إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

الرئاسة المُنتَظِرة

د. نسيب أبو ضرغم - البناء

نسخة للطباعة 2015-06-30

إقرأ ايضاً


الراصد لعملية الانتخابات الرئاسية في لبنان، يخرج بمحصلة تقول، إن اختيار الرئيس اللبناني كان يتم وفق الحالة المهيمنة، أو على الأقل التوافقية.

حالة الإقليم المتناغم مع عواصم خارجية وفي مقدمها واشنطن حالياً، وفرنسا وبريطانيا سابقاً.

وبناءً عليه، يمكن القول، إن الرئيس المنتخب هو الشخص الذي يحمل مواصفات مرحلة، إقليمية-دولية، فتكون الرئاسة حالة منسجمة مع المرحلة التي أنتجتها.

فالرئيس بشارة الخوري والرئيس كميل شمعون، كانا تردداً للحالة البريطانية التي نجحت في إخراج فرنسا من لبنان، وبالتالي تم الاستحقاق الدستوري في عملية الانتخاب الرئاسية في موعده، وذلك لأن الحالة البريطانية كانت مستقرة ومُعتَبَرَة في الواقع اللبناني.

وعندما انقلبت الأدوار القيادية في العالم بعد الحرب العالمية الثانية، وذلك بحلول الولايات المتحدة الأميركية مكان بريطانيا وبخاصة في المنطقة العربية، هذا الحلول الذي لم يتكرس على الساحة اللبنانية بشكل سلس وطبيعي تماماً كما جرى في عامي 1943 و1952، ذلك أن الرئيس كميل شمعون، وهو المنسجم مع الحالة الإنكليزية قد أراد التمديد لنفسه في نهاية ولايته الدستورية عام 1958، الأمر الذي لا ينسجم مع مستجدين: الأول دولي يتعلق بإمساك الولايات المتحدة بدقة الإدارة الدولية في العالم الغربي، وبالتالي تراجع بريطانيا إلى موقع التابع والثاني إقليمي تمثل ببروز زعامة جمال عبد الناصر وقيام الوحدة السورية ـ المصرية.


اصطدام هذا الواقع ذي البعد الأميركي-الناصري، بواقع الإصرار على تمديد الولاية الدستورية ذات البُعد الإنكليزي، ما جرت ترجمته على أرض الواقع حوادث دموية امتدت من أيار إلى أيلول من عام 1958. الأحداث التي خلقت واقعاً سياسياً سلَّم بالمرجعية الأميركية فكان انتخاب الرئيس فؤاد شهاب رئيساً للجهورية.


كانت ولاية الرئيس شهاب ترجمة لبنانية للتفاهم الأميركي-الناصري، والتي استمرت بالوكالة عبر الرئيس شارل حلو، الذي انتخب ليمثل المرحلة بثنائيتها الأميركية-الناصرية.


لقد انتخب الرئيس سليمان فرنجية وسط انقسام حاد في المجتمع اللبناني، الذي كان موزعاً على كتلتين نيابيتين كبيرتين، هما كتلة النهج والكتلة المقابلة لها من نواب الوسط والحلف الثلاثي، ووسط هذا الانقسام انفجرت الأحداث المؤلمة في 13 نيسان 1975، وقبلها اشتباكات الجيش والمقاومة الفلسطينية، وصار الرئيس فرنجية إزاء ذلك يدير أزمة.


وهكذا توالت الرئاسات، كلها رئاسات إدارة أزمات، بموافقة دولية-إقليمية، إلى أن خرج الرئيس ميشال سليمان من قصر بعبدا. إلا أن ولاية الرئيس لحود كانت ولاية مواجهة وتحرير، وشكلت حالة استثنائية في مسار الرئاسات منذ عهد الرئيس فرنجية وحتى نهاية عهد الرئيس ميشال سليمان.


خرج الرئيس سليمان من قصر بعبدا، والمنطقة تتشظى باتجاهات متعاكسة، سورية مشتعلة، والدول العربية غارقة في حروبها وتمزقاتها، ولبنان حائر.


لا توافق دولياً وإقليمياً على وضعية المنطقة مستقبلاً، الكل يسعى لحجز موقع في الجغرافيا بثمن الدم والدمار، والإرهاب يتمدد وينظم نفسه، وسط انقسام دولي وإقليمي، فثمة حلف أميركي أوروبي «إسرائيلي» خليجي – إرهابي، يواجهه حلف من دول البريكس وإيران وسورية والمقاومة. حلفان يتحاوران بالدم حواراً لن يتوقف قبل أن يسجل واحد منها انتصاره.


لبنان وسط هذه المعمعة، وهو موضوعياً جزءٌ عضويٌ منها، وبالتالي ينقسم شعبه تبعاً للحلفين المتقاتلين، وهذا أمر بديهي، ذلك أن النأي من أحداث المنطقة إنْ هو إلا هلوسة سياسية.


لبنان وسط هذا الانقسام، الذي يفعل فعله في حياته السياسية والمؤسساتية والاقتصادية، هذا اللبناني يواجه استحقاق انتخاب رئيس منذ سنة ويفشل في تحقيق النجاح في ذلك.


لماذ؟ فلنعد الى القاعدة التي أشرنا إليها، والقائلة بأنه من الضروري تحقق توافق دولي-إقليمي ليتم انتخاب رئيس يأتي متوافقاً ومنسجماً مع المرحلة، في وقت لم تنضج المرحلة، ولم تظهر خطوطها ولا اتجاهاتها، المرحلة ما زالت من دون معالم.

لذلك، فإن انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان أمرٌ سيطول، إلى رسو الأمر بشكل واضح ونهائي وفق معادلة إقليمية – دولية، يتم الاستناد إلى مضمونها ليكون رئيس الجمهورية منسجماً معها.

وحتى تلك اللحظة، سيبقى الفراغ في سدة الرئاسة قائماً.

كل ذلك بسبب أن المكونان التأسيسية للمجتمع اللبناني هي الطوائف والمذاهب، فلو أن المواطنة هي الأساس، لما واجه البلد أي مأزق دستوري.

والى أن يصبح المواطن اللبناني الفرد، هو العنصر الأساس في كينونة المجتمع اللبناني، سنبقى نعاني من هذه الأزمات ومثيلاتها. وسنبقى ننتظر تقاطع المصاح الدولية الإقليمية.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024