شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2006-03-25
 

دمشق: السنيورة لم ينفذ ما التزم به في الزيارة السابقة لنجدد له الدعوة - هل استعادت سوريا زمام المبادرة وربحت معركة الوقت؟

سامي كليب


نقلت مصادر موثوقة عن نائب الرئيس السوري فاروق الشرع قوله في شرم الشيخ إن رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة لم ينفذ ما تعهد به في خلال زيارته إلى سوريا، وإن سوريا لا تزال تعتبر الرئيس اميل لحود الرئيس الشرعي، وبالتالي فهي تتعامل معه على هذا الأساس ومستعدة للتنسيق الكامل معه بالنسبة للقضايا العالقة بين البلدين.


يوحي كلام الشرع والحركة الدبلوماسية السورية المستعيدة نشاطها على الساحة العربية قبل قمة الخرطوم، بأن دمشق خرجت من الهزة التي أعقبت اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري، وأنها بصدد استعادة زمام المبادرة والانتقال الى مرحلة فرض الشروط على لبنان قبل استئناف الحوار معه.


هل ارتاحت سوريا فعلا؟


يقول مسؤول أوروبي معني مباشرة بالملف اللبناني السوري، إن تطورات عديدة طرأت في الاشهر القليلة الماضية، جعلت سوريا أكثر قدرة على المناورة من الفترة التي تلت مباشرة اغتيال الحريري. ولكن من الخطأ القول ان نظام الرئيس بشار الأسد قد خرج كليا من منطقة الخطر.


ويمكن تلخيص الاطار العام المحيط بسوريا بالنقاط التالية:


 التخبط الكبير الذي أحاط بعمل لجنة التحقيق الدولية بقيادة ديتليف ميليس، أوحى بأن المحققين عاجزون عن إيجاد دلائل وقرائن حاسمة لجهة اتهام سوريا. لكن القول بأن التقرير الثالث الذي قدمه سيرج برامرتز مريح لدمشق فيه الكثير من المغالاة، ذلك ان عمل القاضي البلجيكي مخالف تماما لسلفه ميليس، ولعله سيكون أكثر فعالية ويحدث صدمات متتالية في الاشهر المقبلة، ومن المهم معرفة ان فكرة اقامة المحكمة الدولية المختلطة ليست بعيدة عن اهداف المرحلة المقبلة. غير ان كل ذلك سيبقى مرتبطا بمدى العثور على دلائل فعلية او شهود ذوي مصداقية، بعدما تبين ان ثمة خللا حصل في التعاطي مع شهود سابقين.


 الانقسام الجدي الذي عبرت عنه الساحة الداخلية اللبنانية خصوصا بعدما تقارب النائب العماد ميشال عون مع حزب الله وحركة أمل، جعل الدول الكبيرة المعنية بالشأن اللبناني (اميركا، فرنسا، السعودية ومصر خصوصا) تعمل على خط تهدئة الشارع المتلزم بقرارات قوى 14 آذار، وذلك خشية أن يحصل انهيار أمني عام في لبنان.


 استفادت سوريا من التأزم في العلاقات الأميركية الإيرانية، تماما كما يمكنها ان تستفيد اليوم من احتمال قياح حوار إميركي إيراني بشأن العراق، ذلك ان لدمشق دورا أساسيا في حالتي التأزم او الانفراج بعد ان رسخت قواعد علاقة استراتيجية ودفاعية مع الرئيس احمدي نجاد.


 أظهرت التطورات الأمنية الخطيرة التي شهدها العراق في الشهرين الماضيين (تفجير المساجد واغتيال أئمة)، ان سوريا تماما كإيران، لا تزالان تتمتعان بتأثير مباشر في الداخل العراقي، وأن هذا التأثير قابل للاحتمالين، اي التفجير او التهدئة. وكان سبق ذلك تقديم وثيقة سورية كاملة حول الإجراءات الامنية الكثيرة التي نفذتها سوريا عند حدودها مع العراق، محملة مسؤولية ما بقي من خلل للبريطانيين والاميركيين الذين لم ينفذوا تعهداتهم بشأن معدات المراقبة وغيرها.


 أقلق وصول حركة حماس الى رئاسة الحكومة الفلسطينية وتحقيقها فوزا لافتا في الانتخابات، الكثير من الدول المعنية بالمنطقة، وبات التعامل بهدوء وروية مع القادرين على التأثير على هذه الحركة أمرا حيويا لاستقرار الاوضاع خصوصا ان اسرائيل مقبلة على انتخابات حساسة. ومن المهم بالتالي النظر الى اختراقات الطيران الاسرائيلي لاجواء لبنان على أنه يندرج في سياق التحذير من تنشيط الخط الأمني بين حماس وحزب الله، وهي رسالة موجهة الى الحزب وسوريا على السواء.


