الشهيد البطل وجدي الصايغ، عملية كانت فريدة من نوعها، حيث حوّل الشهيد جسده إلى قنبلة مدمرة، انفجرت في وجه في العدو، لتحيله بدوره إلى اشلاء، وتذيقه علقم الموت، وتعبّد الطريق نحو تحرير الأرض الغالية.

ولادته ونشأته

في أحد منازل بلدة شارون، في أعالي جبال قضاء عاليه، ولد وجدي الصايغ عام 1966، في أسرة متواضعة، مكوّنة من أبيه فضل الله ووالدته، وشقيقه رمزي وشقيقته نعمة، وبعد سنوات قليلة، أنجبت والدته ابنتها الصغرى نوال. في مدرسة البلدة، القريبة من منزله، تلقى وجدي علومه الأولى، في أزقة قريته شارون استطاع ومنذ صغره أن يحظى بصداقاته، حيث أحبه كل من تعرف اليه، نظراً لروحه المرحة، و«شقاواته» الكثيرة. انتمى الى الحزب السوري القومي الاجتماعي في بدايات شبابه، ثم ما لبث أن التحق في الجناح العسكري للحزب، فخضع ورفقاءه إلى العديد من الدورات العسكرية كما التحق مراكز حربية كان أهمها في المتن الشمالي.

العملية

هو الإستشهادي الأول في صفوف الحزب السوري القومي الإجتماعي. ففي 13 آذار 1985، وعلى طريق جزين- كفرحونة، اقتحم فتى الجبل الشهيد البطل وجدي الصايغ بسيارة مرسيدس، محشوة بما يزيد على مئة كيلوغرام من مادة الـ«ت. ن. ت.» الشديدة الانفجار، رتلاً للعدو الصهيوني كان مغادراً بلدة جزين، وتتقدمه سيارة جيب في داخلها ضابط وجنديان، فجّر نفسه، ما أدّى إلى تدمير سيارة الجيب واحتراقها وقتل من فيها، وتدمير ناقلة جند، وتدهور آليتين مدرعتين، وقد قُدرت الإصابات في صفوف جنود العدو بثلاثين إصابة بين قتيل وجريح.

وعلى الأثر ضربت قوات العدو طوقاً حول مكان العملية الاستشهادية ثم بدأت بإطلاق النار عشوائياً على المواطنين، وقد أصيب جنود الاحتلال بحالة هستيريا وهلع.

وصيته

أما في وصيته فقال:«ايماناً مني بأننا كلنا مسلمون لرب العالمين .. فمنا من أسلم لله بالقرآن ومنا من أسلم لله بالانجيل ومنا من أسلم لله بالحكمة، وأن ليس لنا من عدو يقاتلنا في ديننا وحقنا ووطننا الا اليهود. وايمانا مني بأن تحرير الجنوب والبقاع الغربي وراشيا هو واجب وطني وقومي، كما أن تحرير فلسطين، هو واجب وطني وقومي. ورفضاً مني لمنطق استفراد الجنوب أو اي منطقة من مناطقه .. وايماناً مني بأن العدو "الاسرائيلي" هو عدو أمتي، وأن أبناء الجنوب هم كأبناء بلدي وأبناء شعبي واني على طريق قائد مجموعتي الشهيد البطل نضال الحسنية وعلى درب حسن درويش وبلال فحص ونزيه قبرصلي وعبد الله الجيزي، وفؤاد صالح والشيخ راغب حرب وشهداء سحمر أقدمت على ما أقدمت ورددت الوديعة الى أمتي لأنني أقسمت معهم أننا لن ندع العدو يرتاح. ووصيتي الى رفقائي وأبناء شعبي وأهلي وأخوتي أن يكملوا المسيرة. وأطلب يا أمي المعذرة اذا ما تركتك دون استئذان تلبية لنداء امتي .. وحدة بنادقنا شرط أساسي لانتصارنا في حرب التحرير القومية».

رسالة من والدته

وفي وقت لاحق، نشرت في الصحف والمجلات المحلية، رسالة وجدانية من والدة الشهيد وجدي الصايغ، تتوجه بها اليه فتقول: «حبيبي وجدي..ما زلت أنتظر عودتك يا حبيبي كالعادة...لقد تأخرت عليّ كثيراً هذه المرة...لكن سأنتظرك ولن آمل الانتظار...

وجدي...يا قرة عيني ويا مهجة فؤادي، آلمني فراقك وأحزنني غيابك، حتى بت أشعر أن هذه الدنيا فارغة، لأن زين الشباب غادرها إلى الحياة الثانية، إلى دنيا الأزل، إلى دنيا الأبد. إلى دار الحقيقة الخالدة...ولن يرتاح قلبي إلا إذا جمعنا اللقاء واطمأننت عليك...قل لي يا حبيبي من يسهر على راحتك، ومن يؤنسك في وحشتك، ومن يشاطرك أوجاعك إذا توجعت، ومن يخفف ألآمك إذا تألمت...إنني متأكدة أنك تقيم في دار الخلد بطلاً بين الأبطال، ومسروراً بين الشهداء الخالدين...ولكن أسألك ليطمئن قلبي، فقلب ألام يا ولدي يبقى في عذاب مستمر وفي قلق دائم إذا لم تر العين فلذة الكبد مغموراً بالسعادة والهناء، وبعيداً عن كل مكروه.

حبيبي وجدي...

صحيح أنا أم البطل الكبير، والشهيد العظيم الذي سطر ملحمة البطولة الوطنية والعزة القومية بدمه الذكي، ولكن في نفسي حسرة كبيرة على افتقادك لا توازيها حسرة ولا يوازيها حزن، إلا حزن أولئك الأمهات الثكالى اللواتي أصابهن سهم الموت...لكن عزائي أنك اخترت طريق التضحية بكل إرادتك، وفضلت حياة البطولة والخلود على حياة الذل والعار، ورفعت جبيننا عالياً كما رفعت جبين أمتك إلى منازل العزّة والشموخ...

وما دامت الشهادة اختيارك وإرادتك فأنني ارتضي بما يرضيك، رغم الحريق الذي أصاب قلبي، والنار التي أحرقني فيها غيابك الطويل، الذي أصبحت فيه ملكاً لامتك وليس لأمك. والدتك التي لن تنساك".

لقاء مع مسؤول في المقاومة

وبتاريخ 23 031985، نشرت مجلة صباح الخير في عددها ذي الرقم 465، وفي الصفحتين 40 و41، لقاء مع أحد مسؤولي جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية جاء فيه: «هو ابن الحزب السوري القومي الاجتماعي منذ طفولته، كان الحزب بمثابة أهله، وقد شارك في جميع معارك الحزب منذ كان شبلاً، وكان متأثراً جداً باعمال المقاومة الوطنية وخاصة الانتحارية، وكان مثاله الشهيد البطل نضال الحسنية احد أبطال المقاومة والذي كان يحبه كثيراً، وكانت أمنيته ان يستشهد في عملية ضد العدو "الاسرائيلي". التحق الشهيد وجدي بالمقاومة وقام بعمليته الأخيرة عن قناعة تامة وإلحاح وإصرار منه رغم إننا حاولنا إقناعه بعمليات أخرى دون الطابع الإستشهادي. كان ينظر إلى المقاومة بأنها ملك لكل الشعب، وقبل تنفيذه للعملية قلت له ضيعتك ليست محتلة وأنت لا تتعرض لمضايقات العدو بشكل مباشر فلماذا هذا الإصرار على هذه العملية الإستشهادية فأجاب" هذا العدو ليس لضيعتي ولا طائفتي أو أية طائفة أخرى بل هو عدو كل أمتي".

أضاف المسؤول: «كان الشهيد وجدي يتمتع بأعصاب باردة جداً وفوق العادة. عندما كان يتدرب على تنفيذ العملية وقد عاش قبل مرحلة التنفيذ فترة صعبة جداً ولا سيما بعد أن تأجل توقيتها لاعتبارات أمنية مما جعله يعيش حالة انتظار صعبة وخاصة عندما علم ان العدو ينوي الانسحاب فأشتد إصراره بشكل عجيب واستعجل علينا التنفيذ كي يلقن العدو درساً نتيجة غزوه لبنان. وإن إصراره الشديد بإيقاع اكبر عدد ممكن من القتلى".

رفيق الدرب والعمر

"البناء" التقت سهيل الصايغ، أحد أبناء البلدة الذي رافق الشهيد وجدي منذ صغره حتى قبيل استشهاده.

