إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

التهدئة في سورية ومعادلة الربح والخسارة

جمال الكندي - البناء

نسخة للطباعة 2016-03-03

إقرأ ايضاً


منذ دخول الروس في الميدان العسكري السوري والمعادلة الاستراتجية في سورية تغيّرت وتبدّلت إلى واقع جديد رسمته عاصفة طائرات السوخوي الروسية وسواعد رجال الجيش العربي السوري، مفادها أنّ سورية ستبقى موحدة، وأنّه لا بقاء لأيّ جماعة مسلحة ترفض الحلّ السياسي الذي توافق عليه الروسي والأميركي بعيداً عن حلفاء أميركا في سورية، والذين كانوا ولمدة خمس سنوات يعبثون بمستقبل سورية ويحاولون جاهدين رسم صورة مغايرة عمّا يريده حلفاء سورية، فسورية يُراد لها قبل التدخُّل الروسي أن تكون مُقسّمة ومشرذمة ومسلوبة الإرادة السياسية، والأهمّ من ذلك أن تكون معزولة عن محيطها المقاوم.

الهدنة في سورية ووقف الأعمال العدائية هي نتيجة وليست سبباً، أيّ أنّ الواقع الميداني الجديد فرض هذه الهدنة، فالإخفاقات المتكرّرة من الجماعات المسلحة بانتماءاتها المختلفة في الجغرافيا السورية أمام الجيش السوري وحلفائه، وخاصةً في شمال سورية وجنوبها، غيّرت المعادلة وقلبت الطاولة على رؤوس حلفاء أميركا في المنطقة، فسلّمت أميركا، طوعاً، زمام الأمور لحلّ الأزمة السورية إلى روسيا التي كانت المهندس الأول لقرار بنود وقف الأعمال العدائية مع «المسلحين المعتدلين» كما تصفهم أميركا، والأخيرة وافقت عليه مرغمة مع حلفائها بسبب التقدّم الكبير للجيش السوري في الفترة الأخيرة.

هذه الهدنة العسكرية تكاد تكون مصيدة لحلفاء أميركا وللمسلّحين أنفسهم، فهي تقيّدهم في جغرافيا معيّنة، وتُميّز من يقاتل من أجل سورية أو من له أجندات معيّنة ترسم عند محرّكيهم في الخارج، فهي تصنّفهم حسب قبولهم هذه الهدنة من جماعات معتدلة حسب التوصيف الأميركي إلى متطرّفة كـ»داعش» و»النصرة»، ومن هنا تأتي المعادلة الجديدة التي فرضتها هذه الهدنة والتي أسمّيها هدنة طُبّقت بقوة الجيش العربي السوري، واستراتجيتها تقوم بعزل الجماعات المسلحة عن «النصرة» و»داعش»، والتي كانت قبل الهدنة في خندق وفكر إيديولوجي واحد تحارب الجيش السوري وتخرق المنظومة الوطنية للفسيفساء السورية. وهذه هي المعادلة الجديدة التي يعتبرها كثير من المراقبين فخّاً روسيّاً سورياً لحلفاء أميركا وأدواتهم في المنطقة، لذلك نرى هذا التململ والتناقض في التصريحات التي تخرج من هنا وهناك، تريد أن تنسف هذه الهدنة وتستبدلها بخطة بديلة تسمّيها الخطة ب .

وجود فرضية رابح أو خاسر في مسألة الهدنة الجديدة تجعلنا نسأل، هل فعلاً هنالك جماعات مسلحة سوف تتأثر بهده الهدنة؟ الجواب يأتي سريعاً من قِبل حلفاء المسلحين والذين وافقوا عليها مكرهين وكانوا خارج الحسبة الأميركية، فالقرار كان توافقياً بين أميركا وروسيا، والهستيريا والتخبّط في تصريحاتهم وإصرارهم على وجود خطة بديلة لهذه الهدنة دليل الخسارة الفادحة التي وقعوا فيها. ففي ظلّ الهدنة سيُفتح المجال للجيش السوري لتحرير إدلب وريفها، فهي خارج الاتفاقية لكون المنطقة تحت سيطرة «جبهة النصرة» ومن يدور في فلكها، وهذا ما يجعل حلفاء المسلحين في حيرة وتردّد من اتفاق الهدنة، فهي حسب المراقبين سوف تقوّي من سيطرة الجيش السوري وتجعل مسألة محاربة الجماعات المسلحة في إدلب وريفها، وفي كلّ بقعة تُسيطر عليها «النصرة» و»داعش» ومن يدور في فلكهما، عملاً مشروعاً وتحت مظلّة اتّفاقية الهدنة بين روسيا وأميركا، وهذا هو الفخ الذي وقعت فيه الجماعات المسلحة ذات التمويل الخليجي والتركي.

إنّ الواقع الميداني الجديد، يفرض على المسلحين في ريف دمشق ودرعا، والمصنّفين حتى الآن بالجماعات المسلحة المعتدلة التي وافقت على بنود الهدنة وقف النار مع الجيش السوري، وعدم التقدّم، وفتح ملف المصالحات الوطنية بصورة أوسع، والتي بدورها سوف تميّز هذه الجماعات من كونها وطنية معتدلة أو ذات أجندة خارجية، وهي في المقلب الآخر سوف تميّز بين المسلح السوري والأجنبي، والذي حسب الهدنة لا مكان له في سورية الجديدة. وهذا ما يُقلق تركيا بالذات، والتي تسعى إلى إعاقة هذه الهدنة والتملّص منها لكون المسلحين الأجانب لا مكان لهم بعد سورية غير تركيا، لذلك يصرّون على ترديد نغمتهم القديمة الجديدة بإيجاد منطقة عازلة تحتضن مسلحيهم، وتجعلهم منطلق لتقسيم سورية.

بمنطق الرابح والخاسر، أعتقد بأنّ الحكومة السورية هي الرابح الأكبر من اتفاقية الهدنة، فبعد حرب لمدة خمس سنوات، استُنزف فيها الجيش السوري بالحرب في جبهات كثيرة وواسعة في سورية، ومع جماعات مسلحة متنوّعة المشارب والتمويل. اليوم، وبعد هذا الاتفاق سيصرف الجهد العسكري وتحت مظلّة دولية في جبهات معيّنة تتواجد فيها «النصرة» و»داعش» والجماعات التي لم تقبل بالهدنة، وهذا بدوره يعطي الجيش السوري وحلفاءه السيطرة على مساحات واسعة في سورية كانت تحت سيطرة الجماعات المسلحة، وكان التشتيت العسكري من أهمّ أسباب عدم تحرير هذه المناطق.

اليوم نحن أمام إنجازات عسكرية قادمة في إدلب وريفها، وحلب وريفها، خاصة الشرقي والجنوبي منها، وريف حمص الشرقي ومناطق أخرى لم يشملها اتفاق الهدنة، وفي المقابل على الجماعات المسلحة الأخرى، والتي وافقت على الدخول في الهدنة التمركز في مواقعها والدخول في مصالحات وطنية من أجل أن يشملها الحلّ السلمي، وهنا نحن أمام مصالحات كبيرة مُقبلة في ريف دمشق وفي درعا وريفها.

لذلك فإنّ المعادلة الجديدة مفادها أنّ الرابح الأكبر هو المواطن السوري. فبعد خمس سنوات من حرب عبثية في سورية أرادها الغرب وحلفاؤه لتدمير سورية العروبة، ها نحن اليوم نشهد آخر فصول هذه المؤامرة باقتراب بوادر الحلّ السياسي الذي سوف يصنع سورية جديدة تشاركية مع معارضة وطنية بثوابت سوريّة لم تغيّرها سنوات الحرب في سورية، فلقد فشل هذا الإرهاب الممنهج أن ينال من عقيدتها القتالية ومن بوصلتها التي كانت وما زالت وجهتها الأولى هي فلسطين، وعدوّها الأوحد هو الكيان الصهيوني.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024