إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

جنبلاط لم «يتقلّب» يوماً...

روزانا رمّال - البناء

نسخة للطباعة 2016-01-22

إقرأ ايضاً


يتحرك رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط في مواقفه المحلية عند الاستحقاقات الكبرى ملتزماً بخيار إقليمي ودولي وضع نفسه فيه دائماً، فهو الذي عاصر الحقبات السياسية الأبرز في تاريخ لبنان وتموضع بين حلفَيْن متقابلين، لكن في المرات كلّها كان لديه ثابتة رئيسية وهي الانسجام مع «التموضع الأميركي»، فجنبلاط الذي عاش فترة سياسية ممتازة مع سورية مواكبة للرئيس الراحل حافظ الأسد وبعد مماته حتى عام 2005، كان قد انتهج طريقاً يعرف أنه يصبّ في خانة الاصطفاف غير المباشر مع الولايات المتحدة، أو مع ما يناسب المرحلة التي تعيشها إدارة البيت الأبيض في الزمن المقصود، بمعنى آخر يعرف جنبلاط أنّ الوجود السوري على الأراضي اللبنانية كان بقناعة أميركية تامة، ويعرف أيضاً أنّ ساعة الرحيل كانت بمساعٍ أميركية بحتة عبر القرار 1559 الذي شكّل بوابة الأزمات اللبنانية، فقلب المشهد وقدّم للبنانيين معطى أميركياً جديداً يتمثل بسياسة أخرى تودّ واشنطن انتهاجها وتقضي بضرورة إخراج سورية من لبنان نظراً لأنها استغلت هذا الانتشار في دعم حزب الله وتعزيز حضوره داخلياً وعربياً، كما أنّ تحرير جنوب لبنان تمّ في «زمن الوصاية»، أيّ بوصاية سورية، وبالتالي فإنّ استمرار تواجدها يلحق بالسياسة الأميركية ضرراً أكبر، ويقوّي نفوذ حزب الله أكثر فأكثر، خصوصاً أنّ سلاحه يصل من سورية أو عن طريقها.

في ذلك الوقت كان جنبلاط حليفاً لحزب الله ومتبنّياً لأبسط مقوّمات المقاومة وأكبرها، ليعلن بخروج سورية انتقاله إلى الضفة الأميركية نفسها التي لم ينكرها يوماً.

في الواقع يكثر الحديث منذ تموضع جنبلاط في ضفة العداء لسورية عن تقلّب مواقفه وعدم انسجامها مع كلّ ما أقدم عليه سابقاً، بين تحالفات سياسية وأحداث ساهم في صنعها وفق مفاهيم سابقة تخلّى عنها اليوم، لكن الأدقّ أنّ جنبلاط لم يتغيّر يوماً ولم يتخلَّ عما يشكل بالنسبة إليه أولوية، وهو التمسك بالبقاء في الضفة الأميركية مهما كلف الثمن.

بعد اغتيال الحريري في 2005 كثرت أشكال إظهار الالتزام الجنبلاطي بالتموضع الأميركي، وكان لافتاً في حينه نسجه صداقة متينة مع السفير الأميركي في لبنان جيفري فيلتمان، واستطاع جنبلاط إدارة الحقبة السياسية التي أفرزت قوى الرابع عشر من آذار، فكان رأس حربة ضدّ النظام السوري، تماماً كالأميركيين، ليدخل معهم فجر علاقة جديدة بحسابات جديدة، لكن بالتزام ثابت لا يساوم عليه جنبلاط أبداً.

كلّ هذا لا يعني أنّ جنبلاط لم يكن على علاقة جيدة جداً بالأميركيين إبان فترة الوجود السوري في لبنان، فالأميركي الذي كان يتبادل العلاقات الديبلوماسية والاقتصادية والسياسية مع سورية، لم يكن يُحرج جنبلاط في تلك العلاقة في أيّ وقت يجد فيه جنبلاط مناسبة ولا يمكن فهم الصداقة الأميركية بعد 2005 لجنبلاط والودّ او الثقة المحسوبة سلفاً، إلا بعلاقة متينة ليست وليدة لحظة اغتيال الحريري. فالأميركيون في نهاية المطاف لم يكونوا يحسبونها من بوابة الأكثر وفاء للحريري كخيار، بل الأكثر وفاء لسياساتهم، وهنا استوعب جنبلاط المتغيّرات وتقدّم صفوف المرحلة.

جنبلاط «ساعة التوقيت الأميركية» في لبنان. أبرز الساسة وأكثرهم قدرة على التأثير في الواقع اللبناني نظراً لتموضعه لفترة طويلة على كرسي تصنيفه «بيضة القبان» في المجلس النيابي، وهو اليوم يكاد يخسرها بعد الترشيحات الرئاسية الثنائية المثيرة للجدل لحليفه الحريري وجعجع، فالأول رشح فرنجية أو طرحه فلاقاه جنبلاط والثاني رشّح عون. التيار الوطني الحر الذي يجول على القيادات اللبنانية من أجل شرح مبادرة جعجع واستشراف الموقف الرسمي منها للبناء عليها ورسم حظوظ المبادرة، انتظر باهتمام الكلمة التي ستخرج عن كتلة اللقاء الديمقراطي، فكان أن رحّبت بالتقارب الحاصل بين عون وجعجع، معتبرة أنّ «المصالحة المسيحية – المسيحية هي خطوة هامة على مستوى تعزيز مناخات التفاهم الوطني»، لكنها أعلنت في الوقت عينه عن «استمرار ترشيح عضو اللقاء النائب هنري حلو الذي يمثل خط الاعتدال ونهج الحوار»، مثمّنة «خطوة ترشيح رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية، باعتبارها تشكل مخرجاً من الأزمة».

السؤال المطروح هنا: هل تراجع جنبلاط خطوة إلى الوراء بعد ترشيح جعجع لعون، فأعاد التذكير بترشيح هنري حلو بدلاً من تقديم دعمه مجدّداً لرئيس تيار المردة سليمان فرنجية الذي تذكّر مصادر جنبلاط المقرّبة بأنه كان أول من طرح ترشيح فرنجية لرئاسة الجمهورية، وأنه كان يناقش الأمر جدياً، وبواقعية! بالتالي هل تراجع جنبلاط خطوة إلى الوراء لكي لا يجد نفسه مضطراً للانضواء تحت معادلة أفرزتها سرعة الأحداث، والتي من الممكن أن ترتفع وتنخفض أسهمها كالبورصة اليومية تماشياً مع حركة أحداث الجوار التي لمّا تستقرّ بعد؟

هدوء جنبلاط يشير إلى أنه لم يكن في أجواء تلك المبادرة إقليمياً أو دولياً، وهو يعطي لنفسه اليوم فرصة النظر إلى أبعد مما هو مرسوم، خصوصاً أنه يعرف أنّ جعجع لن يُقدم على التحرك من دون غطاء دولي وإقليمي، وهنا يدرك جنبلاط انّ الولايات المتحدة الأميركية لا تمانع في وصول عون للرئاسة، ولا تمانع أيضاً في وصول فرنجية، وهنا فإنّ مزيداً من الوقت يفسح لجنبلاط مساحة درس مبادرة جعجع وفهمها، والأهمّ من هذا هو انّ ايّ موقف نهائي يخرج عن جنبلاط لن يكون إلا الموقف الذي ينتظره اللبنانيون من الولايات المتحدة الأميركية، فهو لن يخطئ البوصلة أبداً والتذكير بأنّ ترشيح هنري حلو لا يشكو من شيء لتقطيع المرحلة وانكشافها!

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024