يتنهد سهيل تنهيدة عميقة كأنه يعرف الاسئلة كلها التي سيواجهها، وكأنه يدرك في سريرته أنه يملك الأجوبة كلها، لكن اللقاء لم يكن بحاجة إلا لطلب واحد: «أخبرنا عن وجدي".

يغمض سهيل عينيه لبرهة قصيرة، ثم تحضره الكلمات سلسة تنساب سهلة كأنه يقرأ في كتاب الذاكرة، فيقول: «معرفتي بالشهيد وجدي لم تكن وليدة الصدفة، بل كانت أكثر من وطيدة، نحن اللذين نشأنا سوياً في رحم هذه البلدة الجميلة، لعبنا في أزقتها، وتعلمنا في مدرستها، وانتمينا إلى الحزب ذاته، واخترنا أن نسلك طريق النضال العسكري، لكن الملفت أننا كنا نؤدي واجبنا في التوقيت ذاته، نوبات الحراسة ذاتها، المأذونيات ذاتها، مع رفيقين آخرين هما نعيم وحسين الصايغ، هذا في صوفر، أما في ضهور الشوير فلم يختلف المشهد أبداً سوى في الفترة التي سبقت استشهاده مباشرة، حيث كان يغيب عني في بعض الاحيان».

ويتابع سهيل: «كان وجدي خفيف الظل، لا يمكن لأحد أن "يزعل" منه، فقد كان محبوباً من قبل جميع أبناء البلدة، يتميز بحركية دائمة، لا يعرف النوم، يملؤه عنفوان غريب من نوعه، وتكتنفه رجولة سمحة على الرغم من صغر سنه".

ويتذكر سهيل حادثة طريفة حصلت معه ومع وجدي، «كنا نسهر في شارون في علية يملكها حسين الصايغ، ثم أن وجدي طلب مني مفاتيح سيارتي للذهاب الى ضهور الشوير الساعة الثانية صباحاً، أعطيته المفاتيح لعلمي انه سيحصل عليها حتى لو رفضت، وأكملت السهرة مع حسين، وفي تمام الساعة السابعة صباحا، يطرق وجدي الباب والسيارة ليست معه، ولدى سؤالي عنها، أجاب بابتسامته المعهودة أنه تعرض لحادث سير في صوفر، حيث اصطدم بشجرة، ونجا من الحادث بأعجوبة، ومشى من صوفر الى شارون ليخبرني بما جرى".

وعن العملية الاستشهادية يقول سهيل: «لم يظهر في تصرفات وجدي قبل العملية الاستشهادية أي تغيير أو تبديل، سوى مرة واحدة قال لي فيها أني ربما لن أراه ثانية، وعندما تبلغت نبأ العملية شعرت بالعز والفخر، وقلت أن ذلك ليس غريباً على وجدي، لم أتفاجأ، ولم أبد أي استغراب، فوجدي كان معروفاً بتنكبه المخاطر، وبأنه لا يهابها، استشهاد وجدي بهذه الصورة المليئة بالبطولة والشجاعة دفعني مراراً أن أحذو حذوه، لكني إلى الان لم أحظ بهذا الشرف، بقي حاضراً في حياتي ويومياتي، وربما بشكل يومي خلال السنتين اللتين تلتا استشهاده، كنت أتكلم الى صورته، عن ذكرياتنا، عن الحزب وعن الوطن، أخبرته بتحرير الجنوب، وتحرير الاسرى، وأخبرته كيف دحرت المقاومة عدوان تموز، كنت أتكلم الى صورته وأنا أشعر كل يوم بالعز والفخر نفسهماا اللذين شعرت بهما لحظة معرفتي بالعملية".

