شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2016-02-16
 

هكذا يعمل الحريري على تحجيم جعجع...

روزانا رمّال - البناء

لم يتلقّف الرئيس سعد الحريري حضور رئيس حزب «القوات» سمير جعجع للمشاركة في الاحتفال بالذكرى الحادية عشرة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري كبادرة حسنة تهدف إلى إنجاح تلك الصورة التذكارية التي يهتمّ الرجلان بإظهارها أمام الملأ رغم الفتور. ولم يكن لقاء الحريري بجعجع على مستوى الحدث ومستوى الرجل الذي يُعتبر من أبرز الأقطاب المسيحيين في البلاد، وقد فضّل الحريري إظهار حفاوة مبالغ فيها برئيس حزب «الكتائب» النائب سامي الجميّل فاحتضنه أكثر من مرة من دون أن يُعير اهتماماً بالغاً لجعجع الواقف بانتظار أن يتقدّم نحوه ليتحدّث إليه، فكان أن تقدّم جعجع بنفسه نحو الحريري محاولاً الظهور إلى جانبه وكأنّ شيئاً لم يكن.

بدا جعجع أكثر حرصاً على وحدة 14 آذار في الحالتين، مرة بحضوره وأخرى في تقدّمه للتحدّث مع الحريري، رافضاً إظهار الخلافات أمام الحضور، لكنّ الحريري بدا مصمّماً على توسيع الهوة التي ظهرت إلى العلن، وقد مرّر في معرض خطابه ما يشير إلى أنه يعتبر دعم جعجع ترشيح عون ليس إلا رداً على مبادرته ترشيح فرنجية، بعكس ما قاله جعجع بأن لا مجال للنكايات وأنّ القرار على مستوى المسيحيين وينمّ عن قناعة كاملة.

حجّم الحريري خطوة جعجع الاستراتيجية التي تصبّ في خانة توحيد الموقف المسيحي، خصوصاً في الوقت الراهن الذي يتطلب موقفاً موحّداً حول الملف الرئاسي في ظلّ تنامي مخاطر التكفير والتطرف، وإذا كان القطبان المسيحيان قد أدركا أخيراً ضرورة هذه الوحدة بغضّ النظر عما يراه فيها جعجع من فائدة تعود عليه وعلى فريقه انتخابياً ورصيداً في الشارع المسيحي، فإنّ هذا كان من المفترض أن يتلقاه الحريري كنقطة انطلاق إيجابية يعزز بها مكانة جعجع باعتباره تحالفاً مع الشخصية المسيحية الأكثر تمثيلاً في لبنان.

استهلّ الحريري، الذي أعرب أنّ إقامته ستكون طويلة هذه المرة، لقاءاته في مقرّ حزب الكتائب في الصيفي، حيث التقى رئيسه سامي الجميّل، وعقدا مؤتمراً مشتركاً استهله الحريري قائلاً: «كما قال سامي الجميّل علينا جميعاً أن ننزل إلى المجلس النيابي لانتخاب رئيس الجمهورية. وهذه الطريقة الديمقراطية حتى يمكننا انتخاب الرئيس»، مشيراً إلى أنه «يحترم رأي سامي الجميّل» «ولا شك في أنّ هناك علاقة مميّزة ونأمل أن تتطوّر أكثر في المستقبل». وأضاف: «لا أحد يلعب بعلاقتنا مع الحكيم».

يدرك سمير جعجع معنى زيارة الحريري للجميّل وحجم الأخير في اللعبة المسيحية مقابل حزبه الذي اعتبر «الكتائب» يوماً ألدّ الأعداء. يجيد الحريري استغلال الشكليات لإرسال الرسائل الممكنة لحلفائه، الذين وجه إلى بعضهم انتقاداً مباشراً مثل الوزير أشرف ريفي، وها هو يوجه إلى جعجع الرسالة تلو الأخرى عبر سلوك شكلي فيه الكثير من السياسة.

في الحسابات الإقليمية، يعرف الحريري جيداً أنّ خطوة جعجع لم تكن ارتجالاً أو حساب نقاط موجهاً إليه لمجرد أنه دعم ترشيح فرنجية، لكنه، على ما يبدو، لم يقتنع بعد بفكرة أن يخرج أحد سواه من 14 آذار بمبادرة بهذا الحجم تظهره زعيماً يغرّد خارج السرب على حساب قناعاته أو حتى شعوره بالتجاهل تماماً، كما حصل مع جعجع الذي تفاجأ بمبادرة ترشيح الحريري لفرنجية، والذي لم يتشاور معه فيها للخروج بموقف موحّد.

تصرّف الحريري، كما اقتضت المصلحة السياسية لتياره بالانسجام مع الغطاء السعودي الداعم له، من دون النظر إلى الوراء، والأمر نفسه تكرر مع جعجع الذي رشح عون تحت غطاء المصالحة المسيحية الضرورية والتي تغفر الكثير من الشبهات، لكنّ الأهمّ والذي يؤكد اعتبار الحريري جعجع الخصم السياسي اللدود اليوم هو المعلومات التي تحدّثت عن خروج رئيس «القوات» من تحت المظلة السعودية والانتقال إلى المظلة القطرية وقد بدا ذلك واضحاً بعد مسارعة وزير خارجية قطر بالإشادة بالموقف «الحكيم» لجعجع مؤيداً إياه في دعمه ترشيح عون وإعلان المصالحة.

يدرك الحريري أنّ ترشيح عون مدعوم إقليمياً، لا سيما أنه واحد من أبرز الأسماء المرشحة للرئاسة، ويدرك أيضاً أنّ النائب وليد جنبلاط عاد خطوة إلى الوراء بإعادة تذكير اللبنانيين بأنّ مرشحه لا يزال النائب هنري حلو بمجرد إعلان جعجع عن مبادرته لهذا فإنّ للحريري ألف سبب وسبب لاستعداء جعجع «الثائر» الذي يعتبر اليوم السبب الأول في إفساد مبادرة الحريري، والسبب الأبرز بعودة زعيم المختارة عن تبنّيه المباشر لترشيح فرنجية، بعدما اعتبر أنّ مبادرة جعجع جدية ولها حساباتها، وهي ليست نتيجة كيدية سياسية. وهو، في هذا الإطار، قرأ جيداً الدعم الإقليمي الذي يمكن أن تلقاه مبادرة جعجع، إضافة إلى تصريح لاحق له يقول فيه «إنّ الرئيس اللبناني هذه المرة سيأتي على سجادة إيرانية»، بعكس الحريري الذي لا يزال يحاول التمسك بثوابت لم يبق منها إلا الصورة.

يعرف جعجع أنّ ما أقدم عليه أحرج الحريري بالحسابات كافة، لكنه يعرف أيضاً أنه إضافة إلى إفساده مبادرة الحريري «ظهر في وجه الحريري زعيماً أكبر من 14 آذار»، وإذا كان من سؤال سيطرح فسيكون: إذا استمرّ الحريري على هذا المنوال هل يغادر جعجع 14 آذار قريباً أم أنه سيبقى بقوة الضغط الإقليمي الحريص على عدم كشف المزيد من التشرذم بين «الحلفاء خصوم إيران»؟


 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه