شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2013-05-08
 

دمشق: الشعب يريد دكّ تل أبيب

فراس الشوفي - البناء

بعد الغارات الإسرائيلية على دمشق، كان السوريون يرنون إلى رد فعل، لم يروه حتى الآن. بعضهم سئم من التبريرات وآخرون مقتنعون بأن المواجهات مع «الإرهابيين» هي جزء من المعركة، والكل الآن يعوّل على ما قالته المصادر الرسمية عن أن أي عمل عدائي اسرائيلي مقبل سيُردّ عليه من دون العودة إلى القيادة

عبثاً تحاول المدينة أن تستر وجومها. يكوّر النادل كلتا يديه على وسطه. عيناه لا تفارقان الإخبارية السورية، يحاول أن يقرأ الخبر العاجل من على شاشة التلفاز البعيد. «المعلّم للافروف:...»، ثمّ «لافروف للمعلّم:...»، وكمّاً من الكلام الدبلوماسي تبادله وزيرا الخارجية السورية والروسيّة مذيّلاً بالأحمر في أسفل الشّاشة. يملّ النادل، ليس هذا ما يريد قراءته. في عُرفه، كل خبر عاجل لا يشير إلى أن سوريا ستمطر فلسطين المحتلّة بالصواريخ، هو خبر وقت ضائع.

لن تسمع كلاماً مختلفاً إن أصررت على استفزاز صاحب كشك الدّخان الصغير، في الناحية الشرقيّة من برزة. ينزع الرجل قبّعته الرمادية ويبدأ بتلقينك درساً: «اسرائيل تجرّأت على سوريا لأننا لم نردّ في المرّة الماضية، صواريخ الجيش السوري تطال صحراء النقب، لازم تدفع اسرائيل ثمن غالي، هاد قاسيون هاد». النادل، صاحب الكشك، سائق سيّارة الأجرة، موظّف الاستقبال في شركة الاتصالات، صاحب محلّ للأحذية عند في شارع الحمرا، الفتاة المحجّبة الجميلة في رحلة الميكروباص من ساحة الأمويين إلى المزّة، كّلهم يريدون الرد، الآن.

يحمل أحمد (اسم مستعار) علّاقة مفاتيح جديدة. دائرة معدنية صغيرة كالنقود، عليها رسمٌ للرئيس السوري بشّار الأسد، وفي الجهة المقابلة رسمٌ للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله. لا يقتنع أحمد، النازح مع عائلته قبل عقود من الجولان المحتلّ، كيف بقيت الجبهة السورية الجنوبية طوال هذه المدّة من دون معارك. يفهم الشاب، الذي انخرط في الجيش السوري الشعبي الجديد أي «قوات الدفاع الوطني»، بأن سوريا «كانت تساعد المقاومة في لبنان وفلسطين لضرب اسرائيل»، وأن «سوريا لو لم تفعل ذلك، لما استطعنا أن نبني الدولة ونطوّر الجيش». لكنّ الشاب، الجندي الجديد، يعشق صورته المتشكّلة في مخيّلته: مقاتل مدجّج بالسلاح الفردي والمضاد للدروع على نسق مقاتلي حزب الله، يقفز من حقلٍ إلى حقلٍ في جنوب سوريا، يزرع الرّعب في قلوب ساكني الميركافا، ويزور قريته التي لا يعرفها تحت جنح الليل، ليعدها بأن يعود مع أقرب موعدٍ للشمس.

لا يقلّل أحمد ورفاقه من أهميّة المعركة التي يخوضونها الآن إلى جانب الجيش السوري في محيط دمشق: «المسلّحون هم أدوات اسرائيل أصلاً، والغارات الاسرائيليّة على الشام هدفها فعل ما لا يستطيع المسلّحون فعله، ألم تسمعهم يهلّلون ويكبّرون عبر الفضائيات بعد العدوان بدقائق؟».

من الصعوبة أن تميّز بين شغف المواطن السوري العادي للردّ على العدوان الاسرائيلي الذي استهدف قلب دمشق، وبين شغف مسؤول في الدولة أو ضابط في الجيش. تخيّل أن جيشاً، يشعر بفائض القوّة بعد صموده أمام محاولات مئات الأجهزة الأمنية الغربية والعربية تفكيكه على مدى عامين كاملين، وتقدّمه بشكلٍ كبير في الأشهر الخمسة الماضية في حربه ضدّ مسلّحي المعارضة السورية، تأتيه ضربة عنيفة من حيث يتوقّع، من عدوّه الأول، ولا يردّ عليها. هذه معادلة تكفيك لتدرك حجم الحنق والغضب عند كلّ جندي وضابط في الجيش السوري.

يفنّد مصدر عسكري سوري رفض الكشف عن اسمه، سبب القناعة المترسّخة بأن «العصابات الإرهابية المسلحة تعمل وفق الإيقاع الاسرائيلي تماماً، والدليل الساطع هو ما حصل قبل وبعد العدوان الأخير». يعدّد المصدر ثلاثة عوامل تُثبت صحّة الاعتقاد: السّلوك الميداني الذي مارسه المسلّحون بالتعامل مع كتائب الدفاع الجوي وسلاح الإشارة التابعة للجيش، السّلوك الذي مارسه المسلّحون خلال القصف الإسرائيلي والساعات التي تلته، وتوقيت الهجوم في ظلّ اندفاعة كبيرة للجيش على مختلف محاور القتال في سوريا.

في الشّق الأوّل، ما يقوله المصدر ليس سرّاً، موجود بشكل واسع وكبير على صفحات الإنترنت، فيديوهات للمسلّحين، التابعين بأغلبهم لجبهة النصرة والكتائب التابعة للإخوان المسلمين كلواء التوحيد وكتيبة الفاروق، يحتفلون بسيطرتهم وتدميرهم لمقارّ لكتائب الدفاع الجوّي السوري، وأفواج الإشارة، مع تركيز كبير على المواقع المحيطة بمدينة دمشق وريفها، وتلك الممتدة بين دمشق ودرعا: «استهداف منظومة الدّفاع الجوي كان منظماً ومدروساً، وليس بشكل عشوائي». وتشير مصادر لـ«الأخبار» إلى أن المسلّحين لم يستهدفوا فقط كتائب الدّفاع الجوّي، بل حاولوا ضرب أغلب مراكز «الاستشعار عن بعد»، وهي محطات هدفها رصد حركة الطيران المعادي حتى فوق أجواء فلسطين المحتلّة، ومراقبة إقلاعه وهبوطه، كما رصد حركة الصواريخ البالستية الكبيرة. ويمكن ذكر أكثر من عشرة مواقع، آخرها كتيبة الدفاع الجوي وسرية الإشارة في بدلة النعيمة في درعا، الكتيبة 49 للدفاع الجوي والرادار في خربة غزالة في درعا، كتيبة تل الخضر في بلدة عثمان في ريف درعا، كتيبة الدفاع الجوي قرب خان الشيح في ريف دمشق الغربي في آذار الماضي، كتيبة الدفاع الجوي في البويضة في ريف دمشق في تشرين الثاني الماضي، كتيبة جبعدين في كانون الأول الماضي، كتيبة الحجر الأسود في تشرين الثاني الماضي، الفوج 55 في النشابية تشرين الثاني الماضي، الكتيبة 666 في السيدة زينب تشرين الثاني الماضي، كتيبة أوتايا في كانون الأول الماضي، وقاعدة الافتريس في ريف دمشق في تشرين الثاني الماضي.

في العامل الثاني، يشير المصدر إلى أن 36 حاجزاً للجيش السوري في محيط دمشق والغوطة تعرضت لهجمات كبيرة من قبل مسلّحي المعارضة، بالتزامن مع القصف الاسرائيلي، «هل يقنعونا بأن ما حدث كان بالصدفة؟ تتعرّض لعدوان خارجي ثمّ يساعده المسلّحون هنا؟ لكن الحمد الله، استطاع الجنود الصّمود وتكبيد المسلّحين خسائر فادحة».

أمّا العامل الثالث، فهو التقدّم الكبير الذي استطاع الجيش تحقيقه على مدى الشهور الماضية، من الغوطة الشرقيّة إلى تحصين دمشق بشكل نهائي وإطباق السيطرة على مدينة حمص وريف القصير وقطع طريق المسلّحين من الحدود الأردنية إلى الوسط، وكذلك إعادة السيطرة على أغلب الطرقات الدوليّة، وفكّ الحصار عن معسكر وادي الضيف وتأمين الطريق بين دمشق وحلب. بحسب المصدر، «الضربة جاءت لارباك الجيش ورفع معنويّات المسلّحين».

في السّياسة، يشير أحد المصادر المطّلعة على ملفّ التفاوض بين رئيس «الائتلاف السوري المعارض» معاذ الخطيب، والنظام في سوريا، إلى أن دمشق فهمت الرسالة الأخيرة على أنها رسالة أميركية بحتة، بأيدٍ اسرائيليّة. إذ يشير المصدر، إلى أن «أميركا تريد من وراء الرسالة إجبار سوريا وروسيا على تقديم التنازلات، والجلوس إلى طاولة مفاوضات سريعاً مع المعارضة، بعدما رفضت سوريا التفاوض قبل قصم ظهر المسلّحين».

ويشير المصدر إلى أن «دخول اسرائيل بهذا الشكل على خطّ الأزمة السورية، هدفه جرّ الجيش إلى معركة غير متكافئة الآن مع الجيش الاسرائيلي، في ظلّ تعاون المسلّحين مع العدو»، مع ما يتركه عدم الرّد السوري من تأثير على الحاضنة الشعبية للنظام، وتصوير الأسد والجيش في موقع الضعيف والعاجز.

ولا يخفي كثيرون أيضاً، امتعاضهم مما قاله التلفزيون السوري بأنه «سمح للمنظمات الفلسطينية باستعمال جبهة الجولان لمقاومة الاحتلال الاسرائيلي» فقط، بدل الإشارة إلى أن من حقّ السوريين كما الفلسطينيين، تشكيل فصائل مقاومة شعبية أو «جبهة المقاومة الوطنية السورية»: «هذا كلام كبير في السّياسة، في الوقت الذي يبيع فيه العرب فلسطين، تقوم سوريا بابلاغ العالم بأنها لن تفرّط بفلسطين، ولا بحقّ عودة الشعب الفلسطيني إلى أرضه واستعادة الأراضي المحتلّة».

دمشق ما قبل العدوان الاسرائيلي الأخير، ليست كما بعده. يعوّل السوريون على ما قالته المصادر الرسمية عن أن أي عمل عدائي اسرائيلي مقبل سيُردّ عليه من دون العودة إلى القيادة. في الجيش السوري، من يكبح جماح مشاعره لتفجير الحرب الكبرى، الحرب المنتظرة.



 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه