Warning: Undefined variable $PHP_SELF in /home/clients/61e9389d6d18a99f5bbcfdf35600ad76/web/include/article.php on line 26
SSNP.INFO: الرسالة الموجهة من الأمين عبدالله سعادة الى الطلبة القوميين الاجتماعيين في ستينات القرن الماضي
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2015-08-14
 

الرسالة الموجهة من الأمين عبدالله سعادة الى الطلبة القوميين الاجتماعيين في ستينات القرن الماضي

الامين لبيب ناصيف

في الصفحة 192 من مذكراته "أوراق قومية" يورد الأمين عبدالله سعادة التالي:

" تحسنت أوضاعنا كثيراً في سجن القلعة لجهة حرية التنقل بين الغرف، وممارسة الرياضة البدنية ولعبة الكرة الطائرة "الفوليبول"، واقامة مطبخنا الخاص نموّنه من التموين الناشف المعطى لنا، ومن مشترياتنا. وبدأنا نشهد اقبال الطلبة من الجامعات لمقابلتنا، وكان رفقاؤنا الطلبة إذا أرادوا أن يكرموا زميلاً لهم، يصطحبونه لزيارتنا في سجن القلعة.

ويتابع في الصفحة 193 فيقول: " وقد طلب اليّ رئيس مكتب الشؤون الطلابية(1) في الحزب أن أوجه رسالة الى الطلبة لما كان لانتشار الحزب بينهم من زخم، فلبيتُ طلبه".

وفي الصفحة 214 يورد ما يلي: " أريد أن أذكر أن بين الوافدين لتهئنتي بالخروج من السجن، كان هناك الكثيرون من الرفقاء القوميين الاجتماعيين من مختلف منفذيات الحزب. ولكن عدد وفد الطلبة الجامعيين القوميين الاجتماعيين في بيروت، لفت نظري بصفة خاصة، لأنه، علاوة على عدده الذي قارب الخمسمئة، كانت نوعيته مميزة لجهة استعداداتها النضالية وسويتها الفكرية المتقدمة التي ظهرت جلياً في حوارات الطلبة معي ".

عن موضوع تلك "الرسالة" كنا تحدثنا ضمن النبذة عن العمل الإذاعي في ستينات القرن الماضي ونشرنا النص الكامل للمحاضرة التي كان ألقاها الأمين محمد بعلبكي في كانون الثاني 1961.

في مقدمة العرض الذي نشرناه عن العمل الإذاعي قلنا: " في السنوات الصعبة التي أعقبت الثورة الإنقلابية، لم تكن الكتب الحزبية متوفرة إلا بشكل نادر جداً، وبحيطة أمنية متناهية، كذلك لم يكن عدد الرفقاء المقتدرين عقائدياً وإذاعياً متوفراً فيغطي الحاجة المتزايدة لمئات الطلبة الجامعيين والثانويين.

" من الكتب الحزبية أذكر أن نسخة واحدة من "نشوء الأمم" كانت متوفرة للعمل الحزبي في البقاع الشمالي، الذي تولاه في أواسط ستينات القرن الماضي الرفيق السابق حكمت سمعان، وبفضل نشاطه انتمى العشرات من الرفقاء في رأس بعلبك، القاع وفي غيرهما من القرى.

الرفيق انطون الخوري(2) المتحرك في معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية، كان بحوزته نسخة من كتاب "نشوء الأمم"، استعارها منه زميله الطالب وديع الحلو، ليقرأه بدقة في فصل الصيف، حتى اذا اطلع عليه، ادى القسم وراح ينشط متولياً لاحقاً مسؤوليات حزبية (عميد الخارجية، ناموس الرئاسة ...) ومحققاً حضوراً متقدماً في العمل الصحافي.

" من الرفقاء المذيعين في تلك السنوات الصعبة أذكر: الأمينين هنري حاماتي وجمال فاخوري، والرفقاء الياس مسوح، يوسف المسمار، جورج قيصر، وجوزف بابلو(3).

" ازاء هذا الوضع، وتلبية للحاجة المتزايدة، اعتمدنا الوسيلتين التاليتين:

الأولى: تنظيم زيارات للرفقاء المنتمين حديثاً أو للمواطنين الراغبين في التعرف على الحزب، الى سجن القلعة،

فتلتقي كل مجموعة مع أحد قياديي الحزب الأسرى: عبدالله سعادة، منير خوري، محمد بعلبكي، انعام رعد،

بشير عبيد، شوقي خيرالله وغيرهم، يطرحون عليهم الاسئلة في العقيدة والنظام والتاريخ ويتلقون الأجوبة

المفيدة.

كانت تلك الزيارات تدوم ما يزيد على الساعة، وكانت ادارة السجن تعرف، فتغض النظر.

" أما الوسيلة الثانية: فهي طبع ثلاثة كتيبات بشكل سرّي، وتوزيعها على كامل فروع العمل الحزبي في الجامعات

والثانويات والمعاهد في العاصمة والمناطق، فتشكل بديلاً عن الكتب الحزبية غير المتوفرة، وهي التالية:

1- رسالة من الأمين الدكتور عبدالله سعادة الى الطلبة القوميين الاجتماعيين.

2- اعادة طبع المحاضرة التي كان ألقاها الأمين محمد بعلبكي (وكان رئيساً للمجلس الأعلى) في الجامعة

اليسوعية في شهر كانون الثاني 1961، بدعوة من الطلاب الجامعيين، في سلسلة التعريف بأحزاب لبنان.

3- دراسة أعدّها الأمين انعام رعد، بإسم قيس الجردي (وهو الإسم المستعار الذي كان يعتمده عند نشر المقالات والدراسات في ملحق جريدة "النهار")، بعنوان :" في ذكرى النكبتين بين 15 آيار و5 حزيران، الوعي سلاح الثوار الأمضى في معارك تقرير المصير".

بالنظر لأهمية مضمون الرسالة التي وجهها الأمين عبدالله سعادة في تلك السنوات من القهر والملاحقات والاعتقالات التي كان يتعرض لها القوميون الاجتماعيون، ننشرها أدناه بنصها الحرفي:

*

الى الطلبة القوميين الاجتماعيين

أيها الرفقاء الطلبة

من وراء قضبان الشرف أتوجه إليكم لأحيي فيكم الرجولة النامية والعقلية المتفتحة والعزيمة الصادقة والخُلق السليم، وأجدد فيكم إيماني وأملي. إيماناً وطيداً وأملاً أكيداً بأن الحقيقة الاجتماعية العلمية، والمناقب السامية، والقيم الانسانية العليا، لا بد أن تنتصر في نفوسكم الصافية نظاماً جديداً يحقق للحياة أغراض الحياة الراقية ومراميها الباقية.

كان الطلاب المرتكز الأساسي لنشوء الحركة السورية القومية الاجتماعية ففيهم بذر المعلم القائد بذور النهضة الأولى ومنهم انطلق الإشعاع القومي الاجتماعي يغمر الأمة كلها بنوره المضيء وأمله المحيي: ومنهم انبثقت أكثرية الطاقات القيادية في نهضتنا الرائدة.

