إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

بِانتظار الوجبة الأخرى من الاتفاقيات

العميد الركن المتقاعد وليد زيتوني - البناء

نسخة للطباعة 2015-08-10

إقرأ ايضاً


يظهر أنّ نتائج التفاهمات أو الاتفاقيات بين مصالح الدول الكبرى، قد أخذت مكانها بشكل تدريجيّ على الأرض، مع الحفاظ على حقوق بعض الدول الإقليمية لاستحالة تنفيذ المشروع دفعة واحدة. فالتجاذبات بين القوى العظمى لا بدّ أن تحلّ ما دام خيار الحرب العالمية الكبرى غير مطروح لارتباطه بعدم قدرة أيّ طرف على حسم هذه الحرب لمصلحته عسكرياً بالشكل التقليدي، وخيار الحسم بأسلحة الدمار الشامل غير محسوب النتائج، لا بل ربما يكون المحسوب تدميراً كاملاً لكلا الطرفين. من هنا جاءت الحروب الهامشية والتي تتداخل فيها العناصر الإقليمية، بديلاً طبيعياً من الحروب المستحيلة عملياً.

في الواقع، ثمّة مشروع واحد للسيطرة على مستوى العالم، هو المشروع الأميركي المدعوم أوروبياً، ويتناقض مع نواة مشروع سُميّ مشروع الممانعة في المشرق، ويتناغم سياسياً ومصلحياً مع بعض الدول العالمية القادرة كالصين وروسيا وبعض الدول الطامحة إلى العالمية كدول «البريكس».

إلا أنّ نسبة المواجهة تختلف بين دولة وأخرى باختلاف المصالح، وبحسب اقتراب التهديد الأميركي ـ الغربي لخطوط هذه المصالح. فبينما نستطيع رؤية التماهي الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وكل من إنكلترا وفرنسا مثلاً، لا نرى في الوقت عينه هذه النسبة من التعاون الاستراتيجي بين البرازيل وروسيا، أو بين جنوب أفريقيا والصين… إلخ. ولكننا قد نرى مصالح الدول الكبرى المتناقضة قد تتلاقى في بعض النواحي على حساب دول أخرى في التحالف. والأمثلة كثيرة على ذلك اقتصادياً وأمنياً. وهذه مسألة طبيعية إذا نظرنا إليها من زاوية المصالح الاستراتيجية. وقد تذهب دولٌ كبرى إلى صوغ تفاهمات مع بعض الدول الإقليمية إنّما ضمن ضوابط، وبموافقة دول كبرى أخرى حفاظاً على مصلحة الآخر، أو على الأقل ألّا تشكّل هذه التفاهمات تهديداً مباشراً لمصالح الآخر، كما الحال في الاتفاق النووي بين دول «5+1» وإيران، والرعاية الروسية المباشرة لهذا الاتفاق.

انطلاقاً ممّا تقدّم، وعلى رغم كلّ التصريحات، إنّ الاتفاق النووي لم يلحظ تفاهمات جانبية على مجمل الملفّات الساخنة في المنطقة. وربما هذا صحيح إذا ما اعتبرنا أن الاتفاق تمّ فقط بين إيران والغرب. إلّا أن الواقع يقول، إنّ الرعاية الروسية من جهة، والمصالح الصينية من جهة أخرى، كانت بالحسبان على طاولة المفاوضات. وبالتالي، إنّ الضوابط فرضت نفسها، وأخذت بالاعتبار مجمل الملفات الساخنة من سورية إلى العراق إلى اليمن إلى لبنان. وأنّ الأميركيّ أقرّ باستحالة تنفيذ مشروعه دفعة واحدة واقتنع بذلك. فمن جهة، اعترف بحقّ إيران بالتخصيب لمصلحة الاستعمال المدنيّ، على أمل إقامة هدنة موقتة معها لتسوية أوضاع الإقليم. ومن جهة أخرى، عقد ما يمكن تسميته فكّ اشتباك مع الروس في بعض مناطق النزاع، على قاعدة حفظ مصالح الطرفين ولو موضعياً.

قد يكون من العسير الآن الوصول إلى نصوص هذه الاتفاقيات بشكلها الواضح والنهائي، ولكننا نستطيع قراءتها من خلال النتائج على الأرض. ففي اليمن مثلاً نرى إطلاق اليد الأميركية من خلال الدور السعودي ـ الخليجي، سواء على قاعدة تقسيم اليمن إلى أقاليم أو إلى دولتين شمالية وجنوبية. وعلى العكس تماماً، أطلقت يد إيران كحليف أساسيّ لروسيا في العراق، مع المحافظة على بقاء كردستان في حالة الاستقلال الذاتي.

ربما كانت هذه الوجبة الأولى، ومن خلالها سيتم النفاذ إلى الوجبة الثانية المتعلّقة بسورية ولبنان وتركيا وحتى السعودية. بحسبان السباق إلى المصالح يعدم الجواد الذي يكبو. تركيا والسعودية حصانان أميركيان بامتياز، غير أنهما في حالة عرج داخلياً في ما يتعلق ببنيتيهما الاجتماعية والسياسية، وخارجياً في ما يتعلق بقدرتيهما على تنفيذ ما خطّطتا لدول الجوار. إن نتائج الحرب في اليمن ستحدّد مصير السعودية. وكذلك بالنسبة إلى تركيا وحربها على حزب العمال الكردستاني.

إنّ المدّة الزمنية غير مفتوحة أمامهما إلا بمقدار ما تستفيد الولايات المتحدة من هذه الحرب.

وختاماً، إن انتصارنا في الحرب على العصابات الإرهابية سيغيّر وجه المنطقة والتاريخ، ويضع حدّاً نهائياً لأحلام آردوغان وآل سعود في أمتنا.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024