إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

حروب المستقبل: أصلاء وشركاء ووكلاء وأجراء!

أحمد أصفهاني

نسخة للطباعة 2014-11-14

إقرأ ايضاً


بلغ عديد القوات الأميركية المتواجدة في العراق حوالي 3100 جندي بعد القرار الأخير للرئيس أوباما بإرسال 1500 جندي في مهمات تدريبية واستشارية لمساعدة الجيش النظامي العراقي ومقاتلي البيشمركة الكردية. وإذا أضفنا إليهم "الخبراء والمستشارين" العسكريين من دول الحلف الأطلسي وأستراليا، سيصل الرقم الإجمالي إلى ما بين أربعة أو خمسة آلاف جندي أجنبي في العراق لمقاتلة "تنظيم الدولة الإسلامية".

هذا التواجد العسكري الملحوظ أدى إلى ظهور مخاوف في منطقتنا، وفي الولايات المتحدة الأميركية نفسها، من أن تتورط هذه القوات الأجنبية في مواجهات برية تؤدي إلى تدخل عسكري واسع على غرار ما حدث في أفغانستان سنة 2001 والعراق سنة 2003. وقد انقسم المراقبون السياسيون إلى فريقين: الأول يؤكد أن ما يحدث هو مقدمة للتدخل الفعلي، والثاني مطمئن إلى عدم رغبة الإدارة الأميركية في التورط مجدداً في "مستنقع الشرق الأوسط"!

وفي ظل الظروف الراهنة، يبدو أن أصحاب الرأي الثاني هم الأقرب إلى الصواب... اللهم إلا إذا وقع ما لم يكن في الحسبان! إن عدم رغبة الإدارة الأميركية وحلفائها الأطلسيين في التورط مجدداً ليس ناجماً عن تغيير في سياسات التدخل في شؤون البلدان الأخرى بقدر ما هو نتاج تبدل في الخطط التكتيكية المرحلية التي بات من الضروري اللجوء إليها لتحقيق الأهداف الإستراتيجية الثابتة. فالغرب الأميركي ــ الأوروبي ما زال هو هو في مشاريع هيمنته وتسلطه في مختلف أنحاء العالم، ومنها منطقتنا بالطبع.

فرضت تداعيات حربي أفغانستان والعراق على الغرب الأميركي ــ الأوروبي إعادة النظر في مفهوم المواجهة العسكرية، خصوصاً بعد الأثمان الباهظة التي دُفعت بشرياً ومالياً من دون مردود عملي مناسب. وإذا كان بالإمكان تحمل الكلفة المادية بشكل أو بآخر، فإن الكلفة البشرية تشكل عبئاً داخلياً يصعب على القيادات السياسية هضمه على المدى البعيد. لكن، كما يعلم جميع الخبراء العسكريين، من المستحيل الإنتصار في أية معركة من دون قوات برية مقاتلة تحسم الحرب في أرض الميدان. إذاً، كيف سيتم التوفيق بين هذه المتناقضات؟ وما هي الآليات الممكنة لتحقيق الأهداف الإستراتيجية بأقل خسائر ممكنة؟

مراكز التخطيط العسكرية والسياسية في الولايات المتحدة وأوروبا تعكف منذ سنوات على درس ما يمكن أن نسميه سيناريوات التدخل العسكري في الخارج وطبيعة الحروب المقبلة، في ظل صعود قوى عالمية جديدة مثل الصين والهند والبرازيل، وفي الوقت نفسه عودة روسيا إلى تحدي القطبية الأحادية التي نشأت بعد سقوط الإتحاد السوفياتي سنة 1991. ومع أن خلاصات ما تتوصل إليه هذه المراكز لا يتم الكشف عنها، إلا أنه بقدرتنا وضع اليد على بعض الملامح الرئيسية كما نشهد تطبيقها على أرض الواقع في شرقي أوروبا وأفغانستان وباكستان والعراق وسورية ومصر واليمن وليبيا والصومال... وغيرها من مناطق التوتر أو النفوذ أو المواد الخام.

أشرنا أعلاه إلى أن الأثمان الباهظة التي دفعها الغرب الأميركي ــ الأوروبي في حربي أفغانستان والعراق تتمثل في البشر والمال (إلى حد ما). فكيف تمكن المخططون من معالجة هذه المعضلة؟

نستطيع أن نرصد ثلاث خطوات متكاملة تم اعتمادها لإزاحة الأعباء البشرية والمالية عن كاهل الغربيين:

الأولى، التوسع في استخدام التكنولوجيا والأسلحة المتطورة مثل الطائرات الموجهة من دون طيار أو الصواريخ الدقيقة البعيدة المدى (وتوجد معلومات عن أسلحة بأشعة الليزر)، بحيث لم تعد هناك ضرورة أساسية للقتال المباشر بين المجموعات البشرية. ومع أن هذا النوع من الضربات غالباً ما يؤدي إلى سقوط ضحايا مدنيين، فإن هؤلاء الضحايا هم من "الآخرين" الذين لا يثير مصرعهم ردود فعل مؤثرة داخل المجتمعات الغربية!

الثانية، الاتفاق مع دول شريكة في المنطقة تكون قادرة على تقديم التسهيلات اللوجستية كالمطارات والمرافئ والقواعد العسكرية ومراكز الاستشعار والتحكم والقيادة. ومن المستحسن أن تكون هذه الدول "الشريكة" غنية بمواردها وبموادها الأولية بحيث تتحمل الجزء الأكبر من كلفة المعارك (إن لم يكن الثمن كله!)

الثالثة، وهي الأهم، خوض المعارك البرية بالوكالة عند الحاجة. الغرب الأميركي ــ الأوروبي يسعى إلى شركاء ووكلاء وأجراء. وهؤلاء يكونون على درجات متفاوتة في الأدوار المنوطة بهم. وبما أن الغربيين قرروا، لأسباب داخلية بحت، عدم التضحية بالعرق والدم في الحروب البرية الحاسمة فإن الوكلاء والأجراء هم الذين سيتحملون العبء القتالي الدموي تدعمهم تكنولوجيا الحلفاء الأصلاء وتمولهم دولارات الشركاء.

لكن كل تلك الاعتبارات لا تعني أن الغرب الأميركي ــ الأوروبي لن يغامر بخوض حروب برية مباشرة إذا ما تطلب الوضع مثل هذا التدخل، فمخططاته الإستراتيجية تشتمل على سيناريوات الغزو والقتال في العديد من الساحات الدولية. ومع ذلك، فإن الأولوية ستكون لزج الوكلاء والأجراء في ميادين الموت كما هو حاصل الآن في سورية والعراق وليبيا ومصر والصومال وأفغانستان وباكستان واليمن وأوكرانيا... وغيرها!

إنها معادلة تزداد وضوحاً يوماً بعد يوم: أصلاء يخططون، وشركاء يدفعون، ووكلاء ينفذون، وأجراء يموتون. فهل نتعظ بعبارة هارون الرشيد بعد ضجة البغداديين لمرور الغيوم السوداء من دون أن تهطل على بلادهم: "إمطري حيث شئت فخراجك يعود إليّ"؟

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024