إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

«ميشال»... عذراً على التأخير

سمير رفعت - البناء

نسخة للطباعة 2015-10-07

إقرأ ايضاً


رفيقي الشهيد خالد… اعذرني لأني أتيت الكتابة إليك متأخراً قليلاً، ربما بسبب بعض الخدَر الذي بدأ يتسلل إلى قلمي وذاكرتي وأوراقي، ووطني الذي استحوذ على ما تبقى من القلب والعقل…

سأعود معك يا خالد إلى أيام الاجتياح «الإسرائيلي» للبنان، حين كانت بيروت الغالية محاصرة… أو بالأحرى بيروت الغربية، كما كانوا يسمّونها حينذاك، وكنتُ محاصراً فيها أحاول أن ألملم جراح رفقائنا ورفيقاتنا على الجبهات وخلف المتاريس، على الأقلّ بأن أتواجد معهم في أماكن العز القومي بوجه عدو الوجود.

رحتُ وزوجتي أتفقدك في البناء الذي أمْطَرَهُ العدو بقنابل الفوسفور، فأصبح شعلة ضوء في الليل لا يستطيع المقاتل الاحتماء به… كان يقلقك أنك على بُعْد أمتارٍ من البناء المقابل الذي يحتلّه الصهاينة، وكان يؤذي عينيك الجميلتين – كما قلت لي – إنّ هذا العدو قد أخرج من شبّاكٍ صغير جداً في ذاك البناء المحتلّ عَلَمه الذي يحوي نجمة داوود، كان علماً صغيراً جداً من الكرتون، ولكن وجوده كان يؤذيك، وقلتَ لي: سأحاول إزالة هذا المسخ من أمامي…

في اليوم التالي ذهبنا كالعادة زوجتي وأنا لزيارة رفقائنا في ذاك الموقع، كان الطريق ممتلئاً بالحطام، حطام الأبنية على طرَفَيْ الطريق، لكن شيئاً محبّباً لاح من بعيد، ظننا للوهلة الأولى أننا نتخيّل علم الزوبعة يلوح في آخر الشارع… ولكننا وصلنا إلى البناء الفوسفوري فوجدنا على سطحه علماً كبيراً للزوبعة يرفرف على سارية طويلة…

رفقاؤنا في الموقع كانوا في وجوم غريب سألتهم: أين الرفيق خالد، لم يجبني أحد بل حاولوا التفلّت من الإجابة، وما هي إلا دقائق حتى أطلّتْ سيارة عسكرية للحزب ونزل منها الرفيق خالد علوان مضمّداً بكميات كبيرة من الضمّادات البيضاء الملطخة باللون الأحمر تلفّ كتفيه وبعض صدره… سألته: ما هذا يا خالد؟ قال: لم أستطع رؤية هذا العلم المسخ يطلّ من شباك حمام البناء المحتلّ، فقمنا ليلاً بعملية إزالته، ولم أكتفِ بذلك بل أحضرت علم الزوبعة وركّزته في أعلى هذا البناء الذي نحن فيه، لكن الصهاينة استطاعوا أن يقنصوني بطلقة أتت في كتفي وكنتُ حينها أثبت علم الزوبعة على طرف سطح البناء، فأمسكت به متفادياً السقوط من أعلى، والآن عدتُ من مستشفى الجامعة بعد أن أخرجوا الرصاصة من كتفي…

بعد سنوات كنتُ في عداد الوفد الرسميّ لمجلس الشعب السوري الذي قام بزيارة مصر بعد قطيعة دامت سنوات إثر توقيع اتفاق الاستسلام، وبينما كنا في الفندق في القاهرة ننتظر زيارة الدكتور رفعت المحجوب، رئيس مجلس الشعب المصري، لنا، دوّت طلقات نارية قريبة، هرعت الى غرفتي لأستمع الى بعض الإذاعات التي نقلت فوراً نبأ مقتل المحجوب وهو في طريقه لملاقاة وفد مجلس الشعب السوري، على يد عصابة الإخوان التي لا تزال تفرّعاتها تمتهنُ القتل والاغتيال في طول العالم وعرضه…

بعد مضيّ الوقت دخل إلينا المسؤول الأمني المصري ليعلن نبأ اغتيال المحجوب، وليبلغنا أننا أصبحنا شبه مقيّدين في تحركاتنا نتيجة عملية الاغتيال، وأخذ المسؤول الأمني قلماً وورقة ليسجل عليها رغباتنا في التنقل لإجراءات أمنية مسبقة يجب أن تُتخذ، سأل الجميع… البعض قال إنّ له ذكريات في خان الخليلي، وآخر قال إنه يريد أن يزور الاهرامات وأبا الهول… التفتَ إليّ المسؤول الأمني المصري يستطلع رغبتي. قلت له: أريد أن أمرّ من أمام السفارة «الإسرائيلية» في القاهرة… سألني باستغراب شديد: ليه يا فندم؟ أجبته: لأنّ خالد علوان رفيقي الشهيد هاله أن يرى العلم «الإسرائيلي» يطلّ بخوف من شباك حمام صغير في أصغر عاصمة في العالم العربي، فتعامل معه بما يجب وألغاه، وربما دفع حياته ثمناً لذلك، ولعمليته البطولية النوعية ضدّ جنود وضباط جيش العدو في مقهى «الويمبي» في شارع الحمراء في بيروت… الآن تذكرته وأريد أن أرى العلم «الإسرائيلي» مرفوعاً في أكبر عاصمة عربية، بينما يقف شرطي مصري في أسفل البناء لحمايته… وقد لبّى الضابط المصري طلبي وسط استغراب جميع أعضاء الوفد الذي كنتُ في عداده…

رفيقي الشهيد خالد… لم تغب عن ذاكرتي أبداً صورتك وأنت تنزل من السيارة العسكرية مضرجاً بدماء العز أمام البناء المحروق بقنابل الفوسفور، وكنت يومذاك تحمل اسماً حركياً «ميشال»… وكان الطريق إليك اسمه طريق الشام الذي يصل إلى مبنى جامعة «الإيكول دو لاتر» التي كانت محتلة من العدو «الإسرائيلي».

طريق الشام ما زال يوصل إليك يا خالد، والى كلّ مَن رفع يمناه زاوية قائمة… يعلن التحية لسورية ويُستشَهدُ في سبيل ذلك.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024