إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

6 أشهر عاصفة تنتظر لبنان!!

أحمد أصفهاني

نسخة للطباعة 2015-07-21

إقرأ ايضاً


الذين راهنوا على مرحلة انفراج سريعة بعد التوصل إلى الاتفاق النووي بين إيران والدول الست، لا شك في أنهم مصدومون الآن نظراً إلى التصعيد الإعلامي بين أطراف كان من المفترض أن تدخل في شراكة جديدة تتناول مجموعة من القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك... فما يحصل حالياً هو النقيض تماماً.

المسؤولون الأميركيون، من الرئيس باراك أوباما إلى وزير الخارجية جون كيري إلى وزير الدفاع آشتون كارتر، يؤكدون مراراً وتكراراً على أن الخيار العسكري ما زال قيد التداول في حال أخلت طهران ببنود إتفاق فيينا. في حين يحذر مرشد الجمهورية الإسلامية علي خامنئي من الثقة بالولايات المتحدة الأميركية، مشدداً على أن إيران لن تتخلى عن حلفائها في المنطقة لأن الاتفاق النووي هو حدث "إستثنائي".

بعض الكلام الأميركي والكلام الإيراني يمكن فهمه في سياق تعزيز الأوضاع الداخلية لكلا الطرفين. الإدارة الأميركية تواجه معركة مع الكونغرس للتصديق على الاتفاق، بينما تريد القيادة الإيرانية إبراز ثبات سياستها الإقليمية بغض النظر عن حجم التنازلات المتبادلة في المفاوضات النووية الماراثونية. ويجب أن نتوقع مزيداً من هذه المواقف الإعلامية خلال الأشهر الستة المقبلة ريثما يكون اتفاق فيينا قد اتخذ خطواته الديبلوماسية والتشريعية المرسومة في واشنطن وطهران ومجلس الأمن الدولي، بالإضافة إلى المنظمات الدولية الأخرى المعنية بالعقوبات المفروضة على إيران.

الخطر لا يكمن في هذه التصريحات وتلك المواقف، فهي للاستهلاك الداخلي من جهة ولطمأنة الحلفاء من جهة أخرى. لذلك بات علينا أن نراقب تحركات القوى الرافضة للاتفاق والتي كانت تعمل على عرقلته قبل التوصل إليه، ولا شك في أنها كانت قد أعدت خططاً بديلة في حال التوصل إليه... وهذا بالضبط ما يحصل الآن. فالذين رفضوا مبدأ المفاوضات منذ البداية، ثم وجدوا أنفسهم أمام واقع دولي جديد، لا يمكن أن يقبلوا بما قد يحمله تنفيذ هذا الاتفاق من نتائج. وعلى هذا الأساس هم يستعدون لإجهاض كل التسويات المحتملة، بل والسعي إلى توتير ساحات كانت الأوضاع فيها منضبطة حتى هذه اللحظة.

وهذا ما يوصلنا إلى لبنان الذي نجح طيلة السنوات الأربع الماضية، ولو بصورة نسبية، في "النأي بالنفس" عن استجلاب التدهور الأمني من سورية. فقد تمكنت الأطراف اللبنانية ذات المصلحة في استقرار البلد من صيانة السلم الأهلي على الرغم من الانحطاط السياسي الذي أصاب مؤسسات الدولة والطبقات الحاكمة. لكن يبدو لنا الآن أن هذا الحرص لم يعد كافياً وحده لحماية اللبنانيين، فتداعيات التوصل إلى الاتفاق النووي أطلقت الريح السموم على الساحة اللبنانية التي أصبحت عرضة لتصفية حسابت إقليمية متعددة.

إن تقاطع المصالح الإقليمية، وتناقضها في الوقت نفسه، يجعلان لبنان المكان المناسب لتحقيق "الإنجازات" أو تعديل "التوازنات" أو إعادة ترتيب أوضاع الأطراف المتماحكة تمهيداً لمرحلة ما بعد دخول الاتفاق النووي حيز التنفيذ. فاللاعبون الإقليميون كلهم يملكون امتدادات داخلية جاهزة للتحرك غب الطلب. ولعل اللقاءات والزيارات والمباحثات التي شهدتها عواصم المنطقة خلال الأيام القليلة الماضية تعطينا أبرز مؤشر إلى مساعي إعادة الاصطفاف للقوى المحلية، بانتظار صدور أوامر التحرك الميداني! ونحن نقصد بـ "القوى المحلية" في لبنان الأحزاب اللبنانية والمنظمات الفلسطينية وأكثر من مليون "لاجئ" سوري.

فلنترك جانباً "8 آذار" و"14 آذار" فهما مجرد تفصيل فولكلوري يصلح للمناسبات العامة التي لا تقدم ولا تؤخر، وفي أحسن الأحوال هما غطاء داخلي لحراك خارجي. اللعبة أكبر من غالبية مكونات هذين الفريقين، ولذلك فإن القرار سيكون خاضعاً لاعتبارات إقليمية مرتبطة عضوياً بالنتائج المتوقعة للإتفاق النووي والمتغيرات الكامنة فيه. وسنشهد في المرحلة المقبلة تبدلاً في التحالفات سينعكس تدهوراً سياسياً وأمنياً يتصاعد بصورة تدريجية، وتكون ساحته الأساسية نقاط التماس الجغرافية التي تجمع العوامل اللبنانية والفلسطينية والسورية. (مدينة صيدا وجوارها نموذج يرد إلى الذهن فوراً).

لبنان أمام محك مفصلي خلال الأشهر الستة المقبلة. قد يتمكن رجال السياسة من الحفاظ على "النأي بالنفس" بأقل خسائر ممكنة، وربما تفرض الأطراف القادرة الهدوء بالقوة القاهرة. غير أن تاريخنا المعاصر علمنا أن الغالبية العظمى من السياسيين اللبنانيين لا تعرف إلا مصالحها الذاتية المرتبطة بالإرتهان للخارج، وهي على أتم الاستعداد في كل حين للإنخراط في مغامرات مجنونة مآلها الخراب الوطني. وربما يحتج قارئ بالقول إن هذه القيادات تعلمت دروس الماضي القاسية، لكن مما يؤسف له أن فلسفة النكايات عندها تغلب أي منطق وطني عقلاني. إنها فلسفة "كرهاً بعلي وليس حباً بمعاوية"، أو بعبارة أخرى حسب المثل المعروف "نكاية بوجهي... جدعت أنفي"!!

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024