إن أمتنا، بالرغم من أصالتها ونفسيتها الجيدة العريقة، رزحت طوال أجيال سحيقة تحت طبقات كثيفة من التفسّخ والبلبلة والتخلف، شوّهت نفوس أبنائها وعطلت قدرتهم على الإدراك وألغت المؤسسات القومية والتقاليد الاجتماعية الصحيحة. فكان بديهياً في هذا الضياع القومي والاجتماعي والحضاري أن يبتديء رائد النهضة وقائد أجيالها الصاعدة في صفوف الطلاب يبني عليهم أسس النهضة القومية الاجتماعية، ويرفع معهم بنضال دائب مداميكها الثابتة وبروحها المتنامية.

لأنه من الصعب أن تنمو البذور الجديدة في النفوس التي انتهى تكوينها على عقد الحياة العتيقة أو على فوضى مفاهيمها المتنافية مع العقيدة العلمية الشاملة وثورتها الكلية.

إن نفوس الطلاب المتفتحة على العلم، والتي أذاب لهب المعرفة فيها جليد الضعف والغيبية والقدرية هي طليعة النفوس المؤهلة لفهم نهضة الأمة وإدراك قواعدها العلمية وحمل أعبائها الجسيمة. لأن هذه النفوس الجديدة، التي لا تزال على أصالتها وسلامة جوهرها، ولما تفعل فيها القضايا الرجعية المعطلة والحميّات الغوغائية المخرّبة، هي النفوس التي تنتصر فيها الحقيقة وتستهويها القيم الصحيحة والمثل الراقية.

إن الرجعية العتيقة تبدل ثيابها البالية وشعاراتها الباهتة بثياب جديدة وشعارات مغرية، فتتجمع تكتلات وجبهات إنقاذ، تستهدف منها إلهاء النفوس الجديدة عن حقيقتها لتظل تائهة عن قضيتها، غارقة في الانحلال والتخاذل والتصادم والإنحطاط المناقبي والفوضى الاجتماعية، لتؤمن استمرار تسليطها على الشعب واستعبادها له ومتاجرتها بآلامه واستغلالها لحيويته وخيراته. وهنالك نفوس مخلصة، تواّقة الى التقدم والانتفاض على مستنقعات الرجعة وشلل التجزئة، تقع تحت سحر القضايا المتضخمة وتستهويها الأفكار التقدمية الثورية المستوردة، فتطعّمها على أحلامها الموروثة من عهود الدولة الدينية وعقلية الاستسلام الغيبي، فلا تلبث – عند الصدمة الأولى – أن تستفيق على الآمال المعقودة على سحر الملهمين وعجائب الإيمان المقعد، وحرارة المسّ المسعور.

إن الطلبة يشكلون أهم إمكانيات إنقاذ الأمة من مستنقعات الرجعة العتيقة ودجل الرجعية الجديدة، ومن حميات الثورية العاطفية المسعورة، باعتمادهم العلم والمعرفة الصحيحين، وباهتمامهم في بناء نفوسهم بناءً سليماً يمكنهم من أن يكونوا قوة مدركة، قوة مقررة، قوة فاعلة، قوة تستخدم العلم لتحسين الحياة وترقيتها. لأن العلم إذا انحصر في فضائل

الاطلاع والإقتباس وحسب، بقي شيئاً خارجياً. شيئاً ميتاً. يلتصق بالانسان من الخارج لا يزيد إلا بلبلته وتناقضاته.

الإطلاع على المدارس الفكرية المتعددة والإلمام بالخبرات الإنسانية المتنوعة شيء ضروري لإغناء الإنسان بالمعارف والمعلومات، وتسلحه بالخبرات والتجارب. إلا أن الأهم هو اقتباس الأسلوب العلمي والعقلية العلمية التي لا تحجم عن إخضاع كل أمر لمحك العلم وحكمه، والتي ترفض المطلقات والحتميات مهما هلل لها المتعصبون وصفق لها المزينون.

والأهم من العلم وأسلوبه هو التزام الإنسان المتعلم بأحكام العلم واهتمامه بنصرة الحقائق التي يكتشف وبخدمة أغراض الحياة السامية بشجاعة وتصميم ورسالة، وإلا بقي العلم وحقيقته معرفة لا تنفع متساوية مع الجهالة التي لا تضرّ.

كثيرون من الطلبة يقبلون على النهضة القومية الاجتماعية، تجذبهم إليها أَسسها العلمية وأصالتها النفسية ونظامها الدقيق ومبادئها المحبوكة في قضية كلية شاملة، وتستهويهم ثوريتها وبطولات جنودها الخارقة ونضال رجالها الرائع. فيقبلون عليها في صفائهم العقلي ومناخهم النفسي المثالي. فتنعقد عليهم الآمال الكبار. ولكنهم ما أن تجابههم الحياة،

بعد تخرجهم، بمطالبها القاسية ومشاكلها المعقدة واغراءاتها المثيرة، حتى يقعوا في تجارب الضعف والترهل والتراجع، فيرمون المشعل ويركنون الى سلامة العيش والتراخي. والقسم الأسوأ بينهم تتهرأ نفوسهم فيتعللون بتبريرات فكرية مرائية ويقعون فوق نقيصة النكوص، في نقيصة الرياء وعار الدجل الفكري. ويمسي علمهم وفكرهم سلعة تعرض للبيع في مناخس الرجعية وأسواق العمالة الداخلية والخارجية التي تدفع بأقلامهم المستعبدة في معارك الحرية وميادين الثورية بقصد تشويه الحرية وتعطيل الثورية. وقسم تأخذه الخيلاء الغرارة وتفعل فيه مركبات الاستعلاء – التي هي غالباً متنفس لمركبات النقص – فيتنكر لقضية الشعب ونهضته ويحجم عن المشاركة في ركب النهضة الذي يأتلف فيه كل من تذخر نفسه بمبدأ الحياة من العمال والفلاحين والحرفيين والمفكرين، فينفرد عن موكب الحياة الى برجه العاجي ومحششته الفكرية يحسبها صومعة النفس ومنسكة الفكر ومحبسة التأمل، ولكنها صومعة بدون إيمان، ومنسكة بدون محبة، ومحبسة بدون قضية.

هذه بعض الأشراك التي تصطاد أقدام الطلاب في مسيرة الحياة. لم آت على ذكرها إلا لأنبه لها وأحذر منها. إشراك اعترضت وتعترض سبيل كل رائد ومجاهد، ولا ينجي منها إلا الإيمان المبني على صحة العقيدة ووضوح الفهم والرؤية، والتدرب على الممارسة النظامية، وتنمية القيم الراقية والمثل العليا التي بها يصبح للحياة معنى يتعدى مستوى العيش والسلامة، وإلّا تعرضنا لخسارة نفوسنا في معترك الحياة الحامي، ولا يعوضنا عنها أي كسب او مربح. اذ ماذا يربح الانسان لو ربح العالم وخسر نفسه.

رفقائي الطلبة

تستهوي الطلبة الزاخرين بالشباب والقوة والأمل الشعارات الثورية. لأنهم في حبهم للحياة وعزها وجمالها، وفي ثقتهم بعزيمتهم، يتوقون الى نسف كهوف التخلف الذليلة دفعة واحدة، ليقيموا بزنود الجبابرة وإرادتهم صروح التقدم والكرامة وقواعد الحياة الجديدة التي يتوقون اليها. هذا من طبيعة الشباب ومن طبيعة المرحلة الاجتماعية التي تمر بها أمتنا، والتي تعاني من مضاعفات الرجعية والتخلف النفسي والمادي فيها ما يكاد يعطل حياتنا ويشوه جمالها ويلغي معناها وغايتها. ولكن الطلبة وهم المسؤولون أولاً تجاه العقل وأحكامه، والمعرفة وهدايتها والخبرة وعبرها، وهم الذين لا تزال نفوسهم خالصة من أدران المنافع، لا يجوز لهم أن ينجرفوا في صخب العواطف الحامية أو ينجروا مع أمواج الغوغاء المسحورة في ثورة خُلّب، معتبرين تشنجاتها ثورية تصلح لتصحيح أوضاعنا القومية والاجتماعية والسياسية والمناقبية المتداعية. كما لا يجوز لهم أن تحدد ثوريتهم وتقرر خطاها انفجارات العواطف المكلومة والكرامة المطعونة أو النقمة المكبوتة دون الاستناد الى قاعدة علمية وفي هداية الأهداف الصحيحة. وبخاصة بعد عبرة انهيار الأحلام الثورية السطحية أمام كتائب العدو المنظمة وعقليته العلمية.


الثورية الصحيحة شأن علمي، وموقف وجداني من الحياة أساساً، ومن قواعد الحياة الراهنة التي لا تصلح للحياة الإنسانية الجيدة. وهي أيضاً مسلك رسالي ونهج نظامي لإلغاء القواعد العتيقة وإقامة القواعد الجديدة التي تصلح للحياة الجديدة وتساعد على تحقيق مطالبها الراقية وغاياتها السامية.

هنا يجدر بنا أن نلفت الى الفرق بين الثورة Revolution والإصلاح Reforme . الإصلاح لا يتضمن نظرة جديدة الى الحياة والى الأوضاع تختلف عن النظرة القائمة والمعمول بها. بل يتبنى النظرة العتيقة في أساساتها. فهو ليس إلا محاولة تصويب النظام القائم وتصحيح أخطائه الفادحة وتناقضاته الحادة بقصد تأمين القدرة له على البقاء والإستمرار، وصيانته من رياح الثورة الجذرية التي تبغي نسفه وتغييره. أبلغ ما يستهدفه الإصلاح لا يعدو: أولاً - ضبط أعمال النظام القائم ليتلاءم مع قواعده القانونية والنظرية. مثلاً: نظام الطبقات الرأسمالي. الإصلاح يهدف الى الحد من معاكسة تطور بعض أفراد الطبقة العاملة من طبقتها الى الطبقة الوسطى، والحد من التدخل لمنع بعض أفراد الطبقة الوسطى من الارتقاء الى الطبقة الرأسمالية دون إلغاء الكابوس الرأسمالي المهيمن على الحكم وعلى الإقتصاد، والذي يشكل عثرة كبيرة في سبيل تطور العمال الى الطبقة الوسطى وعثرة كبرى في سبيل تطور أفراد الطبقة الوسطى الى الطبقة الرأسمالية الطاغية. ولكن الإصلاح لا يسمح بالبحث في صحة نظام الطبقات الرأسمالي من أساسه. لأن عند ذاك يتعدى النظرة الإصلاحية الى النظرة الثورية.

وثانياً - صقل زوايا التناقضات الحادة في النظام القائم التي تنذر بتهديد سلامته من الأساس، وإلهاء العناصر المؤهلة لنسفه ببعض التعويضات لتهدأ نقمتها وتتخدر ثوريتها. مثلاً: السماح بالنقابات من أجل التفاوض مع أرباب العمل الرأسماليين في قضية رفع أجور العمال وتحسين أوضاعهم. فينال العمال تحسينات تدريجية في أجورهم. ويعود الرأسماليون يعوضون عن خسارتهم برفع أسعار السلع يدفعها المواطنون المستهلكون ومن بينهم العمال أنفسهم. فكلما ارتفعت أجور العمال زاد مستوى المعيشة بحيث يبقى تحسين أوضاعهم بسيطاً ومحدوداً. ولكن البحث في النظام الرأسمالي وفي طبيعة الرأسمال الحقوقية الاجتماعية، وحق العمال في الشراكة بإدارة العمل، وحقهم في أرباح الإنتاج المشترك، فأمر مرفوض كليّاً.


أما الثورة فتعني- كما قلنا- نظرة جديدة الى الحياة أساساً، الحياة في نواحيها المادية والروحية، في شمولها الذاتي والاجتماعي والانساني، في مثلها وقيمها، في أهدافها وغاياتها، ليبني الثوري على أساس هذه النظرة موقفه من الأوضاع الراهنة ومنطلقاتها ومؤسساتها، ويقيّمها بالنسبة الى هذه النظرة الجديدة. وبكلمة أوضح يجب أن تكون له نظرة فلسفية الى الحياة وعقيدة علمية جديدة تجسدها وتحققها. كما أنه بديهي أيضاً أن يجسد الثوري نظرته وعقيدته في حياته وتصرفاته وأعماله، وأن يكون له نهج واضح القواعد يلتزمه بشجاعة وجرأة وحكمة ويدعو اليه بروحية رسالية مناضلة لإنشاء الجماعة المؤمنة بالرسالة الجديدة والنظام الجديد، والقادرة في إيمانها ونضالها ورساليتها أن تنصرها وتحققها. أي أن تنتصر الرسالة الجديدة في دعاتها واتباعها أولاً. أن تنتصر في أخلاقهم ومناقبهم وأعمالهم،

وفي كل شؤون حياتهم ، ومن ثم أن تنتصر بهم في الأمة. لأن الرسالة الجديدة- الثورة - لا يمكن أن تنتصر بمواعظ الفريسيين ومحاضرات البرجعاجيين (أصحاب البرج العاجي) وفلسفات الكلاميين بمعزل عن النضال الفعلي وعن التجسد والقدوة. شرط الثوري أن يبلغ الإيمان عنده بالثورة وقيمها حدّ العطاء الكلي. لأن الثوري يحيا لقيم الثورة. فإذا ما سقط في النضال تبقى قيمه مستمرة وخالدة في الجماعة الثورية الباقية.

كما أن النضال ذاته إذا لم تقرر خطاه وأهدافه ومراحله أحكام العلم الموضوعية، وإذا لم تنسق أعماله الوحدة الروحية النظامية التي تجمع الثورويين في نظام متين فإنما تهدده التناقضات الفردية والتفسخ النفسي فيصفعه الواقع القاسي الذي لا تشفع عنده الحماسة ولا العواطف ولا الخطب الرنانة، لذلك كان لا بد للحركات الثورية من دعامتين أساسيتين: وحدة الروح والعقيدة العلمية الصحيحة، ووحدة النظام، وكل انتقاص من هذين العنصرين الأساسيين يقضي على الحركات الثورية ويعطل قدرتها على البقاء والانتصار.

شرط العقيدة لكي تكون عقيدة ان تشكل نظرة الى الحياة في أساسها وشمولها، تبني عليها بنيتها الفوقية ومبادئها التفصيلية. ولم يعد جائزاً للعقائد في هذا العصر العلمي إلّا أن تستند الى العقل والعلم، فلا تساير العواطف والتقاليد والآمال المتناقضة مع حقائق العلم وأحكام العقل.

وشرط النظام لكي يكون نظاماً أن يكون معبراً عن روح العقيدة، مجسداً لها، ضامناً فعالية الجماعة في "روحية الفريق" الذي تتحد فيه "الأنا" المفرقة مع "النحن" الجامعة وتكتنه بها. أما الأشكال النظامية فإنها تبقى، على كبير قيمتها، ثانوية بالنسبة الى نظام الفكر والنهج الذي يجمع كل أفراد الفريق في إرادة واحدة، ونهج واحد، وهدف واحد.

يقول المعلم: " إن مبادئنا قد كفلت توحيد اتجاهنا، ونظامنا قد كفل توحيد عملنا في هذا الاتجاه".

على ضوء هذه القواعد العلمية المنطقية يجدر بنا، أيها الرفقاء: أن نستعرض سوية في نظرة خاطفة حركتنا السورية القومية الاجتماعية ومنطلقاتها الفلسفية وقواعدها الفكرية لنسبر نظرتها الجديدة وصحة علميتها وعمق ثوريتها.

ولا أنوي مراجعة المبادئ السورية القومية الاجتماعية. فقد أوردها المعلم بوضوح في كتاب "التعاليم" وشرحها في "المحاضرات العشر" وأرسى أصولها العلمية في كتاب "نشوء الأمم" وأوضحها في كتبه وخطبه وأحاديثه ورسائله وحياته. كما استمرت في ايضاحها ومعالجتها المؤسسات الحزبية الرسمية. وهي تشكل الإطار العقدي للنهضة السورية القومية الاجتماعية. ولكنني سأشير الى أهم المرتكزات الفلسفية والقواعد الأساسية للنهضة.

وقبل البدء لا بد من أن أشير الى خاصة هامة امتاز بها الحزب السوري القومي الاجتماعي وهي: التحديد العلمي المسؤول.

مما لا شك فيه ان التحديد العلمي المسؤول للعمل القومي والحزبي في امتنا والعالم العربي بدأ بسعاده. بالحزب السوري القومي الاجتماعي. ما سبقه كان تململات وجزئيات وتمنيات. وما تبعه تأثر به كثيراً ولكنه لم ينجُ من الترسبات العاطفية والأحكام التعسفية والفرضيات الوهمية المتعارضة مع الأسلوب والنهج العلميين. والتحديد العلمي واجب وضروري لنجاح الأعمال القومية التي تأخذ على عاتقها بعث أمة والنهوض بها، لأنه يوضح الأسلوب والهدف، ويوحد النهج والجهود. ويلغي المناورات والإنقسامات، كما يلغي الإستغلال والخصوصيات وعبادة الأشخاص التي تعطل فعالية الأعضاء وتهدر جهودهم وتضحياتهم.

ألمح سعاده الى هذه الخاصة بقوله: " امتاز الحزب السوري القومي الاجتماعي عن غيره بأنه حدد وأوضح. أعطى التحديد Définition للقضايا والأمور التي تواجه الحياة السورية والمجتمع السوري".

أما الشيوعية – وقد سبقت طلائعها ظهور الحزب السوري القومي الإجتماعي – فإنها عقيدة مستوردة كلياً تتعارض مع خط امتنا النفسي ونظرتها الى الحياة، علاوة عما للنهضة السورية القومية الاجتماعية عليها من مآخذ علمية وفلسفية وردت في دراسات ومنشورات عديدة.

*

القواعد الأساسية للنهضة السورية القومية الاجتماعية

المدرحية:

ليس الزعيم أول من قال بأن للوجود الإنساني ناحيتين أساسيتين: الناحية المادية والناحية الروحية. فالإنسان منذ وجوده البدائي عني بالمادة لتأمين حاجات بقائه الفردي واستمرار جنسه البشري. وكذلك الإنسان منذ وجوده الإجتماعي، منذ نشوء الجماعة، ظهرت فيه حاجات النفس والمطالب الروحية الكامنة التي فرضت ذاتها على الجماعات البشرية بشكل نهائي. فلم تخل جماعة في التاريخ البشري من المعاناة النفسية والتأمل الروحي اللذين نتج عنهما التراث الروحي عبر التاريخ في أساطير الجماعات الإنسانية وقيمها ومثلها ودياناتها. وقد كان لأمتنا قصبُ السبق في هذا الميدان الراقي. إن أساطيرنا الخالدة وآلهتنا الرائدة سجلت تململ النفس السورية في توقها الروحي الراقي. ومنها انطلقت الأسس الدينية السماوية التي تجسدت في الرسالتين الدينيتين الخالدتين: المسيحية والمحمدية.

وأمتنا وإن كانت منبع الرسالات الروحية الدينية السماوية، إلا أن حضارتها المادية كانت سابقة ومرافقة لهذا التطور الروحي السامي. ففيها ابتدأت أسس الحضارة المادية الإنسانية، وأسس الفكر الإنساني. فالدولة، والشرع، والأبجدية، والتعدين، والشراع، والصناعة، والمستعمرات تنشر العمران على شواطئ بحرنا السوري، كلها دليل على حضارة مادية راقية مهّدت للتطور الروحي ورافقته وجسدته يوم كان العالم الغربي لا يزال في معاناته المادية الروحية البدائية.

والإنسانية عبر تطورها المستمر عانت صراعاً دائماً بين الشأن الروحي فيها والشأن المادي وتفاضلاً بينهما أدّيا الى اختلال الأنظمة الاجتماعية وتخبطها في تناقضات ومضاعفات مخرّبة. وهي اليوم تهدد الإنسانية ومدنيتها العلمية الجبارة بكارثة قد تقضي على الإنسان وعلى مدنيته.

كثيرون قبل سعاده دعوا الى ضرورة إقامة التوازن بين الشأن الروحي والشأن المادي في الحياة الإنسانية، وبخاصة

بعد تطور القوميات وبداية الحروب العالمية المدمرة. غير أن نظرتهم كانت تقوم على مبدأ ضرورة التعايش بين شأنين متناقضين أو مستقلين لا تستغني الإنسانية عن أيهما ولا يمكنها أن تسير وترتقي بسيطرة أحدهما الكلية على الآخر.

الإنسانية عانت من العقلية الروحية الغيبية وتسلطها في الدولة الدينية ما عطل الإنسان في الإنسان. ذلك أن القيمين على تنفيذ السلطان الروحي ورعاياهم ليسوا ملائكة روحيين بل بشراً من مادة وروح. فعطلت مطلقاتهم وحتمياتهم الغيبية وشريعتهم السرمدية حرية العقل المسؤول. فغدت الانطلاقة الدينية التقدمية أغلالاً للإنسان تمنع تقدمه وتؤخر ارتقاءه وتحوله الى كائن غيبي مستسلم لا يرى في الحياة إلا وهماً. ولكنه وهم لا بد منه للعبور الى الحياة المثلى الآتية. وعادت الحياة المفرغة من معنى الحياة تعكس فراغها على الشأن الروحي فغدا طقوساً وطلاسم وكهانة وطائفية كادت تفرغ الدين من جوهره الحي وتجرّده من مثله وقيمه وفضائله الراقية.