 وصول حركة حماس الى قمة السلطة الفلسطينية كان اعقب النجاح <<المدروس>> لجماعة الاخوان المسلمين في مصر، ثم جاء لقاء نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام مع المراقب العام للاخوان المسلمين السوريين في الخارج علي صدر الدين البيانوني، ليطلق صفارات إنذار كثيرة خصوصا في الداخل الاسرائيلي، الأمر الذي جعل اسرائيل اكثر تمسكا من السابق بإبقاء الامور على ما هي عليه، وهو ما تبناه جزء من المحيطين بالرئيس الاميركي جورج بوش، وتلاقى مع المخاوف المصرية والسعودية من ان اي انهيار للنظام السوري الحالي يعني الفوضى.


 شكل دخول قطر على خط التهدئة (والدعم الضمني لسوريا) عاملا هاما في تشجيع خطوط اتصالات لا يزال قسم منها بعيدا عن الاضواء حتى الساعة، وقيل ان بعض هذه الاتصالات لم تكن بعيدة عن بعض صانعي القرار في الولايات المتحدة الاميركية.


 تجاوبت سوريا بشكل اعلامي لافت مع برامرتز حين اعلنت ان الرئيس بشار الاسد ونائبه فاروق الشرع مستعدان لاستقباله. وهذا تطور هام في العلاقة السورية الدولية، وكان لبعض المبعوثين العرب دور في تشجيع هذا الاتجاه، وبينهم قطر ومصر.


 أحدثت سوريا اختراقا جديدا في سياق علاقتها مع روسيا، وتجلى بعض ذلك في خلال زيارة وزير خارجيتها وليد المعلم الى موسكو. فروسيا التي شددت اكثر من مرة على تطبيق القرار 1559 وتطرقت علنا الى قضية مزارع شبعا، لم تقبل مبدأ مقاطعة النظام السوري بل استمرت بالتعامل معه وكأن شيئا لم يحدث.


 تعتقد سوريا ان وضع الرئيس الفرنسي جاك شيراك بات ضعيفا في اعقاب التظاهرات الطلابية واليسارية العارمة التي تواجه رئيس حكومته دومينيك دوفيلبان، وأنها لو نجحت في تمرير بضعة اشهر اضافية فإن فرنسا والولايات المتحدة ستكونان غارقتين في معارك الانتخابات التشريعية والرئاسية.


بناء على ما تقدم، تستطيع سوريا التصرف من منطلق استعادة زمام المبادرة، وهي بالتالي ستوحي بأنها غير مستعجلة مثلا لاستقبال السنيورة وغير مبالية بقوى 14 آذار. لا بل ان بعض الذين زاروا سوريا مؤخرا ينقلون عن مسؤولين فيها طرحهم السؤال التالي: <<هل نفذ السنيورة ما التزم به في الزيارة السابقة حتى نحدد له موعدا للزيارة؟>>.


هل التفاؤل السوري في محله؟


يقول مسؤول قريب من الامين العام للامم المتحدة كوفي انان: <<ان التحقيق الدولي مستمر، والمحكمة المختطلة قادمة، والإجماع الدولي بشأن استمرار الضغط على سوريا لا يزال قائما>>. ويقول مسؤولون فرنسيون ان <<الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا والأسرة الدولية لم تعدل من سياستها حيال استمرار الضغوط بغية تحقيق السيادة اللبنانية الكاملة والكشف عن قتلة الحريري وإن بعض ذلك سيظهر في التقرير الذي سيقدمه قريبا تيري رود لارسن الى مجلس الامن>>.


ويذهب بعض المتشائمين الى حد القول بأن <<المنطقة برمتها لا تزال على كف عفريت، وثمة قريبون من الرئيس بوش مستمرون في اخذ الخيار العسكري ضد إيران بعين الاعتبار>> وكل شيء سيبقى بالتالي معلقا على كيفية تطور الملف الإيراني، فعلى تطوره يتوقف جزء كبير من الاوضاع السورية واللبنانية، ذلك ان الموقف الروسي لم يحسم تماما بعد حيال ايران.


وبانتظار ذلك، فإن سوريا ربحت حتى الآن معركة الوقت، بينما لبنان الذي صار حواره الداخلي محورا للاهتمام الدولي والعربي، عاد ينتظر ما سيقرره العرب قبل وخلال وبعد قمتهم في الخرطوم ليعرف وجهة سيره. ولا شك ان استئناف العلاقات السورية اللبنانية في هذه الوجهة بات قاب قوسين او ادنى، ولكن بأية شروط؟



 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه