إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

المؤرّخ سهيل رستم كان قومياً اجتماعياً

جان دايه

نسخة للطباعة 2015-11-26

إقرأ ايضاً


جان دايه - "النهار"25 تشرين الثاني 2015

رحل المؤرخ والمهندس الزراعي سهيل رستم عن 69 عاما أمضاها في حقول الهندسة الثقافية حيث كانت احدى غلالها أكبر المكتبات الخاصة وأغناها، إن لم يكن في دمشق التي توفي فيها، ففي وادي النصارى حيث ولد في إحدى قراه الجميلة "المقعبرة"، بعدما أصدر دزينة كتب تاريخية وفكرية سياسية، وقبل أن يصدر أربعة كتب هي الآن "تحت الطبع".

على ذكر الوادي النصراني الذي غيّر اسمه جمال عبد الناصر ليصبح "وادي النضارة" إبان الوحدة المصرية – السّورية، فالمؤرخ الراحل لم يحتفل بقرار التغيير لأنه شكلي، ناهيك بأن المؤرخين منحازون للأسماء التاريخية، في حين كان يحتفل كل عام، وكدت أقول كل يوم، بأنطون سعادة الذي أقنع شريحة كبيرة من نصارى الوادي كي يفصلوا بين دبس الدين وطحينة الدولة، اللذين بقيا متداخلين خلال العهد الناصري.

حين كنتُ أسأله عن سرّ تسميته بـ"الوادي" المؤلّف من بلدات وقرى، منها قرية "المقعبرة"، التي تعلو مئات الأمتار عن سطح البحر، يكتفي بترديد عبارته المعهودة: "الله محييك".

كان المؤرّخ رستم مؤمناً بأنطون سعادة كمصلح قومي وحدوي واجتماعي علماني، وأخلاقي مناقبي، لم تتخطَّ ثروته لحظة إعدامه الأربعمئة ليرة لبنانية. ولكنه لم يكتفِ برفع راية زوبعته أو بكتابة دراستين أو كتاب يتيم عنه. كان معجباً بقلّة من الباحثين غير السعاديين الذين أنصفوا سعادة المصلح المفكر، ومنهم الدكتوران ناصيف نصار الذي أضاء على فلسفته في كتابه "طريق الاستقلال الفلسفي" وعلم اجتماعه في كتابه "تصورات الأمة المعاصرة"، وكمال يوسف الحاج الذي نشر في مجلّة "المجلة" البيروتية العدد الصادر في غرة العام 1958 مقالاً كبيراً عنوانه "سعادة ذلك المجهول"، وأهداه "إلى الذين لست منهم علّهم يدركون غور مداه". ولأنه كان متعجباً من اتهام أكثرية الباحثين والمثقفين الشوام لسعادة بأنه ضد العروبة، واتهام نظرائهم اللبنانيين لتكرارهم معزوفة اتهامه بمعاداة لبنان، وبالغ التعجّب من بعض الباحثين والمثقفين القوميين الذين لم يسبروا غور مدى زعيمهم رغم مرور 111 سنة على ولادته، و66 سنة على اغتياله الرسمي، فقد راح يزرع جريدة "النهضة" الدمشقية بسلسلة مقالات سياسية وفكرية متمحورة على سعادة السياسي والكاتب وقد ضمّنها مقتطفات من كتاباته الفكرية وبياناته السياسية. وعندما ألح عليه أصدقاؤه ومنهم عميد الثقافة الأسبق في الحزب الأديب فهد الباشا والداعي، أن يعيد نشر ما نشره في الجريدة، في سلسلة كتب، فتح ورشة إصدار الكتب من غير أن يغلق ورشة نشر المقالات – الدراسات. فصدر له بين 2000 و2014، 12 كتاباً: "سيناء" (2000)، "جذور العولمة الأميركانية" (2010)، "الفكر القومي الاجتماعي" الجزء الأول 2011، "الفكر القومي الاجتماعي" الجزء الثاني، 2012، "صيانة العقيدة والحركة" 2013، "العالمية في الفكر السوري – أنطون سعادة نموذجاً" 2013، "سوريون في التاريخ" 2013، "سعادة والسياسة الفرنسية" 2013، "النظام المركزي ووحدة العمل – قضية نعمه تابت وأسد الأشقر ورجالات أخرى" 2014، "سعادة والسياسة التركية" 2014، "الأزمة في الشام" 2014، "موقف سعادة من السياسة الأميركانية وجامعة الأمم والمؤتمرات الدولية" 2014.

من المرجّح انه كان كحّل عينيه بالكتب العتيدة الأربعة الآتية أو ببعضها لو لم يرحل فجأة وهو في عزّ نضجه ونتاجه الثقافيين، وهي: "ملامح تاريخية في كتابات سعادة"، "لواء الاسكندرون"، "نظرة سعادة إلى الصهيونية العالمية واليهود"، و"نظرة سعادة إلى العروبة والعالم العربي"..

أختم بالتنويهات والملاحظات الآتية:

1. كان، وهو المناقبي بامتياز، حزيناً من تراجع منسوب المناقبية في حزبه ولسان حاله يذكّر بقول سعادة إن "القومي الاجتماعي إذا سار في الشارع يُشار إليه بالبنان" كمنوذج للانسان المناقبي.

2. كان، وهو المثقف بامتياز، غاضباً من رجحان كفة السياسة أم السين الصغيرة، على كفة الثقافة، في الحزب الذي قال عنه احد خصومه كمال جنبلاط إنه حركة ثقافية في الدرجة الأولى.

3. رغم حزنه وغضبه، نتيجة السببين الآنفين وأسباب أخرى، فقد سمعت منه انتقادات عادلة ومن العيار الثقيل في حق بعض المسؤولين الحزبيين، لكنه بقي يدفع اشتراكاته ويحضر الجلسات الدورية في الوحدة الحزبية التابع لها. بالطبع لم ينشر انتقاداته على موقعه الالكتروني.

4. إذا عدنا الى كتبه نجدها كلها سعادية، ولكنها تندرج في لائحتين، أولى، تناول فيها مباشرةً سعادة وعقيدته ومواقفه السياسية، وثانية استعار فيها منهج سعادة ونتاجه، وكتب عن سوريّة سيناء لا مصريتها، وعن المبدعين السوريين في التاريخ القديم في الفكر والسياسة والشعر والفن، أمثال أليسار الصورية وامنيبوس الحمصي وانتيباس الصيداوي وأوروبا شقيقة قدموس وايناس الغزي وزينون الرواقي القبرصي.

4. باستثناء الباكورة، صدرت سائر كتبه خلال الحرب الدائرة منذ اربع سنين في الجمهورية السورية حيث يقع منزله في حي "جوبر" المشتعل. اللافت أنه لم يترك المنزل على رغم الهدايا الصاروخية التي كان يرد عليها بالكتب.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024