إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

تركيا: الدور المرسوم والمناورة المفترضة

العميد الركن المتقاعد وليد زيتوني - البناء

نسخة للطباعة 2015-08-17

إقرأ ايضاً


تشير الأحداث الدائرة على الحدود التركية الآن إلى بداية رسم أفق المرحلة المقبلة من المخطط الأميركي الغربي للمنطقة. فالتصريحات المتأرجحة لكلّ من الولايات المتحدة وزعماء حزب العدالة والتنمية التركي، تظهر تبايناً واضحاً في الأهداف، وبالتالي اختلافاً في الوسائل لتحقيق هذه الأهداف. فبينما تسعى تركيا إلى رفع سقف طموحاتها أملاً في الوصول إلى دور إقليمي مركزي يصل إلى استيعاب العالم العربي سياسياً تحت جناحها، ووضع اليد مباشرة على مناطق جغرافية تحتوي ثروات طبيعية من بترول ومياه في شمال سورية. باعتبار هذه الثروات والمناطق هي ضرورية لجعلها دولة متحرّرة نفطياً بشكل نسبي وكمقدمة لتثبيت هذا الدور، تسعى الولايات المتحدة إلى دور تركي محوري يخدم منظومة نهبها، وليس دوراً مركزياً كما يشتهيه الأتراك.

الضوابط الأميركية الموضوعة لتركيا أصبحت واضحة المعالم. فمن جهة هي عضو في حلف شمالي الاطلسي كأداة عسكرية يؤمن الجناح الشمالي في مشروع ديمومة عالمية أميركا المطلق، ومن جهة أخرى لم ولن تقبل عضواً فاعلاً في الاتحاد الأوربي، وهذا يعني بقاءها في إطار الدول النامية اقتصادياً، وبعيدة من المشاركة الفعلية في القرار السياسي العالمي.

من هنا نستطيع قراءة وتتبّع اللغط الحاصل في ما يُسمّى «إقامة منطقة عازلة في الشمال السوري». أدرك الأتراك أنّ الولايات المتحدة الأميركية لا تنوي فعلياً تدمير بنية «داعش»، بل تعمل على استيعابها وتنظيم حركتها بالشكل الذي يخدم مشروعها. وهذه مسألة تتلاقى نسبياً مع الأهداف التركية. فالحفاظ على «داعش» يؤمّن مصالح تركيا في طموحاتها الاستراتيجية على المستوى العسكري كأداة تهديد للمحيط، والاقتصادي باستمرار تدفق النفط عبر تركيا من الآبار المنهوبة في سورية والعراق.

وتحت عنوان محاربة الإرهاب الشكلي عند الولايات المتحدة دخلت تركيا مسألة محاربة حزب العمال الكردستاني لسببين مباشرين. السبب الأول عام يتعلق بالتهديد الدائم بإقامة دولة كردستان الثانية على الحدود التركية ـ السورية، كون دولة كردستان الأولى أصبحت واقعاً موجوداً في العراق. والسبب الثاني خاص حزب العدالة والتنمية وهو القيام بحملة تأديبية لأكراد تركيا كنتيجة لموقفهم المعارض لهذا الحزب في الانتخابات التشريعية الأخيرة، أملاً في تطويعهم قبل الذهاب إلى انتخابات مبكرة جديدة كنتيجة حتمية لعدم التوصل إلى تأليف حكومة أكثرية.

غير أنّ الحسابات الاميركية في ميزان مصالحها هي غيرها عند الأتراك. وعليه فإنّ أميركا لن تترك تركيا طليقة اليدين في المسألة الكردية، بل ستبقى ضمن حدود الاتفاق الأخير بين البلدين، القاضي باستخدام قاعدة انجرليك لضرورات الأمن الأميركي في روسيا وجمهوريات الوسط الآسيوي مقابل السماح للأتراك بضرب حزب العمال الكردستاني بالعمقين السوري والعراقي جوياً، واستخدام القوى البرية لرفع وتيرة الضغط ضمن هوامش الاختراقات البسيطة زمانياً ومكانياً. فأميركا تعوّل من الضربات التركية المحدّدة للأكراد تطويع القوى المعارضة للبرزاني الاصطفاف خلفه، ليتسنى لها في ما بعد كبح جماح المشروع التركي عندما تدعو الحاجة، واستخدامهم أداة ضغط ومساومة في العراق وسورية وحتى في إيران. فالولايات المتحدة ليس من مصلحتها إقامة دولة كردية ثانية تتناقض مع الأولى، إنما توزع كردي مدروس على حدود الدول المذكورة سابقاً. هذا الوضع يؤمّن مصلحتها، ويبقي تركيا وكردستان في تقارب ضمن المشروع الواحد الذي يؤمن مصالحهما أيضاً.

لم تكن الهدنة في الزبداني والفوعة وأخواتها لتكون لولا الإقرار التركي بالدور الإيراني المحوري على حساب دول الخليج مجتمعة. وهي محاولة تركية للعب دور مضخم بالشكل ومع إيران تحديداً لقياس مدى القبول الأميركي بحدود مناورتها على الحدود الجنوبية والجنوبية الشرقية.

لكن يبقى السؤال الأهمّ، هل سيتناغم الداخل التركي وتحديداً المعارضة مع حزب العدالة والتنمية في مشروعه هذا؟ أم أنّ تحوّلاً أميركياً قد حصل بالتخلي عن حركة «الإخوان المسلمين» والعودة بتركيا إلى مرحلة ما قبل حزب العدالة والتنمية تماماً كما حصل في مصر وتونس؟

إنّ الاشهر القليلة المقبلة ستكشف المستور، وتحدّد وضع أردوغان الموتور.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024