إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

كي لا ننسى حق العودة

ماورتيسيو موسولينو

نسخة للطباعة 2015-08-21

ثلاثة وفود إيطالية تتوجّه لأماكن اللجوء الفلسطيني.

الاحتلال له آلاف الوجوه، وآلاف الظلال، والتي تنحصر وتبرز في الحياة اليومية وتجعلها غير إنسانية. الاحتلال ليس شيئاً مجرداً، غير معروف، ولكنه يتجسّد مع الاستغلال والحرمان، لهدف كسر مقاومة وإرادة الشعب الذي يعاني من الاحتلال. وهذا هو بالضبط ما يحدث في فلسطين، حيث تفرض إسرائيل على رجال ونساء ـ ذنبهم الوحيد أنهم يريدون استعادة كرامتهم ـ سياسة الفصل العنصري الذي لا يُطاق. وهي تفعل ذلك بتواطؤ مع دول وحكومات، مرة من خلال المساعدات المباشرة ومرة بالصمت المذنب الذي يدعم الاحتلال. الاحتلال هو نقيض الحياة: إن عدم القدرة على العمل، والرعاية، والعلاج، والدراسة، او امتلاك العواطف والأحاسيس، والقائمة تطول، وهي طويلة جداً.

الاحتلال هو أيضاً التطهير العرقي، وإرادة متعمّدة لاقتلاع شعب من أرضه وجعله شيئاً آخر غير معروف، نكرة، لا شيء. الصهيونية وضعت ذلك موضع التنفيذ دائماً، منذ تلك الأيام المأساوية بعد الحرب العالمية الثانية، عندما طرد مئات الآلاف من الفلسطينيين من منازلهم بقوة ورعب الإرهاب والدمار. من هناك بدأ شتات هذا الشعب، في مخيمات اللجوء، التي استضافتهم دول الجوار على مضض، ومن دون حقوق، وتجاهلهم غرب متغطرس وأناني، وتمّت إدانتهم بعدم تمكينهم من العودة إلى ديارهم من قبل مجموعة دولية، صمّاء وعمياء وخرساء، باختصار: متواطئة مع الجريمة التي تم إعدادها. حق العودة أصبح أحد العناصر التي تثبت فكرة الشعب وتقرير المصير في فلسطين. هو العامل الذي يوحّد كل الشعب الفلسطيني، ويتغلب على الحواجز والائتلافات والأحزاب والانقسامات المتعددة التي تضعف اليوم المقاومة ضد المحتل الإسرائيلي.

كان هذا هو الواقع الأولي، في الوقت نفسه بدائياً وصادماً، الذي دفع نساءً ورجالاً يعتقدون أن حق العودة هو نقطة مركزية لا يمكن إزالتها من مستقبل الشعب الفلسطيني، على وضع مبادرة لهذا الصيف باقتراح إرسال وفود عدة لزيارة أماكن الشتات الفلسطيني، وتشكيل خمسة وفود في وقت مبكر، لزيارة لبنان والضفة الغربية وغزة وسوريا والأردن. ولكن ضراوة الصراع الوحشي الذي يُدمي سوريا منذ سنوات، جعل هذه الفرضية غير عملية. في الأيام الأخيرة، جزء آخر من هذه الزيارات تعرّض لعملية بتر مؤلمة: غزة. من القاهرة، الشريط الأرضي الى جنوب فلسطين لا يمكن الوصول إليه، ومعبر رفح مغلق. وسيناء، أصبحت مسرحاً للحرب بين الحكومة المصرية والميليشيات المختلفة المتواجدة في المنطقة، وأصبحت أرضاً حراماً، ما يشبه «حقل ألغام» لا يمكن تجاوزه لتصبح مبرراً لقصيري النظر في المجتمع الدولي لاستمرار الحصار الجائر ضد غزة، لتبقى سجناً مفتوحاً على السماء لأكثر من مليون ونصف مليون إنسان.

العام الماضي وخلال عمليات القصف ظهرت بوضوح استحالة الحياة في غزة. وكان هناك حديث عن إمكانية فتح المعابر، وإنشاء ميناء ومطار. انتهت المجزرة المتكرّرة، وأطفئت الكاميرات، ولم يتغير شيء، حتى لو كان ذلك التغيير ممكناً.

التغيير الذي حدث هو من السيئ إلى الأسوأ وهذا يستحق التفكير الجاد من جانب حركة التضامن مع فلسطين بعدم تأجيل التعبئة الفعالة للحرب المقبلة او المذبحة المقبلة. علينا واعتباراً من أيلول المقبل أن نعمل لمبادرة نتجاوز جميعاً ما لدينا من الخصوصيات والأنانية، للمطالبة بوضع نهاية فورية للحصار وفتح ممر يسمح للفلسطينيين بالدخول والخروج من غزة من دون أن يخضعوا لظلم وغطرسة حكومة تل أبيب.

وفود «لجنة كي لا ننسى حق العودة» لن تتوقف وهي تغادر إلى الجهات الثلاث قوية بمعرفتها أنه لا يوجد أي تعويض قادر على تسديد عشرات السنين من المعاناة والعذاب والتشتت. إن الاعتراف بهذا الحق هو السبيل الوحيد لتقديم حل يُنهي احتلال الأراضي الفلسطينية.

إن موضوع حق العودة للشعب الفلسطيني تمّ تجاهله من قبل الكثيرين داخل العالم العربي الشرق اوسطي وخارجه، لم يعد ممكناً التحايل عليه أو وضعه جانباً تحت مدّعيات المساومة والتوافق. إن الوفود الثلاثة تقوم بالتذكير مع الأصدقاء الفلسطينيين بضحايا المجازر الإسرائيلية، إضافة لما يحملونه من تضامن سياسي ودعم إنساني للشعب الفلسطيني. نريد للمبادرة التي نحن بصدد القيام، بالتعاون مع أصدقائنا الفلسطينيين، الذين نعمل معهم جنباً إلى جنب ومنذ سنوات في اللجنة الدولية «كي لا ننسى صبرا وشاتيلا» ومع جريدة «السفير» اللبنانية، أن تتحول إلى بداية مركزية لعقد اجتماعات عديدة في جميع أنحاء إيطاليا ـ كما حدث في الأسابيع الأخيرة حيث ـ هذه المسيرة ينبغي أن تتكرر في مبادرات مماثلة في جميع انحاء الأراضي الإيطالية يكون جدولها مركزاً على «حق العودة».

إن وجودنا في لبنان والضفة الغربية والأردن، هي للتنديد بواقع مأساوي غير مقبول، تعود أسبابه ويتحمّل مسؤوليته الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024