نوال

مع سهيل، انتقلنا بسيارة زهير الصايغ، نجوب بها شوارع البلدة، ومع الاقتراب من منزل الشهيد، كانت دقات القلب تتسارع، وشيء من الخدر كان يسيطر على الأفكار، هنا المدرسة حيث تعلم، وما هي بضع مئات قليلة من الامتار، حتى وصلنا الى الحي، في هذا الحي نشأ، لعب، مارس شقاوة الطفولة، أحب وأغرم، ودنونا أكثر، ليقول لنا زهير أن وجدي أبصر نور الحياة في هذا المنزل، لا أدري ما هو الشعور الذي انتابني حينها، لكنه من المؤكد، أنه الشعور ذاته الذي اعتراني لدى زيارة عرزال أنطون سعاده، ولدى زيارة طريق كفرحونة ـ جزين، وربما حين أزور مغارة بيت لحم. ترجلنا من السيارة، وسلكنا زقاقاً هو عبارة عن أدراج تتلوي مع انحناءات المنحدر، حتى وصلنا الى منزل متواضع، أنه منزل نوال، شقيقة الشهيد وجدي الصايغ.

هي الدموع فقط التي افتتحت اللقاء، لم تحضر أية لغة سوى التصريح بالفخر والاعتزاز للقاء شقيقة الشهيد، تصريح تدخلت في بدايته الدموع خفقات القلب السريعة، لم تقطعه سوى كلمات نوال التي خرجت من لجة الموقف فقالت: «لم يكن وجدي يتردد الى المنزل كثيراً، بحكم انخراطه الدائم في النضال، في الحراسة وفي المعارك، أذكر وأنا الاصغر منه ببضع سنوات أنه كان يلعبنا، ويشتري لنا الالعاب والهدايا، كان حنونا علينا نحن شقيقاته، وكان يردد لنا دوماً أنه سيصبح بطلاً في يوم من الايام».

نوال التي تحكي داتئما حكاية اخيها الشهيد لبنتيها ريمي وزينة، تتذكر أن خبر استشهاد وجدي وصل الى بيت عمها أولاً، وتقول: «أخبرتنا عائلة عمي، وعندما أدركت ما جرى، وأنني لن أعود أرى وجدي من جديد، حزنت كثيراً، لكن مع تقدم الايام، وإدراكي حجم البطولة التي جسدها أخي، راح الحزن يتحول تدريجيا الى فرح واعتزاز، خصوصاً وأن عمليته النوعية كانت فاتحة العمليات الاستشهادية لجبهة المقاومة الوطنية اللبنانية".

الشيخ وهاب الصايغ

"البناء" التقت أيضاً الشيخ وهاب الصايغ أبو توفيق، الذي تحدث عن المهرجان الاول للشهيد وجدي، فقال: «لدى وصول نبأ العملية الاستشهادية ونجاحها، ولما علمنا بحجم الخسائر التي ألحقها بالعدو، عمّت الفرحة بلدة شارون، فرحة تنم عن الفخر بابن البلدة الذي وهب حياته وكل ما يملك فداء للوطن، وأذكر يوم وصول الجثمان الى البلدة، حيث غصت شوارعها بالحشود التي وصل عديدها الى اكثر من عشرين الفاً، فكان استقبالاً جميلاً ومنظماً، وقد تخلل المهرجان كلمات عديدة ألهبت الجموع. حتى بعد المهرجان، ظلّت الوفود المهنئة تزور البلدة لأكثر من عشرين يوماً على التوالي. إن الشهيد وجدي الصايغ هو مفخرة بلدة شارون وصانع مجد لها".

حيّ حتى الخلود

لدى العودة من بلدة شارون، كانت الانظار دائماً متجهة نحو الخلف، علّها تقطف لمحات عابرة من ومضات البطولة التي كانت تلمع عبر الاثير، رأينا وجدي هناك يبتسم ابتسامته المعتادة، يلوّح لنا، ويؤدي التحية رافعاً يمناه، رأيناه قرب منزل شقيقته، قرب منزل أهله، قرب المدرسة، في الازقة في الشوارع، مع بسمة الاطفال، في عبسة الرجولة، وفي وقار الشيوخ، رأيناه في دموع نوال، وحسرة سهيل على عدم وجود أي صورة لوجدي في صغره أو يومياته، رأينا وجدي في السهول يقطف التفاح، وفي التلال يرابض مواجهاً صهاينة كانوا قبالة قريته في تلة إغميد.

تركنا بلدة شارون وبعضٌ منّا بقي هناك، أو ربما بعض منها علق في أعماقنا، فاستفاضت مقاومة وتصميماً، إرادةً وقوةً، وانحناءً لحيّ حتى الخلود خطّ اسمه في أحد أيام آذار على لوح المجد فكتب: «أنا الشهيد وجدي الصايغ».



 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه