شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2011-12-15
 

المؤسسات الاجتماعية في حزب سعاده - حلقة ثالثة: مؤسسـة المديريـات

طه غدار

تقسم المنفذية إلى أحياء ونواحي وقرى، وتنشأ في كل منها مديرية. ولما كانت المنفذية مؤسسة إدارية، فالمديرية هي أيضاً مؤسسة إدارية ، ويُحصر عملها في الشؤون الإدارية البحت أيضاً.

ويتولى عمل المديرية، مدير هو رأس المديرية، تساعده هيئة مؤلفة من ناموس، محصل، مذيع ومدرب.

التعيينات

يرفع المنفذ العام اقتراحاً لتعيين مدير لإدارة شؤون منطقته الحزبية، إلى عميد الداخلية (مركزية التعيين). يرفق المنفذ العام اقتراحه بملف عن الرفيق المقترح يتضمن مؤهلاته وكفاءاته والرتبة - على المستوى الاجتماعي - الحاصل عليها.

يرفع المدير المُعيّن، اقتراحاً لتعيين الهيئة المساعدة إلى المنفذ العام باستثناء المدرب. على أن يكون الاقتراح مرفقاً أيضاً بملف كل رفيق مقترح.

ويعين المدرب بقرار من عميد الدفاع بناءً على اقتراح ناظر التدريب دون المرور بواسطة المدير أو المنفذ العام وفقاً للمادة الأولى من المرسوم الثاني (المنفذيات) .

وهذه الهيئة، بعد اكتمالها، تماثل هيئة المنفذية لجهة الأعمال المنوطة بها، غير أن نشاطها يقع في حيز جغرافي أصغر.

والمديرية هي "قائدة" منطقتها... وعلى عاتق القائمين عليها تقع مسؤولية إعادة إحياء المنطقة على كافة الصعد المحلية : السياسية ، الاجتماعية، الاقتصادية، الثقافية و... عبر بناء أبنائها بناءً جديداً مناسباً للتعاليم الجديدة.

المتابعة الدقيقة:

المديرية هي واجهة العمل الحزبي، وبالتالي هي مبتدأ العمل القومي، والمدير هو الرأس أو العقل الموجه لهذا العمل. ومهمته الأساسية النهوض بمنطقته ، وذلك بعد إجراء دراسات عديدة عن أوضاع أبنائها بواسطة الهيئة المساعدة ودرس عملية انخراط كل سكانها في مؤسسات اجتماعية وثقافية واقتصادية و... من أجل بناء منطقة "محصّنة" نفسياً وعملياً، لا يقوى على اختراقها أي عدو داخلي أو خارجي.

لذلك، وجب، أن يتمتع المدير بكفاءات ومؤهلات إدارية وأن يكون مربياً – إذا أمكن – ومثقفاً واعياً.

كما يجب أن تحوز الهيئة المساعدة على خبرات تساهم في بناء الحيّز السياسي – الاجتماعي الذي يُبنى فيه المواطن من خلال متابعتها مختلف الأنشطة القائمة في المنطقة.

ومكتب المديرية، يجب أن يكون مركز إشعاع ثقافي واجتماعي ولمجمل النشاطات الشعبية. فهو مركز صدور القرار بعد إنجاز التخطيط، وهو مركز التوجيه والعمل المنتج لصالح كل أبناء المنطقة . أنه مركز النشاط الحزبي الشعبي. وعلى الهيئة المساعدة وأعضاء المديرية، أن يقوم كل بقسطه من العمل عبر ترسيخ القدوة والمثال والنظام في تعامله مع الناس ، لنعود كما كنا في سالف عهدنا على حد تعبير الامين عجاج المهتار: "ان يُعرف أحدنا في الطريق من سلوكه ، فيقال عنه هذا قومي اجتماعي ، وإذا احتاج أحد المارة مساعدة ما صرخ: يا أبناء الحياة، فيجتمع حوله عدد من القوميين الاجتماعيين لمساعدته!!".

المدير، هو المسؤول الإداري الأول، يلعب دوراً مميزاً على صعيد توزيع الأعمال على الهيئة والأعضاء، والإشراف على المتابعة بدقة، ومحاسبة المقصرين على الإخلال بالأعمال. فيحقق دوراً هاماً في حال نجاحه بمهامه وهذا ما يُحلّه "قائداً" في قلوب الجميع. كل ذلك تحت إشراف ومتابعة هيئة المنفذية ولجنة المديرية ومجلس المنفذية ومجلس المديرين. ومتابعته من العمدات المختصة.

المعالجة الحكيمة:

على المدير أن يُلمّ بكافة الجوانب (المحلية) السياسية والاقتصادية والثقافية لمنطقته، وأن يعالج كل المسائل والمشاكل والأوضاع فيها بحكمة وتعقل. وأن يخطط بمساعدة الهيئة المسؤولة وتحت إشراف وموافقة هيئة المنفذية لمشاريع تفتح آفاقاً واسعة للعمل البناء فيما بين أبناء المتحد، فيسهّل الوصول إلى بناء "مصالح" واحدة عن طريق جعل المتحد هيئة اجتماعية واحدة فعلاً. هذا هو "النصر المبين" للمدير وهيئة المديرية. فالمسؤولية تقع عليهما في "إيقاظ الوجدان القومي" لدى أبناء المتحد: لحقيقتهم ومصالحهم ومصيرهم. وهذا هو العمل الأساسي. فبناء المواطن الواعي "قومياً" يتم في المديرية، وعلى هذا يترتب نجاح وفشل الحزب في تحقيق أعماله المصيرية الكبرى.

الهيئة المساعدة:

هذه الأعمال الكبرى التي تقع على عاتق هيئة المديرية، تُحتّم تمتع أعضاء الهيئة بمؤهلات علمية وعملية وخبرات تؤمن نجاحهم في مهامهم. إضافة إلى تمتع كل منهم بالخُلق الحسن والتحلي بالقيم والمناقب الحميدة. وحصول الأعضاء على قسط وافر من التدريب والتأهيل اللازمين للنجاح.

وفي هذا المجال، لا بد من التأكيد، أن مسؤولي هيئتي المنفذية والمديرية يجب أن يكونوا من أصحاب الكفاءة والاختصاص. وأن تعيينهم يجري وفقاً لقانون داخلي خاص في العمدات المختصة. أي بناء لملفات خاصة بكل منهم موجودة لدى هذه العمدات، وتُقدم الاقتراحات لتعيين كل منهم على هذا الأساس، كما يتم التعيين على أساس الرتبة الاجتماعية التي حصّلها كل منهم، وإمكانياته الثقافية ليتبوأ المسؤولية المقترح لها. وملفه يجب أن يتضمن نشاطه الحزبي، مؤهلاته العلمية، وخبراته العملية، والرتبة الاجتماعية الدنيا التي كان قد حصل عليها نتيجة لذلك.

تربية الشعب:

أراد سعاده من إنشاء، مؤسسة: المديريات، إعادة إرساخ فكرة المؤسسات المنظمة، المؤسسات المؤهلة لتربية الشعب وتثقيفه، والمساهمة في إقامة علاقات تبادل اقتصادية حيوية، تسمح بنشوء وحدة اجتماعية قومية، وبالتالي وحدة قومية فاعلة في تقرير المصير الموحد.

هذه المؤسسات هي عبارة عن إدارات خاصة لكل منطقة. كل إدارة على رأسها هيئة مسؤولة عن كل مديرية لتقوم بواجبات محددة. وهذه الإدارة تجمع أعضاء الحزب في المنطقة. توزع الهيئة المسؤولة المهام على كل منهم لتعليمهم وتوجيههم وتدريبهم على تحمل المسؤوليات وسط الشعب لبناء نموذج واعٍ يمكنه قيادة المنطقة في الظروف السهلة والحرجة على حد سواء.

ونجاح المديرية، يكمن في القدرة على الإحاطة بمجمل إمكانيات أبناء المتحد، والعمل على إنخراطهم في سلسلة أنشطة اجتماعية وثقافية واقتصادية تنمي لديهم حب المجموع، وتولّد وحدة نفسية تساهم في خلق عصبية قومية تحفظ للوطن منعته وتحصّن الشعب من الوقوع فريسة الإعلام الأجنبي الفاسد.

توزيع العمل:

وزع سعاده – إذن – مهمة تنظيم الشعب على أصحاب اختصاص وخبرات ومهارات: مدير، ناموس، محصل، مذيع ومدرب. ليخلّص شعبه من كل المفاسد الاجتماعية والسياسية، وليدفعه نحو تنظيم حياته في مؤسسات جديدة تُطلق قواه الحيَّة نحو التغيير المنشود. وتتحمل هذه الهيئة وزر متابعة عمل هذه المؤسسات وأنشطتها...

حول أعمال وشؤون الهيئة المسؤولة، يكتب سعادة إلى المنفذ العام وليم بحليس (23/6/1941): "إن التنظيم هو أعظم وسيلة لرفع المعنويات وإيقاظ الشعور بالمسؤولية والذي أراه أن يشترك أخي إدوار في عمل إداري لأن دروسه الحقوقية تساعد على التنظيم، وإنما هو عديم الخبرة في معالجة الأشخاص وغير واسع السياسة في الحديث والمناقشة. فإذا أمكنك التأثير عليه فقد يصير مع شيء من الوقت صالحاً لمساعدة فعلية. وإذا كان الرفيق إميل بندقي باقياً في سان باولو فيحسن أن يسند إليه عمل إداري فهو قد تمرن هنا وأصبح مدركاً لكيفية العمل ومراميه فيما يختص بالمديريات".

هذه الملاحظات المفيدة يُطلقها سعادة في بداءة العمل في المغترب ، يشدد فيها على ما يجب أن يحوزه أعضاء الهيئة من كفاءة.

الناموس مسؤول عن تسجيل وقائع أعمال المديرية في جلساتها واجتماعاتها. وهو بالتالي مسؤول عن وثائق وسجلات المديرية، مما يعني وجود مكتب خاص بالسجلات لكل المنطقة ليتم تسجيل تاريخ الحزب وأعماله فيها. وهذا ما يكرره سعاده عدة مرات في رسائله، طالباً من القوميين الاجتماعيين حفظ هذه السجلات، على أن تُسلّم من الخلف إلى السلف. فهو حافظ السجلات والملفات لكل الرفقاء ولمواطني المنطقة.

أما المحصل فهو الذي "يضع موازنة المديرية ويضبط حساباتها"، مما يعني أنه مسؤول عن كل الشؤون المالية للمنطقة: الإشراف على جمع الضرائب المحلية (للمنطقة) والمركزية (لمركز الحزب) بواسطة جُباة يعملون تحت إمرته لتحصيل هذه "الضرائب". مما يعني أنه ليس جامع "اشتراكات" مثلما يجري لدى الجمعيات العادية، إضافة إلى مسؤوليته عن الاكتتاب في مشاريع اقتصادية وخلافها للنهوض بالمنطقة على كل المستويات. وهو الذي يصرف بعض الأموال الواردة من الضرائب المحلية بموجب القوانين والأنظمة المرعية الإجراء في هذا الخصوص. وتكون "النفقات التي ستصرفها المديرية تحت ضابط ناظر مالية المنفذية حرصاً على وحدة الجباية المركزية والمحلية وعلى العدل في توزيع الضرائب والفوائد".

من رسالة الزعيم إلى المذياع العام والمفوض لسانبولو 8/9/1941

فالمحصل هو حافظ السجلات المالية للمنطقة، يشرف على جمع الضرائب المحلية والمركزية ويصرف بعض الأموال المحلية على مشاريع وحاجيات وأنشطة المديرية.

تعليم العقيدة:

دور المذيع، دراسة أحوال منطقته وشؤونها، والتكوين الاجتماعي والسياسي لأبنائها. وعليه إعداد دراسة شاملة عن منطقته، يُشّرح فيها أوضاعها، وكيفية العمل لإخراج أهلها من قمقم المذهبية والطائفية والأتنية والحالات الإقطاعية المنتشرة في بلادنا. وبناءً على هذا الدرس، يضع المذيع خطة، تأخذ بالاعتبار خطة ناظر الإذاعة المقررة والمصدقة من المنفذية وتعليمات عمدة الإذاعة، وتتضمن: تعليم القوميين الاجتماعيين العقيدة والنظام، لبناء نفوسهم وتعهد روحيتهم على الصعيد الثقافي، وتربية أبناء المنطقة على حب الوطن، فيرسم صورة جميلة له في أذهان الناس عن حياة سورية في غابر العصور، وطبيعة جغرافيتها الجميلة، وحالتها قبل وبعد اعتناق أهلها مبادئ الحياة الجديدة.

هذا الأمر، يستدعي إعطاء المذيع وقتاً كافياً في الاجتماعات العامة ليتسنى له توجيه القوميين الاجتماعيين ثقافياً وفق الخطة المقررة والمصدقة من هيئة المديرية ونظارة الإذاعة. وعليه في هذا المجال، الاهتمام بالرفقاء الجدد، وتطهير نفوسهم من كل الشوائب التي ما يزالون يحملونها من البيئة القديمة.

في هذا المجال، يمكن القول إن دور المذيع ليس إعطاء حلقة إذاعية للمواطنين والتركيز في كل الاجتماعات على هذا الأمر فقط. فلدى المذيع برنامج عمل يشمل كل مواطني المنطقة، والسهر على أحوالهم، والعمل لرفع مستوى ثقافتهم عبر إنشاء أندية ثقافية وإقامة ندوات توعية عن كافة الشؤون الحياتية للمنطقة لتعزيز وتمتين الروابط الاجتماعية وفي هذا المجال يجب وضع خطة للرفقاء ليكونوا على تواصل دائم مع أبناء المنطقة للقضاء على كل العادات والتقاليد القديمة الفاسدة التي أبقت الشعب رهينة السياسات الإقطاعية المتحالفة مع الإقطاع الديني...

لذلك، يجب أن يتحلى المذيع بمواصفات عالية على صعيد الإدارة الثقافية، تؤهله لوضع خطط في هذا الميدان ودرسها مع الهيئة المسؤولة والعمل بموجبها للوصول إلى الغاية المنشودة.

إن مسؤولية المذيع، إعادة إطلاق تيار الوعي الثقافي لبناء المواطن الواعي، المشدود إلى إرث أمته التاريخي والعريق، فنحن أمة ثقافية بامتياز، ودليلنا على ذلك هذه النهضة القومية التي تطلق روحاً جديدة في جسد الأمة اليابس.

عين الوطن:

أما المدرب، فمسؤول عن وضع خطة شاملة للحفاظ على سلامة المنطقة. و"تعزيز فضائل الشجاعة والإقدام"، وتدريب الرفقاء والمواطنين المؤهلين لإنشاء فرق مدربة، فتكون هذه الفرق عين الوطن الساهرة على منطقتها وبالتالي على مجتمعها.

تتضمن خطة المدرب ، العمل على إنشاء أندية رياضية، لتدريب النفوس والأجساد على حفظ الأمن والسلامة العامة للمنطقة، مما يساهم في خلق وحدة شعبية متماسكة تكون سداً منيعاً ضد كل تسرب للعدو عبر جواسيسه، وإنشاء شبكة أمان شعارها حكمة أديبنا سعيد تقي الدين: "كل مواطن خفير".

أما الفرق المدربة، فهي لحفظ المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. فالمدرب مسؤول عن التدريب العسكري – الشعبي الخفيف ليتحمل أبناء كل منطقة حماية مؤسساتها في الظروف الصعبة.

مسؤولين آخرين

هذه هي الهيئة المسؤولة ، ومن الخطأ تعيين ناموس عمل، ناموس بيئة وناموس تربية... كما سبق وتمَّ لفت النظر إليه في الحلقة الثانية (مؤسسة المنفذيات).

جلسات الهيئة:

تعقد هيئة المديرية جلساتها العادية أسبوعياً، كما يمكنها عقد جلسات استثنائية – وفقاً للظروف – يدرس خلالها المدير وأعضاء الهيئة برنامج العمل الموضوع للدرس، من قبل المدير والناموس، والمتضمن تعليمات العمدات المختصة والمنفذية.

ووفقاً للأولويات، يتم درس جدول الأعمال المنظم، ويتخذ المدير قراراته في جلسة رسمية بعد الإصغاء إلى آراء أعضاء الهيئة وتسجيل آرائهم الموافقة أو المخالفة لرأي المدير.

والحقيقة، أنه في هذه الجلسات يتم بناء المناطق من كل النواحي السياسية والروحية و... مما يستدعي القول أن التخطيط للمنطقة يبدأ من جلسة هيئة المديرية، التي ترفع تقاريرها إلى هيئة المنفذية، والأخيرة إلى مجلس المنفذية والعمدات المختصة.

فعلى عاتق هيئة المديرية، يقع العبء الأكبر لرفع الاقتراحات العملية لمشاريع حيوية، وذلك بعد دراسة حاجات المنطقة من كافة النواحي – ووفقاً للأولويات – لإطلاق مشاريع تساهم في رفع مستوى المنطقة. والعمل لترسيخ عادات تحاكي تاريخ بلادنا وإنشاء عادات أخرى نتيجة وحدة العلاقات الاجتماعية، لإنشاء وحدة حياة بين أبناء كل الشعب السوري.

وفي هذا المجال، يشدد سعاده على الأعمال المنظمة للهيئات المسؤولة، على "الاجتماعات المنتظمة" وضرورة القيام "بالمسؤوليات والمشاريع المفيدة" . ويتابع في رسالته إلى وليم بحليس (12/8/1941): "فأعضاء لجنة أو مجلس لا يكوَّنون لجنة أو مجلساً إلاّ إذا عقدوا جلسات نظامية مستمرة ينظرون فيها إلى الأمور العارضة بصورة رسمية تدوّن فيها مناقشاتهم وآراؤهم، ويوحدون نظرياتهم وأعمالهم، ويضعون خطة لمعالجة الموقف يقتسمون تنفيذها فيما بينهم ويوحّدون مساعيهم فيها. فإذا لم يفعلوا ذلك لم تكن لهم شخصية شرعية أو معنوية واحدة ولا يمكن التكلم عنهم بصفتهم هيئة واحدة...".

اجتماعات الأعضاء:

تضع هيئة المديرية أيضاً، جدول أعمال منظم للاجتماعات العامة للمديرية، ويحدد الوقت الكافي للتحاور في كل فقرة من فقراته.

يجري أولاً، إبلاغ الرفقاء بقرارات المدير المتخذة في جلسة الهيئة، والأنشطة المنوي القيام بها، والمشاريع المرفوعة إلى هيئة المنفذية لتحسين أحوال المنطقة وجذب سكانها للمشاركة في أنشطة المديرية ومشاريعها المفيدة للجميع. ويجري توحيد الرأي والموقف، وتثقيف الأعضاء. وفي هذا يكتب سعادة إلى جميل شوحي بتاريخ 12/8/1942: "فنظام المديريات التي تضم عامة الأفراد، لا يسمح بحصول التشويش والفوضى. ليس هناك انتخابات تقسم الأعضاء إلى فرق متزاحمة متخاصمة، والأعمال الهامة تقرر من قِبل المدير وحده بعد سماع الآراء من أعضاء هيئة المديرية الذين هم معاونوه في الإدارة وهم عدد محدود جداً، أربعة عدا عن المدير، والاجتماعات العمومية مقصورة على تعليم النظام، وتوضيح القضية ومسائلها وقراءة أهم المقالات التي تصدر في الزوبعة وسماع كلمة المدير أو المذيع حول المسائل المحلية وكيفية مقاومة الأعداء والدفاع عن الحزب، وسماع آراء الأعضاء التي يحبون إبداءها، فتجيب الإدارة في الحال أو بعد حين على ما هو من صلاحيتها الإجابة عليه، وتحوّل ما ليس من صلاحيتها إلى مرجع أعلى، وتهمل ما لا ترى فائدة من النظر فيه، ومن هذا ينتج أنه يمكن إيجاد جسم قومي اجتماعي من جماعة بسيطة بتعليمها الأوليات الضرورية من النظام والطاعة والاتحاد مع شرح بسيط عما يهم هذه الجماعة".

ويجب حصر اجتماعات المديرية بكل ما هو مفيد، لإحياء العلاقات الاجتماعية والاقتصادية بين أبناء المنطقة. فلا يتم الاستغراق بتلاوة البريد الحزبي وطلب "الاشتراكات" والاشتراك في المجلة و... هذه كلها يجب أن تكون منشورة في "نشرة عمدة الإذاعة الداخلية" النصف شهرية أو الشهرية التي كانت تصدر في حياة سعاده بعد عودته إلى الوطن عام 1947. وكفاءة المدير هي التي تحوّل الاجتماعات إلى اجتماعات منتجة خالية من الرتابة ، فهو يقود الاجتماع، وهو يسمح بالحديث لفترة محددة، ويطلب إقفاله وفقاً للوقت المسموح لكل فترة من برنامج الاجتماع. ليتم الاستغراق بأطول فترة محددة للاجتماع لسماع رأي المذيع في بعض المسائل العقدية وفقاً للخطة التي يكون قد أعدها لهذا الشأن. وذلك لرفع المستوى العقدي والنظامي للأعضاء.

المتحد الروحي:

وهذا ما يوضحه سعادة في رسالته إلى وليم بحليس (25/8/1941): "في كل مكان نشأ فيه فرع قومي، فإن القوميين يجب أن يكونوا متحداً روحياً قبل كل شيء ثم منظمة قومية، فيتفاهمون على المشاريع والمسؤوليات ويتذاكرون في الموقف السياسي (المحلي) وحاجة المنظمة، ويتكلم متكلموهم في ما يجب أن تتجه إليه الجهود، ويشعر الجميع بشخصيتهم العامة وروحيتهم، ويشعر كل منهم أنه شيء وأنه جزء حي من شيء في العالم".

ويكتب سعاده – أيضاً – في هذا المعنى حاثاً أحد الرفقاء على العمل البنّاء والاعتماد على القوة الروحية التي هي "الفاعل الفاصل في تقرير مصير الأمم والنهضات القومية. والحركة التي يكون لجنودها هذه الروحية الظاهرة في كل سطر من سطور كتابك هي حركة قد قُضي أن يكون النصر مصيرها... واجعل روحيتك تعدي غيرك فتنشط الاجتماعات التي يزيد فيها التفاهم وتتوضح المسائل التي على القوميين مواجهتها ومعالجتها".

من رسالته إلى فارس بطرس (21/3/1941)

وفي رسالة أخرى إلى بحليس (31/7/1941) يؤكد سعاده على ضرورة تواصل الاجتماعات "توثيقاً للروابط العقائدية والفكرية وتقوية للروحية... وإن توقيف أعمال التنظيم... لم تكن له نتيجة غير جلب الفتور إلى قلوب المنظمين...". والاجتماعات الدورية غير مخصصة للأحاديث السياسية، وهذا واضح من رسالة الزعيم إلى الأب ميخائيل ذبية (19/10/1943): "لم أستغرب أن حالة الاجتماعات (المديرية) لم تعجبك، فأنت تريد بحث المسائل السياسية، والاجتماعات العمومية غير مخصصة لهذه المسائل...".

لجان الإدخال:

يذكر سعاده في عدد من رسائله إلى المسؤولين الإداريين في المناطق ضرورة نشوء لجان إدخال للمواطنين إلى المديريات، ويشدد على أهمية وجودها والمؤهلات التي يجب أن يتمتع بها كل منهم للنجاح في مهمته. فعلى عاتق هذه اللجان مهمة توجيه المواطن إلى الأصول والقواعد، معرفة درجة ثقافته ومواهبه، وما يتمتع به من خصال حميدة، ينقص معرفته أو عمله ليصبح رفيقاً واعداً بالإنتاج المفيد. ولجان الادخال هي التي تعطي موافقتها النهائية على قبوله أو رفضه بعد التيقن من فهمه العقدي والنظامي وحُسن سلوكه وسيرته الجيدة بين أقرانه. يكتب سعاده في هذا الأمر إلى المذياع العام والمفوض لسانبولو (8/9/1941): "... فإذا بلغ الأمر أن أحد الأعضاء اقنع شخصاً بصحة عقيدة الحزب وصحة نظامه حتى أظهر رغبة في الانضمام، فالواجب على العضو أن يقدم اسم الشخص إلى هيئة المديرية بواسطة الناموس أو المدير رأساً ، الذي يتوجب عليه طرح أمر رغبة الشخص على بساط البحث في جلسة الهيئة، وبعد أن يسمع من أعضاء الهيئة ملاحظاتهم وآرائهم يبتّ في الأمر، فإما يجيز إدخاله في الحال أو يعين عضواً أو أكثر لدرسه أو يؤجل أمره أو يرفض قبوله رفضاً معللاً بالأسباب. ويدوّن كل ذلك في وقائع الجلسة. وفي حال قبول ترشيح شخص للدخول يحيل المدير أمر إدخاله إلى لجنة الإدخال التي يعينها المدير للقيام بهذا العمل، وقوامها ثلاثة أشخاص، رئيس يفحص الطالب هل يريد الدخول عن عقيدة صحيحة، وهل هو مستعد لقبول النظام وشدته والتضحية في سبيل القضية وطاعة الأوامر؟..."

كما يكتب في هذا الموضوع إلى منفذ عام مينس (19/9/1941): "... فيتولى الرئيس (رئيس لجنة الإدخال) سؤاله عن المبادئ والقضية والنظام..."

وكان قد أعلمني بهذا الأمر الأمين هنري حاماتي عندما انتمى للحزب عام 1951 هو وفؤاد الشمالي والشاعر طلال حيدر في مديرية الشهيد الصدر عساف كرم في منطقة الميناء في طرابلس. أنه جرى لهم امتحان تضمن سؤالهم عن العقيدة والنظام والقضية، بعد ذلك أجرى كل منهم قسم اليمين وفقاً للأصول المعتمدة.

تعمل هذه اللجنة، على عدم تسرب أي شخص فاسد أو جاسوس إلى الحزب. كما تتابع هيئة المديرية رصد العضو الداخل الى الحزب بعد انتمائه لا سيما من جهة المدرب للتيقن من صحة إيمانه وعمله لفلاح القضية القومية. كما تعمل على تكليفه ببعض المهمات ومتابعته لصقل إيمانه وللاعتماد عليه لاحقاً في مهمات أخرى.

المسؤولية الإدارية:

حدد سعادة صلاحيات واضحة للهيئة المسؤولة ووزع الأعمال على كل منهم للوصول إلى النتيجة المتوخاة. فهو يقول في رسالته إلى وليم بحليس (9/6/1941): "أن الذين انضموا إلى الحركة القومية لا يزالون مادة خام ويحتاجون إلى معالجة وصهر وصقل، وهذا يجب أن يكون عمل الإدارة والإذاعة الداخلي: تعليم حديثي القومية كيف يكونون قوميين عمليين نافعين". ويقول في رسالة أخرى له (12/8/1941): أن درس الأفراد ضروري لكن مهما بالغ الإنسان في الدرس فهو لا يصل على النتيجة الأخيرة إلا بعد الإختبار... ولكن لا ننسى أن الذين يفهمون العقائد والحركات فهماً صحيحاً هم قلائل بين السوريين، على أنه متى تمّ التنظيم وسارت الاجتماعات بنظام والتأم الشمل، فحينئذ يمكن تحسين روحية الكثيرين بواسطة الخطب والمواضيع التي تطرح للدرس والأحاديث القومية المتبادلة، فليس أقتل للروحية من قلة الاجتماعات التي توحي الخمول، وليس أحط لمنزلة الحزب في قلوب ضعيفي الثقافة والروحية من انعدام الاجتماعات والمظاهر القوية. وهذه القاعدة تسري على جميع الشعوب، فالاجتماعات والمظاهر هي التي تخلق العصبية عند العامة. لذلك كانت ترسل السلطة الفرنسية دباباتها وفرقها المسلحة لمنع تجمعات الحزب السوري القومي وتظاهراته لكي لا يدب الحماس إلى قلب الشعب... ولا ننسى أن الحركة القومية تبث روحاً جديدة لم تكن موجودة من قبل... نحن مهمتنا التربية في الدرجة الأولى... ويصير البحث ضمن هذه الاجتماعات عن فلان وفليتان، وعن هذه المسألة وتلك، وهذا المقال أو ذاك، فيبدأ التضامن وشعور الجميع بأنهم جسم واحد تسري فيه روح واحدة وتسيطر عليه عقلية واحدة بالتمازج".

بناء النفوس:

يهدف سعادة من وراء ذلك إلى "بناء النفوس الجديدة... وإن هذه الطريقة فيها ما يجلب الملل أحياناً، خصوصاً أنها طويلة ولكنها الطريقة الوحيدة الفعالة التي تعطي نتائج جيدة أكيدة. فيجب أن تكون معلم أحداث مدة لتكوّن نواة أو سلسلة فقارية للفرع يمكنك الاعتماد عليها دائماً وتكون دعامة الفرع تحت جميع الظروف (رسالته إلى بحليس 9/12/1941). كل ذلك لمصلحة "تقوية الروابط الفكرية والشعورية بين الأعضاء ورفع معنوياتهم"... للمساهمة بطريقة نظامية بتكوين نفسية سورية قومية اجتماعية (رسالته إلى المنفذ العام لمنطقة سان باولو القومية 9/12/1941)، وبالتالي "إيجاد جسم قومي اجتماعي من جماعة بسيطة بتعليمها الأوليات الضرورية من النظام والطاعة والاتحاد..." (رسالته إلى جميل شوحي 12/8/1942) ويؤكد سعادة على أن غاية الاجتماعات "تعليمية في العقيدة ومزاياها وفي الخطوط الأساسية الواردة في خطب الزعيم وتصريحاته..." (رسالته إلى الأب ميخائيل ذبية 19/10/1943) ويشدد في رسائل أخرى، على أنه في المديرية واجتماعاتها يتم تنظيم وتدريب وتعليم المنضوين الجدد، والتدقيق في صحة ايمانهم العقدي ، وما إذا كانت قد غُرست في نفوسهم "المبادىء الروحية القومية".

إن نجاح هيئة المديرية في أعمالها ومشاريعها، يعود إلى محافظتها الدقيقة على توزيع الأعمال وفقاً للاختصاص والمؤهلات والاهتمامات والتوجّهات، ومراقبة تصرفات الأعضاء وعدم التساهل في غير محله. وبعد تدريب الأعضاء والمواطنين على العمل بشكل مجموعات (كروب – Groupes): الأشبال والزهرات، الطلبة والمعلمين والنساء (الأشغال اليدوية والخياطة...) وهذا العمل الجماعي هو الأسلوب الذي تعتمده اليوم المناهج الادارية والتربوية والتعليمية الحديثة.إضافة إلى الأنشطة الرياضية والجمعيات الأدبية والثقافية. الأمر الذي يتطلب طبعاً وجود مركز للمديرية يُسهّل القيام بكل هذه الأنشطة.

خلية عملية:

في هذا الخصوص، يذكر الأمين الدكتور منير خوري في كتابه : "سفينة حياتي" الصادر عام 2003، ما قام به الرفقاء خلال فترة سجنهم أيام الحكم الشهابي (الصفحات 136 – 141):

"في مذكراته "أوراق قومية" ذكر الدكتور (عبد الله) سعاده في حديثه عن السجن في طرابلس تحت عنوان "السجن المدرسة" وكيف حولنا ذلك السجن المجزرة، إلى "السجن المدرسة". إلا أن الصورة التي ذكرها الدكتور سعاده ظلت ناقصة ولو أنها تعطي فكرة صادقة عما سماه "السجن المدرسة"، مع بعض الثغّر هنا وهناك تستحق الإشارة والتوضيح. وهنا لا بد لي من العودة قليلاً إلى الوراء، أي قبيل اعتقالي عندما كنت، كما ذكرت سابقاً، خبيراً إقليمياً للأمم المتحدة في شؤون التنمية الريفية. بحكم عملي يومها، كانت فلسفة النهوض بالمجتمعات المحلية الريفية (المتحدات الريفية) (Rural Community Development) وبالقرى خاصة، تشدد على أهمية الاهتمام بالشؤون الاقتصادية – الاجتماعية وضرورتها لكل من هذه المتحدات، وتحويلها إلى خلايا منتجة عملياً وعلى حد تعبير الزعيم (سعاده) إلى مجتمعات إنتاجية "فكراً وصناعة وغلالاً". وكان هاجسي منذ اعتقالي في ثكنة الأمير بشير في بيروت، وأنا أشاهد عدداً كبيراً من الرفقاء السجناء منهمكين في حياكة السلع الخرزية الملونة في شكل بدائي، كيف نستطيع رفع هذا العمل البدائي إلى مستوى راقٍ؟

وعندما تسلمت مسؤولية رفقائنا المساجين في طرابلس من الأمين مصطفى عز الدين الذي كان ساعدي الأيمن في مسؤولياتي القيادية هناك، بدأت الفكرة تتطور تدريجياً بحسب المنطلقات الآتية:

أولاً: كان الشعار الأول والأساسي الذي أطلقناه، وطلبنا من الجميع التقيد به هو: "كل سجين منتج" فكراً، فناً كان أم صناعة.

ثانياً: كل غرفة (قاووش) يجب أن تصبح "وحدة تعاونية" إنتاجية.

ثالثاً: تنوع الإنتاج يتوقف على الطاقات المتوافرة عند الرفقاء: مهارات فنية، تعليمية، لغوية، صناعية خفيفة تتوافر فيها المواد الأولية في السجن.

رابعاً: تشكيل لجنة فنية من الرفقاء الموهوبين، مهمتها وضع تصاميم لجميع الأشغال الفنية: خرزية، خشبية من رقائق الخشب الدقيق غير الممنوع في السجن، موزاييك من قشر البيض وغيرها من المواد المتوافرة وغير الممنوعة في السجن.

خامساً: يطلب إلى جميع المهتمين بالأعمال الفنية التقيد بهذه التصاميم التي يهيئها الفريق الفني.

سادساً: في الإنتاج الفكري – الأكاديمي – اللغوي يطلب إلى كل قومي سجين يتقن اللغة الإنكليزية أو الفرنسية أو العربية أو أي مهنة من المهن الأكاديمية كالمحاسبة ومسك الدفاتر، وغيرها أن لا يتردد في تعليم الرفقاء في غرفته الذي يودونه في أي حقل من هذه الحقول.

سابعاً: يؤخذ خمسة في المئة من قيمة كل قطعة منتجة مادياً (هذا بعد أن يصبح الإنتاج ذا مردود مادي) خاصة المنتجات الخرزية والموزاييك المصنوعة من قشرة الخشب أو قشرة البيض.

ثامناً: توضع هذه الضريبة في صندوق التعاونية العام، في إشراف إدارة السجن.

يفرح القلب، إنه لم يمر سوى بضعة أشهر، حتى أصبح السجن خلية إنتاجية حقيقية... لم يمر وقت طويل حتى بدأ المردود المادي للإنتاج، من جزادين خرزية، ولوحات فنية على أنواعها، ونرابيش أراكيل، وغيرها، يسدّ قسماً كبيراً من الحاجات المادية من طعام وأدوية ولباس. أكثر من ذلك، شرع بعض السجناء النشيطين إنتاجياً، في مساعدة أهاليهم في حدود ثلاث مئة ليرة شهرياً، (وكانت القوة الشرائية لليرة اللبنانية في أوج مجدها).

ساعدنا عدد كبير من أصدقاء وصديقات للحزب بجدّ وإخلاص في بيع تلك السلع إلى المحلات التجارية والبيوتات اللبنانية. وبلغت حصيلة ما جمعناه من الضريبة على القطع المنتجة حوالي ثماني مئة ليرة، أودعت الصندوق العام عند إدارة السجن. كانت هذه القيمة مخصصة لتغطية نفقات الرفقاء من أدوية و أمور شخصية متنوعة.

علمت، بعد خروجنا من السجن أن جمعاً من الرفقاء الذين تعلموا على أيدي رفقائهم من حاملي الشهادات الثانوية، أو الجامعية، أموراً، كاللغات: الإنكليزية والفرنسية والعربية، وأموراً أخرى كأصول "مسك الدفاتر" والمحاسبة، وغيرها استطاعوا التوظف في عدد من الشركات والمؤسسات التجارية...

على كلٍ، من التحديات العديدة التي واجهناها وتغلبنا عليها، كان صنع العود، العود الكامل بكل تفاصيله وأنغامه الشجية. هذا العود الذي صنعناه تدريجياً من أدوات – متيسرة في السجن:

- علب الكرتون التي كان أهلنا يجلبون لنا فيها الطعام مرة في الأسبوع.

- رقائق خشبية يستعملها النجّارون في تلبيس صناعاتهم الخشبية.

- مادة "السراس" الغرائية التي يستعملها صنّاع الأحذية الجلدية.

- الشفرة الصغيرة التي يستعملها الطبيب في كسر الأنبوب الزجاجي الذي يحوي مادة الحقن بواسطة إبرته الطبية.

- قشر البيض المسلوق الذي كانت إدارة السجن تسمح لأهالينا بإدخاله طعاماً، مرة واحدة في الأسبوع.

- وكانت كل المواد الأولية التي ذكرتها أعلاه مسموحة قانوناً لأنها لا تشكل خطراً، باستثناء الشفرة الصغيرة التي كان يستعملها الطبيب في زياراته لنا. هذه الشفرة كان الطبيب يرميها في سلة المهملات، ونلتقطها سرّاً من هذه السلّة.

لا يتسع المجال لنا لسرد كيفية تحويل هذه الأدوات البدائية من كرتون وسراس ورقائق خشبية، كيف تحولت إلى قطعة موسيقية كالعود، بواسطة هذه الشفرة الصغيرة، إلى آلة تعزف ألحاناً شجية. كل ما أستطيع قوله إنها الإرادة الخلاّقة المبدعة هي التي صنعت هذا العود الذي استغرق ثلاثة أشهر متتالية من العمل الفني الدؤوب. هذا العود ما زال معلقاً إلى الحائط في بيتنا مع العديد من المنتجات الفنية الأخرى: أشغال خرزية جميلة، قطع موزاييك من قشر البيض المسلوق، وقشور خشبية رقيقة، ومن "البحوص" (الحصي) الطبيعية الصغيرة الملونة التي كان يجمعها بناء على طلبنا، بعض أهالي رفقائنا من على شاطئ البحر، وغيرها من عشرات القطع الجميلة.

ما إن مرّت سنة تقريباً على دخولنا سجن القبة حتى أصبح معتقلنا محط أنظار الإدارة ومضرب المثل في النظام والتنظيم، إلى أن فاجأنا يوماً وفد رفيع المستوى من كبار ضباط الشعبة الثانية، غابي لحود، ومدير الأمن الداخلي، محمود البنا، يرافقهما آمر السجن فيصل فرحات. كانت نشاطاتنا الثورية، كما يبدو، أثارت حفيظة السلطة فجاء هذا الوفد للتعرف إلى هذه القفزة النوعية الإيجابية والأولى من نوعها في تاريخ السجون اللبنانية، وربما في العالم".

بناء الإنسان:

إن عمل ونشاط المديرية، هو الأساس الذي يشد أبناء المنطقة إليها، فإذا كان عملها مفيداً ولصالح الجميع، اندمج هؤلاء في الأنشطة والأعمال المتشعبة عن المديرية مما يزيد في رفاهيتها وتقدمها.

والبناء الأساس يبدأ من المديرية، فإذا بُنيَ العضو بشكل جيد أعطى ثماراً جيدة. ففي مؤسسة المديرية، تتم صناعة الإنسان الجديد (القومي الاجتماعي) عبر إنشاء بؤر ثقافية وخلق أوساط مثقفة واعية واكتشاف المواهب على اختلافها.

نشاط المديرية في المنطقة، هو في أساس بناء الرفقاء والمواطنين. وإذا كان (رأس المديرية) مثقفاً عقدياً ونظامياً، ومربياً ممتازاً، وإدارياً يتقن توزيع الأعمال على الرفقاء في المديرية والمواطنين وأبنائهم، فإن المديرية تشع بأعمالها في محيطها كما تنقل إشعاعها إلى المتحدات الأخرى.

إن بناء الانسان الجديد ، إنسان النهضة القومية الاجتماعية، المرتبط بأرضه (وطنه) وشعبه ، هو مسؤولية المدير والهيئة المساعدة، وكل ذلك تحت إشراف مباشر من هيئة المنفذية، وإشراف غير مباشر من العمدات المختصة (الداخلية، الإذاعة، المالية، التدريب). كل ذلك يؤهلنا للقول، إننا تلامذة سعاده، قد التزمنا إنشاء إنسان جديد يليق بسورية القومية الاجتماعية الناهضة لإرساء "مصالح" وعادات وتقاليد جديدة بين أبناء المتحد، وبالتالي كل أبناء الوطن الواحد.

هذا ما كان يصبو اليه سعادة دائماً وينبض به فكراً وقولاً وعملاً في كافة لحظات وعيه المتوقد والمتواصل ، مؤكداً أن "الحركة القومية الاجتماعية ليست حركة مظاهر... إنها حركة إنشاء وبناء وقضيتها هي قضية حياة المتحد الاجتماعي – حياة الأمة كلها ومصيرها".

سعاده (لا مفر من النجاح) 17/4/1949.

في حلقتنا التالية نتناول مؤسسة المجلس الإداري، وما أُصطلح على تسميته "النظام الداخلي للحزب السوري القومي الاجتماعي"؟



 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه