إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

"الحل" السياسي في سورية: الأيتام على موائد اللئام!

أحمد أصفهاني

نسخة للطباعة 2015-11-01

إقرأ ايضاً


يخطيء من يعتقد بأن الحملة الجوية الروسية في سوريا تتضمن قراراً بالوصول بهذا العمل العسكري الميداني إلى تحقيق الانتصار الشامل والناجز على الأرض. فطبيعة الحملة بحد ذاتها، من حيث حجمها والقوى المساندة لها، لا توحي بهذا الأمر. يُضاف إلى ذلك أن القيادة الروسية كانت واضحة منذ البداية بإعلانها أن المشاركة الروسية ملتزمة بإطار زمني محدد (بعض المصادر تحدث عن فترة ستة أشهر)، وأن الغاية الرئيسية من الحملة الجوية هي تمهيد الطريق أمام حل سياسي للأزمة السورية.

وانطلاقاً من هذا، نحن أمام مسارين متلازمين: المسار العسكري والمسار السياسي. الأول منهما يفتح الطريق أمام الثاني من حيث أنه يعزز أوراق التفاوض عندما يحين وقت التوصل إلى التسويات النهائية. وأبرز ما أنجزته الحملة الجوية الروسية على مستوى المسار الثاني، إلى جانب تغيير معطيات الميدان، أنها أجبرت القوى الإقليمية والدولية الداعمة للجماعات المسلحة في سوريا على التوجه إلى مفاوضات فيينا من دون شروط مسبقة كانت على مدى السنوات الأربع الماضية تعرقل أي حل سياسي.

ومن أبرز أهداف المسار العسكري أيضاً المساعدة في فرز قوى "المعارضة" المسلحة. فإلى جانب الجماعات الإرهابية التكفيرية المتواجدة على الأراضي السورية، ترى الأطراف الإقليمية والدولية أن هناك فصائل مقاتلة يمكن "تأهيلها" بشكل أو بآخر لتصبح شريكاً مقبولاً في رسم مستقبل سوريا. والعقبة الأساسية أمام هذا التوجه كانت أن تلك الفصائل ذات المشارب والتوجهات المختلفة، ومن ورائها الدول الداعمة، ظنت خلال الفترة الماضية أنها حققت من الإنجازات الميدانية ما يمكنها من مواصلة المعارك حتى "إسقاط النظام". ولذلك فإن جزءاً من الحملة العسكرية الروسية إنما يهدف إلى إعادة هذه الفصائل وداعميها إلى حجمها الطبيعي... ومن ثم إلى بيت الطاعة التفاوضي.

إن "النجاح" الشكلي لمؤتمر فيينا لا يعني بالضرورة وقف العمل العسكري، بل العكس هو المتوقع. فمن الناحية الأولى، ستظل الجماعات المصنفة إرهابية (عند كل الأطراف) تصعد هجماتها من أجل أن تعرقل أي تفاهم قد يتم على حسابها. ومن الناحية الثانية، ستكثف القوى الإقليمية والدولية المتورطة في سوريا إجراءاتها الهادفة إلى تبديل موازين القوى على الأرض لما في ذلك من دعم لموقعها التفاوضي في "فيينا ــ 2" أو "فيينا ـ 3"... إلخ!

ومع ذلك، وعلى الرغم من قناعتنا بأن الأيام المقبلة ستشهد مزيداً من معارك الكر والفر، إلا أننا مقتنعون بأن قطار الحل السياسي قد وُضع أخيراً على سكته المتوقعة حتى لو استغرق الأمر أشهراً عدة أو أكثر. وإذا كان البيان الصادر عن اجتماع "فيينا ــ 1" يعبّر بالفعل عن أفكار الحد الأدنى لما توافق عليه المجتمعون (وليس لدينا ما يستدعي الشك بذلك من حيث المبدأ)، فإن صيغة الحل السياسي المقترحة لسوريا لا تختلف جذرياً عن "إتفاق الطائف" (سنة 1989) الذي كان من المفترض أن يُنهي سنوات الحرب الأهلية اللبنانية... وهنا الكارثة الكبرى لسوريا ولمحيطها القومي!

أولاً، لم يستطع "إتفاق الطائف" أن ينهي "الحروب" الداخلية في لبنان، وإن كان قد أجّلها من وقت إلى آخر.

ثانياً، خسر لبنان بهذا الإتفاق إرادته الذاتية. وخرج قراره المستقل من يده لصالح القوى الإقليمية الراعية لذلك الإتفاق.

ثالثاً، رسّخ الإتفاق تقاسم السلطة على أساس المحاصصة الطائفية على الرغم من أنه نصّ على إلغاء "الطائفية السياسية"... وهو ما لم يحصل حتى الآن.

رابعاً، أعطى الإتفاق شرعية للجماعات المسلحة والميليشيات بما فيها تلك التي تحالفت مع العدو الإسرائيلي وشاركته في جريمة الغزو والاحتلال سنة 1982.

خامساً، أعاد الإتفاق ترسيخ الطبقة السياسية الفاسدة المتحكمة بمقدرات البلاد على مدى عقود، ثم أضاف إليها طبقة جديدة من المنتفعين الانتهازيين المرتبطين بقوى إقليمية ذات مصالح قوية في لبنان.

سادساً، وبطريقة غير مباشرة غض الإتفاق النظر عن "الكانتونات" الإنعزالية التي أفرزتها سنوات الحرب الأهلية، وتحديداً على المستويات الاجتماعية والديموغرافية.

طبعاً توجد "ثغرات" أخرى كثيرة في "إتفاق الطائف" و"حسنات" أيضاً، إلا أننا نكتفي بهذه النقاط الست لما تحمله من تشابه مع الوضع الراهن في سورية، ولأننا لسنا الآن في معرض الدراسة والمقارنة. غير أن ما بدأنا نسمعه في الكواليس، ونقرأه بين السطور، ونستنتجه بالتحليل والاستقراء في ما يتعلق بـ "الأفكار" المطروحة للحل السوري، يدفعنا إلى الاعتقاد بأن المستقبل المخطط لسورية لن يكون مختلفاً إلى حد بعيد عن "إتفاق الطائف" سوى أن التوصل إليه والتوقيع عليه سيكونان في عاصمة غربية... وهي بادرة ستكون المسمار الأخير في نعش القدرة القومية على تقرير مصيرنا بأنفسنا!

في ظل غياب أي تمثيل سوري عن "فيينا ــ 1"، تتبادل الدول المشاركة "لوائح" بالأطراف والشخصيات والقوى السورية التي ستدعى إلى جولات المفاوضات المقترحة بين السوريين أنفسهم. وتطالب هذه الدول أيضاً بوضع دستور جديد، ربما بمشاركة "خبراء إقليميين ودوليين". ومن ثم إجراء انتخابات تحت "إشراف دولي"! والحقيقة المرّة التي يجب الاعتراف بها هي أن سوريا وحكومتها وشعبها ستوضع تحت الوصاية الإقليمية والدولية فيما لو صدقت التسريبات الصادرة عن بعض المسؤولين في الأمم المتحدة.

إن الفرصة ما زالت سانحة بعد لبلورة موقف سوري موحد، قد لا يكون بذاته قادراً على وقف صفاقة التدخل الإقليمي والدولي، لكن بإمكانه إبراز الصوت السوري المستقل من خلال أحزاب وتنظيمات وشخصيات ذات قواعد شعبية قوية. إنها مهمة أولية وحيوية لا تتطلب كماً هائلاً من الاجتماعات والنقاشات، ولا برامج عمل مطولة في هذه الظروف. كل ما هو مطلوب الآن أن تتوحد هذه القوى في مطلب مركزي وحيد: إن تمثيل السوريين في مفاوضات تتناول مستقبل سوريا يجب أن تكون للقوى السورية الفاعلة كلمة أساسية فيه. لم يعد المقياس في هذه المرحلة هو أن تكون مع النظام أو مع المعارضة. المحك المفصلي هو: أية سوريا نريد لأجيالنا التي لم تولد بعد؟

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024