والنظام الرأسمالي المادي الجشع، وإن أدعى الهوية الدينية الروحية، إلا انه نظام مادي طاغ. مارس ويمارس أبشع أنواع الإستغلال والمتاجرة بالشأن الروحي، وأشنع أنواع التحقير لإنسانية الإنسان وحقوقه النفسية. يقول سعاده: " إن نظام الطبقات الرأسمالي نتجت عنه مشاكل إقتصادية إجتماعية سببت وتسبب تشنجات واضطرابات شديدة تحفز العقل الى ابتغاء نظام جديد للمجتمع الإنساني يزيل تلك التشنجات والاضطرابات ويفسح المجال لتفاعل ينمي الحياة ويقويها ويجعلها صالحة للإنسان ومصالحه النفسية والمادية. إن للإنسان حاجاته الروحية والمادية كما له قواه الروحية وقواته المادية".

والنظام الماركسي المادي بدأت تعاني منه الدول الشيوعية، وبخاصة روسيا وأوروبا الشرقية، تناقضات فلسفيته الجزئية المادية المتنكرة للروح والمطالب النفسية. لقد سجلت المادية الماركسية تطويراً مادياً مذهلاً في روسيا السوفياتية لإنصبابها كلياً على الشأن المادي في نظامية ثورية مؤمنة شكلت ديناً مادياً. ولكن الدول الماركسية، بعد أن أمّنت مستوى الاكتفاء المادي الضروري لتـفـتُّـقِ النفس البشرية على كوامنها، وتفتحها على مطالبها الروحية الراقية، بدأت تظهر فيها تناقضات الفلسفة الجزئية المتنافية مع طبيعة الإنسان.

وبدأت تعاني الدول الشيوعية من حاجات النفس ما يحملها تدريجياً على الانفتاح عليها والسماح بممارستها ونشوء عقلية روحية وقيم نفسية الى جانب النظام المادي. إن هذه الظاهرة توضح بعض الخلاف بين شيوعية روسيا وشيوعية الصين. فالصينيون، وهم في مطلع ثورتهم المادية، لا يزالون خاضعين للظاها، وفي مرحلة تأمين الحاجات المادية الضرورية التي يجب أن يؤمنها الانسان قبل تفتحه الراقي على كوامن نفسه وادراك مطالبها الروحية. ان مطالب الحياة المادية حادّة فلا يمكن للمطالب النفسية أن تتألق إلا بعد تأمينها في مستوى معقول. ولا يشكل بعض الأفراد الذين يخرجون على هذه القاعدة الطبيعية إلا الشواذ النادر.

أما سعاده فإنه لا ينظر للشأن المادي كنقيض للشأن الروحي، ولا يرى الشأن الروحي نقيضاً للشأن المادي يتعارض معه وإن احتاجه حاجة النقيض للنقيض.

إن سعاده في عبقريته وعقليته العلمية أدرك أن الوجود الإنساني هو الوجود المادي – الروحي الموّحد في كيان عضوي واحد. فالوجود المادي بذاته ليس إنسانياً. إنه وجود الأشياء وربما العجماوات. والوجود الروحي بذاته ليس إنسانياً . انه وجود الملائكة أو وجود الله أو وجود الأفكار المطلقة.

الإنسان الإنسان هو المادة اكسبتها الروح المندمجة معنى وإدراكاً وغاية. وهو الروح أكسبتها المادة المندمجة تجسيداً واقعياً وقدرة على الفعل. فالمادة والروح ليسا نقيضين. بل هما عنصران متمم واحدهما للآخر ومحقق واحدهما للآخر في أسمى وجود على الأرض – الإنسان. فالمدرحية ليست قضية جمع بين الفلسفة المادية والفلسفة الروحية كضرورتين للحياة والتوازن، هي ليست جمع مصلحة. بل هي القول بوحدة الروح والمادة في مندمج كياني عضوي. مندمج أشمل من الروح ومن المادة تحققت كينونته الراقية في الإنسان.

يقول المعلم: " آمنت بكم ... أمة داعية الأمم الى ترك عقيدة تفسير التطور الإنساني بالمبدأ الروحي وحده، وعقيدة تفسيره من الجهة الأخرى بالمبدأ المادي وحده. والإقلاع عن اعتبار العالم، ضرورة، عالم حرب مهلكة بين القوة الروحية والقوة المادية. والى التسليم بأن أساس الإرتقاء الإنساني هو أساس روحي – مادي (مدرحي). وأن الإنسانية المتفوقة هي التي تدرك هذا الأساس وتشيد صرح مستقبلها عليه... إن العالم يحتاج الى فلسفة جديدة تنقذه من تخبط الفلسفات الجزئية وضلالها. وهذه الفلسفة الجديدة التي يحتاج إليها العالم - فلسفة التفاعل الموحد الجامع لقوى الإنسانية – هي الفلسفة التي تقول بها نهضتكم ".

ولم يقف سعاده في تفسيره الوجود الإنساني تفسيراً مدرحياً عند حدود البحث الفلسفي المطلق. بل أرسى النهضة السورية القومية الاجتماعية ونظامها الجديد على هذه القاعدة الفلسفية الدقيقة. انه هدف الى تأمين الإنسجام الفكري الإجتماعي في المجتمع السوري المنشود وتخليصه من هدر الطاقات وبعثرة القوى في حرب جاهلية بين القوى الروحية والقوات المادية. وذهب الى أبعد من السلبية بتوضيحه أن الإرتقاء المادي لا يستطيع أن يصل الى الأوجّ المؤهلة له الإنسانية ويؤدي أغراضه الراقية إلا إذا استند الى رقي روحي متواز يحفز الى الأسمى والأكمل والأجمل. وكذلك الإرتقاء الروحي لا يمكن أن يصل الى ذروته المؤهلة لها الإنسانية إلا إذا تأمن الإرتقاء المادي الموازي والذي يتيح للنفس أن تنصرف الى معالجة قضاياها وممارسة مثلها وقيمها في مناخ مرتاح من إلحاح الحاجات المادية وسيطرتها الطاغية. لأنه إذا لم يتأمن التناسق بين مقومي الوجود الإنساني يصبح الوجود الإنساني مسخاً مشوهاً. فإما تعملق مادي وتقزم روحي، وإما تقزم مادي وضياع روحي قد يحسبه دعاة الفلسفات الجزئية تجلياً، وإما تقزم كلي مادي روحي يبقى على تخلفه وجوداً طبيعياً بدائياً غير مشوّه.


والزعيم قد أولى الشؤون الروحية في كتاباته وتعاليمه إهتماماً مباشراً وجعلها في صلب مبادئ النهضة. فالمبدأ الأساسي السابع يعتبر الثقافة السورية المادية – الروحية المنبع الذي تستمد منه النهضة روحها واتجاهها النفسي الذاتي وتبني عليه استقلالها الروحي الرامي الى تحقيق وجود سالم جميل في هذه الحياة والى استمرارها حياة جميلة. ويقول في شرح المبدأ الإصلاحي " كل أمة تريد أن تحيا حياة حرة مستقلة تبلغ فيها مثلها العليا يجب أن تكون لها وحدة روحية متينة " ويتبنى في شرح المبدأ الإصلاحي الأول ما قاله والده الدكتور خليل سعاده " إن الدين من حيث ناحيته الروحية وجد لتشريف الحياة والسمو بها من مرتبتها الحيوانية الى مرتبة روحية تطهر الأخلاق وتهدم الفواصل غير الطبيعية القائمة بينه وبين أخيه في الوطنية والبشرية".


إن الحزب السوري القومي الإجتماعي يحارب علانية فكرة السلطة الزمنية للدين، أي الوجهة الدنيا من الدين، التي حاولت تحسين الحياة في عهود الرسالة الأولى. وقد حسنتها بالفعل ولكنها عصت بعدها كل تحسين تطلبه الحياة المتطورة. وحربه هذه تقف دون الناحية الدينية من الدين. فيقول الزعيم " هذه هي الوجهة – الوجهة الدنيا – التي يحاربها الحزب السوري القومي الإجتماعي لا الأفكار الدينية الفلسفية أو اللاهوتية المتعلقة بأسرار النفس والخلود والخالق وما وراء المادة " ويقول في شرح المبدأ الإصلاحي الثاني " إذا منعنا رجال الدين من التدخل في شؤون القضاء والسياسة ساعدناهم على رفع منزلة الدين وعلى احترامه ".

إن سعاده في إرساء نهضته على الفلسفة المدرحية يخلص المجتمع السوري من التخبط في تناقضات مزمنة ويدفعه في دروب القوة والغنى المادي ورحاب التسامي النفسي والتألق في قيم الحق والخير والجمال والعدالة وترقية الحياة وتحسينها بفعل العقل وهداية القيم والمثل العليا وروح المسؤولية الإنسانية . كما يفتح أمام المجتمع السوري أبواب التفاعل الواثق مع الإنسانية جمعاء من أجل التعاون في بناء المدنية الإنسانية الشاملة.

*

القومية الاجتماعية:

إذا كانت المدرحية هي المرتكز الفلسفي لنهضتنا الرائدة فالقومية الإجتماعية هي عقيدتنا العلمية التي تجسدها مبادئ النهضة ونظامها. وعقيدتنا كما يدل اسمها " هي قومية لأنها تقول بالأمة والولاء القومي". وهي اجتماعية لأنها تعتمد الواقع الاجتماعي أساساً لنشوء الأمة وتحديدها " ولأن غايتها المجتمع الإنساني، المجتمع وحقيقته ونموه وحياته المثلى".

يختلف المفكرون في تحديد الأمة وتتباين آراؤهم بشأنها مما أدى ويؤدي الى التخبط في مضاعفات كانت لها يد

أساسية في حالات عدم الإستقرار والنكسات التي انتابت وتنتاب الأمم في نشوئها وتكوينها وسيرها وتفتتها. وبخاصة الأمم التي خسرت سيادتها على نفسها وخضعت لإرادات أجنبية تعمل فيها قطعاً ووصلاً حسب منافعها وأهوائها. فالباحثون في نشوء الأمم وتحديدها التبست عليهم النتائج بالأسباب. فراحوا يعددون النتائج الحاصلة من وجود الأمة، من وجود المجتمع، وكأنها هي الأساس المسبب لنشوئها وتكوينها، فاعتبروا مثلاً الدين واللغة العاملين الأساسيين في نشوء الأمم بينما هما نتيجة لوجود الأمة وحصيلة نموها وتفاعلها الحي. وبعضهم نظر الى الأمة نظرة تتخطى الواقع الجغرافي والاجتماعي فاعتبر الإرادات والآمال العاطفية المنبثقة من عصبيات دينية أو عرقية دموية كافية لإنشاء الأمم، فهدروا جهود الجماعات المتلمسة هويتها وعزتها القوميتين في نضال متعثر يصطدم مع الواقع القاسي. وبعضهم اعتبر الكيانات السياسية كافياً لبناء الأمة وكأن الأمة شأن اعتباطي تقرره المعاهدات والظروف السياسية ومصاحباتها الغريبة. وبعضهم راح يجمع العوامل المسببة والناشئة والمصاحبة للأمم في عمليات جمع وطرح حسابية، فيختار ما يوافق هواه ونظرته، ويهمل ما لا يتوافق معها، ويدبج مقالات ونظريات مطولة محاولاً أن يجعل منها عقائد تصلح لبناء الأمم وسيرها وحياتها. وإذا ما تغيرت الظروف أو تعدلت العلاقات السياسية فإنه يغير ويعدل في نظريته، معتبراً هذا التغيير والتعديل تطويراً يشير الى حياة النظرية وقابليتها لمرافقة التطور الإنساني في إطار التاريخ الحي.

سبب هذه البلبلة في تقييم الأمم وعوامل نشوئها وتطورها إخضاع الأمم للشؤون السياسية ورغباتها، والنظرة الى الأمة وكأنها مجموعة عناصر وخصائص وظواهر ومميزات، متى تيسر وجود عدد كاف منها في جماعة من البشر تمت لهم مقومات نشوء الأمة ووجودها.

إن الأمة شيء أعمق وأشمل من مجموع العناصر والخصائص والظواهر والمميزات المادية والنفسية التي تنشأ في الجماعات البشرية. إنها كلٌ عضوي حي. فيه تنشأ الخصائص والمميزات وفيه تجد معناها وغايتها. انها كلُ عضوي انساني طبيعي أمثل. " انها واقع اجتماعي يجد أساسه قبل كل شيء في وحدة أرضية معينة، تتفاعل معها جماعة من الناس وتشتبك وتتحد ضمنها ". تشتبك في تفاعلها المادي والنفسي وتتحد بالاشتراك في دورة الحياة الطبيعية الكبرى الواحدة: فتنشأ الوحدة الاجتماعية الطبيعية التي هي الأمة. وهذا التحديد العلمي الواقعي الذي ينظر الى الكل العضوي في وجوده الاجتماعي الطبيعي الحي الفاعل يضع حداً لأشكال المنطق الصرف وتراكيب الكلام المضللة والافتراضات التعسفية.

استناداً الى هذا التحديد العلمي الطبيعي الاجتماعي المبدئي الذي شرحه المعلم وعللّه في كتاب "نشوء الأمم"، هذا التحديد الحي الواقعي، هذا التحديد البسيط في وضوحه، العميق في نظرته، تمت لدينا القناعة بوجود الأمة السورية وحقيقتها القومية. " وقد كانت هذه الحقيقة قبل نشوء الحزب السوري القومي الاجتماعي حقيقة كامنة، واصبحت بعد

تأسيس الحزب حقيقة بالفعل ". اصبحت قيمة " لأن الحقيقة تظل في ذاتها حقيقة ولكنها في ذاتها ليست قيمة. فهي لا تكون قيمة إلا بالمعرفة. فالحقيقة من حيث هي قيمة انسانية هي قطبان: الوجود والمعرفة. الوجود بلا معرفة ليس قيمة. والمعرفة بلا وجود هي مجرد افتراض. انها ليست معرفة صحيحة مهما عظم الوهم انها كذلك. فالأمة السورية كانت موجودة بذاتها قبل الحزب. وكانت موجودة في إدراك الجماعة في تاريخها القديم. فالأصول السورية المشتركة يشكل وجودها وامتزاجها حقيقة علمية تاريخية على أساس اثني نفسي تاريخي، اشتركت في دورة الحياة الطبيعية الكبرى في بيئة الهلال الخصيب الطبيعية التي تشكل وحدة اقتصادية زراعية استراتيجية. وتاريخ الدول السورية القديمة الأكادية والكلدانية والآشورية والحثية والكنعانية والآرامية والآمورية تدل كلها على اتجاه واحد: الوحدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والاستراتيجية لهذه البيئة الطبيعية المميزة والتي يشكل البحر والصحراء والجبال حدودها الطبيعية الفاصلة. وهي هذه الحدود الواضحة الطبيعية الفاصلة التي جعلت الامتزاج وتكوين الشعب السوري العظيم ممكناً. حاصلاً بالواقع. فهي قد دفعت الأصول السورية الى التمازج وانشاء نسيج شعبي واحد بقدر ما منعت التمازج ما وراءها. كما قدمت له الامكانيات الطبيعية المتنوعة من مناخ وسهول وجبال وانهار ومعادن مكّنت الشعب السوري ان ينمو وينشئ ثقافته وتمدنه اللذين وجها الثقافة والتمدن في العالم كله ".

غير أن فقدان الأمة السورية سيادتها على نفسها ووطنها بعامل الفتوحات الخارجية الكبرى وإخضاعها لسيادات خارجية، عرّض البلاد الى انقطاع تاريخها القومي وأدّى الى تجزئتها وضياع هويتها القومية. فخضوع سورية القديمة للسيادتين الخارجيتين: بيزنطية في سورية الغربية، وفارس في سورية الشرقية (إيراه. ومنه كانت اللفظة المعرّبة عراق)، وكذلك خضوعها في التاريخ الحديث للاستعمارين الفرنسي والبريطاني، أدّيا الى قيام الكيانات المرتجلة والتسميات السياسية المجزأة. فكانت فلسطين وشرق الأردن والشام والاسكندرون ولبنان والعراق والكويت، كما كانت سورية قد خسرت كيليكية لتركية وقبرص لليونان وسيناء لمصر وأخيراً فلسطين "لإسرائيل". إن سورية الطبيعية تشمل جميع هذه المناطق التي لا يستطيع أي انسان مسؤول أن ينكر وحدتها الجغرافية الزراعية الاقتصادية الاستراتيجية الاجتماعية القائمة بالقوة. وعلى النهضة السورية القومية الاجتماعية أن تعمل لقيامها بالفعل في وجدان المجتمع السوري كله. لأن انتصار النهضة القومية الاجتماعية وقيمها وعزتها لا يمكن أن تتم بدون اكتمالها.

هذا هو الوضع الفكري بالنسبة الى مفهوم الأمة عموماً وبالنسبة الى امتنا السورية بالتخصيص.

أما النظرة القومية بالذات، التي هي التعبير الروحي عن شخصية الأمة والولاء لها، فقد تباينت الآراء في شأنها وفي تقييمها، وتطورت مفاهيمها من العصبية السلبية (الشوفينية) الى رفض القومية واعتبارها ردّة رجعية تتنافى مع خط التطور الانساني السائر الى صهر الانسانية كلها في اخوة روحية حضارية شاملة. أو على حد قول الماركسية المادية النظرية، في وحدة طبقية عمالية عالمية (يا صعاليك العالم اتحدوا) تلغي الطبقات الاقتصادية وتقضي بذلك على القوميات ومبرراتها.

أما نهضتنا فإنها لا تنظر الى القومية من زاوية الشوفينية السلبية التي تفصل المبدأ القومي عن المبدأ الانساني، والتي لا تستطيع أن تفسر الولاء القومي إلا كرهاً للأجانب وطمعاً بهم واستغلالاً وتحقيراً لهم.

ولا تنظر الى القومية من زاوية الماركسية المادية النظرية التي تجرها فلسفتها الجزئية وحتميتها المادية التاريخية الى حصر تفسير التطور الانساني في العلاقات المادية الاقتصادية، فتهمل القيم القومية الايجابية الانسانية وتتخطى كل العوامل النفسية والثقافية في بناء الأمم ونشوء نظرتها الى الحياة والكون والفن.

إن عقيدتنا القومية الاجتماعية تنظر الى القومية من زاوية الحقيقة الانسانية الاجتماعية. انها نظرة إيجابية لا سلبية. انها فعل لا ردة فعل، فالنظرة القومية السلبية الشوفينية ليست انسانية لأنها تحقر الانسان. تحقر الانسان الذي تضطهد وتستغل وتستبعد فتجرده من حريته وسيادته وثروته. تجرده من انسانيته قسراً. ولكنها تحقر أكثر الانسان الذي يمارس عمليات الاضطهاد والاستغلال والاستعباد، وتقتل فيه الانسان. تقتل فيه الفضائل والقيم الراقية والمثل الانسانية. انها تحقر ذاتها. تكسب العالم وتخسر نفسها.

والنظرة "الانسانية الروحية" ليست فعلاً. انها ردة فعل لمآسي القومية السلبية وويلاتها وعاهاتها الروحية. وهي نظرة جزئية الى الحياة الانسانية. هي نظرة روحية تتجاهل الحياة في واقعها الاجتماعي المادي الروحي.

والنظرة الماركسية المادية ليست فعلاً مهما تعللت بالعلمية والموضوعية والفلسفة. هي ردة فعل فلسفية للفلسفة الروحية الغيبية ومتاجراتها. وهي ردة فعل انسانية لنظام الطبقات الرأسمالي البشع . ونضالها الانساني في سبيل تحرير الطبقة الكادحة المستغلة ملك عليها قدرتها على الرؤية الشاملة فلم تستطع أن تخرج عن اطار العلاقات الاقتصادية.

والعدالة الاقتصادية مهما تسامت في سلّم القيم فإنها تبقى أحد وجوه التعبير عن العدالة الانسانية، وأحد ميادين تجسيدها. فالعدالة الاقتصادية تحقيق مادي، أو محاولة تحقيق، في حقل الاقتصاد، لقيمة إنسانية نفسية اجتماعية هي قيمة العدالة. فهي بذاتها ليست القيمة الكلية إنها أحد وجوهها. وحصر النظرة الى العدالة في هذا الوجه بالذات اجتزاء للقيمة وحصر لها. وحصر النظرة الى الانسان والانسانية في زاوية الوجه الاقتصادي المادي وحده اجتزاء للانسانية وحصر لها. وهذا يعرض الانسانية وقيمها، ومن بينها العدالة، والعدالة الاقتصادية ذاتها، الى الجمود والتقلص وعدم القدرة على الحركة والفعل والنمو. فلا يستطيع جذر واحد – جذر الاقتصاد – مهما كبرت قيمته أن يؤمن التطور والنمو الصحيحين للمجتمع في كل مجالاته النفسية والمادية.

أما القومية الاجتماعية فإنها تقول بالقومية من زاوية القول بالأمة، من زاوية القول بالمجتمع الانساني الأمثل الذي هو الأمة، ومن زاوية الولاء لهذا المجتمع الانساني الذي "هو متجه القيم الانسانية كلها ومصدرها وغايتها وضامن استمرارها" لأن القيم الانسانية هي قيم اجتماعية. والاجتماع ليس شيئاً مقرراً بالاختيار من قبل الافراد ينشأون خارج المجتمع ويقررون بإرادتهم الانتماء إليه.

ليس للفرد وجود "إنساني" خارج المجتمع. الوجود خارج الجماعة هو وجود " الوحوش" أو وجود "الآلهة" (أرسطو). الانسان الانسان هو بالضرورة كائن اجتماعي. ولا نعني بقولنا "كائناً اجتماعياً" انه يعيش في المجتمع. يؤمّن فيه عيشه وأمنه وسلامته وإستمراره البيولوجي. بل نعني ان كينونته الانسانية، وجوده الانساني، حضارته، قيمه، مثله، غايته، لا تكون إلا باجتماعيته. لقد مرت ألوف القرون على الكائن البشري وهو في حالته البدائية الوحشية. يعيش بغريزته ويعيش لها. فلم ينشئ حضارة. لم يتأنسن. بدأت حضارته وبدأت إنسانية فقط في المرحلة الاجتماعية من تاريخه الطويل. في الجماعة التي لا يزيد تقدير تاريخها على بضع مئات من القرون. وسرعة نمو حضارته، نموه الانساني، تزداد كلما زاد التلاحم العضوي والتفاعل في الجماعة. إن تطور حضارته وانسانيته مرافق لتطور اجتماعيته وتلاحمها واكتمالها.

حتى "الفردانية" – كقيمة يدعيها دعاتها- لا وجود لها في هذا المعنى إلا في الجماعة. فالفردانية، إن افترضنا أنها قيمة، هي بالضرورة قيمة اجتماعية. خارج المجتمع لا يدرك الفرد شخصيته الفردية فلسفياً. يدركها فقط غريزياً وبيولوجياً.

يقول "كانط" :" الانسانية هي الموضوع والغاية وليست وسيلة لأي شيء. والشخص الانساني هو الأول والمتقدم منطقياً وخلقياً. وهو في ذاته المنطلق والغاية". ويردد الفردانيون هذا القول معتبرينه غاية الإرتقاء والتحرر. هذا قول يحمل خطأه في نصه. أجل ان الانسانية هي الموضوع والغاية، ولا يجوز أن تكون وسيلة لأي شيء سواها. ولكن هل الإنسانية هي الفرد بذاته. الفرد في محدوديته. وهل للفرد بذاته إنسانية خارج الجماعة. أوليست الإنسانية ذاتها، التي تعطي الفرد قيمة ومعنى، أوليست هي قيمة اجتماعية كلياً ولا وجود لها إلا في الجماعة؟

قد يعتقد البعض أن في هذا القول محاولة ضمنية لشخصنة المجتمع باستقلال عن الأفراد. والمجتمع في ذاته لا وجود له. نعم، لا مجتمع دون أفراد. المجتمع لا يقوم ولا يكون إلا بالأفراد في تعاقبهم وتتاليهم. وكذلك أيضاً لا أفراد "إنسانيين" دون مجتمع. لا إنسانية دون مجتمع. لذلك فالفصل بين الفرد – الإنسان والمجتمع وكأنهما كائنان منفصلان قول خاطئ. لا يمكن أن يستقل أو ينفصل الواحد عن الآخر ويبقى. والنظر الى الفرد – الإنسان والمجتمع وكأنهما نقيضان في صراع، قول خاطئ أيضاً.

النظرة السليمة هي الوحدة العضوية الحية التي تجمع الفرد – الانسان في مندمج إنساني حضاري مدرحي راق. هو إنسان سعاده. الإنسان – المجتمع. "الذي يرفع الانسان من حدود فرديته المنحصرة في امكانياتها الى مطلق اجتماعيته المنفتحة على الكون" ان نظرة سعاده الى الانسان أسمى وأرقى من النظرة الفردانية الخاطئة. لأن الفرد في حد ذاته وضمن ذلك الحد هو مجرد امكانية إنسانية. ولا تصبح الامكانية فعلاً، لا تحقق ذاتها، إلا بالجماعة. ولا تحقق ذاتها بأمثل ما يكون إلا بالجماعة المثلى، في المجتمع الأمثل.

وما هو المجتمع الأمثل؟ ماذا يقرره؟ ماذا يحدده؟ هل يضيق الى حد المتحد العائلي، أم يتسع ليشمل الوجود الانساني العالمي؟

إن أمراً في مثل هذه الخطورة لا يجوز أن تقرره الأقوال الاستبدادية المطلقة. لا يجوز أن تقرره إلا الحياة ذاتها. الحياة في تطورها وخطها الاجتماعي. فالمجتمع الأمثل هو الذي تقرره وحدة الحياة الاجتماعية الطبيعية الكاملة المنفتحة على الانسانية والمنطلقة من المتحد العائلي. فلا تضيق حتى تخسر مقومات البقاء والتقدم والإرتقاء. ولا تتسع وتنفلش حتى تنعدم الصلات الحياتية والروحية بين الجماعة. وهذه الوحدة الحياتية المنطلقة من العائلة والمنفتحة على الإنسانية هي الأمة في تحديد سعاده. فالأمة هي الوسط الأكمل الذي تتحقق فيه إنسانية الإنسان على أرقاها. من هنا ولاؤنا القومي للأمة وحياتنا لها واستعدادنا للموت في سبيل صيانتها وسيادتها وحريتها وعزتها.

من هنا قولنا "أمة واحدة مجتمع واحد". وعلى هذه القاعدة الاجتماعية، قاعدة وحدة المجتمع تقوم وحدة المصالح، ووحدة الحياة، وعضوية الدولة، وتساوي الحقوق لأبناء الأمة. على هذه القاعدة فقط تقوم المصلحة العامة الصحيحة التي لا يمكن التعويض عنها بأية ترضيات أو مواثيق وطنية.

على أساسها تقوم قاعدة العدل الاجتماعي الحقوقي التي تساوي بين المواطنين والتي تنقذ الأمة من تناحر العصبيات الدموية والمذهبية والطبقية فتـنتـفي عوامل التجزئة، وتزول الأحقاد، ويمّحي الاستغلال وتسود المحبة القومية، فتـنتـفي مسهلات دخول الارادات الأجنبية في شؤون أمتنا الداخلية.

على أساسها تقوم قاعدة العدل الاقتصادي الحقوقي بين جميع المشتركين في الإنتاج القومي. وكل إنتاج في الأمة هو إنتاج قومي، المصلحة فيه للشعب، للمجتمع وليس للأفراد كأفراد. "إن ثروة الأمة العامة يجب أن تخضع لمصلحة الأمة العامة".

إن النظرة الإجتماعية في نهضتنا لا تنحصر في وجه من وجوه الحياة القومية بل تشمل كل نواحي ال


 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه