إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

إطلاق سماحة... هل يعني بدء مرحلة سياسية جديدة؟

روزانا رمّال - البناء

نسخة للطباعة 2016-01-16

إقرأ ايضاً


تتميّز الحركة السياسية في لبنان بتعدّد مؤشراتها ودلالاتها في كلّ مرة يحدث شيء يثير التساؤلات والتكهنات، لكنّ التجربة اللبنانية كانت دوماً كفيلة بالإجابة على الأسئلة كلّها، ويبدو أنّ التاريخ أعاد نفسه أكثر من مرة، مُجسِّداً الخضوع للحالة اللبنانية الفريدة. وبالتالي فإنّ أيّ حدث يخرج عن الخصوصية والتفرُّد يعتبر شواذاً لا يلبث أن يُصحّح. المقصود بذلك كله أنّ لبنان موسميُّ الهوية السياسية وقادر على التكيّف وقلب المشهد لمصلحته أياً كانت، وقد خاض تجارب عدة، في هذا الإطار، منذ الاحتلال العثماني مروراً بالانتداب الفرنسي وصولاً إلى دخول القوات السورية أراضيه بقرار عربي ـ دولي ثم قرارها الخروج منه بعد فترة من صدور القرار الأممي 1559.

كلّ شيء تغيّر في العلاقة بين لبنان وسورية منذ عملية اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري في شباط 2005، والتي اتضح بعد عشر سنوات أنها كانت عملية بحجم المنطقة وهويّتها. فاغتيال الحريري قلب المشهد في لبنان ليكون طلقة الرصاص الأولى على الدولة السورية المتمثلة بسلطة الرئيس بشار الأسد، بالإضافة إلى تحوّل جذري في العلاقة بين المملكة العربية السعودية والأفرقاء اللبنانيين، حيث كان الرياض نهجاً منحازاً تماماً إلى مشروع وفريق دون سواه، مبدّلة سلوكها السياسي مع كلّ حليف وصديق لسورية وكلّ هذا سبقه خيار أميركي بمقاطعة سورية رسمياً.

إيران أيضاً، غيّرت من مستوى علاقتها مع لبنان ورفعت منسوب دعمها لحزب الله والمقاومة، وتيقنت أنّ الهجوم الأميركي لن يوفر حزب الله من حروب وسجالات داخلية تمهّد لعزله وضرب الوحدة الداخلية. وعلى هذا الأساس لا تزال جريمة اغتيال الحريري مفصلاً أكد للبنانيين نجاح مخطط تغيير الهوية السياسية للبنان لحقبة دامت عشر سنوات بسلسلة مرتبطة ببعضها البعض تغيّر على أثرها التوازن الحزبي والسياسي. فبعد خروج الجيش السوري من لبنان اختفت رموز وحضرت أخرى كان من غير الممكن تخيّل أنها ستحضر في ذلك الزمن والبعض استسلم لعبثية التفكير لأنّ أيّ تغيير لم يتقدّم نحو البلاد لأنّ «الستاتيكو» السوري ـ السعودي كان حاضراً بقوة.

فتح اغتيال الحريري وخروج الجيش السوري من لبنان بوابة العودة للعماد ميشال عون في 7 أيار 2005 من منفاه الفرنسي الذي قضى فيه 15 عاماً، فأقام علاقة حسن الجوار مع سورية بعد انسحابها، كما وعد، منسجماً بذلك مع تصريحاته أثناء تولّيه رئاسة الحكومة العسكرية، إذ طالب يومها سورية بالانسحاب لينسج معها أفضل العلاقات. وبرز التحسُّن الكبير في علاقته مع دمشق بالزيارة التي قام بها في 3 كانون الأول 2008 والتقى خلالها الرئيس السوري بشار الأسد بعد خصومة وعداوة مع حكم والده الرئيس حافظ الأسد. وأتيحت لعون أيضاً فرصة الدخول إلى الحياة السياسية من بابها العريض في انتخابات 2005 ثم في انتخابات 2009 التي خرج منها بتكتل نيابي قوامه 27 نائباً.

استفاد رئيس «القوات» سمير جعجع، من جهته، من التحوّلات الكبرى فخرج من السجن الذي دخله على خلفية اتهامه بتفجير كنيسة سيدة النجاة في كسروان، وإن حصل على البراءة في هذه القضية، إلا أنه حوكم بتهمة اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رشيد كرامي ورئيس حزب الوطنيين الأحرار داني شمعون وملفات أخرى عديدة. كما اتهم باغتيال النائب طوني فرنجيّة نجل الرئيس الراحل سليمان فرنجيّة وعائلته في إهدن في ما بات يُعرَف بـ»مجزرة إهدن»، فحكمت المحكمة عليه بالإعدام، إلا أنّ الحكم خُفّف في عهد رئيس الجمهورية الراحل إلياس الهراوي إلى السجن مدى الحياة، كما تمّ حلّ «القوات». إلا أنّ ملف جعجع الحافل لم يكن عائقاً أمام ضخامة التحوّل الذي أُريد للبنان أن يعيشه بمفصلية اغتيال الحريري، فأطلق سراح جعجع بموجب عفو عام من قبل مجلس النواب الذي انبثق عن انتخابات العام 2005، بعد خروج الجيش السوري من لبنان، وقد عاد جعجع منذ ذلك الحين إلى ممارسة نشاطه السياسي.

لطالما ارتبطت أحكام السجن وأحكام الخروج منه بظروف سياسية وحقب أمنية ومشاريع، حتى باتت كلّ صغيرة وكبيرة، وبعضها قد يكون عرضياً، تؤخذ على محمل الجدّ والتحليلات السياسية لأن لا شيء يمنع، في تركيبة لبنان السياسية، أن يكون بعضها مؤشراً على ذلك. وفي هذا الإطار، يسأل مراقبون عن الرسالة المفترض تلقيها اليوم بالتزامن مع إطلاق الوزير السابق ميشال سماحة المتهم بحيازة أو نقل أسلحة من أجل تنفيذ أعمال أمنية في البلاد أو تنفذ ضدّ جماعات تكفيرية، حسب أقوال سماحة، مع مواقف مغايرة من سورية ودول إقليمية خضع بعضها لاستحالة إسقاط الأسد وترجمها البعض الآخر انفتاحاً داخلياً على ترشيح رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، وهو صديق الرئيس الأسد، فهل ربط المؤشرات ببعضها البعض ينبئ بمرحلة سياسية جديدة مقبلة على لبنان؟

تربط مصادر 14 آذار قرار الإفراج بجزء من التسوية والصفقة السياسية التي تطرق الباب اللبناني بقوة، ما يدلّ على أنّ تلقُّف الخطوة ووضعها في هذا الإطار يؤشران إلى التمهيد تدريجياً لما كان مستحيلاً سابقاً.

وفي هذا الإطار يفصل مصدر متابع للملف قضية إطلاق الضباط الأربعة بقرار أُممي عبر المحكمة الدولية بظروف الإفراج عن سماحة وتقاطعها مع طروحات بحجم طرح فرنجية رئيساً للبلاد، ما يشير إلى تغييرات مقبلة تصبّ في مصلحة حلف سورية.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024